قانون بالكونغرس.. هل بات مصير رافضي إبادة غزة في أميركا السجن أو الترحيل؟

"قانون التوعية بمعاداة السامية"، الذي سيُقنن أمرا تنفيذيا صدر في عهد ترامب، يُعلن أن معاداة السامية شكلٌ محظور من أشكال التمييز في المدارس والجامعات
خلال المئة يوم الأولى من ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتقلت إدارته واحتجزت -دون مراعاة الأصول القانونية- حاملي تأشيرات وغيرهم من غير المواطنين في الولايات المتحدة؛ لمعارضتهم العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
بالطبع، ليس هذا ما تُصوّره الإدارة، ولكن الرابط بين كل قضية هو استهداف الأشخاص الذين يعبرون عن مواقف معارضة الحرب في غزة، وفق تحليل مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية.
في 30 أبريل/نيسان 2025، أُطلق سراح الطالب الفلسطيني في جامعة كولومبيا، محسن مهداوي، بكفالة بانتظار جلسة الاستماع حول الاحتجاز التعسفي بعد أن قرر القاضي أنه لا يشكل خطرا على العامة.

"معاداة السامية"
وفي اليوم نفسه، شنّ السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي، ران بول، هجوما على الكونغرس بسبب دفعه لتشريعات جديدة تقيد حرية التعبير، لا سيما الإجراءات المتعلقة بـ"معاداة السامية" التي ستقيد انتقاد إسرائيل في الجامعات.
وقال: "إما أن نكون مجتمعا حرا يحكمه الدستور، أو لا نكون. علينا أن نواجه الكراهية بالعقل، لا بالرقابة".
وكان بول يُشير تحديدا إلى "قانون التوعية بمعاداة السامية"، الذي سيُقنن أمرا تنفيذيا صدر في عهد ترامب، يُعلن أن معاداة السامية شكلٌ محظور من أشكال التمييز في المدارس والجامعات.
وسيستخدم القانون التعريفَ العملي لمعاداة السامية الذي يتبناه "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" في تقييم الممارسات التي يُشتبه بأنها تنطوي على تحيّز ضد اليهود، وذلك من خلال وزارة التعليم.
ويقول المنتقدون: إن القانون سيسمح للحكومة بخلط انتقاد الصهيونية والحكومة الإسرائيلية بمعاداة السامية، وسيُستخدم كأداةٍ خطيرةٍ لقمع حرية التعبير.
وتساءل بول علنا عمّا إذا كانت شرطة الجامعات ستُستخدم في تطبيق القواعد الجديدة الخاصة بحرية التعبير، وكيف سيكون استخدامها.
وحسبما أفادت صحيفة "ذا جويش كرونيكل" بعد تأجيل التصويت، فقد شارك بول في "جلسة استماع محتدمة، تناولت اعتراضات على مشروع القانون.
وتتراوح هذه الاعتراضات بين تساؤلات عمّا إذا كان القانون سيمنع المسيحيين من القول إن اليهود قتلوا المسيح، ومدى مقبولية عقد تشبيهات سياسية معاصرة بألمانيا النازية، وحتى نقد كوميديا (الممثلين اليهوديين) جيري ساينفيلد وجوان ريفرز.
وأشار بول إلى القضية المفصلية "براندنبيرغ ضد أوهايو" عام 1969، التي أُدين فيها عضو منظمة "كو كلوكس كلان"، كلارنس براندنبيرغ، بموجب قانونين في ولاية أوهايو بتهمة التحريض على العنف ضد اليهود والسود من خلال خطابه.
وادّعى براندنبيرغ أن معاقبته تنتهك التعديل الأول من الدستور الأميركي، وقد أيدت المحكمة العليا موقفه.
وقال بول: "كان براندنبورغ نازيًّا ومعاديا للسامية وقال أشياء فظيعة، ومع ذلك، فإن التعديل الأول من الدستور، والمحكمة العليا حكموا بأن له أن يقول ذلك".
وقارن السيناتور بين مفهوم حرية التعبير في الولايات المتحدة والتضييقات الأخيرة على الخطاب في أوروبا، قائلا: "هذا أمرٌ فريدٌ في بلدنا".
وأضاف: "في أوروبا، لا يمكنك قول أي شيء؛ إذا وصفت ولدا يعتقد أنه فتاة بأنه ولد، قد تُسجن بسبب ذلك، وإذا قلت شيئا عن الهولوكوست، فقد تُسجن أيضا".
وتأييدا لكلام بول، فقد جرى في عام 2019 اعتقال كيت سكوتو، البالغة من العمر 38 عاما من مقاطعة هيرتفوردشير في إنجلترا، بسبب "استخدام جنس غير مطابق" مع شخص متحول جنسيا.
وفي العام الماضي 2024، اعتُقل نيل لويد، البالغ من العمر 61 عاما، بسبب منشورات له على فيسبوك تناولت الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني.
وتساءل بول: هل نرغب في استنساخ قوانين الخطاب الأوروبية داخل الولايات المتحدة؟ وأصرّ قائلا: "هذا ما نفعله، نحن نُقنّن ما فعلته أوروبا بحرية التعبير. إنها فكرة في غاية السوء".
وتدور المناقشات داخل الكونغرس في وقت يُستهدف فيه طلاب أجانب، ويُقتادون من أماكنهم بذريعة ما كتبوه أو قالوه عن إسرائيل.
فقد اتّهمت وزارة الخارجية الأميركية الرئيس السابق لاتحاد الطلبة الفلسطينيين في جامعة كولومبيا، محسن مهداوي، باستخدام "خطاب تهديد وترهيب" ضد طلاب يهود خلال احتجاج في الحرم الجامعي عام 2024.
مهداوي، المقيم الدائم في الولايات المتحدة والبالغ من العمر 34 عاما، وُلد ونشأ في أحد مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية قبل أن ينتقل إلى أميركا ويلتحق بجامعة كولومبيا.
وقد جرى توقيفه من قبل عناصر الهجرة أثناء حضوره جلسة التجنيس الخاصة به في ولاية فيرمونت يوم 14 أبريل/نيسان، دون أن توجّه إليه أي تهمة جنائية رسميا.
ووفق المجلة الأميركية، فليس من المعروف ما إذا كان الطلاب الأجانب الآخرون، الذين أوقفتهم سلطات الهجرة الشهر الماضي، قد تورطوا فعلا في تهديدات أو ترهيب أو حتى في معاداة حقيقية للسامية، أو دعم صريح لـ (حركة المقاومة الإسلامية) حماس؛ إذ إن الإدارة تتعمّد الغموض في تبرير أسباب احتجازهم.

بند نادر الاستخدام
وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن للإدارة الحق في ترحيل غير المواطنين عندما "يكون لوجودهم وأنشطتهم في الولايات المتحدة عواقب وخيمة على السياسة الخارجية، ويمسّ بمصلحة ملحة في السياسة الخارجية الأميركية".
ويستند روبيو إلى بند نادر الاستخدام في قانون الهجرة والجنسية، يمنح وزير الخارجية صلاحية تحديد ما إذا كان نشاط معيّن قد يُفضي إلى "عواقب وخيمة محتملة" على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وقالت المجلة: "قد يكون المهداوي محظوظا، فلا يزال آخرون رهن الاحتجاز في انتظار جلسات الاستماع".
ويقول محمود خليل، خريج جامعة كولومبيا، إنه أوقف في 8 مارس/آذار 2025 بسبب خطاب ألقاه خلال احتجاجات داخل الحرم الجامعي، رغم أنه لم يُوجَّه إليه أي اتهام رسمي. وقد أعلن أحد القضاة أن المحكمة ستبتّ في محاولة الإدارة ترحيله.
كذلك، اختُطفت طالبة الدراسات العليا بجامعة تافتس، رميساء أوزتورك، من شارع بالقرب من منزلها في سومرفيل بولاية ماساتشوستس، في 25 مارس/آذار 2025، بسبب ما يبدو أنه مقال رأي كتبته في صحيفة الجامعة ينتقد حرب إسرائيل على غزة، ولا تزال تنتظر ترحيلها المحتمل.
أما بدر خان سوري، الباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة جورجتاون والمواطن الهندي، فقد أوقفته السلطات الفيدرالية في مارس/آذار 2025، ووجّهت له وزارة الأمن الداخلي اتهامات بنشر دعاية مؤيدة لحماس، وهي تهم ينفيها بشدة أفراد عائلته ومناصروه.
وقالت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية: "في كلٍّ من هذه الحالات، يبدو أن دعم المعتقلين للفلسطينيين وانتقادهم لحرب إسرائيل على غزة هما السببان الرئيسان وراء اعتقالهم، وهو أمرٌ غير قانونيٍّ بموجب دستور الولايات المتحدة".
وتساءلت: “لو تجاهلت أميركا التعديل الأول وسمحت بقوانين صارمة ضد حرية التعبير على غرار المملكة المتحدة، فإلى أي مدى ستصل؟ هل يعلم مُروّجو قانون معاداة السامية الجديد في الكونغرس أن هذا قد ينعكس عليهم سلبا عندما يعود خصومهم الأيديولوجيون إلى السلطة يوما ما؟”
وكما لاحظ الصحفي غلين غرينوالد بشأن تشريع معاداة السامية، فإن "هذه ليست قوانين لخطاب الكراهية تطبق على الأجانب، إنها قوانين لخطاب الكراهية تطبق على المواطنين الأميركيين وأعضاء هيئة التدريس الأميركيين؛ حيث يمكن معاقبة الأشخاص على التعبير عن أفكارهم في الجامعات".
وختمت المجلة بأن “تخصيص دولة واحدة في العالم وتجريم انتقاد حكومتها يتعارض تماما مع حماية الدستور ويشكل خيانة للتقاليد الأميركية، فالتعديل الأول يضمن للأميركيين حق انتقاد حكومتهم، ولكن الآن، هل باتت إدانة حكومة أجنبية تُودي بك إلى السجن أو الترحيل؟!”