بريطانيا وفرنسا تتجهان للاعتراف بدولة فلسطين وألمانيا ترفض.. ما الدوافع؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لافتة، أصدرت 28 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا، بيانا مشتركا يدعو إسرائيل إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، إلا أن ألمانيا التي تُعد أحد أهم الدول داخل الاتحاد الأوروبي، امتنعت عن التوقيع على البيان.

وعقب انتهاء زيارته إلى برلين، سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعلان موقفه عبر منصة "إكس"، مؤكدا أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2025.

أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي أعاد توثيق علاقة بلاده مع القارة الأوروبية بعد توليه المنصب، فقد أعرب عن دعمه لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة بشكل فوري.

ومع تأكيده في الوقت ذاته على تحفّظه تجاه خطوة ماكرون، معتبرا أن الاعتراف يجب أن يكون جزءا من خطة أوسع تشمل تنفيذ حل الدولتين وتحقيق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قبل أن يعود ويصرح بنيته الاعتراف المشروط بالدولة الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول 2025.

وفي المقابل، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن "برلين لا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في الوقت القريب"، إلا أن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول ترك الباب مفتوحا قائلا: "إن عملية الاعتراف بدولة فلسطينية يجب أن تبدأ الآن".

مؤكدا، في الوقت ذاته، أن موقف برلين من "الاعتراف بدولة فلسطينية يجب أن يأتي في نهاية عملية تفاوضية، وأن ألمانيا ستُضطر أيضا إلى الرد على أي خطوات أحادية".

وفي تعليقه على هذا التباين بين الدول الثلاث الكبرى في أوروبا، يرى موقع "المراقب" الصيني أن "كل دولة تتصرف وفقا لمصالحها الخاصة وحساباتها السياسية، مما يؤثر على فرص إيجاد حل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

في هذا السياق، سلط الموقع الضوء على الدوافع التاريخية التي تفسر الموقف الألماني تجاه إسرائيل، موضحا تاريخ برلين في دعم الدولة العبرية خلال العقود الماضية انطلاقا من مبدأ "العقلانية الوطنية".

دوافع الدول

وتناول الموقع دوافع الدول الثلاث تجاه الاعتراف بدولة فلسطين؛ حيث يسعى ماكرون من خلال هذه الخطوة إلى مواجهة الأزمة الإنسانية في غزة بعد مشاهدته للضحايا المدنيين جراء القصف الإسرائيلي، وإلى ممارسة ضغوط دبلوماسية لدفع إسرائيل نحو قبول حل الدولتين.

من جانب آخر، يهدف ماكرون من وراء تلك الخطوة إلى "تعزيز نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية، لا سيما في ظل تراجع شعبيته داخليا".

إضافة إلى ذلك، استهدفت هذه الخطوة "تهدئة الضغوط السياسية الداخلية، خصوصا من قبل اليسار والناخبين المسلمين".

أما ستارمر، فقد حذر في البداية من "التعجل في الاعتراف بدولة فلسطين"، مشددا على "ضرورة تنسيق المواقف مع الولايات المتحدة، لا سيما في ظل علاقته الناشئة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

وبحسب الموقع، يرى ستارمر أن "الاعتراف بدون تحديد واضح للحدود والسيادة قد يؤدي إلى تقدم وهمي لا يستند إلى وقائع سياسية".

وهو ما يعكس -وفق الموقع- سعي بريطانيا إلى "إيجاد توازن بين دعمها المبدئي لحقوق الفلسطينيين ومقتضيات الدبلوماسية الواقعية".

واستدرك: "لكن تصاعد الأزمة في غزة، إضافة إلى تحرك فرنسا، ضاعفا الضغوط الداخلية عليه".

ولذا، صرح أخيرا أنه "إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإنهاء الأزمة في غزة وتحقيق سلام مستدام، فإن بريطانيا ستعترف بدولة فلسطين قبل افتتاح الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة".

علاقة خاصة

أما الموقف الألماني، فيرى التقرير أنه يستند إلى عدة تقديرات معقدة.

التقدير الأول، وفق التقرير، هو أن "برلين تؤمن أن حل الدولتين يجب أن يتحقق عبر مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، وليس كخطوة أولية".

أما التقدير الثاني، فهو أن "ألمانيا تخشى أن يُفهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية بصفته إضفاء للشرعية على حركة حماس، المصنفة أوروبيا كمنظمة إرهابية"، حسب التقرير.

مضيفا أن "الحكومة الألمانية تشترط تحقيق عدة متطلبات مسبقة قبل الاعتراف، من بينها وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، ونزع سلاح حماس، وتحسين الوضع الإنساني".

وتابع: "وأخيرا، تسعى ألمانيا لتنسيق موقفها مع حلفائها الغربيين، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، لتجنب أي توترات دبلوماسية".

ورغم تمسكها بهذا النهج، يشير التقرير إلى أن "حكومة ميرتس تواجه ضغوطا متزايدة من الداخل والخارج". 

حيث رُفعت أكثر من 1000 دعوى جنائية ضد ميرتس، تتهمه بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية بسبب مواقفه المؤيدة لإسرائيل، حسب تقرير الموقع الصيني.

كما أظهرت استطلاعات حديثة أن 74 بالمئة من الألمان يطالبون حكومتهم بممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل.

كذلك، نشر أكثر من 200 من المثقفين الألمان رسالة مفتوحة إلى ميرتس، دعوه فيها إلى التحرك الفوري ووقف إطلاق النار. وكتبوا: "لقد انتقدتم الحكومة الإسرائيلية أخيرا، ونحن نثمّن ذلك، لكن الكلام وحده لا ينقذ الأرواح. يا سيد ميرتس، لا تدع غزة تموت".

وعلى المستوى الأوروبي، اقترحت المفوضية الأوروبية تعليقا جزئيا لتمويل الشركات الناشئة الإسرائيلية في مجالات التكنولوجيا، وهو ما قد يؤثر على قطاعات الطائرات المسيرة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، حسب ما أورده التقرير.

لافتا إلى أن دولا غربية أخرى باتت تفكر أخيرا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من بينها أستراليا وكندا وفنلندا ونيوزيلندا والبرتغال وأندورا ومالطا وسان مارينو ولوكسمبورغ، استجابة للمبادرة الفرنسية.

ورغم أن الموقع لم يستبعد أن يتغير موقف ألمانيا في المستقبل القريب تحت وطأة هذه الضغوط، إلا أنه أشار إلى أن "الحكومة الألمانية ما تزال حتى الآن متمسكة بموقفها تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي".

وعزا السبب الرئيس وراء هذا الالتزام إلى "مسؤولية ألمانيا التاريخية عن المحرقة النازية ضد اليهود، مما يفرض التزاما ألمانيا خاصا تجاه أمن إسرائيل".

حيث تصف وزارة الخارجية الألمانية العلاقات مع إسرائيل بأنها "علاقات خاصة"، نابعة من مسؤولية ألمانيا عن المحرقة التي أودت بحياة ستة ملايين يهودي أوروبي.

وأردف التقرير: "وبمعنى أوضح، تُعد هذه العلاقة بمثابة عملية "تكفير" عن آثام الماضي، بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وتطورت لتشمل تعاونا دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وثيقا".

وأوضح أن هذا الالتزام يعني "إعطاء الأولوية لحماية أمن إسرائيل وحقها في الوجود كدولة، والتسامح مع أفعالها غير الأخلاقية وتجاوزاتها من أجل تحقيق هذا الهدف".

وأشار إلى أنه "في الخطابات الرسمية للسياسيين الألمان، يبرز الجانب الأول عادة، بينما يظهر الجانب الثاني في الممارسات العملية، مثل التغاضي عن تصرفات إسرائيل غير الإنسانية في غزة".

ولفت إلى أن "هذا التناقض يثير تساؤلات لدى الرأي العام الألماني حول أسباب استمرار الحكومة في دعم إسرائيل رغم تجاوزاتها".

مضيفا: "تتصرف ألمانيا وفق منطق ميكافيلي، الذي يشير إلى التغاضي عن الأفعال غير الأخلاقية بل وتبريرها، من أجل مصلحة الدولة".

دعم عسكري

وسلط الموقع الضوء على حقبة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ودورها الحيوي في دعم إسرائيل وضمان أمنها.

ففي 18 مارس/ آذار 2008، وخلال زيارتها الرسمية لإسرائيل، ألقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خطابا أمام الكنيست، قالت فيه: "المسؤولية التاريخية التي تتحملها ألمانيا تعد جزءا من مصلحتنا الوطنية، وهذا يعني، بصفتي مستشارة ألمانيا، أنني لن أضع أمن إسرائيل موضع تفاوض".

وعقب الموقع: "أصبحت هذه العبارة مرجعية في العلاقات الألمانية الإسرائيلية، وعُدّت من قِبَل البعض إعلانا عن مبدأ جديد في السياسة الخارجية الألمانية".

واستدرك: "لكن ميركل أوضحت لاحقا أن هذا المفهوم ليس جديدا، بل هو امتداد لسياسات الحكومات السابقة".

ومع ذلك، يعتقد الموقع أن "استخدام ميركل مصطلح (المصلحة الوطنية) في خطاب رسمي أمام البرلمان الإسرائيلي يعد سابقة، ويعكس عدة مضامين مهمة على عدة مستويات".

فعلى المستوى الثنائي، يرى الموقع أن هذا التصريح يعني "التزام ألمانيا بالدعم العسكري لإسرائيل".

وفي هذا السياق، أشار الموقع إلى أن "ألمانيا بدأت دعم إسرائيل عسكريا منذ خمسينيات القرن العشرين، غالبا بطرق سرية مثل نقل الأسلحة عبر دول وسيطة كإيطاليا، مع تحمل ألمانيا معظم التكاليف أو كلها، على غرار الدعم العسكري الحالي لأوكرانيا". 

ونوَّه إلى أن "هذا الدعم لم يثر جدلا كبيرا داخل ألمانيا، حيث يُعد إجماعا سياسيا، كما أكدت ميركل في خطابها".

ولفت الموقع إلى أن "الرأي العام الألماني لم ينتبه لهذا الملف إلا في عام 1991، عندما قرر المستشار هيلموت كول تزويد إسرائيل بست غواصات، في أعقاب حرب الخليج الأولى؛ حيث تعرضت إسرائيل لهجمات صاروخية من العراق، الذي كان يمتلك ترسانة كيميائية أسهمت شركات ألمانية في بنائها".

وتابع: "منذ ذلك الحين، تعمق التعاون العسكري، ووقعت الدولتان عام 2008 اتفاقية للتدريب المتبادل بين الجيشين".

بيئة آمنة

على المستوى الإقليمي، كان ما يعرف بـ"مبدأ ميركل" يهدف إلى "خلق بيئة إقليمية آمنة لإسرائيل، عبر تخفيف التوترات مع الدول العربية وتعزيز التعاون في مجالات التجارة والبيئة والبنية التحتية".

في هذا الإطار، شاركت ألمانيا على مدى العقود الماضية في مبادرات سلام دولية، حيث اقترح وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر، في عام 2022، خطة من سبع نقاط لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

كما أسهمت ألمانيا في إنشاء "رباعية الشرق الأوسط" (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، بهدف دعم عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إضافة إلى توسطها عام 2014 للتوصل إلى وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.

وينبه الموقع إلى أن "الدعم المالي الألماني للفلسطينيين يعد جزءا من إستراتيجية حماية أمن إسرائيل".

وتابع: "ولذلك استمر الدعم الألماني في تمويل مشاريع فلسطينية تشمل البنية التحتية والتعليم والثقافة، إضافة إلى المساعدات الإنسانية".

وأضاف: "كذلك أرسلت ألمانيا، في سبتمبر/ أيلول 2006، أكثر من 100 جندي للمشاركة في المهام البحرية لقوات اليونيفيل في لبنان، من أجل منع تهريب الأسلحة إلى حزب الله، وتعزيز أمن المنطقة وحماية إسرائيل".

وأشار الموقع إلى أن "هذه الجهود لا تصب في صالح أمن إسرائيل فحسب، بل تمنح برلين أيضا هامشا أوسع في سياستها الخارجية، وتعزز مكانتها في المنطقة، حيث تحافظ على علاقات قوية ومتوازنة مع إسرائيل والدول العربية في آن واحد".

وفيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني، ذكر الموقع أن ميركل "ربطت في خطابها عام 2008 بين (المصلحة الوطنية) وضرورة التصدي للتهديد النووي الإيراني"، مؤكدة أن "ألمانيا ستواصل دعم العقوبات إذا لم تُظهر طهران مرونة".

وتأكيدا لهذا المبدأ، شاركت ألمانيا في مفاوضات مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) مع إيران، والتي أسفرت عن توقيع "خطة العمل الشاملة المشتركة" في 2015 بفيينا، بهدف الحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع تدريجي للعقوبات الدولية، حسب التقرير الصيني.

تشكيك متزايد 

كما أوضح التقرير أن التزامات ألمانيا تمتد تجاه إسرائيل إلى المستوى الدولي.

مشيرا إلى أن "برلين تسعى -من خلال اقتراح السياسات والتصويت داخل المنظمات متعددة الأطراف، وعلى رأسها الأمم المتحدة- إلى حماية المصالح الأمنية الإسرائيلية".

وأردف: "فعلى سبيل المثال، اتبعت الحكومة الألمانية موقفا حذرا تجاه محاولات منح فلسطين وضعا قانونيا أعلى داخل الأمم المتحدة".

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، امتنعت ألمانيا عن التصويت في الجمعية العامة على قرار منح فلسطين صفة "دولة مراقبة غير عضو"، وكانت من بين 41 دولة اختارت الامتناع.

واستطرد: "وحتى اليوم، لا تزال حكومة ميرتس ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية من منظور القانون الدولي".

ولفت إلى أن "نهج حماية إسرائيل الذي تتبناه ألمانيا داخل المحافل الدولية، يثير جدلا واسعا داخل الاتحاد الأوروبي، لا سيما مع إعلان دول أوروبية مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج اعترافها بفلسطين في الآونة الأخيرة".

في هذا السياق، يشير الموقع إلى أنه "عندما طرحت ميركل مفهوم (المصلحة الوطنية)، كانت هناك تقديرات داخلية وأوروبية وراء ذلك".

واستدرك: "لكن مع مرور الوقت، أثارت سياسات إسرائيل، خاصة في ما يتعلق بالمستوطنات، انتقادات متزايدة في أوساط الرأي العام الألماني، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في مستوى التأييد الشعبي لها".

وحسب التقرير، يظهر هذا بوضوح خلال الفترات التي تشهد تصعيدا عسكريا، حيث ترتفع الدعوات داخل ألمانيا المطالبة بـ "وقف التعاون العسكري مع إسرائيل"، و"إلغاء أو تجميد الامتيازات التجارية الممنوحة لتل أبيب من قبل الاتحاد الأوروبي".

في الوقت الراهن، يتحدث الموقع الصيني عن "تزايد التشكيك في مبدأ (المصلحة الوطنية) بين الألمان، خاصة بين الأجيال الشابة التي تبتعد عن فكرة تحمل (مسؤولية خاصة) تجاه إسرائيل".

وأضاف: "مع تزايد المسافة الزمنية عن جرائم النازية ضد اليهود، يجد الشباب صعوبة في تبني هذه المسؤولية كركيزة أساسية للسياسة الخارجية الألمانية، على عكس الأجيال السابقة التي عاصرت تلك الحقبة أو تأثرت بها مباشرة".