العدوان الإسرائيلي المتصاعد.. هل يتسبب في تحويل الضفة إلى غزة أخرى؟

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رأى معهد دراسات دولي أن تصاعد التوتر في الضفة الغربية، يعود إلى جملة أسباب تشترك فيها إسرائيل والسلطة الفلسطينية معا، محذرا من تحويل هذه المنطقة إلى غزة أخرى.

وعزا بيير بيرتيلو، الباحث في معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية (IPSE) ومدير مجلة Orients Stratégiques، هذا التوتر إلى تعثر العملية السياسية، وتراجع دور السلطة الفلسطينية، وإستراتيجية إسرائيل القائمة على الردع المسلح.

وحذر في حوار مع صحيفة "أتلانتيكو" الفرنسية من خطر "غزة جديدة" في الضفة الغربية، تغذيها حالة الإحباط المتزايدة لدى الفلسطينيين، وانعدام الأفق السياسي.

أراضٍ محتلة

وفي هذا السياق، تتساءل صحيفة "أتلانتيكو": “في ظل عمل الجماعات المسلحة من مناطق مدنية، هل يمكن لإسرائيل أن تنتظر حتى يتم تنفيذ الهجمات لتتدخل؟” وفق زعمها.

وهنا نفى الباحث بشكل جازم أن يكون دور الكيان هو الانتظار حتى يهاجم السكان، مشيرا إلى أن "دور الدولة هو حمايتهم".

لكنه استدرك قائلا: "ومع ذلك، فيما يخص الأراضي المستهدفة، يجب التذكير بأنها، وفقا للقانون الدولي، ليست أراضي إسرائيلية". 

وتابع: "من الطبيعي أن تتعامل إسرائيل مع تهديدات على أراضيها، ولكن حين تكون هذه المناطق غير معترف بها دوليا كجزء من الدولة، رغم أن بعض السلطات الإسرائيلية تعدها كذلك فعليا، تصبح المسألة أكثر تعقيدا". 

وأردف: “وهو ما يطرح سؤالا: هل نحن بصدد مشكلة أمن داخلي، أم قضية تخضع للقانون الدولي؟”

وأكمل: "فإذا جرى التعامل معها كقضية داخلية، تصبح شرعية التحرك أقل إثارة للجدل، لكون الدولة تسعى لحماية أمنها وسكانها". 

وشدَّد على أنه "لا ينبغي أن ننسى أن هذه الأراضي، حتى لو عدها بعض الأطراف في إسرائيل جزءا من الدولة، فهي لا تحظى بذلك الاعتراف في القانون الدولي".

وهنا، يصل الباحث إلى تساؤل آخر: إذا كان الأمر نزاعا دوليا، فلماذا تستهدف هذه الجماعات إسرائيل؟

ويجيب على نفسه قائلا: "من وجهة نظرهم، يستهدفون إسرائيل لأنهم لم يحصلوا على دولة مستقلة ذات سيادة كما ينص عليه القانون الدولي".

وتابع: "أما من وجهة النظر الإسرائيلية، فهذه الجماعات تعد إرهابية، وتوجد في أراضٍ تخضع لسيطرة إسرائيل أو تخطط لضمها". 

وهنا يتساءل الباحث الفرنسي مستنكرا: “هل تسعى إسرائيل فقط لضمان أمنها، أم لإعادة رسم حدود الدولة؟”

غزة جديدة؟

وتساءلت "أتلانتيكو": “هل نشهد غزونة الضفة الغربية؟ أي هل يمكن التحول إلى منطق الحرب الكاملة في منطقة يفترض أن تدار أمنيا فقط؟”

وأجاب الباحث بالقول: إن "الأسباب نفسها تؤدي إلى ذات النتائج". موضحا أن "السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جاء نتيجة شعور الغضب واليأس لدى جزء كبير من الفلسطينيين والغزيين، ما أدى إلى هجوم صادم أرادوا من خلاله تغيير المعادلة".

وفي هذا السياق، أكد أن "نفس مشاعر الإحباط هذه موجودة اليوم في الضفة الغربية". ولذا، لا يستبعد الباحث حصول عملية مشابهة، نتيجة فقدان الأمل التام لدى قطاع واسع من الفلسطينيين في أي حل سياسي. 

وبعد 7 أكتوبر، صعد الاحتلال من عدوانه على مخيمات الضفة، وهجّر أهالي مخيم جنين بالكامل، كما ينفذ عمليات هدم واسعة في مخيمي نور شمس وطولكرم (شمال).

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، تنفذ قوات الاحتلال الآن عمليات وقائية (في الضفة الغربية)، كما حاولت، قبل 7 أكتوبر 2023، تفكيك بنية حركة المقاومة الإسلامية حماس وغيرها من التنظيمات، وفق ما ذكره الباحث الفرنسي. 

وأشار إلى أن "هذه التحركات تدخل في إطار إستراتيجية أمنية". وتابع: “لكن يمكن قلب السؤال: لماذا لا تُعطَى الضفة أفقا سياسيا للسلام، ما قد يضعف نفوذ هذه الحركات؟”

وأكد أنه لا ينبغي نسيان أن حماس وصلت إلى السلطة بعدما فازت في انتخابات عام 2006 بغزة على حساب حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح الأكثر اعتدالا بقيادة محمود عباس وسلفه ياسر عرفات. 

وشدد على أن "الضفة تعيش اليوم الإحباط نفسه، في ظل غياب أي أفق سياسي، ويبدو أن إسرائيل لا تنوي استئناف اتفاقات أوسلو (للسلام) الموقعة قبل أكثر من 30 عاما".

إلى جانب ذلك، يرى الباحث أن الأمر "معقد بشكل أكبر"، مفسرا ذلك بأن "السلطة الفلسطينية لم تعد تسيطر فعليا على الأرض، وترفض العمل المسلح، ما يضعها في موقع متناقض مع شعبها".

وتابع: "لو أجريت انتخابات اليوم، من غير المؤكد أن الحركات الراديكالية ستفوز بأغلبية ساحقة، لكنها بالتأكيد ستحقق نتيجة كبيرة"، وفق تعبيره. 

وأردف: "بالعكس، نشهد انهيارا في التأييد للسلطة الفلسطينية، ما يفسر إعلان عباس عن خليفة محتمل (تعيين حسين الشيخ نائبا له)، في محاولة لتهدئة غضب الشعب في الشارع".

من جانب آخر، أقام الاحتلال الإسرائيلي، بعد 7 أكتوبر 2023، عشرات الحواجز الجديدة في الضفة الغربية، ليرتفع عددها إلى أكثر من 800. ولذا، تسأل الصحيفة الفرنسية: “هل هذه الإجراءات ضرورية لمواجهة تهديدات مبهمة ضد السكان؟”

ملء الفراغ

من جهته، يرى الباحث ضرورة التفريق بين سكان إسرائيل داخل حدودها المعترف بها دوليا (ما قبل 1967)، فهؤلاء يمكن تبرير الإجراءات -التي تستهدف حمايتهم- باسم الأمن القومي وبين المستوطنين، من وجهة نظره.

وبشأن المستوطنين الإسرائيليين، يوضح أنه: “لا أحد يقول إنه يجب عدم حمايتهم، لكن هذه الفئات لن تكون مهددة أصلا لو احتُرم القانون الدولي؛ لأن وجودهم بالضفة غير شرعي أساسا”.

وأكد أنه: "بالتالي، يجب التمييز بين سكان إسرائيل داخل حدودها المعترف بها دوليا، وسكان المستوطنات في الضفة الغربية"، وفق تعبيره.

وأردف أنه "لا يمكن تبرير الهجمات ضد المدنيين، لكن، لو لم يكونوا هناك بطريقة غير شرعية، لما كانوا معرضين لأي تهديد، وهو ما يفتح المجال لإعادة التفكير في الحل السياسي".

وفي نهاية الحوار، تسأل الصحيفة الفرنسية عما إن كانت إسرائيل، من خلال إجراءاتها الحالية، تسعى إلى فرض هيمنة دائمة أم إلى مجرد استعادة الردع في منطقة فقدت فيها السلطة الفلسطينية السيطرة.

وعزا الباحث الفرنسي النتيجة الحالية إلى "فشل تطبيق اتفاق أوسلو، وسقوط شرعية السلطة الفلسطينية، التي لم تعد شريكا من قبل إسرائيل، بل مجرد منفذ لسياساتها".

وذكر أنه "من المفهوم أن إسرائيل تحاول ملء الفراغ الذي تركته السلطة"، لكنه حمَّل إسرائيل مسؤولية هذا الفراغ بالأساس.

وقال: "هذا الفراغ هو نتيجة سياسة إسرائيلية هدفت إلى نزع الشرعية عن هذه السلطة، ويعتقد بعض المحللين أن الحكومة الإسرائيلية تعمدت إضعافها؛ كي لا يكون لديها شريك تفاوضي، ويصبح التعامل فقط مع الفصائل الراديكالية".

وتابع: "هذه المقاربة تتيح المواجهة المباشرة، إما لإبادة هذه الجماعات أو لتهجير السكان الفلسطينيين نحو مناطق أخرى".

ويعتقد أن "هذا منطق يذكر بالخطاب الإسرائيلي حول غزة، حين جرى الحديث عن ضرورة خروج طوعي للسكان منها، لإعادة إعمارها تحت سيطرة جديدة".

وهنا، يذكّر الباحث بتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال فيه: إنه أراد إبقاء حماس قوية لمنع قيام دولة فلسطينية. 

واختتم بالتساؤل: "فهل تسعى إسرائيل اليوم إلى تكرار هذا السيناريو في الضفة الغربية؟ أي تعزيز نفوذ المتشددين لتهيئة بيئة لصدام عنيف يمكن بعده التخلص منهم و/أو تهجير السكان؟"، وفق تعبيره.