تراجع حزب الله وفوز جوزيف عون بالرئاسة.. ماذا بقي لإيران من نفوذ في لبنان؟
"محور الممانعة لم يعد يمتلك الأوراق اللازمة للسيطرة على قرار لبنان"
شكل انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيسا للبلاد، اختبارا حقيقيا لمدى تراجع نفوذ حزب الله السياسي بعدما فقد كثيرا من أوراق القوة لديه داخليا وإقليميا.
إذ لم يتمكن حزب الله الذي يتبع لـ "محور المقاومة" بقيادة إيران من فرض مرشحه لرئاسة البلاد ممثلا بزعيم تيار "المردة" سليمان فرنجية.
وسحب فرنجية ترشحه عشية جلسة انتخاب الرئيس اللبناني في البرلمان اللبناني في 9 يناير/كانون الثاني 2025، وذلك بعد أكثر من عامين على شغور المنصب.
انتخاب رئيس
وفاز جوزيف عون (61 عاما) بالرئاسة في الدورة الثانية من الاقتراع بـ99 صوتا من أصل 128 نائبا يشكلون كل أعضاء مجلس النواب وقد حضروا جميعا الجلسة.
وبحسب مصدر قريب من نواب حزب الله وحركة أمل المعروفين بـ "الثنائي الشيعي" فإنهم صوتوا في الدورة الأولى بـ"ورقة بيضاء"، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
ورُفعت الجلسة لساعتين بعد الدورة الأول التقى خلالها ممثلان لحزب الله وحركة أمل جوزيف عون في البرلمان لتشهد الدورة الثانية حصول الأخير على أكثرية نواب الحزبين البالغ عددهم ثلاثين ما منحه الأكثرية النيابية المطلوبة للفوز.
وبعد خروجه من مجلس النواب، قال رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد، للصحفيين: "أردنا من خلال تأخير تصويتنا لفخامة الرئيس أن نرسل الرسالة بأننا كما كنا حماة السيادة الوطنية فإننا حماة الوفاق الوطني في هذا البلد".
وجاء وصول جوزيف عون إلى قصر بعبدا الرئاسي في بيروت، نتيجة لتراجع نفوذ "حزب الله" داخليا، بعد خروجه منهكا من حرب إسناد غزة، وفاقدا قادته وعلى رأسهم زعيمه الأسبق حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل ببيروت في 27 سبتمبر/أيلول 2024.
وكذلك، لتوقف طريق الإسناد العسكري الإيراني لحزب الله بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، عقب عمليات عسكرية لقوى الثورة السورية دامت عشرة أيام.
وقد شكلت تلك المتغيرات المتسارعة في المنطقة نكسة كبيرة لرأس المحور الإيراني ممثلا في حزب الله الذي تأسس على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982 وتلقى الدعم بالمال والسلاح منذ ذلك الحين.
ووفق الخبراء، لا يقتصر تراجع نفوذ حزب الله السياسي في لبنان على انتهاء معادلة إيصال رئيس "مطمئن للمقاومة" التي كان يتمسك بها حسن نصر الله حتى اغتياله، بل للتغيرات الجديدة التي تسعى إدارة جوزيف عون لتطبيقها في العهد الممتد لخمس سنوات.
ففي خطابه الأول بعد انتخابه، أكّد عون "بدء مرحلة جديدة للبنان"، مؤكدا على "حق الدولة في احتكار السلاح"، في إشارة إلى حزب الله الذي كان يهيمن بقوة السلاح على البلاد.
وأضاف عون "عهدي أن أمارس دوري كقائد أعلى للقوات المسلحة ورئيس للمجلس الأعلى للدفاع، بحيث أعمل من خلالهما على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح".
وتابع أنه سيسعى لبناء "دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويسهم في تثبيتها جنوبا وترسيمها شرقا وشمالا وبحرا ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب.. ويطبّق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة (مع إسرائيل) ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية".
"خسارة إستراتيجية"
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، عارض حزب الله ترشيح جوزيف عون للرئاسة وأصر على اسم سليمان فرنجية.
ولهذا فقد تضمن خطاب الرئيس المنتخب رسائل واضحة إلى حزب الله، القوة الوحيدة غير الشرعية التي تحتفظ بسلاحها كمقاومة بوجه إسرائيل.
وقد بدا عدم الارتياح من نواب حزب الله لتلك الرسائل خاصة تلك المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة.
إذ لم يصفق هؤلاء لكلمة جوزيف عون في مقرّ البرلمان فور إعلان فوزه من قبل رئيس البرلمان نبيه بري.
وقد تعهد الرئيس الجديد باعتماد "سياسة الحياد الإيجابي"، بعيدا عن المحاور الإقليمية، مع بناء أفضل العلاقات مع الدول العربية.
وضمن هذا السياق، يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ"الاستقلال" إلى أن “انتخاب جوزيف عون رئيسا للبنان يعد بالفعل انكسارا واضحا لنفوذ محور الممانعة في البلاد وخسارة إستراتيجية لهذا النفوذ”.
وأرجع ذلك إلى أن انتخابه "جاء رغما عن هذا المحور الذي حاول إعاقة الأمر حتى اللحظة الأخيرة ثم قبل بالتصويت بعدما أجل الثنائي الشيعي التصويت للجلسة الثانية للإيحاء بأن اختياره مر حكما عبر هذا الثنائي".
وأضاف بشارة: "نتحدث في الوقت الراهن عن موازين قوى مختلفة في لبنان وعن انكسار شوكة محور الممانعة وعن إقراره بأنه لم يعد يمتلك الأوراق اللازمة للسيطرة على قرار البلاد كما في السابق".
وبهذا يمكن القول إن مرحلة جديدة قد بدأت في لبنان مدعومة عربيا ودوليا ومستندة إلى قوى داخلية لها حضورها الأكيد في المعادلة اللبنانية وتؤكد تراجع نفوذ حزب الله، وفق تقديره.
ورأى بشارة أن "انتخاب عون ينقل لبنان من مرحلة الوصاية والفساد إلى أخرى يبني فيها دولة جدية وطبيعية".
واستدرك: "كما أن انتخاب جوزيف عون يرسخ سيادة لبنان وحصر السلاح بيد الدولة ومسؤوليتها الحصرية عن الأمن والحدود".
وسبق لحسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو/ حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".
وخلق اجتياح حزب الله لمدينة بيروت في 7 مايو/ أيار 2008 استقطابا كبيرا ضده من مختلف القوى اللبنانية.
وذلك بعد أن تمكن منذ ذلك الوقت مع حركة أمل في فرض الهيمنة السياسية على لبنان وتحوله إلى صورة أكبر لتوسع النفوذ الإيراني في هذا البلد.
لا سيما أن حزب الله الذي يبلغ عدد مقاتليه مئة ألف في لبنان، همش دور الجيش الذي يمتلك نفس العدد من المجندين، وهو ما ترفضه دول عربية وغربية.
ولهذا ينقل موقع "نداء الوطن" اللبناني عن مصادر مطلعة قولها، إن "الضغوط والإجماع العربي والدولي حول اسم جوزيف عون كرئيس للبنان، منع حزب الله من أن يقف في وجه زخم ترشيحه".
وأضافت المصادر أن "انتخابه جاء ضمن الالتقاء الأميركي - السعودي بشكل رئيس على رئاسته.. وهذا من أبرز أوجه التبدلات الإقليمية مع سقوط محور الممانعة وتراجعه الكبير في المنطقة".
"انتصار الثورة السورية"
وفي خضم انشغاله بمعركة ضد إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023، تلقى حزب الله خسارة سياسية فادحة بعد إقدام زعيم "التيار الوطني الحر" المسيحي، جبران باسيل، على إنهاء تحالف دام عقدين من الزمن.
وخرج باسيل في 22 أكتوبر 2024 وحمّل حزب الله ما سماه "خطأ إستراتيجيا باتباع سياسة وحدة الساحات عند فتحه جبهة الإسناد اللبنانية دفاعا عن غزة”، قائلا: "حيث ظهر ما كنا نقوله بأن لا مصلحة لبنانية بذلك، ربما هناك مصلحة لدول ثانية في المحور ولكن ليس لبنان" في إشارة إلى إيران.
وبذلك فقد حزب الله الغطاء المسيحي لسياساته في لبنان حيث رأى حينها أن إعادة تقييم "التيار الوطني الحر" هذا التحالف سيزيد من “عزلة الحزب".
وجاء ذلك على الرغم من أنه في عام 2016 اختار مجلس النواب اللبناني زعيم التيار الوطني الحر السابق ميشال عون، رئيسا للجمهورية.
وتحقق ذلك بدعم من حزب الله الذي عطل البرلمان حينها لأكثر من سنتين ومنعه من الانعقاد لانتخاب رئيس خلفا لميشال سليمان، الذي انتهت ولايته في مايو/أيار 2014.
وضمن هذه الجزئية، أشار عضو في مجلس النواب اللبناني وضاح صادق، إلى أن التيار الوطني الحر إلى جانب الثنائي الشيعي "حزب الله - حركة أمل" شكلوا منذ عام 2011 تكتلا ثلاثيا هيمن على المشهد السياسي في لبنان.
وأضاف في تصريحات تلفزيونية: "أنه مع انتخاب جوزيف عون رئيسا، طويت صفحة سوداء من تاريخ هذا البلد بعدما أوصله هذا الثلاثي إلى انهيارات مالية واقتصادية وخسارة أموال المودعين اللبنانيين في المصارف فضلا عن الفساد الكبير داخل المؤسسات وصولا إلى حرب مدمرة".
وقال صادق: "الضربة الإسرائيلية على حزب الله كانت كبيرة وجعلتهم يخسرون بيئتهم الحاضنة".
ورأى أن "إقفال الحدود من قبل سوريا وانتصار الثورة السورية جعل حزب الله في موقف ضعف أمام السير في تعطيل الاستحقاق الرئاسي".
وهذه المرة الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (عام 1990)، التي ينتخب فيها رئيس لبناني بدون موافقة مسبقة من إيران ونظام بشار الأسد المخلوع.
وتقول المحللة في معهد "شاتام هاوس" لينا خطيب لوكالة الصحافة الفرنسية إن "قبول حزب الله انتخاب جوزيف عون يعني أنه لم يعد يملي الأجندة السياسية للبنان".
ولفتت خطيب إلى أن هذا الانعطاف هو "نتيجة مباشرة للمتغيرات الجيوسياسية على النطاق الأوسع في الشرق الأوسط، أي انتهاء نفوذ إيران في المنطقة".