تركيا تدخل على الخط.. لماذا تأخر تشكيل حكومة جديدة في كردستان؟
الاتحاد الوطني الكردستاني يحكم محافظتين في إقليم كردستان العراق
رغم مرور شهرين على إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق، لم تتمكن الأحزاب الفائزة بعد من تشكيل حكومة جديدة، والتي يتقاسمها في العادة الحزبان الرئيسان "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، و"الاتحاد الوطني" بقيادة بافل الطالباني.
الانتخابات التي جرت في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حقق الحزب الديمقراطي فيها 39 مقعدا، والاتحاد الوطني 23، وجاء الجيل الجديد ثالثا بـ 15 مقعدا.
ثم الاتحاد الإسلامي بـ 7 مقاعد، والموقف الوطني 4، وجماعة العدل 3، وجبهة الشعب مقعدين، ومقعد لحركة التغيير، وآخر لتحالف إقليم كردستان.
تأخر تشكيل الحكومة رغم حديث القوى الرئيسة بعد الانتخابات عن الحرص على الاتفاق عليها، أثار جدلا واسعا خصوصا في ظل تقارير محلية تشير إلى دخول تركيا على خط الأزمة، والسعي لإبعاد الاتحاد الوطني، المعروف بقربه من إيران وحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا في أنقرة.
دور تركي
على وقع هذا التأخير، كشف تقرير نشرته صحيفة "العالم الجديد"، أن تركيا تجري تفاهمات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة الجيل الجديد، وذلك في ظل غياب كامل للفاعل الإيراني عن المشهد هذه المرة.
وبحسب تقرير الصحيفة في 9 يناير/كانون الثاني 2025، فإن زيارة رئيس وزراء إقليم كردستان العراق -منتهي الولاية- مسرور البارزاني، إلى تركيا، شهدت نقاشات ودفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة.
وأشارت إلى أن "البارزاني، التقى خلال زيارته إلى تركيا، بزعيم حراك الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد سرا، وجرى التباحث حول مشاركة الأخير في حكومة الإقليم، ومنحهم عدة مناصب، بينها رئاسة برلمان، ومنصب وزير المالية ونائب رئيس كردستان العراق".
وأجرى مسرور البارزاني زيارة إلى تركيا في 7 يناير 2024، التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحثا ملفات المنطقة وقضايا الأمن، حسب البيانات الرسمية الصادرة عن الطرفين.
كما التقى البارزاني في أنقرة وزيرَ خارجية تركيا هاكان فيدان، وناقش معه سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان وأنقرة، إلى جانب بحث آخر مستجدات الأوضاع العامة في العراق والمنطقة.
ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن "تركيا تريد استغلال الواقع الحالي، الذي يشهد تراجعا للدور الإيراني، وانشغال طهران بلملمة جراحها، نتيجة الضربات التي تلقتها في لبنان وسوريا، والتهديدات بشأن حلّ الفصائل المسلحة في العراق".
وتابعت، أن “تركيا تريد وضع الاتحاد الوطني الكردستاني في حلقة ضيقة، وألا يكون صاحب الشروط في مفاوضات تشكيل حكومة الإقليم”.
وذلك لأنه "إذا اتفق الحزب الديمقراطي والجيل الجديد، فإن الاتحاد سيكون أمام الأمر الواقع وسيضطر للقبول بكل السيناريوهات".
وخلص التقرير إلى أن "تركيا توجه رسالة جديدة بأنها اللاعب الأقوى في المنطقة، وأن دور إيران في تشكيل حكومة الإقليم انتهى، والرسالة الأخرى للاتحاد الوطني بأن عليه تنفيذ مطالب أنقرة، وعدم التعاون مع حزب العمال الكردستاني".
وتختلف أنقرة مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يدير الحكم في محافظة السليمانية وحلبجة بالإقليم، إضافة إلى محافظة كركوك.
ولطالما اتهمته بدعم حزب العمال الكردستاني، وشنت العديد من الغارات الجوية على السليمانية، استهدفت فيها عناصر من الأخير.
ومنذ أبريل/نيسان 2023، تغلق تركيا مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من وإلى السليمانية في العراق بسبب تصاعد نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني هناك، وتقول أنقرة: إن الأخير يتمركز في المدينة ويتسلل إلى المطار، وبالتالي يهدد أمن رحلاتهم.
وفي المقابل، يبسط الحزب الديمقراطي سيطرته على محافظتي أربيل ودهوك. ولدى كل حزب قوات أمنية وعسكرية، ويتحكم في واردات المحافظتين الداخلية والمنافذ الحدودية، وهو صاحب القرار فيهما بشكل مطلق.
واقع الحال
وعن مدى إمكانية إبعاد الاتحاد الوطني بدفع تركي، قال المحلل السياسي من إقليم كردستان، ياسين عزيز: إن "التدخلات الإقليمية وحتى الدولية موجودة في موضوع تشكيل الحكومة المقبلة للإقليم؛ وذلك لما للأمر من أهمية لتلك الأطراف".
وأوضح عزيز لـ"الاستقلال" أن "التدخلات ستكون نسبية، ولن تغير واقع إقليم كردستان، لا سيما المتعلقة بحتمية توافق الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني بتقدير أن لكل منهما منطقة نفوذ جغرافي".
وأشار إلى أن “هذا الأمر يجعل من المستحيل تشكيل حكومة موحدة تسيطر على الإقليم كله دون الاتفاق بينهما”.
وتوقع أن مسرور البارزاني حمل هذا الملف إلى أنقرة، إضافة إلى مواضيع أخرى مهمة أيضا منها استئناف تصدير النفط، والتطورات في المنطقة، وتحديدا سوريا بعد إسقاط نظام بشار الأسد.
ورأى عزيز أن "حركة الجيل الجديد، رغم تحقيقها نتيجة جيدة في الانتخابات، فإنها لن تستطيع أن تحل محل الاتحاد الوطني، الذي يسيطر على المنطقة بدلا منها، وبالتالي سيقتصر دورها على الجانب الإعلامي والسياسي".
أما عن تأخر تشكيل حكومة حتى الآن، أكد عزيز أن "هذا الأمر متوقع وحدث في الدورات السابقة بسبب عدم توافق الحزبين بسهولة على تقاسم المناصب العليا في الإقليم وتفاصيل الحقائب الوزارية الجديدة".
وتوقع الخبير الكردي أن “تحصل التوافقات بشكل أسرع من الدورات السابقة، لوجود حاجة ملحة للتوافق مراعاة لتطورات المنطقة”.
وبيّن أن تشكيل الحكومة يتطلب اتفاق الحزبين الرئيسين؛ نظرا لامتلاكهما الأغلبية البرلمانية، مع توقعات بمشاركة شكلية من أحزاب أخرى.
وفي هذه النقطة، حددت رئيسة كتلة "الجيل الجديد" في البرلمان العراقي، سروة عبد الواحد، خلال مقابلة تلفزيونية في 7 يناير، شروطا واضحة من أجل مشاركة الحركة في تشكيل الحكومة المقبلة.
وقالت: "إما أن يتولى رئيس الحكومة شخصية من الحركة، أو أن تُمنح الكتلة أغلبية الحقائب الوزارية (النصف+ واحد)"، مشيرة إلى أن "باقي المناصب ستكون من نصيب القوى الأخرى التي ترغب في تولي رئاسة الوزراء".
ولفتت إلى أن حركة "الجيل الجديد لم تتلقَ حتى الآن ردا رسميا على هذا المقترح"، مضيفة: "لن ننتظر طويلا، وإذا استمر غياب الرد فقد نغلق باب التفاوض".
تأخر محتمل
في المقابل، قال الكاتب والباحث السياسي الكردي سامان شالي إن تأخر تشكيل الحكومة، سببه الخلافات بين الحزبين الرئيسين بشأن المناصب.
ورأى شالي خلال مقال نشره موقع "كردستان 24" في 12 يناير، أن "الطرفين يتعين عليهما العمل بجدية أكبر للتوصل إلى اتفاق في عام 2025 لتشكيل حكومة جديدة لخدمة الشعب، لأن تأخر الأمر يتسبب في قلق الشعب بشأن خياراته الخاطئة في الانتخابات البرلمانية".
وبحسب الكاتب الكردي، فإن "تشكيل الحكومة قد يتأجل إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية أواخر عام 2025، مما يعكس الديناميكيات السياسية المعقدة في المنطقة، وسيكون هذا مدمرا لإقليم كردستان وحلفائه".
وفي السياق ذاته، نشر موقع قناة "الحرة" الأميركية تقريرا في 11 ديسمبر 2024، أكد فيه أن التوافقات تبدو صعبة في ظل ارتفاع سقف مطالب الأحزاب، والخلافات والصراعات الحزبية".
وأوضح أن "الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي حصل على 23 مقعدا، رفع سقف مطالبه إلى المطالبة بمنصب رئيس الإقليم أو رئيس حكومة الإقليم، أو تدوير المنصبين مع الحزب الديمقراطي بواقع عامين لكل حزب".
ونقل الموقع عن القيادي في حزب الاتحاد الوطني، غياث سورجي، قوله إن "أغلب الأحزاب الفائزة في انتخابات البرلمان لا ترغب في المشاركة بالحكومة، اعتمادا على تصريحات قادتها، باستثناء حزبه والديمقراطي الكردستاني".
وأضاف سورجي أن “عملية تشكيل حكومة الإقليم لن تكون صعبة، إذا توفرت الإرادة والنية الحسنة لدى الحزبين”.
ولفت إلى أن “هذه الانتخابات اختلفت فيها موازين القوى، ولا يوجد فائز مطلق يمكنه تشكيل الحكومة بمفرده، لذا لا بد من التوافق”.
وبين القيادي في الاتحاد الوطني أن حزبه يطالب بأحد منصبين في الحكومة الجديدة، إما رئيس الإقليم أو رئيس وزراء الإقليم ولن يرضى بالمناصب التي حصل عليها سابقا.
وأشار سورجي إلى أن تأخر تشكيل الحكومة قد يضع الإقليم في مأزق قانوني جديد، وقد تلجأ أحزاب معارضة إلى المحكمة الاتحادية للضغط باتجاه تشكيلها، أو إلغاء نتائج الانتخابات، مؤكدا أن الحزب الديمقراطي لن يجازف بالتحالف مع حزب آخر وإبعاد الاتحاد الوطني.
المصادر
- هل ستكون حكومة إقليم كردستان برئاسة الجيل الجديد؟
- تركيا تدخل على خط تشكيل حكومة الإقليم.. هل يتم إقصاء الاتحاد الوطني؟
- تحديات أمام حكومة إقليم كوردستان في عام 2025
- بعد إسقاط مسيرة وتعيين محافظ.. هل تفرض تركيا عقوبات على كركوك؟
- "واقع مر".. الطريق الشائك إلى حكومة كردستان العراق
- مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان يزور تركيا