دماء على أبواب قصر الرئاسة بتشاد.. محاولة اغتيال أم رسالة فرنسية؟
حدثت تراشقات لفظية بين ماكرون ونظيره التشادي قبل الهجوم
كانت الأجواء هادئة قرب القصر الرئاسي التشادي في العاصمة نجامينا، ليلة 8 يناير/كانون الثاني 2025، حتى سمع دوي إطلاق نار كثيف، استمر زهاء ساعة.
بعدها أعلن وزير الخارجية المتحدث باسم الحكومة التشادية عبدالرحمن كلام الله في مقطع فيديو بث مباشرة على الهواء عبر "فيسبوك"، بأن "الوضع تحت السيطرة بالكامل"، وأنه "جرى القضاء على محاولة زعزعة الاستقرار هذه برمتها".
ثم أوضح الوزير أن مجموعة مسلحة تألفت من 24 شخصا، هاجمت القصر وسقطت جميعا بين قتيل وجريح.
وأشار إلى أن عدد القتلى في صفوف المهاجمين بلغ 18 قتيلا، بينما بلغت الحصيلة في صفوف الأمن الرئاسي الذي أحبط الهجوم قتيلا واحدا.
بعدها انتشرت قوات الأمن بشكل مكثف في محيط القصر الرئاسي، وأغلقت الطرق المؤدية إليه بالدبابات ونشرت عناصر مسلحة عند نواصي الشوارع.
فيما نقلت وكالة “فرانس 24” الفرنسية، عن مصدر أمني لم تسمه أن المهاجمين ينتمون إلى جماعة بوكو حرام، التي تنشط في منطقة بحيرة تشاد على الحدود مع الكاميرون ونيجيريا والنيجر.
ومع ذلك نفت العديد من المواقع الخبر، في وقت لم تتبن جماعة بوكو حرام نفسها العملية كما تفعل على الدوام.
خاصة أن وزير خارجية تشاد ذكر أن المهاجمين لم يحملوا أسلحة ثقيلة، وكانوا مدججين بأخرى يدوية تقليدية.
تراشق مع فرنسا
ألقى سياسيون ومهتمون بالشأن الإفريقي الاتهامات على فرنسا، وأنها تسعى لإسقاط حكم الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إتنو، الذي كان في القصر الرئاسي وقت الهجوم.
وقبل الهجوم بأقل من 48 ساعة، حدثت تراشقات لفظية بين تشاد وباريس، إثر انتقادات حادة وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لقادة العديد من الدول الإفريقية ومنهم تشاد.
إذ قال خلال اجتماعه السنوي مع سفراء باريس في القارة السمراء، إن "بلاده كانت محقة في تدخلها عسكريا في منطقة الساحل ضد الإرهاب منذ عام 2013"، وأضاف: "لكن القادة الأفارقة نسوا أن يقولوا شكرا لفرنسا على هذا الدعم".
وهو ما دفع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي للرد عليه في اليوم التالي، خلال كلمة ألقاها من قصره الرئاسي وبثتها الصفحة الرئاسية التشادية على "فيسبوك".
وقال ديبي: "أود أن أعرب عن استيائي من التصريحات التي أدلى بها أخيرا، الرئيس ماكرون، وتصل إلى حد ازدراء إفريقيا والأفارقة، وأعتقد أنه أخطأ في الحقبة الزمنية".
وتساءل الإعلامي الجزائري أحمد حفصي، عبر "إكس" قائلا: "هل الهجوم الذي استهدف القصر الرئاسي في عاصمة تشاد، محاولة للانقلاب على الرئيس التشادي، بعد ساعات من تصريحاته النارية ضد فرنسا؟ وهل توجد صلة بين المخابرات الفرنسية وتنظيم بوكو حرام.. الإجابة (نعم)".
قبل الطرد
وجاء الهجوم على القصر الرئاسي والتراشق بين نجامينا وباريس، عقب واقعة أكبر، جرت في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، عندما أعلن وزير الخارجية التشادي أن بلاده ألغت اتفاقيات التعاون الأمني والدفاعي مع فرنسا، وذلك بعد ساعات قليلة على زيارة نظيره الفرنسي "جان نويل بارو" لتشاد.
ويتمركز نحو ألف جندي فرنسي في تشاد، التي كانت واحدة من حلفاء فرنسا التاريخيين بإفريقيا.
وتسبب موقف تشاد في غضب بعض السياسيين الفرنسيين، الذين شنوا هجوما على ماكرون، وحملوه المسؤولية.
وقد وصف عضو البرلمان الأوروبي، الفرنسي تييري مارياني، قرار تشاد بأنه "كارثة سياسية للخارجية الفرنسية".
وأشار مارياني في حديث لوكالة نوفوستي الروسية، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى أن فرنسا فقدت خلال 7 سنوات من رئاسة ماكرون كل نفوذها داخل إفريقيا.
وأوضح أن "ما حدث لعلاقة فرنسا مع تشاد مأساوي، لقد انتهت صداقة استمرت 50 عاما، وينطبق نفس الأمر على السنغال".
وأضاف: "ماكرون يتحمل مسؤولية ذلك، لقد أظهر باستمرار ازدراءه للزعماء الأفارقة، وهو نفس الاحتقار الذي يظهره للفرنسيين".
ثم استطرد: "تلاشت السياسة الفرنسية في إفريقيا، التي بناها لفترة طويلة شارل ديغول وجورج بومبيدو وجاك شيراك (رؤساء فرنسيون سابقون)، فلم يتبق لدينا سوى دولة أو دولتين على الأكثر نقيم علاقات قوية معهم".
وهو ما أكدت عليه مجلة "لوبوان" الفرنسية في 29 نوفمبر 2024، عندما نشرت مقالا حول ما تعانيه باريس جراء هذه التطورات السياسية بعنوان "رحيل الجيش الفرنسي من تشاد.. فرنسا أكثر هشاشة من أي وقت مضى".
وقالت: "إن هذه التطورات تعد منعطفا حقيقيا في علاقة القارة السمراء بفرنسا التي كانت إلى جانب بريطانيا قوة استعمارية رئيسة".
دور فرنسا
وأشار الخبير المختص بالشأن الإفريقي بدر حسن الشافعي، إلى أن فرنسا قد تكون متورطة بشكل أو بآخر في تلك العملية.
وذكر في مقال على موقع "الجزيرة نت" في 10 يناير 2025، أنه إذا كانت فرنسا غير ضالعة على الأقل ظاهريا في هذا الهجوم، فقد تكون أحد المستفيدين منه.
وذلك لأنه يفند الرواية التي قدمها النظام للشعب التشادي، بضرورة رحيل القوات الفرنسية، لأنها لم تثبت كفاءة في حماية البلاد من الإرهاب.
وبين أنه وفق المنطق الفرنسي، وحسب تصريحات ماكرون الأخيرة، تحتاج هذه الدول، وتشاد تحديدا، لبقاء القوات الفرنسية بصورة أو بأخرى.
وعلل هذا بالتزامن بين الهجوم وخروج القوات الفرنسية، وأن باريس تبعث برسالة أنها هي الداعم الوحيد لتلك الأنظمة للحد من العمليات الإرهابية.
خاصة أن عملية الانسحاب المقررة لهذه القوات وعددهم ألف جندي لم تكتمل بعد، رغم أن السلطات التشادية حددت موعدا أقصى لهذا الانسحاب نهاية يناير 2025، لكنه يمكن أن يؤجل.
أهمية تشاد
وتشاد التي تتحدث "الفرنسية" كلغة رسمية، تقع في وسط إفريقيا، وتحدها من الشمال ليبيا ومن الشرق السودان ومن الجنوب إفريقيا الوسطى ومن الغرب الكاميرون ونيجيريا والنيجر.
ورغم أنها غنية بالموارد الطبيعية، مثل "النفط، واليورانيوم، والذهب، والحجر الجيري، والرمل، والملح"، فإنها من أفقر دول العالم، وأقلها في معدل التنمية، فضلا عن معاناتها من العنف السياسي والانقلابات العسكرية المتكررة.
وتقع تشاد في موقع إستراتيجي مهم لفرنسا والقوى الغربية، وفق ما رأى موقع "ديفينس ويب" الأميركي في 25 أبريل/ نيسان 2021.
وأرجع الموقع ذلك إلى قربها من النقاط الملتهبة في الحرب ضد الجماعات المسلحة بمنطقة الساحل الإفريقي، وفي مقدمتها تنظيم بوكو حرام، وكذلك لأنها معقل لرصد الأحداث السياسية في الدول المجاورة، وأهمها ليبيا والسودان.
لذلك قدمت باريس دعما قويا للنظام التشادي بقيادة الزعيم السابق إدريس ديبي، ومازالت تدعم المجلس العسكري الجديد، بقيادة نجله الشاب محمد.
ويحتل الجيش التشادي المرتبة رقم 90 بين أقوى 140 جيشا في العالم، بحسب تقرير أصدره موقع "غلوبال فاير باور" الأميركي المختص في تصنيف الجيوش، في يناير/ كانون الثاني 2022.
ويتولى الجيش الأمور في دولة مساحتها تتجاوز 1.2 مليون كيلو متر مربع، وعدد سكانها يتجاوز 16.8 مليون نسمة.
كما أن أكثر من 3 ملايين نسمة مؤهلون للخدمة العسكرية، ويصل إلى سن التجنيد سنويا 343 ألف فرد.
بينما يقدر عدد القوات العاملة في الجيش التشادي بـ30 ألفا و500 جندي، إضافة إلى 4 آلاف و500 فرد في قوات شبه عسكرية.
قبضة المستعمر
وتنظر فرنسا إلى تشاد على أنها من مناطق نفوذها التاريخي، فقد احتلتها في الفترة بين 1900 و1960.
ورغم الفتور النسبي في العلاقة مع تبني فرنسا لسياسة "فك الارتباط بالمستعمرات السابقة" في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند، فقد أولى ماكرون اهتماما خاصا لنجامينا.
وقدمت فرنسا للنظام العسكري التشادي دعما استخباراتيا ولوجستيا، وساعدته على البقاء أمام عوامل التهديد والتمرد.
وظهر هذا بوضوح عند إصرار ماكرون على حضور جنازة الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي، في 20 أبريل/ نيسان 2021، والذي قتل خلال مواجهات مع المتمردين "المدعومين من روسيا".
وعد حضور ماكرون الجنازة تحديا لتحذيرات أمنية، لكنه أراد بعث رسالة تؤكد دعم بلاده للمجلس العسكري الجديد آنذاك في تشاد، الذي نصب بعد وفاة ديبي وترأسه ابنه.
وتحتضن تشاد مركز القيادة لعملية برخان الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة غرب إفريقيا.
ويتمركز هناك قرابة ألف جندي وعدد من طائرات ميراج 2000 المقاتلة، وتضم تشاد مركز قيادة مجموعة دول الساحل الخمس، التي تشمل أيضا النيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو.
وهي دول ذات أولوية قصوى لباريس في القارة الإفريقية، وتنازع لكي تحافظ على سيطرتها هناك، في ظل محاولات أنظمة تلك الدول التحرر من قبضة المستعمر القديم.
المصادر
- 19 قتيلًا في هجوم على القصر الرئاسي التشادي.. والحكومة: سيطرنا عليه
- تفاصيل هجوم تشاد.. "أسلحة وسواطير وسكاكين" على أبواب القصر الرئاسي
- من يقف وراء الهجوم على القصر الرئاسي في تشاد؟
- رئيس تشاد يرد على ماكرون: أخطأت في الحقبة الزمنية
- تطهير القارة الافريقية من بقايا الاستعمار الفرنسي
- Chad rebels trained by Russia march on heart of Africa