صندوق أميركي مغربي إسرائيلي.. مقترح لتعميق التطبيع ببنية مستدامة

منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في سياق هندسة جديدة لمسارات التطبيع في المنطقة، طرح "المجلس الأطلسي" أخيرا تصورًا لما يُوصف بأنه صندوق استثماري ثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، ضمن محاولة لإعادة إنتاج العلاقات الدبلوماسية ضمن بنية اقتصادية-أمنية أكثر عمقًا وتأثيرًا.

ويهدف المقترح إلى تحويل مسار التعاون القائم، إلى شراكة إستراتيجية تضم تصورا لبنية تمويلية وتنسيقية جديدة تُدار بالاشتراك بين الأطراف الثلاثة تضمن تحقيق نتائج ملموسة في مجالات الاقتصاد والأمن والتكنولوجيا.

جاء ذلك في مقال نشره المجلس لعيسى كريستوف أغوستيني، وهو مستشارٌ اقتصادي إستراتيجي ومؤسس "بروسبر أطلس" (Prosper Atlas)، وهي شركة استشارية تُركز على الشراكات الثلاثية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب.

وقال الكاتب: "لقد فتحت اتفاقيات أبراهام، التي أُبرمت عام 2020 (بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب ولاحقا السودان)، نافذة تاريخية للسلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

واستدرك: "لكن النوافذ لا تبقى مفتوحة إلى الأبد، فبينما أحرز التطبيع بين المغرب وإسرائيل تقدما على الصعيدين الدبلوماسي والتجاري، فإنه لا يزال يفتقر إلى ركيزة هيكلية طويلة الأمد".

وأكد أنه "في غياب آلية واضحة لتحويل هذا الزخم إلى نتائج إستراتيجية قابلة للقياس، يبقى خطر فقدانه قائما، وقد يظل هذا التحالف رمزيا في معظمه، من دون أن يُحدث أثرا ملموسا في المنطقة أو يبلغ حدود إمكاناته القصوى".

ويرى أنه "مع تزايد عدم الاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وتصاعد المنافسة الجيوسياسية في البحر الأبيض المتوسط، تتوفر فرصة أمام الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل لقيادة صندوق استثماري مشترك ومنتدى تنسيقي يركز على المستقبل".

واستطرد بأن "من شأن هذا الصندوق أن يُحوّل الدبلوماسية إلى بنية تحتية مستدامة تُفضي إلى نتائج ملموسة".

هذا الصندوق، الذي يفترض أن تديره المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، سيُنسق تمويل المشاريع الإستراتيجية في مجالات الطاقة والبنية التحتية الرقمية والصناعات المتقدمة والأمن الإقليمي، بشكل مباشر ومشترك.

وأوضح أن "أداة كهذه ستمثل مزيجا مثاليا بين القوة المالية والسياسية الأميركية، والمنصات الصناعية المغربية، ومنظومة الابتكار الإسرائيلية، بهدف تعزيز القدرة التنافسية جماعيا، وخلق فرص عمل، وتأمين سلاسل الإمداد الإقليمية".

وتابع: "بالنسبة لواشنطن التي تدعو شركاءها للوقوف معا، فإن إنشاء هذا الصندوق سيسهم في تمكين الدول الثلاث من دعم الاستقرار الإقليمي طويل الأمد والازدهار الجماعي، مما يعزز ويعمق الفوائد المستمدة من اتفاقيات أبراهام".

تحالف إستراتيجي

وقال الكاتب: “منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، فتحت عملية التطبيع بين المغرب وإسرائيل فصلا جديدا من التعاون”.

فعلى الصعيدين السياسي والاقتصادي، "ظهرت إشارات تقارب واضحة، منها تزايد الزيارات الثنائية، وتوقيع الاتفاقيات في مجالات مختلفة، وزيادة المبادرات التجارية، وكذلك الشراكات التكنولوجية الناشئة". واستدرك: "لكن هذا الزخم لا يزال هشا ومجزأ وغير مكتمل".

وأكد أنه "بدون آلية مشتركة، يظل التعاون بين المغرب وإسرائيل عرضة للتقلبات السياسية، ويفتقر إلى الرؤية الواضحة للمستثمرين على المدى الطويل، ولا يصل إلى الحجم المطلوب لإعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية".

وبينما توجد نجاحات معزولة -مثل برامج الابتكار المشتركة أو الاتفاقيات القطاعية- إلا أنها تبقى منفصلة ويصعب تكرارها، وفق الكاتب.

وأوضح أن "وجود منصة منظمة من شأنه أن يسمح للأطراف الثلاثة بتعزيز الثقة، وتجميع الموارد، وتحديد الأولويات المشتركة في مجالات الأمن والطاقة والصناعة والتكنولوجيا".

وقال: “هذه فرصة كبرى ضائعة لتجاوز الالتزامات الظرفية في وقت يشهد تحولات سريعة في المشهد الجيوسياسي والجيواقتصادي، وتتزايد فيه التحديات الإستراتيجية”.

وخصوصا "بسبب عدم الاستقرار في منطقة الساحل، وزيادة التنافس الجيوسياسي في البحر الأبيض المتوسط، وارتفاع ضغط الهجرة نحو أوروبا".

وأضاف: "سيكون إنشاء منتدى وصندوق استثماري ثلاثي، يُداران بشكل مشترك من قِبل المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، أداةً فعّالة لمنح التحالف الإستراتيجي وزنا جيوسياسيا أعمق".

"وستُكلَّف هذه الهيئة المركزية بتنسيق الجهود المتباينة عبر القطاعين العام والخاص في كل دولة، وتوفير تمويل مباشر للمشاريع الإستراتيجية عالية التأثير في قطاعات رئيسة".

ويشمل ذلك: الطاقة، والبنية التحتية الحيوية، والتحول الصناعي، وتقنيات الأمن، وصناعة الدفاع، والصناعة البحرية، والابتكار في الخدمات اللوجستية.

وأوضح الكاتب أن "المنتدى لن يُصمَّم كآلية مساعدة إنمائية، بل كأداة استثمار سيادية قادرة على تحقيق عوائد ملموسة".

"وسيعتمد نموذجه التشغيلي على حوكمة مشتركة بين الدول الثلاث، تشمل ممثلين عن القطاع الخاص وجاليات الشتات، واختيارا دقيقا وشفافا للمشاريع بناءً على الجدوى الاقتصادية والأهمية الإستراتيجية، بالإضافة إلى عائد استثماري واضح لداعمي المنتدى".

المصالح الأميركية

وقال: "مع استمرار تحول ديناميكيات القوة العالمية، يجب على الولايات المتحدة أن تتجاوز دعم التحالفات الثنائية التقليدية، وأن تعيد النظر في أهم شراكاتها الإستراتيجية المتنامية، كما هو الحال مع إسرائيل والمغرب".

ورأى أن "المنصات الإقليمية المُصممة بعناية قادرة على تحقيق نتائج ملموسة ودائمة، تُحقق أيضا قيمة حقيقية من الاستثمار".

لذلك، سيُمثل منتدى الاستثمار الثلاثي المقترح “ابتكارا مهما” في السياسة الإقليمية المتوسطية للولايات المتحدة، ويُقدم دروسا مهمة لآليات جديدة للتفاعل الأميركي تجمع بين الدبلوماسية التقليدية والإستراتيجية الاقتصادية والعوائد المباشرة على المصالح المشتركة، وفق تقديره.

وتابع الكاتب: "من شأن هذا النموذج أن يضمن لواشنطن تعزيز مكانتها على المدى الطويل عبر بنية مستدامة ومتماسكة وشفافة وقابلة للتوسع".

وأوضح أن "الصندوق يكتسب أهمية خاصة في الوقت الراهن لثلاثة أسباب رئيسة".

أولا، سيُشكّل ثقلا موازنا للنفوذ المتزايد للقوى المنافسة، وتحديدا الصين وروسيا وإيران، حيث تُعزّز هذه القوى الثلاث أجنداتها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والبحر الأبيض المتوسط ​​من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية والطاقة والموانئ والأمن.

وبالتالي، إذا صُمّم هذا المنتدى الثلاثي المقترح بموارد مالية مناسبة، فسيُوفّر بديلا موثوقا للتمويل والمشاريع التنافسية التي من شأنها تعزيز المصالح الأميركية ودعم منظومات الابتكار المحلية، وفق الكاتب..

ثانيا، سيُقدّم الصندوق قيمة تساعد في الترويج لـ "عائد التطبيع" المُتوقع من اتفاقيات أبراهام، فبعد خمس سنوات من توقيعها، لم تظهر سوى القليل من الآليات الملموسة لتحويل الزخم الدبلوماسي إلى ازدهار اقتصادي طويل الأمد.

ويعود ذلك- إلى حد كبير- إلى غياب آلية تشغيلية معيارية لتنسيق المشاريع وتوسيع نطاقها. فمنذ توقيع الاتفاقيات، ظلت معظم المشاركات ثنائية وغير مُهيكلة، وغالبا ما كانت تحركها وزارات منفردة، أو جهات فاعلة من القطاع الخاص، أو شركاء خارجيون دون رؤية أو منصة مشتركة.

علاوة على ذلك، وفي غياب صندوق مخصص أو منتدى دائم، تظلّ العديد من المبادرات الناجحة - لا سيما في مجالات الأعمال والابتكار والأمن- بعيدة عن الأنظار ومنعزلة عن الرسائل الإستراتيجية الأوسع.

لكن المنتدى ثلاثي الأطراف يُمكن أن يرسي نموذجا يُمكن أن يدعم التوسع الشامل لاتفاقيات التطبيع، ويُظهر قدرة واشنطن على دعم المشاريع الاستراتيجية والدائمة مع شركاء إقليميين رئيسين، مما يُعزز الأمن والازدهار الإقليميين، بحسب الكاتب.

وثالثا، سيمنح الصندوق الولايات المتحدة أداة تأثير قائمة على التأثير العملي ووسيلةً تُحقق مردودا ملموسا لدافع الضرائب الأميركي.

فبدلا من برامج المساعدات المؤقتة أو الالتزامات الدبلوماسية العامة، يَعِد هذا الصندوق بعوائد قابلة للقياس.

وذلك من خلق فرص عمل محلية، إلى إشراك الشركات الأميركية في المشاريع الإقليمية من خلال اشتراط دور للمقاولين الأميركيين، وصولا إلى توسيع التجارة الثلاثية وتعزيز أمن سلاسل الإمداد.

كل ذلك ضمن إطار متكامل يُرسّخ حضور الشركاء الأميركيين في منظومة اتفاقيات أبراهام، وفق الكاتب.

مؤشرات النجاح

وقال: "ينبغي أن تُنفذ عملية إنشاء صندوق الاستثمار وفق إستراتيجية من ثلاث مراحل متتابعة، تهدف في نهايتها إلى تأسيس بنية حوكمة واضحة وتحديد صلاحيات دقيقة للكيان الجديد".

تبدأ المرحلة الأولى بالتوصل إلى تفاهم سياسي وتصميم الإطار العام، من خلال مشاورات ثلاثية على المستوى الفني بين الأطراف المعنية.

وتُعنى المرحلة الثانية بإطلاق مشاريع تجريبية ذات أثر ملموس في القطاعات ذات الأولوية، باستخدام مؤسسة تمويل التنمية الأميركية أو أدوات تمويل مناسبة أخرى.

أما المرحلة الأخيرة، فتسعى إلى توسيع آليات الصندوق وترسيخها ضمن هيكل مؤسسي مستدام، مثل صندوق تُشرف عليه الجهات الثلاث بصورة مشتركة.

وأوضح أنه "لضمان المصداقية والفعالية، لا بد أن يُحقق الصندوق نتائج قابلة للقياس وفق معايير واضحة".

يشمل ذلك الأثر الاقتصادي (حجم الاستثمارات المُعبّأة، وفرص العمل المستحدثة، وتحديث القدرات الصناعية).

كما يشمل الانسجام الإستراتيجي الملموس (مستوى التنسيق الحكومي والانخراط السياسي والعوائد الدبلوماسية)، وإمكانية التكرار والتكيّف (قابلية تطبيق النموذج على أطر تعاون إقليمي أخرى).

وأضاف أن "إنشاء منتدى ثلاثي جديد يُترجم وعود اتفاقيات أبراهام إلى واقع ملموس يُعد فرصة فريدة لتعزيز الانخراط الأميركي في منطقة ذات أهمية جيوسياسية حيوية".

فمن خلال مواءمة رؤوس الأموال والابتكار والوصول إلى الأسواق، لا يقتصر دور هذا المنتدى على ترسيخ أسس اتفاقيات التطبيع فحسب.

بل يتعداه ليشكّل عامل استقرار في الفضاء الإفريقي-المتوسطي، في لحظة تشهد تنافسا محتدما وغموضا متزايدا، بحسب وصف الكاتب.

وختم بالتأكيد على أن هذا المنتدى "يوفر للولايات المتحدة أداة تواصل حديثة ومرنة وقابلة للقياس، تُمكّنها من التعامل بفعالية مع أبرز التحديات المرتبطة بالسيادة والأمن والتنمية الاقتصادية، التي يواجهها شركاؤها في الجنوب العالمي".