رؤية جديدة.. كيف تستخدم أميركا إسرائيل لإعادة ضبط موازين القوى الإقليمية؟

"ترامب يسعى لخلق معادلة جديدة في الشرق الأوسط"
مع بدء الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول جولة خارجية له بالشرق الأوسط في 13 مايو/ أيار 2025، نشر “المعهد الإيطالي للشؤون الدولية” تقريرا مفصلا حول رؤية واشنطن الجديدة للمنطقة.
وتناول التقرير التوقعات والسيناريوهات التي قد تكون ملائمة للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وردود الفعل المضادة التي يمكن أن تتخذها إيران تجاه إعادة التنظيم الإقليمي، الذي يستهدفها هي والصين وروسيا.
إعادة التنظيم
وقدم المعهد عرضا تاريخيا موجزا لمسار اتفاقيات إبراهام، التي تشكل نقطة تحول مهمة في الجغرافيا السياسية الأميركية في الشرق الأوسط.
وكان الهدف خلال هذه الاتفاقيات، التي وُقعت بواشنطن في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، في رئاسة ترامب الأولى، هو تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وبعض الدول العربية، في البداية كانت الإمارات والبحرين، ثم انضم إليهما السودان والمغرب.
وذكر التقرير أن "اتفاقيات إبراهام، التي حظيت بدعم قوي من ترامب، كانت من وجهة نظر الدول العربية، بمثابة قطيعة مع النموذج التقليدي للعروبة".
واستطرد: "في الواقع، فإن هذا النهج يفترض إمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل حتى في غياب حل نهائي للقضية الفلسطينية، بهدف الحصول على مزايا كبيرة من الناحية الاقتصادية والأمنية".
وتابع: "فقد جاءت مبادرة الاتفاقيات في سياق أوسع من إعادة التنظيم الإستراتيجي في الخليج العربي، بدافع العداء المشترك تجاه إيران ورغبة دول الخليج في تنويع تحالفاتها الإقليمية".
وقال المعهد: "تمكنت واشنطن من تقليص التزامها العسكري المباشر في الشرق الأوسط، بما يتماشى مع مبدأ التوازن الخارجي الذي بدأه باراك أوباما وعززه ترامب، فضلا عن دعمه لفترة طويلة من قبل شريحة كبيرة من السكان الأميركيين".
ورأى أنه "بالمقارنة مع الجغرافيا السياسية الأميركية السابقة في الشرق الأوسط، المرتبطة بتعزيز عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية كشرط مسبق للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية؛ كانت الجغرافيا السياسية لترامب في الخليج واقعية بشكل ملحوظ منذ ولايته الأولى".
وبالتالي، "شكّلت اتفاقيات إبراهام تغييرا جذريا في النموذج المعتمد: إذ أصبح استقرار المنطقة دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة على الأرض، ومع تقليص دور إيران، هو الأولوية الأساسية للمصالح الأميركية"، وفق التقرير.
وبهذه الطريقة، يرى المعهد أن "واشنطن أسهمت في بناء هيكل أمني إقليمي، يهدف إلى تهميش المحور الشيعي الإيراني، وتعزيز الجبهة السنية".
مظلة إسرائيلية
في غضون ذلك، أشار المعهد إلى أن المصالح الأميركية الحالية في الشرق الأوسط تجلت مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وهو اتفاق انهار فعليا مع صدور أمر بإخلاء رفح تمهيدا لهجوم إسرائيلي جديد بهدف إنشاء (منطقة آمنة)".
ووفقه، فقد "كشف الاتفاق، رغم انهياره، عن المصالح الأميركية وراء الاتفاق، إذ كان الهدف هو استئناف اتفاقيات إبراهام مع الدول الخليجية والتي تعثّرت مفاوضاتها بسبب الرد الإسرائيلي العنيف على غزة".
وترغب واشنطن في توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام لتشمل، إلى جانب الإمارات والبحرين، باقي دول المنطقة أيضا.
إذ يعد “اعتراف الدول النفطية بإسرائيل وتطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل، أول هدفين لاتفاقيات إبراهام، لكن لا يمكن تحقيقهما دون التوصل إلى حل -ولو مؤقت- للوضع في غزة”، بحسب المعهد.
وأوضح أن "إحياء اتفاقيات التطبيع، بالنسبة لواشنطن، يهدف إلى وضع الإمارات والبحرين، وقبل كل شيء السعودية، تحت المظلة الأمنية الإسرائيلية".
ويرى أن "وضع الرياض تحت النفوذ الأميركي عبر إسرائيل سيكون أمرا حاسما في مهمة مناهضة إيران".
واستدرك: "ولكن في السعودية، ورغم أن التيار السياسي المرتبط بابن سلمان يعتقد أن التطبيع مع إسرائيل والدخول في الفلك الأميركي مصلحة إستراتيجية للرياض، إلا أن هناك نقاشات داخلية حول هذا الأمر".
وتابع: "بالنسبة للسعوديين، فإن الشرط الرسمي لاستئناف اتفاقيات إبراهام هو إنشاء دولة فلسطينية، رغم أن التيار الأكثر براغماتية قد يرى أن استقالة نتنياهو أو إقالته قد تكون كافية".
وذكر المعهد أن واشنطن "تدرس إمكانية ضم قطاع غزة إلى اتفاقيات إبراهام لجعل غزة ميناء على البحر الأبيض المتوسط للسعودية، من أجل استرضاء السعوديين".
الآفاق المستقبلية
في ظل هذه الحالة المضطربة وغير المؤكدة من التطورات، استعرض المعهد التوقعات والسيناريوهات التي قد تكون أكثر أو أقل ملاءمة للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وردود الفعل المضادة التي يمكن أن تتخذها إيران.
وأشار إلى أنه "من وجهة النظر الأميركية، فإن السيناريو الأفضل هو تحقيق أقصى قدر من تقليص نفوذ طهران، وجعلها غير قادرة على فرض نفسها خارجيا من خلال (أقصى قدر من الضغط) الذي يريد ترامب الاستمرار في ممارسته، إن لم يكن تفاقم بالفعل مقارنة برئاسته السابقة".
وبحسب المعهد، "هناك ثلاثة مبادئ توجيهية أساسية لتحقيق هذا الهدف:
أولا، ممارسة ضغوط اقتصادية قوية على إيران، من خلال تشديد العقوبات الثقيلة التي فرضتها إدارة جو بايدن سابقا".
وتابع: "ثانيا، إضعاف طهران عبر إسرائيل التي تعد محور الاحتواء الإيراني، وذلك مثل ما حدث من تدمير معظم مواقع إطلاق الصواريخ الإيرانية إثر هجوم إسرائيل على إيران، مع إبقاء قبضة محكمة على نشاط إسرائيل، كما حدث في 18 أبريل/ نيسان 2025، حين ورد أن ترامب نجح في إقناع إسرائيل بالعدول عن مهاجمة المواقع النووية الإيرانية".
وأردف: "أما العنصر الثالث، فهو ضمّ السعودية بشكل دائم إلى اتفاقيات إبراهام؛ حيث يعتقد أنه بهذه الطريقة، سيقلص النفوذ الإيراني من خلال ثلاث جبهات حاسمة: الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، مع مشاركة محتملة لتركيا التي تعد تقليص النفوذ الإيراني أحد أهدافها الرئيسة".
وتوقع التقرير أنه "مع صعود سلطة جديدة في دمشق والقرب بينها وبين وأنقرة، فإن سوريا قد تصبح ساحة معركة بين إسرائيل وتركيا".
وانتقل المعهد لعرض “السيناريو المتوسط”، قائلا "في هذه الحالة، إذا كانت واشنطن غير قادرة على فرض رؤيتها على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، فإن إيران، من ناحية أخرى، لا تحاول حتى الدخول في صدام مع أميركا".
ورجح أنه "في هذا الوضع، لن توقّع طهران اتفاقا نوويا، لكنها في الوقت نفسه لن تنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية".
أما "الولايات المتحدة، فرغم تهديدات ترامب، فإنها على الأرجح لن تتدخل عسكريا ما لم يحدث خرق واضح وصريح من قِبل النظام الإيراني"، وفقا لما ورد في التقرير.
واستنادا إلى هذا الطرح، "ستواصل واشنطن فرض ضغط اقتصادي من خلال العقوبات، إلى جانب الضغط الدبلوماسي عبر الاستمرار في الدفع نحو توسيع اتفاقات إبراهام".
وقدر المعهد أن "صراعا عالي الكثافة مثل الصراع مع طهران لن يسمح لواشنطن -التي تعاني بالفعل من فرط التوسع دون حرب مستمرة- بتغطية جميع المناطق المهمة إستراتيجيا، خاصة منطقة المحيط الهندي والهادئ، وكذلك البحر الأحمر وباب المندب، حيث يمكن لإيطاليا أن تعمل".
وتابع: "إذا اضطرت الولايات المتحدة إلى التدخل ضد إيران، فإنها ستضطر إلى تخفيف قبضتها على الصين وتركيز قواتها مرة أخرى في الشرق الأوسط، ويضاف إلى ذلك خطر تدخل موسكو إلى جانب طهران، وإن كان ضئيلا".
ولخص المعهد إستراتيجية واشنطن في فقرة واحدة قائلا: "يسعى ترامب لخلق معادلة جديدة في الشرق الأوسط، تكون فيها السيادة القصوى لإسرائيل، مقابل تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وكبح روسيا، ودمج السعودية في اتفاقيات إبراهام، مع بقاء الدور التركي كعامل مجهول".