ترامب يرفض الحرب وتركيا بالمرصاد.. ما مصير خطط إسرائيل بشأن مستقبل سوريا؟

حسن عبود | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

أنهى السقوط السريع لنظام بشار الأسد فصلا دمويا من الحرب على الشعب السوري، لكنه شكّل أيضا بداية لتوغل إسرائيلي في بلد ممزق يحاول التعافي من آثار حكم بالحديد والنار لعقود عديدة.

فبعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تحركت إسرائيل سريعا وتوغلت في عمق الحدود، فيما قالت إنها "خطوة دفاعية مؤقتة لحماية أمنها"، لكن بدأت مخططاتها تتكشف وتثير مخاوف من احتلال طويل الأمد.

خطط متقدمة

إذ تخطط إسرائيل لإنشاء منطقتي سيطرة ونفوذ بما يتيح العمل بحرية داخل الأراضي السورية، وسط توجس من الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت في 9 يناير/كانون الثاني 2025 عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمهم، أن الجيش الإسرائيلي يهدف إلى الحفاظ على منطقة عازلة عملياتية على بعد 15 كيلومترًا داخل الأراضي السورية “لمنع الهجمات على مرتفعات الجولان” المحتلة.

وتتضمن الخطة أيضًا إنشاء منطقة بعرض 60 كيلومترًا تحت مراقبة الاستخبارات الإسرائيلية "لإحباط التهديدات المحتملة".

وقالت الصحيفة إن المسؤولين الإسرائيليين برروا هذه الإجراءات بالتعبير عن عدم الثقة في الإدارة السورية الجديدة.

وانتقد المسؤولون الدول الغربية لتعاملها مع الإدارة الجديدة، ووصفوا تصرفاتها بأنها "ساذجة وخطيرة".

وقال مسؤول كبير لم يكشف عن اسمه: "إن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا تسارع إلى احتضان الشرع الذي نعده شخصا خطيرا".

وتابع: "الغرب يتجاهل عمداً التهديد الذي يشكله الشرع، في حين تدرك الدول العربية المجاورة المخاطر وتحذر منه".

كما أعرب المسؤول عن إحباطه إزاء القرار الأميركي الأخير برفع مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الشرع وتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.

وأكد مسؤول آخر أنهم "منعوا إيران من اكتساب موطئ قدم في سوريا، فلن نسمح لـ(حركة المقاومة الإسلامية) حماس أو الجهاد الإسلامي بتأسيس وجودهما هناك".

ومنذ أن أطاحت قوى الثورة ببشار الأسد في 8 ديسمبر، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على سوريا منتهكة سيادة البلاد.

كما أنهت من جانب واحد اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 مع سوريا، ونشرت قوات في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان المحتلة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "هذه المنطقة كانت تحكمها على مدار قرابة 50 عاما منطقة عازلة اتُفق عليها عام 1974 بموجب اتفاقية فك الارتباط، وقد انهارت الاتفاقية بترك الجنود السوريين لمواقعهم".

واحتلت قوات إسرائيلية جبل الشيخ الذي يطل على الأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا ولبنان والأردن، مما يطرح تساؤلات عن إمكانية أن تنسحب تل أبيب من هذا الموقع العسكري الإستراتيجي.

وقال نتنياهو في كلمة له من على قمة الجبل، إن “إسرائيل ستبقى هنا على الحدود السورية لحين التوصل لترتيب مختلف”.

وضمن خطط توسيع احتلالها للأراضي السورية، توغلت أخيرا قوات وجرافات ودبابات إسرائيلية باتجاه منطقة بدعا القريبة من العاصمة دمشق، في احتلال جديد لأراضٍ تضاف إلى الجولان الذي تحتله منذ سنوات جنوب غربي البلاد.

وشرعت القوة المتوغلة في أعمال حفر وشق طرق ترابية من الحدود الفلسطينية المحتلة باتجاه منطقة الدريعات، حيث دمرت أراضي زراعية باستخدام جرافات، ما جعلها غير صالحة للاستخدام.

وأعلن جيش الاحتلال في 15 يناير، الاستيلاء على 3300 وسيلة قتالية من الأراضي السورية بعد سقوط نظام الأسد وتشمل دبابات وأسلحة مضادة للدبابات وذخيرة وأدوات مراقبة.

وبينما تزعم إسرائيل أن وجودها مؤقت، ألمح المسؤولون إلى ضرورة الحفاظ على النفوذ في سوريا بالمستقبل المنظور، في وقت باتت قواتها على مشارف دمشق.

وكانت إسرائيل تفضل في السابق بقاء نظام الأسد في السلطة على اعتبار أنه "لاعب مفيد" لم يطلق رصاصة واحدة تجاه الجولان طوال سنوات حكمه الـ 24، في وقت تتصارع الآن مع حالة من عدم اليقين بشأن القيادة السورية الجديدة.

وتعمل إسرائيل على تصعيد التوترات في المنطقة مع تطوير خططها بشأن سوريا، في وقت تسعى فيه إلى الحصول على الدعم الدولي بعد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في 20 يناير.

تقسيم سوريا

وأكثر من مجرد التوغل واحتلال أراضٍ حدودية، تدور مناقشات في الأوساط الرسمية الإسرائيلية من أجل تقسيم سوريا إلى "كانتونات".

ففي 7 يناير، ترأس وزير الجيش يسرائيل كاتس اجتماعًا وزاريًا صغيرًا سبق مناقشة مع نتنياهو، وركز على التدخل التركي في سوريا، وكيفية التعامل معه، وفقًا لمعلومات حصلت عليها صحيفة إسرائيل اليوم.

وتناولت مداولات مجلس الوزراء تطورات الأوضاع في سوريا، وخاصة معالجة المخاوف بشأن الشرع، و"سلامة الأقليتين الدرزية والكردية في المنطقة"، وفق ما نشرت الصحيفة في 9 يناير.

واقترح وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين عقد مؤتمر دولي يركز على سوريا، بهدف تأمين الحدود الشمالية وتمكين تدابير الدفاع النشطة ضد التهديدات التي تشكلها "المنظمات المتمردة" وتعمل خارج إطار اتفاقيات فصل القوات القائمة، وفق تعبيره.

وشملت المناقشات النظر في مبادرة - بدأ كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في دراستها منذ انهيار نظام الأسد - تقترح تقسيم سوريا إلى مناطق إقليمية (كانتونات).

وجاء الهدف المعلن لهذا المخطط تحت عنوان "حماية أمن وحقوق جميع الجماعات العرقية السورية"، في وقت تخشى إسرائيل تعاظم نفوذ تركيا في سوريا، من خلال عملها على طرد المنظمات الكردية الانفصالية.

وبينت صحيفة إسرائيل اليوم أن تل أبيب تهدف أيضا إلى منع إيران ومليشياتها من إيجاد موطئ قدم في سوريا، وهي ذريعة تثير اليوم سخرية كبيرة بعد تغير الإدارة وطرد طهران وحزب الله اللبناني، حليفي الأسد من البلاد.

واقترح الوزير كوهين أن يتم دراسة هذه المبادرة خلال المؤتمر المقترح، والذي لم يكشف عن موعده وباقي تفاصيله.

لكن ترى الصحيفة أن التحدي الأساسي هو أن أي مبادرة مرتبطة بإسرائيل من المرجح أن تواجه مقاومة كبيرة داخل سوريا، "مما يستلزم إبقاء هذه المناقشات سرية".

وفي ظل ذلك، رأى مسؤولون إسرائيليون من جميع المستويات أن سيناريو الانسحاب الإسرائيلي لا يزال بعيدا في ظل الوضع السوري الجديد.

ومنذ سقوط الأسد، تنبهت العديد من الأطراف ومن بينها الإدارة السورية الجديدة وكذلك تركيا إلى خطر تقسيم سوريا، عبر دعم إسرائيل للتنظيمات الكردية المسلحة في شمال شرق البلاد.

ولطالما ألمحت إسرائيل إلى دعمها إقامة دولة كردية على حدود تركيا لموازنة النفوذ الإيراني والتركي على حد سواء.

وقال موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي إن "التطورات الأخيرة في سوريا، التي جعلت البلاد عرضة للانقسام، دفعت كلا من تركيا وإسرائيل إلى نشر قوات على الأرض، كل منهما في مناطق مختلفة".

وأشار إلى أن “سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا (بعد سقوط نظام بشار الأسد) تقرب تركيا وإسرائيل من المواجهة المسلحة المباشرة"، وفق وصفه.

وأكد أردوغان في 6 يناير أن بلاده لن تسمح بتقسيم سوريا “وستتخذ الإجراءات اللازمة إذا شعرت أن هناك خطرا ينذر بتفكّكها”.

كما أفاد بأن نهاية المسلحين الأكراد في سوريا تقترب، مؤكدا أنه لا مكان للإرهاب، وأن من يدعمون الإرهابيين سيدفنون مع أسلحتهم، وفق تعبيره.

وفي إشارة إلى تدخل عسكري محتمل ضد الوحدات الكردية في سوريا، صرح أردوغان بأنه "في حال تعاظم الخطر، يمكننا التدخل بشكل مفاجئ، في ليلة واحدة.. لدينا القدرة على ذلك".

وعاد أردوغان في 15 يناير للقول إن “على إسرائيل الانسحاب من الأراضي السورية، ولن نسمح بحدوث أي شكل من أشكال الفوضى في سوريا”.

وقال: “فلتسحب كل القوى يدها من المنطقة ونحن سنتمكن مع أشقائنا السوريين من سحق تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب” الكردية.

بدوره، قال أحمد الشرع: “لن نسمح بتشكيل منصة انطلاق لهجمات (حزب العمال الكردستاني) ونتفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية لحل أزمة شمال شرقي البلاد". 

وتابع الشرع في مقابلة تلفزيونية نهاية العام 2024 أن “الأكراد جزء لا يتجزأ من المكونات السورية” مشددا على أنه “لا تقسيم لسوريا بأي شكل، ولا فيدرالية”.

ما القادم؟

يعكس قرار التحرك الميداني الإسرائيلي السريع، مخاوفها من احتمال وقوع هجمات مفاجئة عليها، مثل تلك التي أدت إلى اندلاع حرب عام 1973، وكذلك الهجوم من غزة في عام 2023، وفق ما زعمت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 11 يناير.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر خلال يناير: “إن إسرائيل تراقب الوضع في سوريا من كثب، ولن تعرض أمنها للخطر. لن نسمح بتكرار سيناريو 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) على أي جبهة"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى.

وانتقدت القيادة السورية الجديدة التحركات العسكرية الإسرائيلية، لكنها لم تقدم على أي خطوة عملية، بينما تحاول استعادة الأمن الداخلي وتأسيس نظام جديد.

ووصفت فرنسا وعدة دول عربية، توغلات إسرائيل بأنها انتهاك للهدنة المستمرة منذ عقود، ودعتها إلى الانسحاب. 

واتهمت مصر إسرائيل بـ "استغلال حالة عدم الاستقرار الحالية في سوريا لتوسيع سيطرتها الإقليمية وفرض أمر واقع جديد على الأرض".

ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم لن ينسحبوا إلا بعد وضع "ترتيبات جديدة" على طول الحدود. 

ونظراً للوضع الداخلي الفوضوي في سوريا، فإن ذلك قد يستغرق شهورا أو حتى فترة أطول، ما قد ينجم عنه تطور في الخطط الإسرائيلية نحو احتلال طويل.

ولم تكن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب بعيدة عن هذه التطورات، حيث كشفت القناة الـ12 العبرية أنها وجهت رسائل واضحة لإسرائيل تتعلق بسوريا.

ودعت إدارة ترامب إسرائيل إلى “ضرورة تجنب أي تصعيد غير ضروري أو تصريحات يمكن أن تؤدي إلى صراعات في المنطقة، خاصة خلال الفترة الانتقالية لبدء ولايته”، وفق ما قالت القناة في 13 يناير.

وأكد مساعدو ترامب أن الإدارة القادمة تهدف إلى تحقيق استقرار في الشرق الأوسط، مع التركيز على إدامة السلام بين إسرائيل ولبنان واستمرار وقف إطلاق النار.

وأضافوا أن ترامب شدد خلال محادثاته مع مسؤولين إسرائيليين، على عدم وجود نية لديه للدخول في حرب جديدة في الأيام الأولى من رئاسته، إذ يرغب في توجيه جهوده نحو معالجة القضايا الداخلية الأميركية.

ويعكس تصميم ترامب على وقف إطلاق النار في غزة قبل موعد تنصيبه في 20 يناير، جزءا من إستراتيجيته الهادفة إلى استقرار المنطقة، خاصة مع تلميحات عن عدم رضاه عن سياسات نتنياهو التصعيدية.

وخلال يناير، نشر ترامب على منصة التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، مقطع فيديو مثيراً للجدل تضمَّن شتائم نابية بحق نتنياهو.

ويظهر في الفيديو الخبير الاقتصادي جيفري ساكس، وهو يوجِّه انتقادات حادة لنتنياهو متهماً إياه بالتلاعب بالسياسة الخارجية الأميركية، وتنظيم "حروب لا تنتهي" في الشرق الأوسط.

وقال ساكس: "لقد أدخلنا نتنياهو في حروب لا نهاية لها، وبسبب قوة تأثير جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في أميركا، فقد حصل على ما يريده"، موجها شتائم نابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي.

وقال معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب في 12 يناير، إن التطورات في سوريا تفرض على إسرائيل تحديات جديدة وفرصاً محتملة.

وبين أن حالة عدم اليقين المحيطة بسياسة النظام الجديد تتطلب من إسرائيل الحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية العسكرية للتعامل مع التهديدات الناشئة، والنوايا غير الواضحة للجهات الفاعلة الرئيسة - بما في ذلك تركيا - وإعادة تأسيس محور إيران وحزب الله المحتمل داخل سوريا. 

ولكنه أكد في الوقت نفسه، أن تصريحات أحمد الشرع المنضبطة بشأن إسرائيل، ووجود عناصر معتدلة، وضعف "محور المقاومة" بقيادة إيران، فضلا عن ضعف روسيا في سوريا، أمور من شأنها أن تخلق فرصاً للمشاركة الدبلوماسية. 

وتابع المعهد: “يتعين على إسرائيل أن تستعد لكلا السيناريوهين: سوريا مستقرة بقيادة نظام معتدل وفعال أو بلد يعمل كأرض خصبة للجهات الفاعلة التي قد تهدد أمننا”.

 ورأى أنه للتعامل مع كلا الاحتمالين، يتعين على إسرائيل أن تتبنى سياسة تشجع التطورات الإيجابية عبر المشاركة في الجهود الرامية لاستقرار المنطقة، وفق تعبيره.