ماذا يمكن أن يتغير في المشهد اليمني بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟
مستقبل اليمن مرتبط بخيارات القوى العالمية والشرق الأوسط
بعد مرور عشر سنوات على دخول مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء والسيطرة على السلطة، لا يزال الصراع في اليمن عالقا داخل سلسلة من التوترات الداخلية والديناميكيات الإقليمية.
وحول ما يمكن أن يطرأ على المشهد اليمني من تطورات مع بداية الولاية الجديدة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يرى معهد دراسات إيطالي أن مستقبل البلاد مرتبط بخيارات القوى العالمية والشرق الأوسط.
ووصف معهد "الدراسات السياسية الدولية" سيطرة الحوثي على القصر الرئاسي بصنعاء في 20 يناير/كانون الثاني 2015 وفرضهم الإقامة الجبرية على الرئيس وقتها عبدربه منصور هادي، بمثابة انقلاب حقيقي على السلطة.
وبعد مرور عشر سنوات، قال إن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والتي انتقلت إلى عدن، تترقب نفس التاريخ الذي سيتزامن هذا العام مع تنصيب دونالد ترامب في البيت الأبيض.
وأضاف أن المعسكر المعارض للحوثيين يتطلع إلى واشنطن ليفهم أي اتجاه سيسير فيه اليمن خلال عام 2025 في ظل تعرض هدنة عام 2022 التي أسهمت في انخفاض العنف في البلاد لضغوط متزايدة.
وذكر أن المحادثات بين السعودية والحوثيين متوقفة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاريخ تنفيذ عملية طوفان الأقصى.
كما توقفت خريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار ووافقت عليها الأطراف المتنازعة قبل عام.
ثلاثة عناصر
أشار المعهد الإيطالي إلى وجود ثلاثة عناصر أساسية لفهم مسار الصراع حتى الآن في اليمن، مؤكدا أنها ستحدد شكله خلال العام الجديد.
العنصر الأول يتمثل في سيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على مناطق الشمال الغربي من البلاد.
وبحسب تعبير المعهد، بنى الحوثيون "حكومة" استبدادية تعتمد في المقام الأول على القمع والتعبئة، خاصة فيما يتعلق بتحصيل الضرائب وإدخال تغييرات على البرامج التعليمية ذات المنحى الأيديولوجي والعسكري، بغاية تمويل الحرب وتجنيد الشباب.
أما العنصر الثاني؛ فهو استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمناطق الوسطى والجنوبية الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
وقد أدى الانخفاض الكبير في قيمة العملة المحلية (الريال)، بالإضافة إلى التضخم، فضلا عن انعدام الإيرادات المالية إلى عدم صرف رواتب موظفي القطاع العام بانتظام، بما في ذلك العسكريون.
علاوة على ذلك، توقف منذ عام 2022 تصدير النفط الخام المستخرج من الحقول الخاضعة لسيطرتها، بعد استهداف الحوثيين لأنشطة التصدير في ميناءين نفطيين جنوب البلاد بطائرات مسيرة.
وقد تسببت هذه المشاكل المالية في انقطاعات متكررة للكهرباء واحتجاجات على تأخر صرف الرواتب وتوفير الخدمات.
وهذا من شأنه أن يزيد خطر اندلاع توترات في المدن الساحلية الكبرى مثل عدن والمكلا، التي يديرها فعليا المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات.
ويتعلق العنصر الثالث بالتغلغل الخارجي المتزايد في اليمن وبين الأطراف المحلية، يضيف المعهد الإيطالي.
وأكد على وجود عدد متزايد من الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة التي لها دور ومصالح إستراتيجية في الصراع اليمني.
وبين أن هذا الصراع الدائر على أطراف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أصبح في غضون عقد من الزمان، مزدحما بالجهات الفاعلة والأجندات الخارجية.
في هذا السياق، أوضح أن التدخل العسكري للتحالف الذي قادته السعودية عام 2015، أدى إلى توسع الصراع على مستوى إقليمي وانجر عنه تقارب إستراتيجي بين الحوثي وإيران التي بدأت في ذلك الوقت بتسليحهم وتدريبهم بشكل منهجي.
وأدت هجمات الحوثي عام 2023 ضد السفن العابرة للبحر الأحمر نحو إسرائيل على خلفية العدوان على غزة إلى اتساع رقعة الصراع على صعيد عالمي.
وجاء ذلك بعد أن دفعت الولايات المتحدة إلى تعزيز التزامها في المنطقة عبر شن غارات ضد أهداف حوثية، أدت أيضا إلى تدخل جهات جديدة مثل إسرائيل، وبدرجة أقل روسيا.
السيناريو الحالي
وفي التطورات الحالية للصراع، أشار معهد الدراسات الإيطالي إلى طلب الحكومة اليمنية الدعم العسكري من الإدارة الأميركية الجديدة لتحرير مدينة الحديدة الساحلية من الحوثيين.
وكانت قد طلبت في فبراير/شباط 2024 نفس الدعم العسكري من الولايات المتحدة لتأمين خطوط الملاحة في البحر الأحمر من هجمات الحوثي.
ويرى المعهد الإيطالي أن الحكومة اليمنية تعتزم في الوقت الحالي الاستفادة من العودة المحتملة إلى سياسة ترامب المتمثلة في "الضغط الأقصى" ضد إيران، خصوصا أنه ينظر إلى اليمن من خلال عدسة مواجهة طهران.
وعدَ الغارات التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل ضد أهداف حوثية في 10 يناير 2025، بمثابة "ديناميكية" جديدة في الأزمة في الشرق الأوسط.
وأفادت وسائل إعلام عبرية وقتها بأن أكثر من 20 غارة استهدفت العاصمة اليمنية صنعاء والحديدة في هجوم كبير ضد أهداف للجماعة نُفّذ بالتنسيق بين إسرائيل والتحالف الدولي.
وقالت القناة الـ14 الإسرائيلية: إن 3 موجات من الضربات تمت في أوقات متقاربة وفي مناطق مختلفة وعلى أهداف متعددة وتضمنت مواقع تحت الأرض، بينها مستودعات للصواريخ الباليستية والمسيّرات.
وقال المعهد إن القوى السياسية اليمنية تدرك أن اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس من شأنه أن ينهي الحجة التي استخدمها الحوثيون حتى الآن لمهاجمة السفن وإسرائيل في إشارة إلى نصرة القضية الفلسطينية.
ويرجح فرضية أن "تستأنف الحركة اليمنية هجماتها بالصواريخ والمسيرات خاصة أن ذلك التكتيك منحها دورا وقوة إقليمية". وألمح إلى إمكانية أن تعيد إشعال التوترات الداخلية بمهاجمة مأرب وحقولها النفطية.
وأردف أن الرئيس ترامب ساند في ولايته الأولى (2017-2021)، السعودية في اليمن، لا سيما أن الرياض كانت لا تزال تعتقد أنها يمكن أن تلحق الهزيمة بالحوثيين.
ولفت إلى أن "الوضع الآن مختلف تماما إذ لا يريد السعوديون خوض صراع مباشر مجددا مع الجماعة اليمنية؛ لأنهم يخشون الأعمال الانتقامية ضد أراضيهم".
وزاد بالقول إن "على ترامب أن يأخذ في الحسبان، أيا كان الخيار الذي يتخذه في اليمن وفيما يتعلق بإيران، أن حليفه محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) قد غيّر في هذه الأثناء خطة لعبه، بالرغم من أنه يأمل في إضعاف الحوثيين وطهران".
وخلص إلى أن أصداء سقوط صنعاء تحت سيطرة الحوثيين لا تزال تتردد بعد مرور عشر سنوات.
وبين أن الصراع سيعتمد بعد 20 يناير 2025 على السياق الشرق أوسطي وعلى خيارات القوى الإقليمية وواشنطن خاصة بعد قرار الجماعة استهداف سفن الشحن في البحر الأحمر.