معاداة للحجاب واستهداف لأنقرة.. ماذا يحدث في قبرص التركية؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في 9 أبريل/ نيسان 2025 أقرَّ مجلس الوزراء في قبرص التركية تعديلات على اللائحة التأديبية التي تحدد زي الطلاب في المدارس الثانوية، مما سمح للطالبات بارتداء الحجاب في المدارس الثانوية، في خطوة أثارت غضبا علمانيا في قبرص وعدد من الدول الأوروبية.

وتفاعلا مع ردود الفعل العلمانية المنددة بالخطوة، نشرت صحيفة “ستار” التركية مقالا للكاتب "إينجين أوزيكينجي"، ذكر فيه أن بعض الأصوات المثيرة للجدل في قبرص التركية بدأت في الآونة الأخيرة تروج خطابات معادية للحجاب، وتطلق اتهامات لتركيا بوصفها "قوة احتلال"، وهي مواقف تعكس توجهات جماعات هامشية لا تمثّل التيار العام في الجزيرة. 

وتعاني قبرص منذ 1974 انقساما بين شطريها؛ التركي في الشمال والرومي في الجنوب، وفي 2004 رفض القبارصة الروم خطة قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة.

ومنذ انهيار محادثات إعادة توحيد قبرص التي جرت برعاية الأمم المتحدة في كرانس مونتانا بسويسرا في يوليو/ تموز 2017 لم تجر أي مفاوضات رسمية بوساطة أممية لتسوية النزاع في الجزيرة.

التوقيت والأهداف

لكنّ هذه التصريحات تثير تساؤلات حول أهدافها وتوقيتها، خاصة في ظل العلاقات الوثيقة بين أنقرة وقبرص التركية. 

حيث إنّ خطورة هذه الخطابات لا تقتصر على تحريفها الصريح للحقائق التاريخية، بل تتعداها لتشكل هجوما سياسيا واقتصاديا منسقا يستهدف النضال المشروع للقبارصة الأتراك والدور الإستراتيجي الذي تلعبه تركيا في المنطقة.

ففي العام 1974 تدخلت تركيا في الجزيرة ضمن عملية "السلام في قبرص"، وذلك استنادا إلى وضعها كدولة ضامنة بموجب اتفاقيتي زيورخ ولندن، ولحماية القبارصة الأتراك من تهديد التطهير العرقي الذي كانوا يواجهونه آنذاك.

وتجاهل هذا الأساس القانوني والتاريخي، والسعي لتصوير تركيا كـ"قوة محتلة" يعكس محاولات لتضليل الرأي العام الدولي من خلال سرد أحادي يخدم أجندات معينة. 

لذلك فقد جاء رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاسما خلال زيارته إلى شمال قبرص في الثالث من مايو/ أيار 2025، حيث قال: "رغم اختلاف أسمائنا، إلا أن لقبنا واحد حين يتعلق الأمر بقضية قبرص، وهو: قبرص التركية"، وقد قال ذلك في تعبير رمزي عن وحدة المصير بين أنقرة وليفكوسا.

وأضاف أن "من يحاولون إفساد أخوتنا، وإحداث الفرقة بيننا، وزرع بذور الكراهية في هذه الأرض المباركة بدلا من السلام والطمأنينة لن ينجحوا"، مؤكدا أن تركيا ستواصل موقفها الثابت والداعم للقضية القبرصية التركية".

اللافت للنظر هو أن هذه الخطابات المثيرة تظهر في وقت تكثف فيه تركيا استثماراتها في شمال قبرص، وتواصل تطوير إستراتيجيات إقليمية لحماية مصالحها في شرق البحر المتوسط، مما يجعل توقيت هذه التصريحات مدعاة للتساؤل والريبة.

فهل هي مجرد تعبيرات فردية؟ أم جزء من حملة أوسع لإضعاف وحدة الموقف القبرصي التركي– التركي؟

ما هو مؤكد أن التاريخ والجغرافيا والمصالح المتبادلة مازالت تربط أنقرة بقوة بقبرص التركية، وأن أي محاولات للتشويش على هذه العلاقة الإستراتيجية تُوَاجَه بحزم سياسي وشعبي راسخ.

 قضية الحجاب

واستدرك الكاتب التركي قائلا: في خضم النقاشات السياسية الحادة التي تشهدها قبرص التركية أخيرا، تبرز قضية الحجاب كوجه جديد لهجوم ثقافي مقلق يستهدف القيم الدينية والهوية الشخصية. 

فلم تعد المسألة محصورة في التوترات الجيوسياسية أو الخلافات حول السيادة والدور التركي، بل امتدت لتنال الحريات الفردية وعلى رأسها حرية ارتداء الحجاب، الذي يمثل للكثيرين ليس فقط رمزا دينيا، بل أيضا تعبيرا عن الذات والكرامة الشخصية.

والمواقف التمييزية التي بدأت تظهر في بعض المؤسسات التعليمية والتي حظيت بدعم من بعض النقابات، مثل منع طالبة من دخول مدرسة إرسن كوتشوك الإعدادية بسبب ارتدائها الحجاب، أعادت إلى الأذهان مشاهد مؤلمة من تاريخ تركيا القريب.

ففي فترة 28 فبراير/ شباط 1997 شهدت البلاد تضييقا واسعا على المحجبات، مُنعت فيه الطالبات من الدراسة، وانتشرت ممارسات قمعية مثل "غرف الإقناع" التي تركت أثرا نفسيا عميقا في المجتمع. 

واليوم تتكرر هذه المشاهد في شمال قبرص، ما يطرح تساؤلات عن دوافع هذه العقلية التي ترى في الحجاب تهديدا، وعن الجهات التي تسعى لإحياء نماذج قمعية لم يكن لها مكان في المجتمعات الديمقراطية.

هذه التطورات أثارت ردود فعل رسمية وشعبية، أبرزها موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وجَّه خلال مشاركته في مهرجان "تكنوفِست" يوم 3 مايو رسالة حاسمة بقوله: "من يحاول مضايقة فتياتنا بسبب الحجاب في شمال قبرص، سيجدنا أمامه".

ولم يتوقف أردوغان عند حدود الدفاع عن الحجاب فقط، بل انتقد الذهنية التي تخلط بين التقدم والقيود قائلا: "من يرى التحديث في فرض القيود على اللباس بدلا من التقدم في العلم والتكنولوجيا والثقافة والفن، فمن الطبيعي أن يشعر بالخوف من مهرجان تكنولوجي مثل هذا".

 "تركيا الكبرى والقوية"

وأردف الكاتب التركي قائلا: إن قضايا مثل الحجاب والحريات الفردية في قبرص التركية تتجاوز الإطار الاجتماعي أو الديني، لتتداخل مع مشروع سياسي وإستراتيجي أكبر تسعى تركيا لتحقيقه، ألا وهو حلم "تركيا الكبرى والقوية".

هذا الحلم لا يقتصر على التنمية الاقتصادية، بل يشمل أيضا طموحا للريادة الإقليمية في المجالات الدبلوماسية والعسكرية والثقافية، ويتطلب حضورا فاعلا في مناطق إستراتيجية مثل شرق البحر المتوسط وعلى رأسها قبرص الشمالية.

وتُعد قبرص التركية بالنسبة لتركيا شريكا لا غنى عنه في معادلة التوازن الإقليمي. 

ولا شك أن مصادر الطاقة، وترسيم مناطق النفوذ البحري، والتحولات الجيوسياسية في شرق المتوسط تجعل من هذه الجزيرة موقعا بالغ الأهمية لأنقرة. 

ومن هنا، فإن العلاقات الوثيقة بين تركيا وقبرص التركية لم تعد مجرّد امتداد تاريخي أو عاطفي، بل باتت ضرورة أمنية وإستراتيجية.

لذلك في ظل قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تتبنى تركيا سياسة خارجية تقوم على الاستقلال الكامل والقرار السيادي، وتشكل قبرص التركية حجر الزاوية في هذه السياسة. 

ولعل تصريحات أردوغان المتكررة بأن "تركيا وشمال قبرص شريكتان في المصير" تعبّر عن عمق هذه العلاقة التي لم تعد قابلة للجدل أو التراجع.

لكن في مقابل هذا المشروع تبرز تحديات متعددة؛ منها حملات إعلامية وسياسية تصف تركيا بأنها "قوة احتلال"، وتهاجم رموز الهوية الدينية والثقافية كالحجاب. 

وهذه الحملات لا تستهدف فقط تشويه شرعية التدخل التركي في قبرص عام 1974، بل تسعى أيضا للنيل من استقلال قبرص التركية ومنعها من ممارسة سيادتها الكاملة. وهي حملات غالبا ما تُغذّى من قوى خارجية تهدف إلى زعزعة العلاقة المتينة بين أنقرة و ليفكوسا.

ومن أجل مواجهة هذه التحديات تُصرّ تركيا على التمسك بموقفها الحازم في حماية قبرص التركية، ليس فقط كحليف سياسي، بل كجزء من رؤيتها الإستراتيجية الشاملة. 

وهذا ما يظهر جليا في الخطابات الرسمية وفي مشاريع التعاون والتنمية المتعددة التي أطلقتها أنقرة في الجزيرة.

والهجوم على الوجود التركي في قبرص، سواء من خلال التشكيك في شرعيته أو عبر محاربة رموز الهوية الدينية، ما هو إلا محاولة لتعطيل المشروع التركي في أن يكون لاعبا محوريا في الإقليم.

لكن وكما أكّد الرئيس أردوغان مرارا فإن هذه المحاولات ستُوَاجَه بردع سياسي وشعبي، ولن تنجح في زعزعة الروابط الراسخة بين الشعبين.

وختم الكاتب مقاله قائلا: إن وجود تركيا في قبرص يستند إلى جذور تاريخية وقانونية راسخة، إذ إن النضال هناك يُعد امتدادا لكفاح الاستقلال الذي خاضته الأناضول. 

إنها ليست مجرد مسألة أرض، بل قضية كرامة ووجود وطني. وكل محاولة للطعن في هذا الوجود هي استهداف مباشر لوحدة الصف التركي– القبرصي التركي.