كبش فداء.. هكذا أصبح أبناء الجالية الإثيوبية في إسرائيل وقودا لحرب غزة

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في حرب تُخاض باسم "الدولة" وتحت شعار "البقاء"، يدفع اليهود المهمشون الثمن مضاعفًا في إسرائيل، بينما يتوارى الآلاف من نظرائهم المتدينين عن الأنظار رافضين القتال.

فقد رصدت صحيفة عبرية مشاركة الإثيوبيين المهاجرين أو اليهود من أصل إثيوبي في العدوان على قطاع غزة، مؤكدة أنهم يدفعون الثمن الأكبر، بينما يتوارى الآلاف من الآخرين عن القتال.

ونشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" مقالا لرئيس تحريرها السابق، يعقوب كاتس، جاء فيه أن "الإسرائيليين من أصول إثيوبية يُجنَّدون بنسبة تفوق المتوسط الوطني، رغم ما يواجهونه من تهميش مؤسسي، وعنصرية ممنهجة، وضغوط اقتصادية خانقة".

وعلى مدار العقود الماضية، وأثناء رحلات الهجرة إلى فلسطين المحتلة، استجلبت إسرائيل آلاف الإثيوبيين من أصل يهودي لتوطينهم فيها، لكن كشفت تقارير سابقة أن بعضهم لم يكن له جذور يهودية.

ويواجه اليهود الإثيوبيون صعوبة في الاندماج داخل المجتمع الإسرائيلي؛ نظرًا لعدة أسباب أبرزها سياسة التمييز ضدهم.

مساهمة الإثيوبيين

وقال كاتس: "كان الرقيب شاحر مانوآف فخر عائلته، شابا ذكيا وشجاعا مليء بالحياة، يشع حضوره في أي مكان يدخله، خدم في وحدة الهندسة القتالية في غزة، وكان بالنسبة لقادته جنديا يعتمد عليه".

وتابع: "في حرب طالت كل بيت إسرائيلي، كان شاحر أحد تلك الأنوار الساطعة التي ترمز إلى الوحدة والمعنى"، وفق تعبيره.

واستطرد: "ثم كان هناك الملازم شاي أييلي، أصغر أشقائه الأربعة، محارب هادئ لا تفارق وجهه الابتسامة التي كانت تنبع منه حتى في أقسى أيام التدريب ضمن وحدة 669، قوة البحث والإنقاذ النخبوية في سلاح الجو الإسرائيلي".

"وفي الصور التي أرسلها لعائلته قبل التوجه إلى غزة، بدا مشرقا، وكان شابا يدرك تماما معنى أن يخدم شعبه"، وفق تعبير شقيقته.

وكان هناك الرقيب الأول برهانو كاسي، الذي وُلِد في إثيوبيا وهاجر إلى إسرائيل في سن التاسعة.

ولم يكن التأقلم مع الحياة الإسرائيلية سهلا، لكن برهانو كان لديه حلم واحد منذ لحظة وصوله: الخدمة في وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي.

وعندما وُضع في البداية في كتيبة مشاة نظامية، رفض الخدمة هناك، وحارب البيروقراطية العسكرية لمدة أسبوع كامل، ثم التحق بوحدة "سييرت جفعاتي"، إحدى أقوى وحدات الجيش الإسرائيلي، وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقاتل في كيبوتس ناحال عوز.

هؤلاء ثلاثة من أصل 889 جنديا سقطوا منذ بدء الحرب، إذ قُتل “شاحار” مع ستة من أصدقائه عندما فجّرت حركة المقاومة الإسلامية حماس مركبتهم المدرعة في خان يونس نهاية يونيو/حزيران 2025.

وكان "شاي" يتدرب ليصبح ضابطا عندما قُتل خلال معركة في شمال غزة أواخر عام 2023. وقُتل برهانو في نفس الوقت تقريبا عندما انفجرت عبوة ناسفة في جنوب القطاع.

وقال الكاتب يعقوب كاتس: "هذه ثلاث حكايات عن الشجاعة والانتماء والتضحية بالنفس، لكنها أيضا جزء من إحصائية مؤلمة".

فقد وصل عدد الجنود من أصول إثيوبية الذين قُتلوا منذ 7 أكتوبر إلى أربعين، ينتمون إلى مجتمع لا تتجاوز نسبته 1.7 بالمئة من سكان إسرائيل، لكنه يشكل 4.5 بالمئة من قتلى الجيش في هذه الحرب.

وصرّحت بنينا تامانو-شطا عضو الكنيست (البرلمان)، رئيسة كتلة "أزرق-أبيض" وواحدة من أبناء الجالية الإسرائيلية من أصل إثيوبي: "هذا ليس من قبيل الصدفة".

وأضافت: “لدى يهود إثيوبيا، لا يوجد ما هو أقدس من الدفاع عن أرض إسرائيل وشعبها، منذ صغرنا، نتربى على الشجاعة، والمسؤولية المتبادلة، والعطاء. ولهذا يختار الكثيرون -رجالا ونساءً- الانخراط في نخبة الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي”. وفق تعبيرها.

وقال كاتس: “هذه الروح ليست مجرد شعار نظري، فقد تجلّت في يوم الاستقلال الماضي (النكبة الفلسطينية)، حين جرى تكريم 10 جنود من أصل إثيوبي كمقاتلين متميزين”. مؤكدا أنه "بالنسبة لمجتمع صغير كهذا، كان هذا التمثيل استثنائيا".

ثم هناك قصة الملازم أفيخايل روفين، الذي كرّمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في واشنطن أمام جلسة مشتركة للكونغرس.

ففي صباح 7 أكتوبر، استيقظ روفين على أصوات صفارات الإنذار في منزله بمدينة "كريات ملاخي". 

كان لا يزال في دورة تدريب ضباط ولم يُستدعَ بعد، غير أنه لم يتردَّد، فارتدى زيه العسكري وحمل بندقيته، لكنه لم يكن يملك سيارة، فركض مسافة 12 كيلومترا نحو حدود غزة.

وقال نتنياهو في ذلك الوقت: “هؤلاء هم جنود إسرائيل، لا يركعون، لا يهابون، ولا يخافون”. وفق زعمه.

تجنيد الحريديم

وفي تلميح إلى اليهود الحريديم الذين يرفضون التجنيد ويرون أن دورهم في الحياة يكمن في التفرغ للدراسة والعبادة، استدرك الكاتب قائلا: “علينا أن نتساءل: إذا كان هذا ما يمكن أن يُسهم به مجتمع صغير، مهمّش في كثير من الأحيان، فما العذر الذي قد يتذرع به الآخرون؟”

وينضم الإسرائيليون من أصل إثيوبي إلى الجيش بأعداد تفوق المعدل الوطني؛ إذ يشارك نحو 90 بالمئة من الشبان، ويخدم نصفهم تقريبا في وحدات قتالية. 

أما بين النساء، فتبلغ نسبة التجنيد نحو 70 بالمئة، متجاوزة بفارق كبير المتوسط الوطني البالغ 58 بالمئة.

وقال: "للمفارقة، هناك مجتمع آخر -أكبر بكثير- يغيب معظم شبابه عن الخطوط الأمامية، وأنا أشير هنا بالطبع إلى الحريديم"، اليهود المتدينيين.

وأخيرا، ناقش الكنيست مجددا مسألة تجنيد الحريديم في الجيش، ومرة أخرى، راوغت الحكومة حول الموضوع، خوفا من التداعيات السياسية.

"وواصل الوزراء وأعضاء الكنيست تجاهل الواقع، حتى بعد المأساة التي وقعت أخيرا وراح ضحيتها خمسة جنود من كتيبة نتساح يهودا (في بيت حانون شمال القطاع خلال يوليو/تموز 2025)، وهي وحدة أُنشئت خصيصا لتمكين الحريديم من أداء الخدمة القتالية مع الحفاظ على نمط حياتهم الديني".

وتابع الكاتب: "هؤلاء كانوا شبابا تطوعوا للخدمة، وآمنوا بأن الدفاع عن الوطن أهم من الحسابات السياسية".

وأردف: "مع ذلك، ظل الصمت سائدا، فلم تحدث صحوة جماعية في الشارع الحريدي، ولم يُبدِ القادة السياسيون والدينيون الحريديون أي تغيير في الموقف، وكأن شيئا لم يقع".

وبحسب الكاتب، كشفت الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر الكثير عن إسرائيل، عن نقاط ضعفها، وقدرتها على الصمود والتوحد والقوة في لحظات الصدمة.

لكنها في الوقت ذاته سلّطت الضوء على الشروخ المؤلمة التي لا تزال قائمة داخل المجتمع.

ولا شيء يبرز ذلك أكثر من الفجوة الصارخة بين من يخدمون ومن يُعفون من الخدمة، بحسب الكاتب. وأكد أن "الأمر لا يقتصر على المساواة، بل يتعلق أيضا بالتماسك الوطني".

وأضاف: "رغم ما يواجهه مجتمع الإسرائيليين من أصل إثيوبي من تهميش مؤسسي، وعنصرية، وضيق اقتصادي، فقد اختار أن يقدّم -بكل ما تحمله الكلمة من معنى- أبناءه يخدمون ويضحّون. أفلا يجدر أن يكون ذلك مثالًا يُحتذى؟"، وفق تعبيره.

وأردف: "إذا كان شبان مثل شاحر مانوآف، وشاي أييلي، وبرهانو كاسي قادرين على أن يقدّموا كل شيء من أجل هذا البلد -رغم امتلاكهم لكل الأسباب التي قد تجعلهم يشعرون بالتهميش- فلماذا لا يستطيع شباب بني براك أو بيتار عيليت أن يفعلوا الشيء نفسه؟"

وتشير "بني براك" و"بيتار عيليت" إلى مدن ينتشر فيها الحريديون المعروفون بعزوف شبابهم عن الخدمة العسكرية، مما يبرز التفاوت الكبير في تقاسم الأعباء بين فئات المجتمع الإسرائيلي.

وختم المقال متسائلا: “إذا كان خمسة شبان حريديم من كتيبة نتساح يهودا قد تجرأوا على كسر قواعد مجتمعهم ليقاتلوا ويقعوا في سبيل إسرائيل، فما العذر الذي تبقّى لعشرات الآلاف الذين يختارون الغياب؟”