عودة "لوبي فلول مبارك" لإدارة المشهد الإعلامي.. لماذا استعان بهم السيسي؟
"عبد اللطيف المناوي له تاريخ لا ينسى مع دولة مبارك"
أعلنت الشركة المتحدة المصرية للخدمات الإعلامية، التابعة لجهاز المخابرات العامة عبر بيان، في 8 يناير/ كانون الثاني 2025، تعيين الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي رئيسا تنفيذيا للأخبار والصحافة، وسمير يوسف رئيسا تنفيذيا للشبكات التليفزيونية.
ويأتي هذا الإعلان الرسمي بعد يومين من نشر خبر تعيين المناوي في وسائل الإعلام وحذفه دون إبداء الأسباب، الأمر الذي أثار تساؤلات.
وبحسب بيان المتحدة، جاء قرار تعيين المناوي ويوسف “في إطار خطة منهجية للتطوير” يتبناها مجلس إدارة الشركة برئاسة رجل المال والإعلان طارق نور.
وقد سبق الإعلان الرسمي عن تعيين المناوي، أحد رجال نظام الرئيس الراحل المخلوع محمد حسني مبارك، حالة من التخبط الإداري في المتحدة.
تاريخ لا ينسى
والمناوي سبق أن شغل مناصب متعددة، بين تأسيس قنوات إخبارية وإدارتها، ورئاسة تحرير صحف مصرية وإقليمية.
وأيضا له العديد من المؤلفات في الشؤون السياسية والاجتماعية، وهو عضو مجلس الأكاديمية الدولية للفنون والعلوم التليفزيونية في نيويورك.
وللمناوي تاريخ لا ينسى مع فترة مبارك، فعند اندلاع “ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011”، كان يتولى منصب رئاسة قطاع الأخبار في التليفزيون الرسمي.
وطال أداء القطاع وقتها انتقادات حادة تتعلق بالكفاءة والمهنية والضمير الإعلامي.
فحينما كان ميدان التحرير وكوبري قصر النيل، وبقية ميادين مصر تشتعل بالمظاهرات الغاضبة المطالبة بإسقاط النظام ورحيل مبارك، وسط الاشتباكات مع رجال الأمن وعناصر الشرطة- كان تركيز كاميرات التليفزيون المصري برئاسة المناوي، على كوبري 15 مايو الذي كان خاويا من المظاهرات، وكذلك الحرص على تصوير ساحل النيل أمام مبنى ماسبيرو وهو هادئ.
وقد هتف العشرات من العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري (آنذاك) عقب تنحي مبارك، وسقوط نظامه، ضد المناوي، مطالبين بإقالته من منصبه ومحاسبته.
التغييرات الإدارية
أما سمير يوسف الذي تم تعيينه رفقة المناوي، فقد أسس وأدار العديد من القنوات الكبرى خلال عهد مبارك، منها "آيه آر تي" وتلفزيون العرب.
كما تولى منصب الرئيس التنفيذي لشبكة "سي بي سي" التابعة للمخابرات العامة منذ 2018.
ويعد يوسف من الشخصيات التي كانت مقربة من وزير الإعلام الشهير خلال حكم مبارك، الراحل صفوت الشريف.
وجاءت تلك التغيرات العاصفة، بعد إقالة أحمد الطاهري من رئاسة قطاع الأخبار ومغادرته البلاد وسط شائعات عن اتهامات مالية.
بالتزامن مع إقالة رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشيوخ الصحفي محمود مسلم من منصب رئيس قطاع الصحف والمواقع.
وجاء تعيين المناوي تحديدا في منصب مستحدث يجمع بين إدارة قطاعي الأخبار والصحافة.
مع تزايد التكهنات بتحويل القنوات الإخبارية (القاهرة الإخبارية بالعربية والإنجليزية وإكسترا نيوز وإكسترا نيوز لايف) إلى شركات مستقلة على غرار "دي إم سي" و"سي بي سي".
وتدار القنوات الإخبارية التابعة للشركة المتحدة (القاهرة الإخبارية وإكسترا نيوز) حاليا دون منصب "رئيس قناة"، ويشرف عليها صحفيون تنفيذيون من فريق الطاهري.
فيما تأتي التطورات الأخيرة في سياق تغييرات أوسع بدأت مع تعيين اللواء حسن رشاد رئيسا للمخابرات العامة.
وكانت الشركة المتحدة قد أعلنت عن تحالفها مع شركة طارق نور القابضة وقناة المحور الفضائية من أجل وضع إستراتيجية مستقبلية لتطوير المنظومة الإعلامية.
وقضى التحالف بتعيين خبراء متخصصين في صناعة الإعلام، وإعادة تشكيل مجلس إدارة المتحدة للخدمات الإعلامية.
حيث يمتد نطاق عمل الشركة ليشمل قنوات مثل: "سي بي سي، ودي أم سي، الحياة، وإكسترا نيوز، والمحور، بالإضافة إلى عدة محطات إذاعية".
تفاعل المعارضين
وتفاعل مجموعة من المعارضين المصريين على تلك التغييرات في قالب الجهاز الإعلامي للدولة، وعودة رجال مبارك إلى المشهد.
وغرد السياسي هشام قاسم عبر "إكس" قائلا: "بعد رفع خبر تعيين عبداللطيف المناوي في شركة المخابرات الإعلامية منذ عدة ساعات، نزل الخبر من جديد، في منتصف ليل القاهرة، على طريقة لا مؤاخذة (لا تؤاخذني) يا بني، أصل أنا عندي عبده، ساعة يروح وساعة ييجي (جملة ساخرة يقصد بها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي)".
وكتب الإعلامي المعارض شريف منصور: “ذهب بعض النشطاء والمراقبين إلى أن عودة المناوي لرئاسة قطاع الأخبار والصحافة في الشركة المتحدة، وهو وفق مراقبين من كتب الخطاب الأخير لمبارك قبل تنحيه عام 2011، إلى أن هذه الخطوة ربما تشير إلى قرب كتابة خطاب تنحي السيسي..”.
وأضاف متسائلا عبر “إكس” في 8 يناير: “هل تتفقون مع هذا الطرح؟”
فيما كتب حساب باسم سيلين ساري: "السيسي بعد استعانته برجال أعمال مبارك، يستعين بكاتب آخر خطابات مبارك عبد اللطيف المناوي رئيسا للأخبار في الشركة المتحدة".
وتابعت ساخرة: "لم يبق له سوى الاستعانة بعمر سليمان (رئيس جهاز المخابرات العامة خلال حكم مبارك)، بس (لكن) ده صعب يجيبه لازم (لابد) هو اللي (الذي) يروحله (يذهب إليه) نقول الله كريم".
عودة نظام مبارك
ولا تنفصل عودة رموز نظام مبارك لاستلام ملف الإعلام، عن عودة رموز أخرى في بعض الملفات الإستراتيجية والحساسة، على رأسها الملف الاقتصادي.
ففي 25 ديسمبر/ كانون الأول 2024، اجتمع رئيس وزراء النظام مصطفى مدبولي بعدد من رجال الأعمال داخل المقر الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة، لبحث “التحديات التي تواجه الاستثمار والقطاع الخاص في مصر”.
وكان لافتا في قائمة الحضور، وجود عدد من أهم رجال أعمال نظام مبارك المعزول عقب "ثورة 25 يناير"، على رأسهم، رجل الأعمال أحمد عز القيادي البارز في الحزب الوطني المنحل والذي كان يعد من الشخصيات الأكثر تأثيرا في رسم السياسات الاقتصادية خلال عهد مبارك.
وأيضا هشام طلعت مصطفى، الذي خرج بعفو رئاسي عام 2017 بعد سجنه في قضية مقتل الفنانة سوزان تميم، وكان يمتلك روابط مع نظام مبارك، فهناك قضية فساد اعترف بها رجل الأعمال عام 2011، أمام جهاز "الكسب غير المشروع".
والقضية هي بيع مشاريع سكنية بثمن بخس لنجلي الرئيس المخلوع جمال وعلاء مبارك، بهدف التوسع واستغلال تلك الأسماء في تدعيم استثماراته.
وكذلك حسن هيكل، نجل الكاتب محمد حسنين هيكل، والذي بُرِّئ في 2020 بعد محاكمة استمرت ثماني سنوات بتهم التلاعب في البورصة بالتعاون مع علاء وجمال مبارك.
وحضر الاجتماع ياسين منصور، رئيس مجلس إدارة شركة "بالم هيلز"، وهو ابن عم آخر وزير إسكان في عهد مبارك أحمد المغربي، وقد تم منعه من السفر عام 2011 بقرار من النائب العام.
وقتها أعلن عاصم الجوهري مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع، أن اللجنة القضائية توصلت إلى معلومات تؤكد تورط منصور مع كل من علاء مبارك ووزير السياحة الأسبق، زهير جرانة، في عدة اتهامات من بينها جرائم غسيل الأموال.
وسبق كل هذا في أغسطس/ آب 2024، إصدار قرار من السيسي، بتعيين وزير مالية مبارك الأسبق، يوسف بطرس غالي، عضوا في "المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية" التابع لرئاسة الجمهورية.
نموذج متخبط
ورأى الباحث السياسي المصري أحمد راغب، أن مصطلح “عودة فلول مبارك” غير دقيق، وأن المصطلح الأفضل هو "انتصار دولة مبارك العميقة المتجذرة".
وقال راغب لـ"الاستقلال" إن "دولة مبارك لم تغب عن الحكم، وإنما تعرضت لهزة قوية خلال ثورة 25 يناير، أدت إلى إزالة الرأس فقط وبقي الجسد ينتظر رأسا جديدة لكي يتحرك ويهيمن مرة أخرى".
وأضاف: "السيسي نفسه من رجال دولة مبارك وكان مدير المخابرات الحربية خلال ذلك العهد، وبعد الانقلاب العسكري، حاول النظام الجديد أن يعيد هيكلة المؤسسات الحكومية والإعلامية والاقتصادية بل والعسكرية".
واستدرك راغب: "لكنه اصطدم بحقيقتين، الأولى عدم وجود كفاءات تستطيع قيادة تلك العملية الصعبة، وإحداث ثورة في الجهاز الإداري (المتعفن) للدولة، والحقيقة الثانية أن رجال مبارك كانوا متنفذين ولديهم إدراك أكبر بحجم المشكلات، وأنهم أبناء مرحلة تقنين الفساد وتنظيمه".
ويرى أن “ما يحدث حاليا هو محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأن عودة عبد اللطيف المناوي، وتنحية الجيل الذي كان يحاول السيسي الاعتماد عليه في ذلك الملف تحت قيادة أحمد الطاهري، يؤكد فشل السيسي ورهاناته”.
وشدد راغب على أن "هناك من يعيد هيكلة العملية السياسية برمتها في مصر، على عين السيسي سواء برضاء منه أو على مضض".