ترامب يرفع العقوبات عن سوريا.. صفقة إستراتيجية أم وهم مؤقت؟

العقوبات الحالية تُضعف الحكومة الجديدة التي تسعى للحصول على الدعم
“سنرفعها كلها”.. بهذه الكلمات أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب خلال زيارته السعودية، في 13 مايو/أيار 2025، أن واشنطن ستلغي جميع العقوبات المفروضة على سوريا.
ويأتي هذا الإعلان بعد خمسة أشهر من الإطاحة المفاجئة بنظام الديكتاتور بشار الأسد، في هجوم خاطف قادته “هيئة تحرير الشام” بزعامة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.
وتحدث خبراء لـ "المعهد الأطلسي" حول مآلات قرار ترامب؛ حيث رأى بعضهم أنه يمثل نجاحا دبلوماسيا مهما لكل من السعودية وتركيا، بينما أشار آخرون إلى أن القرار فرصة نادرة للولايات المتحدة لتحقيق مكسب إستراتيجي طويل الأمد في المنطقة.

نصر طويل الأمد
وقال قتيبة إدلبي، الزميل البارز في مركز رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلسي، إن القرار يمثّل "تحولا محوريا قد يُحدد إرث ترامب في الشرق الأوسط".
فهو "فرصة لضمان نصر أميركي طويل الأمد في سوريا من خلال تحقيق الاستقرار في المنطقة، ومواجهة منافسين مثل روسيا والصين، وفتح فرص اقتصادية للشركات الأميركية".
وأشار إلى أن العقوبات الحالية تُضعف الحكومة الجديدة التي تسعى للحصول على دعم الولايات المتحدة والخليج.
وبيّن أنه "إذا استمرت هذه العقوبات، فسيظل الاقتصاد السوري في حالة انهيار، مما يجعله يعتمد بشكل متزايد على روسيا والصين وإيران".
وهذا من شأنه -بحسب إدلبي- أن يفتح الباب أمام تجدد التطرف، وعدم الاستقرار الإقليمي، وعودة ظهور تنظيم الدولة.
وأضاف: "سيسمح القرار للشركات الأميركية بمنافسة نظيرتها الصينية على عقود جهود إعادة الإعمار المتوقعة في سوريا والتي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار".
كما سيمكن ترامب من الاستفادة من تمويل الخليج، وخلق فرص عمل في كل من سوريا والولايات المتحدة، وإظهار دور واشنطن كقوة استقرار.
وأضاف أن "ازدهار سوريا من شأنه أن يقلل من تدفق اللاجئين، ويضعف "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني، ويزيل سوريا كتهديد لإسرائيل- الدولة التي تسعى القيادة السورية الجديدة إلى بناء علاقات سلمية معها".
وأردف أن الحكومة السورية الجديدة ليست بلا عيوب، لكنها اتخذت خطوات براغماتية، فقد بدأت في إعادة دمج المناطق مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وشنّت حملة على تهريب المخدرات، وبذلت جهودا لحماية الأقليات، وابتعدت عن حزب الله والقوات الإيرانية.
هذه الخطوات -بحسب إدلبي- تُظهر استعدادا للتعاون مع الغرب والتماهي مع هدفه في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
وأوضح أن "ترامب إذا أوفى بوعوده، فقد يحقق نصرا نادرا يحظى بتأييد الحزبين، ويتفوق على روسيا، ويُعيد تشكيل مستقبل سوريا بطريقة تخدم المصالح الأميركية والسلام الإقليمي".

“مقامرة ذكية”
بدوره، قال دانيال ب. شابيرو، الذي شغل سابقا منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وسفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، إن إعلان ترامب "مُقامرة، لكنه الخيار الصحيح".
وأضاف أن كثيرين يُشكّكون -بحق- في "الشرع"، وفي حركته (السابقة) "هيئة تحرير الشام"، نظرا لماضيهم الجهادي العنيف. وفق تعبيره.
لكن "نظرا لأنه لا يمكن سبر أغوار النفوس، يبقى من غير المعروف إذا ما كانوا قد تخلوا فعلا عن أيديولوجيتهم المتطرفة، فهم في عملية لإعادة تشكيل هويتهم منذ توليهم السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2024". بحسب تعبيره.
وأوضح أن ما يمكن الحكم عليه هو الأفعال، وحتى الآن، قال الشرع وفعل كثيرا مما طالبت به الدول الغربية والعربية. فهو يبذل جهودا لإشراك الجميع، بما في ذلك تعيين نساء وأفراد من الأقليات في حكومته.
"ويؤكد الشرع أن الشريعة الصارمة لن تُفرَض، كما بدأ مفاوضات مع قسد بشأن إدماجها السلمي في المؤسسات الوطنية السورية".
ويصرّح بأنه لا يريد لسوريا أن تشكل تهديدا لأي من جيرانها، بما في ذلك إسرائيل، ويرغب في منع إيران من إعادة بسط نفوذها داخل البلاد، كما يصطف إلى جانب الدول العربية المعتدلة وشركاء الولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات، بحسب شابيرو.
لكنه يرى أن "هذه الأقوال والأفعال يجب أن تخضع للاختبار والتحقق بمرور الوقت، بحسب تأكيد المسؤول الأميركي السابق".
وأوضح أنه "لكي تنجح الحكومة الجديدة في تحقيق الاستقرار في سوريا، فهي بحاجة إلى موارد تساعد في تشغيل الاقتصاد، فإعادة الإعمار، وتوطين اللاجئين، واستعادة الخدمات التي تعطلت بسبب سنوات الحرب، كلها أمور مكلفة".
ومن دون تخفيف كبير للعقوبات الأميركية، فلن يكون أي من ذلك ممكنا -وفق شابيرو- بل إن غياب هذا الدعم سيقود على الأرجح إلى انزلاق سوريا مجددا إلى الفوضى، و"يوفر بيئة خصبة للمتطرفين".
"لذا، ينبغي للكونغرس أن يتعاون مع ترامب في وضع آلية لتخفيف العقوبات تتيح إعادة فرضها إذا اقتضت الحاجة، ومع ذلك، فإن الرئيس الأميركي محق في اغتنام هذه الفرصة"، حسبما يرى شابيرو.
شيك على بياض؟
من جانبها، ترى سارة الزعيمي نائبة مدير الاتصالات في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط التابع لـ "المجلس الأطلسي"، أنه "ينبغي على الولايات المتحدة أن تحرص على ألا تمنح النظام السوري الجديد شيكا على بياض".
وحذّرت من أن تخسر واشنطن كل أوراق الضغط التي تملكها على حاكم لم يبتعد إلا أخيرا عن أيديولوجيا متطرفة خطيرة، لا سيما حينما يتعلق الأمر بكيفية تعامله مع التنوع العِرقي والديني في البلاد. وفق تعبيرها.
بدوره، يعتقد المسؤول السابق بالخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، توماس واريك، أنه "لا يمكن لأحد أن يزعم أن ترامب لا يصغي إلى القادة العرب، فهو يفعل ذلك بوضوح".
وأضاف واريك -الذي كان أيضا نائب مساعد سابق لوزير الأمن الداخلي الأميركي لشؤون سياسات مكافحة الإرهاب- أن "القادة العرب كانوا موحدين في دعوتهم لترامب وإدارته إلى رفع العقوبات عن سوريا، للمساعدة في دفع البلاد نحو السلام مع جميع جيرانها".
وأوضح أن "آراء المسؤولين في إدارة ترامب تباينت حول كيفية الرد على تصريحات الشرع الداعية إلى السلام مع جيران سوريا والانفتاح على الغرب، لكن لم يتوقع أحد أن يعلن الرئيس رفع العقوبات خلال هذه الزيارة".
ونوَّه إلى أنه "من المرجح أن تبقى العقوبات المفروضة على الجماعات الإرهابية سارية، مثل تلك المفروضة على هيئة تحرير الشام، التي أوصلت الشرع إلى السلطة، بدعم من تركيا".
وأكَّد أن سوريا "تحتاج إلى إحراز تقدم ملموس في تهميش المتطرفين في صفوف الشرع والانخراط في محادثات جادة -سواء مباشرة أو غير مباشرة- مع إسرائيل، قد تؤدي في النهاية إلى الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام".
وأشار إلى أن "ترامب قد يغير رأيه غدا، لكن الواضح حاليا أنه يُصغي جيدا".
من جهته، قال ألان بينو، وهو زميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي: إن "رفع العقوبات يُظهر دعم الولايات المتحدة لجهود شركاء واشنطن العرب في الخليج ومصر والأردن لإعادة دمج سوريا في المنظومة العربية المعتدلة بعد عقود من الانحياز لإيران".
ويعتقد أن قرار ترامب يُشير إلى أن واشنطن ليست مصممة فقط على منع طهران من امتلاك سلاح نووي، بل أيضا على كبح جماح الجهود الإيرانية الرامية إلى استعادة محور المقاومة الذي ضعف كثيرا.

تحول كبير
كذلك، علقت كيمبرلي دونوفان، التي عملت سابقا مديرا مساعدا بالإنابة لقسم الاستخبارات في شبكة إنفاذ الجرائم المالية بوزارة الخزانة الأميركية، على قرار ترامب بوصفه "التحول الكبير في السياسة الخارجية".
وللمضي قدما في هذا التحوّل، "يجب عليها البدء في التفاعل مع الأمم المتحدة للنظر فيما إذا كان ينبغي رفع العقوبات عن هيئة تحرير الشام وكيفية ذلك"، وفق قولها.
وحول الشأن القانوني، قالت المحامية في مشروع التقاضي الإستراتيجي في المجلس الأطلسي سيليست كميوتيك: "بناءً على المعلومات المتاحة، من غير الواضح كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع العقوبات التي تستهدف الأفراد والكيانات".
وحذَّرت من أن "رفع العقوبات المُستهدفة قد يسمح للأسد، على سبيل المثال، بدخول الولايات المتحدة، والوصول إلى الأصول الأميركية المُجمدة سابقا، وإجراء معاملات بالدولار الأميركي".
ولذلك أوضحت أنه "يمكن لواشنطن أن تلجأ إلى فرض عقوبات محدَّدة ضمن برامج أخرى ذات صلة، مثل برنامج ماغنيتسكي العالمي، المُتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".
من جانبها، قالت المدير المساعد لشؤون الإدارة الاقتصادية في المجلس الأطلسي مايا نيكولادزي: إن إعلان ترامب "يُمثّل توافقا مُفاجئا ومُرحّبا به، بين إستراتيجية واشنطن للعقوبات وإستراتيجية الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
وقد دعا المسؤولون الأوروبيون واشنطن إلى رفع العقوبات عن سوريا؛ لأن الشركات متعددة الجنسيات والبنوك الكبرى لن تدخل السوق السورية طالما بقيت العقوبات الأميركية سارية.
أما محلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك، فقد أكد أن القرار يمثل نجاحا دبلوماسيا للسعودية وتركيا، وانتصارا جيوسياسيا للولايات المتحدة. مشيرا إلى أنه "الخطوة الأولى نحو الاعتراف رسميا بالسلطات السورية".
ويمكن لهذا النجاح المشترك -بحسب وصفه- أن يُمهد الطريق لتعاون إقليمي أعمق بين الرياض وأنقرة، مسلطا الضوء على فعالية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة حين يوحدون صفوفهم.
بدوره، يرى سنان حتاحت، وهو زميل أول غير مقيم بالمجلس الأطلسي، أنه مع ذلك لا تزال هناك جهتان إقليميتان بارزتان تتحفظان بشكل ملحوظ رغم الإجماع الإقليمي الأوسع.
"فإيران، الحليف التقليدي لنظام الأسد المخلوع، ترى في ترسيخ الحكومة الحالية في دمشق لسلطتها خطرا محتملا، وترى فيه تحديا مباشرا لمصالحها الإستراتيجية والأمنية في بلاد الشام".
"أما إسرائيل، فلا تزال متحفظة أيضا بسبب هواجسها الأمنية المستمرة وتورطها العسكري المباشر داخل الأراضي السورية".
من جانبها، أوضحت الباحثة ليز دي كرويف، التي تعمل مساعدة مشروع ضمن مبادرة النفوذ الاقتصادي، أن رفع العقوبات خطوة أولى ضرورية، لكنها لا تكفي لجذب الاستثمارات الأجنبية الحيوية التي تحتاجها سوريا للتعافي وإعادة الإعمار.
"فبعد سنوات من الصراع والعزلة، لم تعد سوريا بحاجة إلى اقتصاد مفتوح فحسب، بل إلى إعادة بناء الثقة وإثبات قدرتها على الاستقرار طويل الأمد".
وأكَّدت أن "رفع العقوبات وحده لا يكفي لطمأنة المستثمرين، الذين يحتاجون إلى ضمانات بالاستقرار، وحماية قانونية، وإشارات واضحة من المجتمع الدولي".