مؤيد لإسرائيل.. هل يعيد مستشار النمسا الجديد أجواء هتلر والحرب العالمية؟
"سيكون أول حزب يميني متطرف يرأس حكومة في النمسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية"
رغم أنه يُعرف بأنه من أكثر شعوب العالم “تحضرا”، فإن الشعب النمساوي اختار بالأغلبية سياسيا نازيا ليكون "مستشار الشعب"، وهو نفس اللقب الذي كان يحمله أدولف هتلر في ألمانيا النازية.
"هيربرت كيكل"، رئيس "حزب الحرية" النمساوي اليميني المتطرف، والذي كان يوصف بأنه "خطر أمني"، صوّت له أكثر من 1,4 مليون ناخب في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر/أيلول 2024.
وبعدما أصبح أكبر قوة في البرلمان بعد حصوله على 28,8 بالمئة من الأصوات، كلفه رئيس الدولة "ألكسندر فان دير بيلين"، في 6 يناير/كانون الثاني 2025، ليكون "مستشار الشعب" ويشكل الحكومة المقبلة، رغم أنه حزب بأفكار نازية.
لماذا اختاروا نازيا؟
يوم 6 يناير، أعلن الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلن، أنه كلف “كيكل” رسمياً بتشكيل حكومة للبلاد، ما يعني أن هذا الحزب اليميني الشعبوي سيتولى لأول مرة منصب "المستشار الاتحادي".
سبب تكليفه، أن حزبه، الذي يمثل أقصى اليمين، وأسسه نازيون سابقون، حقق يوم 29 سبتمبر/أيلول 2024، فوزا تاريخيا بالانتخابات التشريعية في النمسا، لكن دون أن يضمن أغلبية كافية تمكنه من الحكم.
إذ حصل حزب هربرت كيكل على 29.1 بالمئة من الأصوات، وتراجع "حزب الشعب" المحافظ الحاكم برئاسة المستشار كارل نيهامر إلى نسبة 26,3 بالمئة، وحاول الأخير تشكيل ائتلاف حكومي وفشل، فقرر الرئيس إسناد الأمر لـ"كيكل".
ويجري كيكل حاليا مشاورات مع حزب الشعب لتشكيل ائتلاف حاكم، وبذلك يمكن لحزبه أن يفوز لأول مرة بمنصب المستشار في النمسا.
ووصفت الباحثة تيريز فريساشر، حلول اليمين المتطرف في المرتبة الأولى حينها بأنه "بمثابة زلزال في هذا البلد"، مشيرة إلى أن كيكل المتطرف جدا لا يريد أي حزب أن يحكم معه، ويريد الوصول إلى المستشارية النمساوية، لفرض أفكاره.
وقالت لوكالة الأنباء الفرنسية: “إن كيكل وحزبه (الحرية) يثير المخاوف، وليس لديه أي شيء بناء ليسهم به”.
وبسبب هويته النازية الواضحة ورفع رئيسه أعلام النازية بلا خجل، قال الرئيس بعد تكليفه: إنه "لم يكن من السهل" اتخاذ مثل هذا القرار، ووعد "بضمان احترام مبادئ وقواعد الجمهورية".
وحين رفض حزب الشعب الحاكم تشكيل حكومة مع الحزب اليميني الشعبوي، هدد المستشار النمساوي بالاستقالة من رئاسة حزب الشعب النمساوي، لذا تراجع الحزب وأعلن استعداده الدخول في حكومة ائتلافية كشريك أصغر.
وكان حزب الشعب المحافظ وحزب الحرية اليميني الشعبوي شكلا ائتلافات حكومية بالفعل في بداية الألفينات، وفي الفترة بين عامي 2017 و2019، غير أن هذه الحكومات الائتلافية كان يقودها ساسة من حزب الشعب، لكن هذه المرة سيقودها "كيكل".
وهناك خلافات بين حزب الحرية الصديق لموسكو والمنتقد للاتحاد الأوروبي، وحزب الشعب في قضايا من بينها السياسة الخارجية والأمنية.
وقد حذر الحزب الديمقراطي الاجتماعي المعارض في النمسا من "ائتلاف جديد من الرعب" مع حكومة مستعدة "لتدمير دولة الرفاهية وتفكيك الديمقراطية وتقسيم مجتمعنا"، وفق بيان أصدره.
وفي حال تمكن حزب الحرية من تشكيل حكومة ائتلافية، فسيكون أول حزب يميني متطرف يرأس حكومة في النمسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
من هو هتلر الجديد؟
تأسس حزب الحرية النمساوي عام 1956 على يد وزير زراعة نازي سابق وضابط في قوات الأمن الخاصة.
ويرى مراقبون أن تصريحات وتصرفات "كيكل" ومسؤولين آخرين في حزبه، وهم يغازلون صور ولغة الحقبة النازية، مثيرة للقلق.
وخلال حملته الانتخابية، أثار “كيكل” الذي كان وزيرا سابقا للداخلية، الجدل؛ لأن الحملة كانت تحت شعار أنه سيصبح "Volkskanzler" (مستشار الشعب)، وهو مصطلح استخدمه أدولف هتلر.
وكان هتلر نفسه قد وُلِد في النمسا ونجح عام 1938 في ضمها إلى الرايخ الألماني، لكن حزب الحرية النمساوي يحاول النأي بنفسه عن النازية، رغم رفع أعضاء منه علم النازية وبث فيديوهات مرحبة بالنازية؟
ويروج "كيكل" لشعارات مثل "حصن النمسا" و"النمسا أولاً" ودعا إلى طرد الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة الذين "يرفضون الاندماج" في النمسا.
كما يروج أنصاره صورا من العصر النازي على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد نشر جناح الشباب في حزب الحرية النمساوي عام 2023، مقطعا يُظهر الشرفة التي أعلن منها هتلر الاتحاد بين ألمانيا والنمسا عام 1938.
وتضمن الفيديو، الذي وصفه كيكل بأنه "رائع" على الرغم من الجدل المثار، صورا للمتعاون الفرنسي مع النازية بيير دريو لاروشيل، والقومي المتطرف الياباني يوكيو ميشيما، والدكتاتور البرتغالي أنطونيو دي أوليفيرا سالازار.
مؤيد لإسرائيل
رغم تأييده لإسرائيل ودعمه إبادة غزة، أثار تكليف حزب الحرية اليميني المتطرف، بتشكيل الحكومة لأول مرة، قلق اليهود في النمسا وأوروبا بسبب ماضيه النازي.
ورغم الدعم المتزايد الذي يقدمه حزب الحرية لإسرائيل، لا تؤيده وزارة الخارجية الإسرائيلية، ولا الجالية اليهودية في فيينا التي يبلغ عدد أعضائها نحو 10 آلاف نسمة وتنتهج سياسة عدم التعاون مع حزب الحرية، وتعتبره "معاديا للسامية".
وفي عام 2010، وقع حزب الحرية اليميني المتطرف إلى جانب أحزاب يمينية متطرفة أخرى على ما أسموه إعلان القدس، والذي أكدوا فيه على "حق إسرائيل في الوجود" وحقها في الدفاع عن النفس، خاصة ضد ما أسموه "الإرهاب الإسلامي".
كما اعترف الحزب اليميني المتطرف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعارض قرارات الاتحاد الأوروبي التي تنتقد إسرائيل.
ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألقى حزب الحرية بكامل ثقله دعما للعدوان الإسرائيلي.
وعارض "كيكل" وقف إطلاق النار في القطاع، قائلاً: "ما دام إرهابيو حماس يحتجزون رهائن إسرائيليين، فإن وقف إطلاق النار غير مرجح".
مُعادٍ للمسلمين
وبجانب دعمه للاحتلال الإسرائيلي، يعادي حزب الحرية اليميني الإسلام والمسلمين، ووعد بتنفيذ برنامج ترحيل جماعي ووقف "أسلمة" أوروبا.
ويمثل "كيكِل" تيارا سياسيا متطرفا يدعو إلى إغلاق الحدود في وجه اللاجئين والمهاجرين، خاصة المسلمين، وهو معروف باستخدامه لخطاب يثير الجدل، ويحتوي على إشارات تتقاطع مع بعض الرموز النازية.
وعزز كيكل شعارات حزبه المناهضة للإسلام وألقى عام 2016 كلمة معادية للإسلام في اجتماع لشبكات يمينية متطرفة.
وأثناء الحملة الانتخابية، رفع شعار "داهام بدل الإسلام" و"داهام" تعني المنزل أو الوطن.
ويصف محللون من أقصى اليمين التحول المؤيد لإسرائيل في الحزب بأنه إستراتيجي ويستند إلى “عدو مسلم مشترك” وليس نتيجة لأي محاولة صادقة للتخلص من ماضيه النازي.
ولا يعني هذا أن العداء للإسلام والمسلمين سيبدأ مع تولي "حزب الحرية" رئاسة الحكومة المقبلة، وإنما سيزيد.
فقد عمل سلفه (حزب الشعب) الحاكم سابقا على شيطنة المسلمين وهاجم العديد من منازلهم وشركاتهم بحجة أنهم من "جماعة الإخوان المسلمين"، وتبين لاحقا دور الإمارات في هذا التحريض ضد مسلمي النمسا.
فقد طبق حزب الشعب النمساوي قائمة طويلة من السياسات المعادية للمسلمين، وتحت قيادته تم إغلاق المساجد، وحُظر الحجاب في العديد من المؤسسات التعليمية، ووضعت خطط لحظره في نهاية المطاف على طلاب الجامعات وموظفي الخدمة المدنية.
كما تزايدت الرقابة على الجمعيات الإسلامية من قبل جهاز المخابرات وتم تجريم جمعيات إسلامية، وإنشاء مؤسسات ممولة من الدولة مثل "مركز توثيق الإسلام السياسي"، وهي منظمة استشارية تقوم بإعداد ونشر تقارير نقدية عن مسلمي النمسا.
وكان التقرير الرئيس الذي أرسى الأساس لسياسات حزب الشعب النمساوي المعادية للمسلمين، والذي تم الاستشهاد به 14 مرة في مذكرة التفتيش الخاصة بـ "عملية الأقصر" عام 2020.
والتي استهدفت مسلمين بعنوان "الإخوان المسلمون في النمسا"، وتم تمويل التقرير بمساهمة بحوالي 100 ألف دولار، وألّفه شخص يدعى لورينزو فيدينو، تبين لاحقا أن له علاقة بالإمارات.
وكشف تحقيق نشرته مجلة “بروفيل” النمساوية في 2 أبريل/ نيستن 2023، عن روابط وثيقة لدولة الإمارات في التحريض على إطلاق "عملية الأقصر" الأمنية ضد الجالية المسلمة في النمسا.
وخلص تحقيق المجلة إلى أن "عملية الأقصر" ضد أعضاء مزعومين في جماعة الإخوان المسلمين التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، إلى الدور البارز الذي لعبه لورنزو فيدينو مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن ومركز هداية الإماراتي للوصول إلى تنفيذ عملية الأقصر والتحريض ضد مسلمي النمسا.
وقالت مجلة "بروفيل" في نوفمبر 2024: إن “حزب الشعب ومعه حزب الحرية (اللذين سيشكلان الحكومة) دعما وطرحا قانونا لحظر الإسلام السياسي”.
وقالت إن هذا المقترح يُقارن بـ"قانون حظر النازية" وقد جرت مناقشته مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب نيوس الليبرالي كجزء من المفاوضات الجارية لتشكيل الائتلاف الحاكم.
وفي نوفمبر 2024، كشفت دراسة صادرة عن وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية (FRA) عن تزايد مشاعر التمييز التي يشعر بها المسلمون في النمسا، وأنهم الأكثر تعرضا للتمييز في الاتحاد الأوروبي، وخاصة الشباب منهم.
ضد الاتحاد الأوروبي
من جانبها، أشارت مجلة "إيكونومست" البريطانية في 10 يناير إلى أن صعود "كيكل" في النمسا يثير القلق من تزايد النفوذ اليميني المتطرف في وسط أوروبا.
قالت إنه رغم حجمها الصغير، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة، قد تصبح النمسا نقطة محورية في التوترات الأوروبية الحالية، إذ يعزز "كيكل" المخاوف بشأن التفكك الداخلي أمام التحديات التي تواجه القارة الأوروبية.
كما أن توجهاته تتسم بعداء واضح تجاه الاتحاد الأوروبي، ويشجع على سياسة انعزالية في النمسا وينضم إلى مجموعة من السياسيين الذين يظهرون دعما علنيا لروسيا، ويتبنون سياسات مناهضة للاتحاد الأوروبي.
حيث يُعد صعود "كيكل" في النمسا جزءا من اتجاه أوسع في وسط وشرق أوروبا حيث تتزايد قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تُظهر تعاطفا مع روسيا، بمن في ذلك قادة مثل: "فيكتور أوربان في المجر، و"روبرت فيكو في سلوفاكيا
وتثير هذه السياسات قلقا كبيرا حيث يعد هؤلاء القادة أصدقاء مقربين من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ويعارضون بشدة العقوبات الأوروبية على روسيا.
ولا تُعد النمسا عضوا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لكنها عضو في الاتحاد الأوروبي. ومن ثم، فإن توجهاتها السياسية قد تؤثر في ديناميكيات الاتحاد في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا تحديات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
فضلًا عن ذلك، فإن صعود "كيكِل" يمثل تهديدا للوحدة الأوروبية، وهو ما يعزز مخاوف القادة الأوروبيين من أن تزداد صعوبة تنسيق سياسات الاتحاد ضد روسيا في حال تولي قادة مثل "كيكل" زمام الأمور في دول أوروبية أخرى.
المصادر
- Herbert Kickl, Austria’s hard-right ideologue who played the long game
- Austria election results put far-right Freedom Party on top, but leader Herbert Kickl faces coalition hurdles
- A Far-Right Government in Austria Would Be a Jolt, but Not Unexpected
- Herbert Kickl, Austria’s far-right leader eyeing the chancellorship
- تقرير يكشف تصاعد التمييز ضد المسلمين في النمسا بزيادة 70% في شتايرمارك