تحسن العلاقات بين روسيا وأميركا.. كيف يؤثر على سوريا الجديدة؟

"روسيا تحاول إعادة تعريف شروط وجودها في سوريا"
أتاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عودة لافتة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى الساحة الدبلوماسية بدءا من 15 أغسطس/آب 2025، حينما استقبله في ولاية ألاسكا على السجادة الحمراء.
وخلال استقباله، أظهر ترامب الود لنظيره الروسي وسلمه "رسالة سلام" كتبتها زوجته ميلانيا وناشدت فيها بوتين تحقيق السلام باسم الأطفال في أوكرانيا.
وحاول ترامب التقارب مع بوتين بعد فترة وجيزة من بدء ولايته الثانية، خاصة أنه تعهد في حملته الانتخابية بإنهاء حرب أوكرانيا في 24 ساعة.
وأكد ترامب الذي يقدم نفسه كصانع صفقات ماهر، أن الاجتماع مع بوتين كان "مثمرا جدا" وأنه جرى التفاهم على "العديد من النقاط"، مضيفا أنه لم يتبق فقط سوى عدد قليل جدا، "بعضها ليس بتلك الأهمية" دون أن يحدد ماهيتها.
ومن المتوقع أن تُعقد جولة أخرى من المشاورات لعودة العلاقات لطبيعتها بين روسيا والولايات المتحدة، ما سينعكس على ملفات خارجية في دول ما تزال موسكو وواشنطن تؤثران في استقرارها السياسي والأمني، وفي مقدمتها سوريا.

سوريا حاضرة
فقد كانت روسيا اللاعب الأبرز في سوريا منذ عام 2015، وشكل سقوط حليفها الأساسي نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، انتكاسة لخريطة مصالحها في الشرق الأوسط.
إلا أن روسيا أعطت مؤشر الاستدارة من جديد نحو سوريا بعد استقبال وزير الخارجية أسعد الشيباني بموسكو في 31 يوليو/ تموز 2025 رفقة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة.
وحينها التقى بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف مع الشيباني في موسكو التي ما تزال تؤوي رئيس النظام المخلوع بشار الأسد.
وفي مؤتمر صحفي مشترك، أعلن الشيباني أنه اتفق مع لافروف على تشكيل لجنتين مكلفتين بإعادة تقييم الاتفاقات السابقة بين سوريا وروسيا.
وأوضح الشيباني أن هناك فرصا كبيرة جدا لسوريا قوية وموحدة، معبرا عن أمله في أن تكون موسكو إلى جانب دمشق في هذا المسار.
وبدا واضحا أن روسيا ما تزال تتطلع للحفاظ على مصالحها بسوريا، في مقابل رغبة دمشق في إصلاح العلاقات مع عدو السوريين.
فمنذ سقوط نظام الأسد، وتأمين موسكو فراره إليها، كونها حليفه الأساسي في الشرق الأوسط، بقيت روسيا تراقب التطورات بسوريا.
لا سيما وسط حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل قاعدتين عسكريتين روسيتين على الأراضي السورية منحتها نفوذا على البحر الأبيض المتوسط.
إذ تسعى روسيا حاليا للحفاظ على الوضع القانوني لقاعدتها الجوية في حميميم بريف اللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس، وهما القاعدتان العسكريتان الوحيدتان لموسكو خارج الاتحاد السوفيتي السابق، بما يضمن استمرار عملها وفقا للاتفاقيات المبرمة مع نظام الأسد المخلوع.
وسبق أن أجرى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مكالمة هاتفية مع بوتين، في 12 فبراير/ شباط 2025 في أول تواصل بينهما منذ سقوط الأسد.
وقال الكرملين في بيان حينها: إن "بوتين تمنى للشرع النجاح في خوض المهمات التي تواجه القيادة الجديدة للبلاد، لصالح الشعب السوري الذي تربطه بروسيا علاقات صداقة وتعاون مفيد متبادل على مر التاريخ".

"التكيف مع الواقع"
وضمن هذا السياق، يرى مدير البحوث بمركز عمران للدراسات الإستراتيجية، معن طلاع، أن "الملف السوري إذا حضر في مناقشات بوتين وترامب فإنه سيكون جزءا من ترتيبات المنطقة عموما وجزءا من العلاقة مع تركيا والحد من الدور الإيراني علاوة عن نقاش الهواجس من الدور الإسرائيلي بالمنطقة".
وأضاف الباحث السوري لـ “الاستقلال” قائلا: إن "إيران على رأس أجندة المناقشات الروسية الأميركية في الشرق الأوسط".
ورأى أنه من الواضح أن روسيا بدأت تتكيف مع الواقع الجديد في سوريا والتعامل مع حكومة دمشق سواء بما يتعلق بدعم الاستقرار أو دعم بعض القضايا المرتبطة بالمشهد العسكري ومنها إبقاء بعض القواعد الروسية في الجنوب السوري.
وكذلك إحداث توازنات مع إسرائيل علاوة على تحقيق توازن بشأن مصير قاعدتي حميميم الجوية بريف اللاذقية والبحرية في طرطوس، وفق تقديره.
ويرى مراقبون أن روسيا يمكنها الضغط على إسرائيل التي انسحبت من اتفاق فضّ الاشتباك الموقع مع سوريا عام 1974 في اليوم التالي لسقوط الأسد، من أجل وقف الخروقات المتكررة التي تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيها.
فمنذ ذلك الحين ينفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي بصورة شبه يومية توغلات برية داخل الأراضي السورية، ويهاجم ويقصف مواقع تسفر في كثير من الأحيان عن خسائر مادية وبشرية.
علاوة على دعم إسرائيل نزعات انفصالية في الجنوب السوري وتحديدا في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
ويشير بعض الخبراء إلى أن نشر قوات روسية لحفظ السلام في الجولان- وهو اقتراح قدمه بوتين عام 2013- قد يكون أحد خيارات دمشق راهنا لإحياء هذا الدور في ظل الخروقات الإسرائيلية الحالية، لا سيما وسط العلاقات الإيجابية بين موسكو وتل أبيب.
وفي 17 يوليو 2025، نددت وزارة الخارجية الروسية بالغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، وقالت إنها تشكل انتهاكا لسيادة البلاد وللقانون الدولي.
وأعلن الكرملين في 28 يوليو أن بوتين ناقش الوضع في سوريا خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأفاد في بيان بأن بوتين أكد خلال المكالمة على “أهمية الحفاظ على سيادة سوريا وتعزيز الاستقرار السياسي الداخلي فيها”.
وفق المراقبين، فإن وضع العداوة جانبا يعود بالنفع على دمشق وموسكو، فسوريا التي بدأت مرحلة بناء الدولة وإنعاش الاقتصاد تحتاج إلى علاقات إيجابية مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومنهم روسيا.
إذ تحتاج سوريا إلى تجنب حق النقض الذي تتمتع به روسيا لرفع بعض العقوبات الأممية.
وقد يكون استئناف إمدادات روسيا التقليدية من الأسلحة والوقود والقمح بمثابة طوق نجاة لهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة ويعاني 80 بالمئة من سكانه الفقر.

"استخدام الأوراق"
ويتوقع أن تتكشف ملامح الدبلوماسية الروسية تجاه سوريا حال قرر الشرع، تلبية دعوة بوتين في 17 مايو/أيار 2025 لجميع قادة الدول العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية إلى أول قمة روسية عربية في 15 أكتوبر/تشرين الأول من العام المذكور، بحسب بيان صادر عن الكرملين.
خاصة أنه ينظر على نطاق واسع إلى دعوة بوتين لرؤساء الدول العربية، بصفتها جزءا من إستراتيجية روسيا الأوسع نطاقا لتوسيع حضورها الدبلوماسي ونفوذها في جميع أنحاء العالم العربي، ووضع نفسها كقوة موازنة للنفوذ الغربي في المنطقة، خاصة من جانب الولايات المتحدة.
وضمن هذه الجزئية، قال الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان لـ "الاستقلال": إن “الولايات المتحدة هي مفتاح لتحسين أي علاقات بين الدول كونها لها تأثير عالمي كبير”.
وبالتالي فإن طبيعة ودور الاستثمار الروسي الحالي في سوريا ليس فقط مرتبطا بالعلاقة مع أميركا، لأن هناك إشكاليات أخرى لموسكو تتعلق بالتقارب السوري مع الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وأضاف شعبان أن "موسكو تدرك راهنا أن هناك بعض الأمور التي تؤثر على شكل الوجود الروسي في سوريا، ولهذا هي الآن تحاول إعادة تعريف شروط وجودها".
ومضى يقول: إن “لقاء بوتين وترامب من المرجح أنه تطرق لطبيعة الوجود الروسي في سوريا من ناحية تأطيره رسم شكل الاستثمار الروسي في هذا البلد”.
فالوجود الروسي بسوريا ليس فقط مرتبطا بالولايات المتحدة في ظل وجود حلفاء جدد لدمشق سواء من بعض الدول العربية أو حتى الأوروبية التي ترفض بالتأكيد إعادة روسيا لانتشارها العسكري هناك.
وذكر شعبان أن تحسن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة سينعكس بشكل إيجابي على نوع الوجود الروسي في بعض المناطق السورية مثل شمال شرق البلاد حيث توجد قوات سوريا الديمقراطية ”قسد".
فما تزال روسيا تستخدم ذاك الوجود في تعزيز شروط التفاوض سواء مع الولايات المتحدة أو حتى الحكومة السورية.
وختم بالقول "وجود قوات روسية الآن في شمال شرق سوريا ليس لدعم قسد بقدر ما هو ورقة ضغط فاعلة على الأوروبيين بالتحديد، وهذا ربما مرتبط بموقف أوروبا المتشدد من موسكو عقب حرب أوكرانيا".