حرب السودان.. إلى أين وصلت الجهود التركية للتوسط بين الإمارات والبرهان؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

سلطت وكالة الأناضول التركية الضوء على التصعيد الدبلوماسي والسياسي بين السودان والإمارات العربية المتحدة، مشيرة إلى أهمية دور تركيا كوسيط لمحاولة إنهاء الأزمة.

ويعود سبب التوتر إلى دعم الإمارات بالمال والسلاح، مليشيات الدعم السريع التي تخوض حربا منذ أبريل/نيسان 2023 ضد الجيش السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان.

وقال الكاتب "كان ديفيجي أوغلو": في مطلع مايو/أيار 2025 شهدت مدينة بورتسودان الواقعة على ساحل البحر الأحمر شرق السودان تطورا خطيرا في الصراع الدائر داخل البلاد، تمثل الصراع في سلسلة هجمات بطائرات مسيّرة نفذتها قوات الدعم السريع. 

وامتدت هذه الضربات، التي وقعت بين 5 و7 مايو، لتشمل المطار ومستودعات الوقود وقاعدة فلامنغو البحرية والبنية التحتية المدنية، مما أسفر عن دمار واسع النطاق وتعطيل العمليات الإنسانية في المنطقة.

مواجهة إقليمية

والأخطر من ذلك هو أن تداعيات هذه الهجمات لم تقتصر على الميدان العسكري، بل تسببت في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين السودان والإمارات. 

فقد جددت القيادة العامة للجيش السوداني برئاسة البرهان اتهام أبوظبي بتزويد قوات الدعم السريع بأنظمة طائرات مسيّرة متطورة، وهو ما دفعها إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات في 5 مايو. 

من جهتها نفت الإمارات تلك الاتهامات وأعلنت أنها "لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان، لأنها لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان وشعبه الكريم"، على حد تقديرها.

ورأت أبو ظبي أن "قرار سلطة بورتسودان جاء كرد فعل عقب يوم واحد فقط من رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة"، من قبل حكومة السودان ضد أبوظبي.

ورفضت المحكمة الدولية دعوى تقدم بها السودان يتهم فيها الإمارات بالضلوع في إبادة جماعية ضد مجموعة "المساليت" العرقية بإقليم دارفور (غرب)، وذلك لعدم الاختصاص.

وفي الفترة الأخيرة، استعاد الجيش السوداني معظم المناطق التي استولت عليها الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وبينها غالبية العاصمة الخرطوم بما فيها القصر الرئاسي، ما دفع المليشيا ومن خلفها الإمارات لتصعيد الهجمات.

وأشار الكاتب التركي إلى أن هذا التصعيد يكشف عن تحول خطير في مسار الصراع السوداني؛ من نزاع داخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى صراع إقليمي تتداخل فيه مصالح قوى خارجية. 

وقد أظهرت تقارير خبراء تابعين للأمم المتحدة أن أنظمة الطائرات المسيّرة والأسلحة التي وصلت إلى قوات الدعم السريع صينية المنشأ.

إلا أن مسارها يشير إلى احتمال تمريرها عبر الأراضي الإماراتية، مما يعزز فرضية التورط غير المباشر لأبوظبي في الصراع.

واستدرك الكاتب التركي: مدينة بورتسودان، التي تحولت منذ بداية الحرب إلى مركز مؤقت للسلطة بعد سقوط العاصمة الخرطوم، تمثل شريانا حيويا للاقتصاد السوداني إذ تستحوذ على نحو 90 بالمئة من تجارة البلاد الخارجية. 

وبالتالي، فإن استهدافها يحمل دلالات إستراتيجية تتجاوز المكاسب العسكرية، حيث يهدف لزعزعة الاستقرار الحكومي وقطع خطوط الدعم والإمداد.

على ضوء هذه التطورات يبدو أن الحرب في السودان لم تعد مجرد صراع على السلطة بين فصائل محلية، بل تحولت إلى ساحة للصراع بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية، لا سيما دول الخليج، والتي تبرز الإمارات من بينها كفاعل مثير للجدل.

ويأتي ذلك في ظل الاتهامات المتكررة بتدخلها في شؤون الدول العربية، من ليبيا إلى اليمن، والآن في السودان.

وبينما تواصل الأطراف الدولية متابعة تطورات هذه الأزمة، تبرز في الأفق تحديات أمنية واقتصادية خطيرة تهدد الاستقرار الإقليمي.

في المقابل، قد تهيّئ هذه المستجدات لدول مثل تركيا فرصا لأداء دور بنّاء، سواء من خلال الوساطة السياسية أو عبر تعزيز جهود التعاون الإنساني، خاصة في ظل تزايد الحاجة إلى مبادرات تهدف إلى احتواء التصعيد ورسم ملامح مسار سياسي دائم ومستقر، وفق الكاتب.

وأردف أن "هجمات بورتسودان تمثل لحظة مفصلية في مسار الأزمة السودانية؛ إذ كشفت هشاشةَ المشهد الإقليمي، وأعادت طرح الأسئلة حول حدود التدخل الخارجي وسبل حماية السيادة الوطنية في ظل صراعات تغذيها أجندات تتجاوز حدود الدولة".

وساطة إستراتيجية 

في خضم تصاعد التوترات، برزت تركيا كلاعب إقليمي يسعى إلى احتواء الأزمة عبر مسار وساطة متوازن، يعكس عمق حضورها الإنساني والدبلوماسي في القارة الإفريقية، ويؤكد طموحها في لعب أدوار أكثر تأثيرا في معادلات البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

ولفت الكاتب إلى أنّ بورتسودان تُعَدُّ المحور الرئيس لعمليات المساعدات التركية بالسودان ومحيطه الإفريقي؛ وذلك نظرا لموقعها على البحر الأحمر.

فمعظم جهود إدارة الكوارث والطوارئ "أفاد" والهلال الأحمر التركي، ومؤسسة الإغاثة الإنسانية ترتكز على استقرار هذا الميناء الحيوي. 

لذلك فإن الاضطرابات الأخيرة في المدينة تهدد بإرباك هذه العمليات، وتضرب في العمق الحضورَ التركي المتنامي في إفريقيا، خاصة في مناطق حساسة مثل القرن الإفريقي ومنطقة الساحل، وفق الكاتب.

ولفت إلى أن الوجود التركي في البحر الأحمر يكتسب بعدا إستراتيجيا إضافيا بالنظر إلى اتفاقية 2017 التي وقعتها أنقرة مع الخرطوم بشأن ترميم جزيرة سواكن، وهو مشروع يحمل دلالات جيوسياسية تؤكد اهتمام تركيا بتوسيع نفوذها البحري والإقليمي.

وفي ظل تفاقم الأزمة بين الخرطوم وأبوظبي، تحرّكت تركيا سريعا لطرح نفسها كوسيط موثوق. 

تجسد هذا التوجه في لقاء جَمَعَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان نهاية عام 2024، حيث عرضت أنقرة مبادرة وساطة لتهدئة الأزمة، وقوبلت بترحيب رسمي من الجانب السوداني.

لاحقا، زار وفد تركي رفيع المستوى مدينة بورتسودان، برئاسة نائب وزير الخارجية برهان الدين دوران، وذلك تأكيدا على التزام تركيا الفعلي بعملية الوساطة، وتقديم رؤية دبلوماسية تستند إلى الحياد والخبرة المتراكمة. 

واللافت هنا هو أن الإمارات أيضا أبدت انفتاحا على المبادرة، وأكدت استمرار قنوات التواصل مع أنقرة، ما عزز فرص نجاح الوساطة التركية في أزمة معقدة متعددة الأطراف.

وعلق الكاتب التركي: ليست هذه أول مرة تلعب فيها تركيا دور الوسيط في أزمات إفريقية. فقد سبق أن رعت مفاوضات بين الصومال وإثيوبيا في إطار ما سُمّي بـ "مسار أنقرة" عام 2024، وذلك إثر أزمة الميناء التي كادت تعصف بالعلاقات بين البلدين. 

ولفت الكاتب إلى أن نجاح ذلك المسار رسّخ صورة تركيا كوسيط موثوق في القارة، قادر على الجمع بين المتخاصمين وتقديم حلول عملية.

وأضاف: نجاح الوساطة التركية لا يعتمد فقط على قدرتها على إقناع الطرفين، بل أيضا على تنسيقها مع أطراف إقليمية ودولية كالاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية، والأمم المتحدة. 

فهذا الانخراط متعدد الأطراف يضفي شرعية على الجهود التركية ويحدّ من المخاطر السياسية. كما أن توظيف أدوات "الدبلوماسية الإنسانية" يمنح المبادرة بعدا أخلاقيا وإنسانيا يعزز من قبولها.

وختم الكاتب بالقول: ما بين تصاعد الحرب بالسودان وتداخل المصالح الإقليمية في البحر الأحمر تقف تركيا أمام اختبار حقيقي لفاعليتها الدبلوماسية. 

فوساطتها بين الخرطوم وأبوظبي ليست مجرد تحرك عابر، بل تعكس توجها إستراتيجيا يُعيد رسم أدوارها في القارة الإفريقية. 

ونجاح هذه الوساطة سيعزز موقع أنقرة كقوة ناعمة قادرة على الجمع بين الإغاثة والدبلوماسية، وبين المصلحة والوساطة، في واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدا وحساسية، وفق تقييم الكاتب.