صراع عميق.. هل تطيح التوترات الداخلية بـ"مجلس القيادة الرئاسي" في اليمن؟

وسائل إعلام يمنية أكدت وجود صراع عميق داخل مجلس القيادة الرئاسي
أزمة جديدة تفجرت داخل "مجلس القيادة الرئاسي" في اليمن، بزعامة رشاد العليمي، فتحت باب التساؤل واسعا عن مصير هذا التشكيل الذي يُعد أعلى سلطة للشرعية اليمنية المعترف بها دوليا، خصوصا أن تصاعد التوترات تسبب في تعطيل جلساته منذ مدة.
وفي مطلع أبريل/ نيسان 2022، فوض الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي "مجلس القيادة الرئاسي" بكامل صلاحياته، بينما أسندت صلاحيات نائب رئيس الجمهورية إلى سبعة أعضاء يتكون منهم المجلس.
المجلس الذي يضطلع بمهام إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا طيلة المرحلة الانتقالية، يضم إلى جانب رئيسه كلا من: سلطان العرادة، وطارق صالح، وعبد الرحمن أبو زرعة، وعبد الله العليمي، وعثمان مجلي، وعيدروس الزبيدي، وفرج البحسني.

"إضعاف المؤسسات"
وبرزت الأزمة الجديدة بعد بيان أصدره المكتب السياسي لـ"المقاومة الوطنية اليمنية" التابع لعضو مجلس القيادة طارق صالح، شن فيه هجوما لاذعا على رئيسه رشاد العليمي، واتهمه بالإقصاء والتمييز.
واتهم البيان الصادر في 24 يونيو/ حزيران 2025، رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي بتجاوز الإطار الدستوري والقانوني من خلال الاجتماعات التي يجريها، وطالب بتصويبها، لافتا إلى أن الأخير يجري نقاشات تمس حياة المواطن دون حضور المؤسسات المعنية.
وشدد على أن ما يقوم به العليمي يُعد تجاوزًا للمسؤوليات الدستورية ومصدرًا لإضعاف هيكل الدولة، مبديا رفضه لاجتماع الأخير مع قيادات من هيئة التشاور وعدد من الشخصيات الحزبية.
وفي الوقت الذي وصف فيه البيان سياسة العليمي في دعوة المكونات السياسية بـ"الانتقائية"، شدد على أن هذا النهج لا يقدّم حلولًا حقيقية بقدر ما يعمق الانقسام ويضعف المؤسسات الرسمية.
ودعا البيان إلى مراجعة السياسات الحالية لضمان مشاركة جميع شركاء العمل الوطني دون تمييز أو إقصاء، وبما يحافظ على التوافق الوطني، مشيرا إلى أن استمرار هذا النهج يهدد بإضعاف مؤسسات الدولة، ويكرّس ممارسات من شأنها تقويض مبدأ الشراكة الوطنية.
وفي المقابل، أقرّ العليمي، بوجود تباينات وخلافات بين أعضاء المجلس القيادة، في ظل أزمة خانقة ووضع معيشي سيئ تعيشه البلاد، مع انعدام وجود لأي حلول لمعالجة تدهور العملة وانهيار الخدمات في المناطق المحررة.
وقال العليمي خلال لقاء بقيادات "المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية" في 30 يونيو، إن "هناك بعض المكاسب المهمة ذات الصلة بمهام المجلس المشمولة بإعلان نقل السلطة، التي من أبرزها وحدة المجلس وتماسكه حول هدف مشترك وعدو مشترك".
ونقلت وكالة "سبأ" اليمنية الرسمية عن العليمي قوله أيضا: "صحيح هناك بعض التباينات" (لم يذكرها)، لكن "مكونات المجلس تتنافس من أجل صدارة المعركة ضد جماعة الحوثي".
وتابع العليمي قائلا: "نحن أمام واحدة من أعقد المراحل التي عرفتها الدولة اليمنية في تاريخها المعاصر، ولم يكن ممكنا القدرة على مواجهتها، لولا صبر الشعب اليمني، ودعم أشقائنا في تحالف دعم الشرعية".
ولفت إلى "حرص المجلس والحكومة على بقاء جسور التواصل مفتوحة مع جميع القوى السياسية، مبينا أن الدولة لا تتعامل مع الأحزاب بصفتها جمهورا للاستعراض، بل شريكا يراقب ويشارك في حمل العبء".
وفي مطلع مايو/ أيار 2022، حصلت خلافات بين العليمي وعيدروس الزبيدي، بسبب إعطاء الأخير توجيهات لتغيير قادة ألوية عسكرية تابعة للشرعية في محافظة أبين من دون الرجوع إلى رئيس المجلس الرئاسي، قبل أن يتم توقيف القرار.

"تهديد بالاستقالة"
وفي سياق الأزمة الحالية، كشفت قناة "بلقيس" اليمنية في 5 يوليو/تموز 2025، جانبا من التفاصيل التي قالت إنها (غير المعلنة) في اجتماع رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي الأخير مع قادة الأحزاب السياسية.
وقالت القناة اليمنية: إن الاجتماع الافتراضي ناقش عددا من القضايا التي أثيرت خلال الأيام الماضية، بما في ذلك تصاعد الخلافات بين أعضاء المجلس على خلفية تدوير منصب الرئيس.
واتهم العليمي خلال الاجتماع أعضاء المجلس بتعطيل عمل المجلس، بسبب عدم تواجد غالبية أعضائه داخل اليمن وامتناعهم عن ممارسة أي مهام وصلاحيات، رغم تسلم الجميع مخصصات مالية تمكنهم من العمل وتشكيل فرق لمتابعة القضايا المختلفة.
ونفى العليمي وجود خلافات على الصلاحيات أو أي من الملفات المطروحة على طاولة المجلس والتي أثيرت من طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، مؤكدا أن كل ما يمارسه يندرج ضمن صلاحياته المقرة في اتفاق نقل السلطة.
وكشف العليمي عن وجود تهريب نفط من محافظة شبوة إلى محافظة حضرموت، في إشارة لتورط الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي وعدد من أعضاء مجلس القيادة، بحسب القناة.
وطالب العليمي في اللقاء الأحزاب السياسية بمراقبة أداء جميع أعضاء مجلس القيادة ومطالبتهم بالشفافية، ملوحا بالاستقالة في حال استمر التعطيل أو المطالبة بتدوير منصب رئاسة المجلس أو رفض ما وصفها بخطة الإصلاحات المالية التي أعدها فريقه.
وفي المقابل، نفى كامل الخوداني القيادي في "المقاومة الوطنية" التابع إلى طارق صالح، وجود أي خلاف بين الأخير والعليمي، واصفا ما جرى بأنه "ليس أكثر من مطالب تنظيمية طبيعية، ولا تعكس صراعا أو قطيعة".
وقال الخوداني، خلال تدوينة نشرها على منصة "إكس" في 28 يونيو/حزيران 2025، أكد فيها أن صالح اتصل بالعليمي، وهذا يدل على عدم وجود خلاف بينهما، وأن التواصل مستمر بينهما بشكل دائم.
وكان عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، أجرى اتصالا هاتفيا بالعليمي، في 5 يوليو/تموز 2025، قدّم خلاله التهاني بمناسبة حلول العام الهجري الجديد 1447هـ.
وأشار الخوداني إلى أن ما يُروّج عن انقطاع العلاقة أو وجود أزمة سببه تحليلات مبالغ فيها من بعض القنوات الإعلامية ومنشورات الناشطين.
ولفت إلى أن بيان "المقاومة الوطنية"، والذي تضمّن عددا من النقاط والملاحظات والمطالب، يمثل موقفا تنظيميا تم اتخاذه بالإجماع خلال اجتماع رسمي، ولا يعني وجود خلاف شخصي أو سياسي.

"تضارب مصالح"
وبخصوص مصير مجلس القيادة الرئاسي في ظل التوترات المستمرة، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، إن "المجلس تأسس منذ البداية على توافقات إقليمية، وبالتالي فإن مكوناته تعبر عن هذه التوازنات على حساب الوحدة الوطنية".
وأضاف شمسان لـ"الاستقلال" أن "الوطن يتطلب تنوعا متوحدا يعبر عن الحالة الوطنية اليمنية، وأن التنوع المتوحد يكون من أجل هدف وطني، لكن عندما يصبح استجابة لمطالب إقليمية فإنه يفضي إلى تضارب في المصالح، وهذا ما يحصل في الوقت الحالي".
ولفت إلى أنه "من المفترض أن يكون مجلس القيادة فيه تنوع في الآراء والتوجهات من أجل الوصول إلى التوحد في اتخاذ القرار بما يحقق المصلحة الوطنية، لكن التنوع يحقق التضارب الإقليمي، وبالتالي هو يفسر حالة الصراع الحاصل".
وبيّن شمسان أن "هذا التنوع ضمن مجلس القيادة لا يعبر عن تطلعات الشعب، وإنما يعبر عن مصالح دول الإقليم في أنها تضمن مصالحها باليمن، وهذا ما يجعل هذه الصراعات في سياقها الطبيعي".
وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "مجلس القيادة وجد حتى يكون معطلا منذ البداية، لأنه لا يمكن الحديث عن مجلس رئاسي يعبر عن مصالح وطنية يصل به الحال إلى ما وصل إليه اليوم".
وأوضح شمسان أن "هذا المجلس وجد من الأساس حتى لا يُتخذ قرارات وطنية موحدة، بل يعمل على إعاقتها".
ولفت إلى أن "المجلس أعماله مرتبطة بانتماءات مكوناته، وبالتالي المخرجات متضاربة ومعيقة لتحقيق أي تقدم باتجاه استعادة الدولة وتحقيق تطلعات الشعب اليمني".
وفي السياق ذاته، حذرت ورقة بحثية من أن "التباين المتصاعد بين المكتب السياسي للمقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، ومجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، يكشف عن صراع عميق على النفوذ والقرار السياسي في اليمن، في ظل غياب المؤسسية والشفافية داخل المجلس".
وأشارت الورقة التي نشرها مركز "المخا" للدراسات في 3 يوليو/تموز 2025، إلى أن البيان الصادر عن “المقاومة الوطنية” يعد أول مواجهة علنية بين جناحين رئيسين داخل مجلس القيادة، في وقت يتأرجح فيه الدعم الإقليمي بين السعودية التي تساند العليمي، والإمارات الداعمة لطارق صالح.
وأبدت الورقة قلقها من تأثير هذه الخلافات على المسار السياسي والجهود العسكرية، محذرة من أن استمرار الانقسامات داخل المجلس سيضعف الجبهة المناهضة للحوثيين، ويمنح الجماعة فرصا إضافية لتعزيز نفوذها على الأرض وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.
كما ربطت الورقة بين التدهور الاقتصادي وتراجع الخدمات في مناطق سيطرة الحكومة وبين هذا الصراع على القرار، لافتة إلى أن تراجع الدعم الدولي مرتبط بفشل المجلس في تقديم صورة متماسكة ومستقرة.
وخلصت الورقة إلى أن "الاتصال الهاتفي الأخير بين العليمي وطارق صالح لا يعكس بالضرورة معالجة حقيقية للخلافات"، مؤكدة أنه "قد يشكل هدنة مؤقتة لصراع سياسي قابل للاشتعال مجددا في أي لحظة".
المصادر
- العليمي يعترف بوجود خلافات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي
- ورقة بحثية: الصراع بين طارق صالح ورشاد العليمي يهدد مجلس القيادة الرئاسي
- توترات داخل مجلس القيادة الرئاسي تثير جدلا واسعا في اليمن
- تشكيل مجلس رئاسي يمني.. محاولة لحل الأزمة أم مخطط لتصفية الشرعية؟
- مقرب من طارق صالح ينفي ”الخلاف” مع الرئيس العليمي ويكشف حقيقة ما جرى
- طارق صالح يلوح بانتهاء هدنته مع العليمي
- طارق صالح يُجري اتصالًا هاتفيًا برئيس مجلس القيادة
- طارق صالح يفتح النار على العليمي : يكرس الانقسام ويضعف الدولة
- مجلس رئاسي بصلاحيات كاملة لاستكمال المرحلة الانتقالية في اليمن