بعد أن أصبح مستشارا لألمانيا.. ما فرص نجاح "ميرتس" في قيادة الاتحاد الأوروبي؟

منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في صباح السادس من مايو/ أيار 2025، حصل مرشح حزب الاتحاد الألماني لمنصب المستشار، فريدريش ميرتس، على 310 أصوات في الجولة الأولى من التصويت في البرلمان الفيدرالي، لكنه لم ينجح في الفوز بمنصب المستشار بفارق 6 أصوات.

وبعد مشاورات عاجلة، حصل ميرتس في الجولة الثانية من التصويت في البوندستاغ بعد ظهر اليوم ذاته على 325 صوتا، ليصبح المستشار الألماني الجديد. 

ومن ثمَّ أدت الحكومة الفيدرالية الجديدة اليمين الدستورية في مجلس النواب الفيدرالي.

يترافق انتخاب ميرتس مع "وضع دولي متشابك يواجه ألمانيا والاتحاد الأوروبي؛ حيث تشكل الدبلوماسية عبر الأطلسي في الولاية الثانية لترامب، والصراع الروسي الأوكراني المستمر، والبطء في تقدم الاستقلال الأمني والدفاعي للاتحاد الأوروبي، تحديات معقدة أمام القادة الأوروبيين".

في هذا السياق، يشير موقع "ذا بيبر" الصيني إلى أن الحكومة الألمانية السابقة ظهرت "كحكومة ضعيفة؛ حيث لم تتولَّ أي دور قيادي في العديد من قضايا السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي".

"مما دفع بالعديد من السياسيين الأوروبيين إلى التطلع بحماس للحكومة الألمانية الجديدة بقيادة ميرتس، منتظرين منها أن تتبوأ دورا قياديا على الساحة الأوروبية، يساعد الاتحاد الأوروبي في مواجهة الأزمات المتعددة بفعالية أكبر"، وفق التقرير.

في ضوء ذلك، تبرز عدة أسئلة تتعلق بقدرة ميرتس على "قيادة برلين لتستعيد دورها القيادي في مجال السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، وحول قدرته على التنسيق بين ألمانيا والدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، وإدارة صراعات القوى داخل الاتحاد، وحل المشكلات العسكرية والدبلوماسية داخل ألمانيا".

عودة ألمانيا 

استهلَّ الموقع تقريره بالإشارة إلى الانقسام القائم بين ضفتي الأطلسي، فبعد أن ألقى الرئيس الأميركي ترامب باللوم على أوكرانيا في الصراع الروسي الأوكراني، أعرب فريدريش ميرتس، خلال تجمع في دارمشتات بولاية هسن يوم 20 فبراير/ شباط 2025، عن "تشاؤمه" بشأن العلاقات عبر الأطلسي.

وقال: "نحن نشهد تغييرا جوهريا، والضمانات القديمة لم تعد قائمة"، مؤكدا في الوقت ذاته على أن  "ألمانيا يجب أن تتولى دورا قياديا في أوروبا"، وطالب بأن "تتحمل ألمانيا هذه المسؤولية الكبيرة"، واعدا بـ"بذل جهود كبيرة للحفاظ على الوحدة داخل الاتحاد الأوروبي".

وتفسر تلك التصريحات "حالة الحماس التي انتابت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إثر انتخاب ميرتس؛ حيث لم تكن علاقته بالمستشار السابق أولاف شولتس ودية على الإطلاق، بل وصل الأمر إلى وصف بعض المحللين بأن (محرك التعاون الفرنسي الألماني) قد توقف خلال فترة شولتس"، وفق الموقع.

"وظهر التفاؤل الفرنسي بميرتس بعد ثلاثة أيام من الانتخابات الفيدرالية الألمانية؛ إذ دعا ماكرون ميرتس على الفور إلى قصر الإليزيه لتناول العشاء؛ حيث أجريا محادثات ودية حول إعادة تفعيل المحرك الفرنسي الألماني وتعزيز الاتحاد الأوروبي في عدة مجالات"، كما أفاد الموقع.

بدوره، رحَّب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بالمستشار الألماني الجديد، معربا عن أمله في أن يقود ميرتس، المنتمي إلى الجناح اليميني الأوروبي، ألمانيا لزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا.

وعقّب الموقع: "يدرك كل من الرئيس الفرنسي والبولندي أن أي إستراتيجية أمنية في مجال الدفاع الأوروبي، ستظل غير قابلة للتطبيق دون مشاركة ألمانيا في قيادة أوروبا".

وأضاف: "من الواضح أن الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة ميرتس تمتلك رغبة قوية في قيادة أوروبا، بينما تعبر دول أوروبا الغربية والشرقية الكبرى مثل فرنسا وبولندا عن توقعات ودعم كبيرين لعودة ألمانيا إلى الواجهة بعد (تواريها عن الأنظار) في عهد شولتس".

وأردف: "من منظور الرغبة في القيادة والحاجة إليها، فقد تحققت الشروط الأولية لعودة ألمانيا كقائدة على الساحة الأوروبية".

ورأى الموقع أن "ميرتس يسعى إلى تعزيز التنسيق السياسي والعمل المشترك مع الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، من خلال آليات متعددة الأطراف صغيرة الحجم".

وأوضح أنه "على الرغم من كونه (أطلسيا متشددا)، فقد دفعه ترامب نحو حلفائه الأوروبيين: فرنسا في غرب أوروبا وبولندا في شرقها؛ حيث يرى أن أوروبا يجب ألا تعتمد على الولايات المتحدة لضمان أمنها، وأنه من الضروري بناء (قدرة دفاعية أوروبية مستقلة) لتحل محل (حلف الناتو بشكله الحالي)، وأن علاقاته الجيدة مع قادة الدول الأوروبية الكبرى ستساعده في تحقيق ذلك".

ويعتقد الموقع الصيني أن ميرتس "سيحقق ذلك من خلال إعادة إحياء المحور الفرنسي الألماني، والتعاطي بجدية مع دعوات ماكرون المتكررة منذ سنوات لتحقيق الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي، والتي كانت تواجه عقبات في ألمانيا".

واستطرد: "بل إنه اقترح مناقشة إمكانية التعاون النووي مع فرنسا، وعلاوة على ذلك، يسعى ميرتس إلى إعادة تشكيل (مثلث فايمار)، منطلقا من إدراكه بأن بولندا لا غنى عنها لتحقيق الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي، ويعد توسك حليفا رئيسا في بناء النظام الأمني الأوروبي".

إعادة توزيع السلطة

من جهة أخرى، أشار الموقع إلى أن ميرتس "يحاول قيادة ألمانيا لإعادة توزيع السلطة داخل الاتحاد الأوروبي، والحصول على المزيد من الموارد السياسية".

"حيث استغلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي تُلقب بـ (الملكة أورسولا)، الفراغ السياسي الذي تركته حكومات الدول الكبرى لتعزز نفوذها في السياسة الأوروبية"، يقول الموقع.

وأكمل: "وقد سبق لميرتس أن انتقد توسع سلطات المفوضية، مفضلا معالجة القضايا الأساسية للاتحاد الأوروبي عبر التفاوض بين الحكومات". 

لذلك توقع التقرير أن "المستشار قد يطالب، بعد توليه المنصب، بتوزيع السلطة من المفوضية لتعزيز قيادة ألمانيا في الاتحاد؛ حيث من الممكن يعزز ميرتس نفوذ ألمانيا عبر مؤسسة أوروبية أخرى، وهي المجلس الأوروبي، مستفيدا من الوضع الراهن حيث يحكم حزب الشعب الأوروبي، الذي ينتمي إليه ميرتس، في 14 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي كحزب حاكم رئيس".

حيث يعد حزب الشعب الأوروبي هو أكبر تكتل في البرلمان الأوروبي، ويضم أحزابا يمينية وسطية مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي الألماني، وحزب الشعب النمساوي، وحزب الوحدة الأيرلندي، وحزب الشعب الإسباني، وحزب المنصة المدنية البولندي.

وبحسب الموقع، "يتيح هذا الوضع لميرتس الاستفادة من القرب الحزبي والمواقف السياسية المشتركة لكسب دعم دول أوروبية أخرى، مما يعزز موقفه التفاوضي في مواجهة فون دير لاين".

ومع ذلك، أشار الموقع إلى أن ميرتس "لن يسعى إلى صراع مباشر مع فون دير لاين بسبب انتمائها إلى تيار ميركل، بل سيحاول التوصل إلى توافق بين ألمانيا والمفوضية الأوروبية لتعزيز النفوذ الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي".

مبادرة مالية إستراتيجية

وانتقل الموقع الصيني للحديث عن كيفية نجاح ألمانيا في قيادة سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية والأمنية، ورأى أن "الموارد العسكرية تعد أحد العوامل الحاسمة في تعزيز نفوذ ألمانيا ضمن سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية والأمنية، إذا ما أرادت أن تتبوأ مكانة قيادية".

وذكر أن فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، يسعى إلى "تعزيز القوة العسكرية الألمانية من خلال زيادة كبيرة وسريعة في الإنفاق الدفاعي، ومن أجل ذلك، يخطط ميرتس للدفع نحو تعديل الدستور الألماني قبل إعادة توزيع المقاعد في البوندستاغ".

ووفقا للموقع، "يهدف هذا التعديل، الذي يسعى إلى إقراره بالتعاون مع التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، إلى إزالة القيود المالية على الإنفاق الدفاعي".

بموجب التعديل المقترح، سيُسمح للحكومة الاتحادية بتمويل الإنفاق الدفاعي الذي يتجاوز 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عن طريق الاقتراض، دون أن يخضع هذا الإنفاق لقيود الديون المنصوص عليها في القانون الأساسي.

واعتبر الموقع أن هذه الخطوة بمثابة "مبادرة مالية إستراتيجية تهدف إلى إزالة العوائق المالية التي واجهتها الحكومة الألمانية منذ فترة طويلة في تعزيز الاستعداد العسكري وتقوية قدراتها العسكرية".

في الوقت ذاته، أوضح التقرير أن هناك "تحديات كبيرة تواجه القوات المسلحة الألمانية (البوندسفير) لا يمكن حلها بسهولة من خلال زيادة التمويل وحدها".

تشمل هذه التحديات -وفق التقرير الصيني- نقص الأفراد العسكريين، فبحسب تقرير الدفاع السنوي لعام 2024، الذي قدَّمته مفوضة شؤون الدفاع في البرلمان الألماني، إيفا هوغل، فقد انخفض عدد أفراد البوندسفير بما يقرب من 1000 فرد في عام 2024، مما يجعل الهدف المحدد بتجنيد 203 آلاف جندي بعيد المنال.

وأضاف التقرير: "علاوة على ذلك، لم يتضمن اتفاق التحالف الحاكم بين التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، أي التزام بإعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، مما يعني أن مشكلة نقص الأفراد قد تظلّ دون حل في المدى القصير".

وتابع: "من جهة أخرى، تعاني ألمانيا من قصور في تجهيزات عسكرية متقدمة، مثل أنظمة الصواريخ متوسطة المدى، فضلا عن غياب القدرات النووية، هذه الفجوات لا يمكن سدها بسرعة حتى مع زيادة الإنفاق".

المنسق الرئيس

وإلى جانب التحديات العسكرية، أشار الموقع الصيني إلى أن ميرتس "يواجه عقبة أخرى تتمثل في ضمان أن تتحدث ألمانيا (بصوت واحد) في الشؤون الأوروبية".

مشيرا إلى أنه "خلال حكومة المستشار أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، كان هناك انتقادات من دبلوماسيين أوروبيين بسبب ازدواجية السياسة الخارجية الألمانية، التي كانت تُدار أحيانا من مكتب المستشار وأحيانا من وزارة الخارجية".

واستدرك: "لكن على النقيض من شولتس، يسعى ميرتس إلى توحيد هذه السياسة تحت قيادته، لضمان تقديم ردود متسقة وغير متناقضة للحلفاء الأوروبيين".

ولتحقيق ذلك، عين ينس فادفول، أحد أقرب حلفائه، وزيرا للخارجية. وبذلك تصبح هذه المرة الأولى منذ ستين عاما التي يكون فيها وزير الخارجية في حكومة يقودها المسيحيون الديمقراطيون من نفس الحزب. وهو الخيار الذي وصفه التقرير بأنه "إستراتيجي".

وتابع: "يُتوقع أن يدعم فادفول سياسات ميرتس بشكل وثيق، على عكس التوترات التي شهدتها العلاقة بين شولتس ووزيرة الخارجية السابقة أنالينا بيربوك (من حزب الخضر)، اللذين تنافسا أحيانا على صياغة السياسة الخارجية".

في ظل هذه التحديات، تساءل الموقع عن "الأسلوب الذي سيعتمده ميرتس في قيادة ألمانيا نحو دور قيادي في الاتحاد الأوروبي".

وأوضح أنه من "الناحية الشخصية، يُعرف ميرتس بأسلوبه المباشر وقلة ميله للتنازلات، مما قد يدفعه لتبني دور (القائد القوي) على الساحة الأوروبية".

واستدرك: "ومع ذلك، تُظهر مفاوضات تشكيل الحكومة أن ميرتس أبدى مرونة كبيرة؛ حيث قدم تنازلات مهمة للحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر".

لافتا إلى أن "هذه التنازلات أثارت استياء بعض الشباب داخل التحالف المسيحي، لكنها تشير إلى أن ميرتس قد يكون أكثر استعدادا للتفاوض والتنسيق مما يُتوقع".

ونظرا للقيود العسكرية المستمرة؛ المتمثلة في نقص الأفراد والمعدات والقدرات النووية، والحاجة إلى بناء توافق مع الحلفاء الأوروبيين، رجح التقرير أن ميرتس سيميل نحو أسلوب "القائد المنسق" بدلا من فرض الرؤية الألمانية بقوة.

مشيرا إلى أن هذا الأسلوب سيسمح له بالعمل مع الشركاء الأوروبيين للتوصل إلى حلول مشتركة بدلا من فرض سياسات أحادية.

وخلص في النهاية إلى ترجيح احتمالية نجاح ميرتس في إعادة ألمانيا إلى مركز قيادي في سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية والأمنية.

واختتم موضحا: "لكن بدلا من أن تكون قوة مهيمنة، ستؤدي ألمانيا على الأرجح دور (المنسق الرئيس) داخل الاتحاد الأوروبي؛ حيث تعمل على مواءمة المصالح المتنوعة للدول الأعضاء لتعزيز الوحدة والفعالية في السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد".