حرب جديدة على أبواب أوروبا.. ماذا تخطط روسيا لفنلندا ودول البلطيق؟
قد تسعى روسيا إلى تعزيز تأثيرها في الشمال الأوروبي عبر عمل عسكري
يتوقع موقع ألماني تصاعد التهديدات العسكرية الروسية تجاه فنلندا ودول البلطيق “لاتفيا وإستونيا وليتوانيا”، إلى درجة شن هجمات عليها في المستقبل.
وأوضح موقع "تيليبوليس" أن روسيا عملت بالفعل على محاكاة هجمات على النرويج وفنلندا ودول البلطيق عام 2017 كجزء من مناورة "زاباد" العسكرية.
ولفت إلى أن أهدافها ستكون مختلفة عن حرب أوكرانيا، فقد تسعى روسيا إلى تعزيز تأثيرها في الشمال الأوروبي واستعادة الأراضي التي كانت تابعة لها في الماضي.
من ناحية أخرى، يناقش الموقع أيضا التقييم الغربي لروسيا في سياق الحرب الأوكرانية، مشيرا إلى أن التحليلات الغربية التي تفترض أن قدرة موسكو العسكرية قد ضعفت بشكل دائم قد تكون خاطئة.
ولفت إلى أن النخب الروسية تنظر بجدية إلى تهديدات حلف شمال الأطلسي “الناتو”، حيث لا تحركهم الطموحات الإمبريالية بقدر المخاوف الأمنية الوجودية من اقتراب الحلف من حدودهم.
وفي هذا الصدد، يعتقد أن زيادة التسلح من الجانبين قد تؤدي إلى دوامة من التصعيد، مؤكدا أن الحل الوحيد للأزمة يكمن في نزع السلاح الحقيقي من خلال حوار جاد وإعادة التفاوض على معاهدات الحد من الأسلحة النووية والصاروخية.
خطط هجومية مسربة
ومنذ بداية عام 2024، كانت هناك تحذيرات من هجمات محتملة، وفق الموقع. ويتفق القائد الأعلى للقوات المسلحة السويدية، ميكائيل بيدين، مع هذا التقييم.
وحذر بيدين من "هجوم روسي محتمل ضد دول بحر البلطيق في السنوات المقبلة"، وهو تخوف تدعمه أيضا الحكومة السويدية.
ووفقا لمصادر مجهولة في الناتو، نقلت عنها صحيفة "إلتالهتي" الفنلندية، فقد سُربت خطط هجومية روسية محددة.
وبحسب التسريبات، قد تهاجم روسيا شمال أوروبا باستخدام عدة جيوش في وقت واحد.
إذ يتوقع أن يشن الفيلق "14" هجوما على الساحل النرويجي انطلاقا من مورمانسك، بينما تُرسل قوات إنزال إلى لابلاند الفنلندية.
ويضيف الموقع أنه خُطط لشن هجمات صاروخية من شبه جزيرة كولا (أقصى شمال روسيا) على فنلندا “لإنشاء منطقة عازلة في لابلاند الفنلندية وفي فينمارك النرويجية”.
وفي الجنوب، تتركز الهجمات على الساحل الجنوبي لفنلندا وجنوب شرقها من قبل الفيلق "44"، ليس بغرض التوغل العميق فيها ولكن لإضعاف دفاعها وجعل دعم إستونيا أكثر صعوبة، وفق ما يتوقع الموقع.
وفي هذا السياق، يبرز أن الهدف الإستراتيجي لروسيا هو العودة الإقليمية إلى حدود معاهدة توركو لعام 1743، (معاهدة سلام بين الإمبراطورية الروسية والسويد) مع احتمال التوسع إلى نهر كيميوكي وبحيرة بوومالانسالمي التابعين لفنلندا.
بالإضافة إلى ذلك، ينوه الموقع إلى أن الدول البلطيقية ستتأثر كذلك، حيث يخطط الجيش السادس الروسي للتقدم إلى إستونيا ولاتفيا باستخدام مكثف للدبابات والمدفعية والصواريخ، بهدف السيطرة على تالين وريغا.
أما فيما يخص ليتوانيا، فقد تُهاجم عبر بيلاروسيا لتأمين رابط بري بينها وبين كالينينغراد، ضمن ما يعرف بـ "فجوة سوالكي".
وفي حال نجاح التقدم الروسي، فقد تُطوق قوات الناتو الموجودة في دول البلطيق، وفق ما يظهره الموقع الألماني.
ومن ناحية أخرى، أوضحت صحيفة "إلتالهتي" الفنلندية، أن روسيا حاكت عام 2017، هجمات على النرويج وفنلندا ودول البلطيق في إطار مناورات “زاباد”.
واستنادا إلى ذلك، تستنتج مصادر الناتو المجهولة أن "روسيا لا تزال تسعى لتنفيذ هذه الخطط، وقد تطبقها بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا".
ونقلت صحيفة "إلتالهتي" عن أحد المصادر قوله نصا: “السؤال ليس ما إذا كانت روسيا ستهاجم، بل متى؟ ”
وأردف: "من المؤكد أنهم سيحاولون مفاجأتنا، إذ إن المفاجأة جزء من الثقافة الإستراتيجية الروسية".
ومن جانبه، يوضح الموقع أن الناتو رد بالفعل في أوائل عام 2023 عبر مناورة كبرى أُطلق عليها “الاستجابة الشمالية”.
وشارك في المناورة 20 ألف جندي من 13 دولة، في المنطقة القطبية الشمالية بالنرويج، بما في ذلك 4 آلاف جندي فنلندي.
سياسة "الفنلدة"
وبعد الحرب التي خسرتها أمام الاتحاد السوفيتي، التزمت فنلندا بموجب اتفاقية الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة الفنلندية-السوفيتية لعام 1948 بالحياد والتعاون الوثيق لضمان استقلالها.
وفي هذا الصدد، يقول الموقع الألماني إن "سياسة “الفنلدة” كانت تعني أن تضبط فنلندا سياستها الخارجية بحذر وفقا للمصالح السوفيتية، وتتجنب الانضمام إلى التحالفات الغربية مثل حلف الناتو".
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، تغيرت السياسة الخارجية لفنلندا بشكل جذري، حيث اُستبدلت معاهدة عام 1948 باتفاقية جديدة مع روسيا عام 1992، كان الهدف منها المساواة وحسن الجوار السلمي.
وفي الوقت نفسه، ينوه الموقع أن فنلندا اتجهت نحو الغرب بشكل أكبر، حيث انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995.
ومع تصاعد التوترات بين الغرب وروسيا بسبب تضارب المصالح الجيوسياسية والنزاعات المتزايدة مثل حرب أوكرانيا منذ عام 2014، قررت فنلندا إعادة النظر في توجهها السياسي الخارجي، ثم أصبحت عضوا في حلف الناتو منذ 4 أبريل/ نيسان 2023.
وهنا، يشير الموقع إلى أن روسيا كانت تحرص دائما على تقدير فنلندا دولة محايدة تعمل كمنطقة عازلة بينها وبين القوى الغربية التي تمثل غالبا تهديدا لها.
ولكن الآن، من وجهة النظر الروسية، يثير وجود الناتو في فنلندا العديد من المشكلات.
ولتحديد هذه المشكلات، يبرز موقع "تيليبوليس" أن خليج فنلندا ودول البلطيق بوابة يمكنها أن تهدد سانت بطرسبرغ، ثاني أكبر مدينة في روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي انضمام دول البلطيق والسويد وفنلندا للناتو إلى تقييد قدرة أسطول البلطيق الروسي على العمل.
ومع ذلك، تكمن أكبر المشكلات لروسيا في أقصى الشمال، وتحديدا في مورمانسك وشبه جزيرة كولا، بحسب ما يوضحه الموقع.
وبالإشارة إلى أن فنلندا وروسيا تتقاسمان حدودا يبلغ طولها حوالي 1.300 كيلومتر، فهناك خطوة من حدوث ضعف لوجستي، من وجهة النظر الروسية.
ففي تلك النقاط يقع ميناء مورمانسك وشبه جزيرة كولا، والتي لا تبعد سوى أكثر من 100 كيلومتر عن الحدود الفنلندية.
ومورمانسك هو الميناء الأهم لأسطول الشمال الروسي، والذي يلعب دورا محوريا في الإستراتيجية النووية لروسيا.
توسيع الناتو
وفي إطار ما ذُكر سابقا، يقول الموقع الألماني إنه "على الرغم من أهميتها يبدو وضع هذه المنطقة الإستراتيجية في حالة ضعف بشكل متزايد".
وهنا، يبرز أن توسيع الناتو نحو الشرق يدفع روسيا إلى موقف دفاعي، بينما لا يظهر الفاعلون الغربيون أي استعداد لأخذ مصالح موسكو الأمنية في الحسبان، خاصة رغبتها في وجود منطقة عازلة بين الناتو والمنشآت العسكرية الروسية.
ووفقا للتقديرات، فإن الأنشطة المناهضة للديمقراطية المدعومة من الغرب في جورجيا تسلط الضوء على سعي أوروبا إلى التوغل أكثر في مناطق النفوذ التقليدية لروسيا.
وفي حين أن انضمام أوكرانيا المحتمل إلى الناتو يعد تهديدا لأمن روسيا، فإن انضمام فنلندا الذي تحقق بالفعل يعد أيضا كارثة إستراتيجية لموسكو، على حد قول الموقع.
وفي رأيه، قد يدفع هذا الوضع روسيا إلى محاولة إعادة فنلندا إلى وضعها كدولة عازلة محايدة، حتى لو كان ذلك باستخدام الوسائل العسكرية.
"لكن هل هذا ممكن عسكريا بالنسبة لروسيا؟"، يتساءل الموقع الألماني، مبينا أن النظر في التحليلات الغربية الشائعة حول موسكو يكشف عن نقطتي ضعف أساسيتين.
النقطة الأولى تتمثل في "التقدير السائد لدى الغرب بأن القوة العسكرية لروسيا قد ضعفت بشكل دائم نتيجة حرب أوكرانيا، وهو أمر خاطئ وله عواقب خطيرة".
وفي مقابل ذلك، يزعم الموقع الألماني أن العديد من الدلائل تشير إلى تطور متناقض.
إذ قد تؤدي المساعدات العسكرية الغربية المجزأة والمترددة أحيانا لأوكرانيا إلى تأثير مشابه لتأثير "استخدام المضادات الحيوية في إنتاج الغذاء".
ويوضح هذه النقطة أكثر بقوله إن "التعرض المستمر لجرعات منخفضة من المضادات الحيوية لا يعزز النظام المناعي البشري، بل يؤدي إلى تطوير سلالات مقاومة".
وأشار إلى أنه بالشكل نفسه، قد يتيح الدعم العسكري غير المنسق والمحدود لروسيا فرصة لتكييف وتعزيز قدراتها العسكرية.
إذ تعمل المساعدات العسكرية المنتشرة على حدود الاتحاد الأوروبي كجرعة مستمرة ولكن غير حاسمة، كما أنها تمنح روسيا الوقت والفرصة للتكيف مع الظروف الجديدة.
وفيما يخص نقطة الضعف الثانية، يرى الموقع الألماني أن الغرب يستخف بالحاجة الوجودية لروسيا إلى إبقاء الناتو على مسافة آمنة.
لذلك، من المحتمل أن النخب الروسية لا تتخذ قراراتها فقط بناء على تحليل للجدوى العسكرية، بل تأخذ في الحسبان ضرورات أخرى تراها حيوية لبقاء الدولة.
الأهداف والمخاطر
عند تحليل التحركات المحتملة لروسيا، يرى الموقع أنه يجب مراعاة فرق أساسي، وهو أن أهدافها في فنلندا تختلف جذريا عن نظيرتها في أوكرانيا.
ففي أوكرانيا، تتبع موسكو إستراتيجية لإعادة ترتيب الدولة بشكل كامل، ويحتمل أن تدمج المناطق ذات الأغلبية الناطقة بالروسية في الاتحاد الروسي.
بينما تُلحق المناطق الغربية، ذات الطابع القومي القوي، بدولة أوكرانيا المتبقية التي ستكون تحت سيطرة محدودة.
أما في حالة فنلندا، يذكر الموقع أن الهدف الرئيس قد يكون استعادة الوضع السابق لانضمامها إلى الناتو، أي الحياد.
وإلى جانب تحييد فنلندا كتهديد محتمل لشبه جزيرة كولا، قد تسعى روسيا إلى فرض حياد على دول البلطيق أيضا.
وهذا من شأنه إبعاد قوات الناتو عن الحدود الروسية وضمان ممر بري آمن إلى كالينينغراد، وفق تقدير الموقع.
وفي هذا الصدد، يؤكد أن اتخاذ مثل هذه الخطوة العسكرية بالنسبة لروسيا سيكون محفوفا بالمخاطر الشديدة، حيث قد يؤدي إلى تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو، التي تلزم جميع الأعضاء بالدفاع الجماعي.
ومع ذلك، قد تصل روسيا إلى استنتاج مفاده أن وضعها الإستراتيجي أصبح حرجا للغاية لدرجة أن التصرف بشكل عالي المخاطر يبدو أمرا لا مفر منه، لأن عدم التصرف قد يجلب مخاطر أكبر.
وبمعنى آخر، يقول الموقع إن "روسيا قد ترى أن خطوطها الحمراء قد جرى تجاوزها بشكل لا رجعة فيه".
ويضيف أن روسيا تمتلك نافذة زمنية تتراوح بين 5 إلى 8 سنوات للتصرف عسكريا ضد الناتو الذي أضعفته حرب أوكرانيا وأصبح جزئيا في حالة فوضى.
وهنا، ينوه الموقع الألماني إلى أنه على عكس الناتو، بدأت روسيا بالفعل في تحويل صناعتها لتلبية متطلبات صراع عسكري عالي الكثافة.
وبالحديث عن رد الفعل العسكري من الغرب على مثل هذا السيناريو، يظهر الموقع أن رد الفعل المتوقع هو المزيد من التسلح.
ولكن -في رأيه- هذه المنطقية تكشف عن دوامة لا نهاية لها، حيث تسبق كل عملية تسليح تهديد يُنظر إليه على أنه مبرر كرد فعل على تهديد سابق.
وعلى حد وصف الموقع، فإن ما يحدث هو حلقة مفرغة حيث تغذي الأفعال وردود الأفعال بعضها بعضا بشكل متزايد.
ويرى أن الحل الوحيد يكمن في وجود إرادة جادة وحازمة لنزع السلاح وتحقيق السلام. وهذا يتطلب استعدادا جادا للحوار، حيث يجب طرح مسألة توسعات الناتو السابقة على طاولة المفاوضات.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الموقع أنه من الضروري العودة إلى اتفاقيات مثل معاهدة الحد من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية "ABM" ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى "INF"، اللتين انسحبت منهما الولايات المتحدة بشكل أحادي وغير مسؤول.
كما سيكون من الضروري إبرام معاهدة لحظر الأسلحة الفرط صوتية "Hypersonic Weapons"، التي تزيد من خطر نشوب حرب نووية بسبب تقليص فترات الإنذار بشكل كبير وتقليل مساحة اتخاذ القرارات.
ويختتم الموقع الألماني بالتأكيد على أن "الدعوة الآن إلى المزيد من التسلح والاستعداد للحرب والتحولات الجذرية تصب الزيت على النار".
وحذر من أن هذه الدعوات تزيد من حالة الخوف في أوروبا وتُهيئ المسرح لحرب قد تغير أوروبا بشكل جذري، بغض النظر عن نتائجها.