أكاديمي فلسطيني يوثق قرنا من الخداع والتواطؤ العربي الغربي ضد بلاده

" تُصر إسرائيل على إبقاء مزاعم التهديد الخارجي للحفاظ على وحدة الشعب"
رأى أستاذ العلاقات الدولية، الفلسطيني نجيب أبو وردة أن إسرائيل تريد الحفاظ على حالة اللاحرب واللاسلم، و"هو وضع يخدم مصلحتها؛ حيث إن الدولة هشة وتحتاج إلى ترسيخ كيانها كأمة".
وبسبب هذه الهشاشة تُصر إسرائيل على إبقاء (مزاعم) التهديد الخارجي، للحفاظ على وحدة الشعب، وفق ما يقول أبو وردة الذي وُلِد في غزة وقضى حياته المهنية بأكملها في إسبانيا.
وقالت صحيفة الدياريو الإسبانية خلال لقاء معه في مدريد: إن أبو وردة كرّس جزءا كبيرا من حياته لدراسة وفهم وشرح السياسة الدولية والإعلام في العالم العربي والعالم الإسلامي.

جذور الصراع
فقد بدأ كتابة كتاب حول الجغرافيا السياسية، إلا أن هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول وحرب الانتقام التي تلتها إسرائيل في مسقط رأسه غزة، غيرت مخططاته.
ومنذ ذلك الحين، بدأ مشروعا بحثيا شاملا، نُشر في كتاب ألّفه بعنوان "فلسطين: تاريخ موثق لمئة عام من الحرب".
وحول كتابه الذي نشر أخيرا، أكد أبو وردة أن "الإبادة الجماعية في غزة كانت دافعا كبيرا للمضي قدما في هذا المشروع، وهو نابع من شعور بضرورة سرد قصة فلسطين".
وتحدث خبير العلاقات الدولية عن جذور الصراع في الشرق الأوسط والفرص، المنعدمة من وجهة نظره، للتوصل إلى حل على المدى القصير أو المتوسط.
وقال أبو وردة: "مثلما رددت دائما، إن القضية الفلسطينية عادلة لدرجة أنها تدافع عن نفسها بنفسها. وإذا عرضت كما هي، فهي لن تحتاج إلى محامين.
وأردف: "للأسف، تملك القضية الفلسطينية أسوأ المدافعين، فنهجهم وتصرفاتهم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي يضرّ بها"، دون إيضاح هويتهم.
وأضاف: "فلسطين ضحية العالم أجمع، فبدءا من الصعيد المحلي، ثم الإقليمي؛ أصبحت القضية أداة بيد كل العالم العربي، وبأشكال مختلفة".
ويفسّر ذلك بأنه لا يناسب العديد من الأنظمة العربية حل الصراع الفلسطيني لأنه لطالما كان مربحا بالنسبة لها التذرع بالحرب مع إسرائيل.
وذكر أنهم ليسوا في حرب مع إسرائيل: هم ديكتاتوريات تحتاج لفرض حالة الطوارئ لسحق شعوبها، ومصادرة جميع الحريات والحقوق، وجميعهم بحاجة إلى ذريعة، وهي القضية الفلسطينية.
وواصل أنه: "على الصعيد الدولي، هناك العديد من المصالح الجيوسياسية في الشرق الأوسط. لذلك، كان من الضروري إقامة دولة إسرائيل هناك لضمان حالة عدم استقرار تستمر طويلا".
بالتالي، يتمثل الاستنتاج الذي توصلت إليه في كتابه في أنه "للأسف، لا توجد رغبة أو إرادة في التحرك نحو حل سلمي لهذا الصراع؛ لأنه يظل مفيدا للجميع".

غياب الإرادة
ويعتقد أبو وردة أنه لم تكن هناك إرادة أبدا في الماضي وحتى يومنا هذا من أجل الوصول إلى حل أو انتقال سياسي.
وأوضح أنه "في هذا الصراع، هناك جهات فاعلة محلية وإقليمية ودولية، وتعد جميعها مترابطة فيما بينها".
ويعتقد أنه "لكي يحدث تغيير يفضي إلى سلام، لا بدّ أن تتقارب المصالح نحو حل سلمي، تحترم فيه مصالح الجميع بشكل أو بآخر، ولا يرى فيه الجميع ضررا، بل فائدة كبيرة. وفي الوقت الحالي، لا تتوافر هذه الشروط ولا هذه الرغبة".
ونوه الخبير إلى أن "الشرق الأوسط كان تاريخيا منطقة صراعات دولية. وفي حال مقارنته ببقية مناطق العالم، سنرى أنه على مقياس واحد من عشرة، يحتل المرتبة العاشرة".
وأضاف: "الشرق الأوسط يعيش على وقع صراع دائم، وتمثل فلسطين حجر الأساس الذي يتحكم في إدامة الصراع أو زيادة حدته أو التخفيض منها".
لكن، لماذا كان مؤشر الصراعات مرتفعا في هذه المنطقة؟ في الحقيقة، يجب أن نحلل السياسة والجغرافيا كعامل أساسي، وفق قوله.
وواصل: “تقع المنطقة عند ملتقى طرق التواصل بين الشرق الأدنى والشرق الأقصى. إلى جانب النفط والطاقة، هناك عوامل عديدة، منها عوامل ثقافية ودينية”.
ويفسر هذا المزيج من العوامل السبب الذي يحول دون تمتع الشرق الأوسط بفترة طويلة من الاستقرار حتى يومنا هذا.
وتاريخيا، لعبت القوى الأوروبية دورا محوريا في الشرق الأوسط وفلسطين، فلماذا لم تسهم في حل الصراع، تتساءل الصحيفة.
وأشار أبو وردة إلى أن "الشرق الأوسط اليوم ليس إلا خريطة الاستعمار الأوروبي، أي التصميم الذي أفضى عنه اتفاق سايكس بيكو".
حتى الحرب العالمية الأولى، كانت المنطقة بأكملها تحت قيادة الدولة العثمانية، وكانت هناك مطالبات بإقامة أمة عربية موحدة.

الدعم الغربي
في ذلك الوقت، شكل هذا المشروع خطرا على أوروبا: تتمثل في أمة عربية موحدة تتطلع إلى تحويل الشرق الأوسط إلى قوة عالمية.
وهي قوة عالمية، بحكم موقعها الجيوسياسي، كان من شأنها أن تؤثر على القوى الأوروبية الأخرى.
وبحسب أبو وردة، "سعت أوروبا إلى إيجاد آليات لمنع قيام أمة عربية موحدة مهما كلف الأمر، وذلك عبر إقامة إسرائيل، ودولة الأردن لحمايتها، وجامعة الدول العربية لتقسيم العالم العربي".
وأردف: “كان مشروع الأمة العربية ولا يزال خطا أحمر منذ 100 سنة؛ لأن الشرق الأوسط يملك جميع العوامل التي تسمح له بالتحول إلى قوة عالمية منافسة”.
وأورد أبو وردة أن "العالم صامت، ولا أحد ينتقد ما تفعله به إسرائيل. ومثلما تقول محاكم العدل الدولية، إن الأمر يتجاوز بكثير جرائم الحرب في غزة. إنه ليس صمتا فقط، بل يقبل الجميع ما يفعله الكيان، أي أنه تواطؤ فعلي".
ويعلق قائلا: "إن فلسطين أمة تعود إلى آلاف السنين، في حين أن دولة إسرائيل مشروع استعماري صهيوني". وأردف أن أي مشروع استعماري صهيوني قابل للانهيار في أي لحظة إذا فشل أي عنصر حليف.
وعلى سبيل المثال، إذا تغير الوضع في الولايات المتحدة أو حدث تغيير سياسي مهم داخلها، فسيصبح وجود إسرائيل محل تساؤل.
ويشير إلى أنه “الآن في غزة، أو خلال الهجوم على إيران منتصف يونيو/حزيران 2025، كانت إسرائيل في وضع يسمح لها بالصمود شهرا لا غير دون دعم الولايات المتحدة وألمانيا. وفي حال زحف المصريين إلى القطاع، فسينتهي الكيان الصهيوني”. وفق تقديره.
وعن أسباب عدم تغير النظام العالمي وإيجاد حل للصراع، قال أبو وردة: إن "إسرائيل تريد الحفاظ على حالة اللاحرب واللاسلم، وهو وضع يخدم مصلحتها".
وأضاف: "الأمة الفلسطينية دون دولة أقوى بكثير من إسرائيل مجردة من هوية وطنية".
وأردف: “تملك إسرائيل القوة النووية، لكن هذا لا يحلّ شيئا ولا يغير التاريخ. إن تاريخ فلسطين هو نقطة قوتها”.
وبيّن أن “حق التاريخ وتاريخ الحق هما من سينتصران على أي رواية مُصممة خصيصا لما تفعله إسرائيل”.
ويعتقد الخبير أنه "لن يكون هناك حل للصراع حتى تحدث تغيرات عالمية تأخذ في الحسبان وترى أن استقرار فلسطين يؤثر على أمن الشرق الأوسط" بكامله.
على المدى القصير، يرى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهتم بتهدئة الوضع، وليس بحل الصراع، مضيفا: "إنهما أمران مختلفان".