كتيبة "البراء بن مالك".. لماذا تركت السلاح في مواجهة "الدعم السريع" بالسودان؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة مفاجئة، أعلنت كتيبة "البراء بن مالك"، إحدى المجموعات الشعبية الإسلامية، التي حاربت بجانب الجيش السوداني ضد قوات المتمرد حمدان دقلو "حميدتي"، تخليها عن العمل العسكري، والتحول إلى نشاط مدني وخدمي بحت.

الخطوة التي لم تكن متوقعة في هذا التوقيت، أثارت تساؤلات حول دلالاتها الميدانية والسياسية، خصوصا مع احتدام القتال في عدد من مناطق كردفان ودارفور، واستمرار الجمود في مساعي التسوية السياسية.

قرار الكتيبة، التي يقودها مصباح أبو زيد طلحة، يوم 27 يوليو/تموز 2025، والذي جاء عقب سلسلة انتصارات في الخرطوم، كان لها الفضل فيها، بررته بأنه يأتي انسجامًا مع "متطلبات المرحلة الوطنية الحرجة التي تمر بها البلاد".

لكن صدور قرار الكتيبة بعد 9 أيام من إصدار البرهان في 18 يوليو 2025، أمرا عسكريا بتفريغ الخرطوم من كل القوات والكيانات المسلحة خلال أسبوعين، أثار تكهنات حول العلاقة بين القرارين.

خاصة أن قائد الجيش، رئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان، سبق أن انتقد دعاية الكتيبة ونشرها فيديوهات عن انتصاراتها، وكأنها تعمل بمعزل عن الجيش، برغم أنها لعبت دورا كبيرا في تحرير القصر الرئاسي الجمهوري.

ما القصة وما أهمية هذه الكتيبة؟ ولماذا تتوجَّس الإمارات من هذه الخطوة وسلطت إعلامها ليقول: إنه "تكتيك جديد يستخدمه تنظيم الإخوان للعودة إلى السلطة عبر الحرب الحالية المستمرة في السودان منذ أبريل/ نيسان 2023"؟

ما أسباب التحول؟

وخلال الحرب، ظهرت وحدات إسلامية شبه مستقلة، أبرزها فيلق البراء بن مالك، التي سُمِيت على اسم شخصية إسلامية من صدر الإسلام، وهي تُعد من أبرز المجموعات المسلحة غير النظامية المشاركة مع الجيش ضد الدعم السريع، منذ أبريل 2023.

ويشير تاريخها إلى أنها امتداد لـ"قوات الدفاع الشعبي" التي شكلها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لدعم الجيش في حربه ضد جنوب السودان قبل انفصاله، والتي انضم لها إسلاميون. ويقول قائد بالبراء إن عددها يتجاوز 20 ألفا.

وقد طرح إعلان "البراء" التخلي عن العمل العسكري والتحول للمدني، أسئلة كثيرة وعلامات استفهام حول الأسباب، وهل سيتم تفكيك هذه المليشيات الشعبية التي تشكلت لدعم الجيش وتسليم سلاحها؟ أم أن هذه الخطوة "تكتيكية سياسية"؟

محللون وسياسيون سودانيون فسروا قرار الكتيبة بالتحول من العمل العسكري للمدني وإلقاء السلاح، بعدة أمور: 

منها أنه قرار يستهدف تسهيل مهمة الجيش في إخراج أي قوى ومجموعات قبلية مسلحة من العاصمة وعدم تكرار تجربة ليبيا.

ومنها أن قرار الكتيبة مجرد تأكيد لما وعدت به من حل نفسها والعودة لأعمال أعضائها؛ حيث إنها تضم مهنيين وأصحاب أعمال هبوا لحماية بلادهم ودعم الجيش، وسيعودون لأعمالهم بعد الحرب، خاصة أن دورهم قرب على الانتهاء بعد دورهم في تحرير العاصمة الخرطوم.

أما السبب الثالث والأبرز الذي رجَّحه سياسيون سودانيون معارضون للكتائب، فهو أن الإسلاميين يسعون من وراء هذه الخطوة، للاستعداد للانتقال للعمل السياسي والتجهز للانتخابات المحتملة مستقبلا.

وأن هذا تمهيد لعودتهم للحياة السياسية من باب السياسة والانتخابات، بعد حظر الجيش نشاطهم إثر الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بصفتهم من أنصاره.

أي أنهم "يخططون للعودة للساحة السياسية بعد الحرب من خلال دعم الجيش"، كما يؤكد تحليل لوكالة "رويترز" أيضا، 25 يوليو/تموز 2025.

ونقلت الوكالة عن أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق قوله: إن الانتخابات قد تمهد الطريق أمام الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني للعودة إلى حكم السودان.

كشف هارون عن تصورات حزبه للمرحلة السياسية المقبلة في البلاد، مؤكدًا تمسك الإسلاميين بتحالف إستراتيجي مع الجيش السوداني كوسيلة للعودة إلى الحكم بعد الحرب.

ووصف محللون سودانيون حديث أحمد هارون بأنه يعكس بوضوح أن التيار الإسلامي في السودان لا يرى نفسه خارج معادلة الحكم، مهما تغيرت الوقائع. 

لكن أحد قادة "البراء"، وهو المهندس عويس غانم، قال لـ "رويترز": "لا نقاتل من أجل عودة الإسلاميين إلى السلطة، بل نقاتل لصد عدوان قوات الدعم السريع". 

وأضاف: "بعد مشاركة الإسلاميين في الحرب، أتوقع عودتهم (أي سياسيا) عبر الانتخابات".

فيما قال ممثل لقيادة الجيش لـ"رويترز": "قد يرغب بعض القادة الإسلاميين في استخدام الحرب للعودة إلى السلطة، لكننا نقول بشكل قاطع: إن الجيش لا يتحالف أو ينسق مع أي حزب سياسي ولا يسمح لأي طرف بالتدخل".

وكانت "رويترز" زعمت حصولها على "وثيقة" لحزب المؤتمر الوطني من "مسؤول إسلامي كبير" تشير إلى دور رئيس للشبكات الإسلامية في الجيش منذ بداية القتال.

وتزعم أن عدد المقاتلين المرتبطين مباشرة بحزب المؤتمر الوطني يبلغ نحو 5 آلاف مقاتل، يخدم معظمهم في وحدات "القوات الخاصة" التي حققت بعض أكبر المكاسب للجيش، خاصة في الخرطوم.

لكن مصادر في الجيش وهارون أكدوا لرويترز أن الفصائل الإسلامية لا تملك أي سلطة على الجيش، وشكك هارون في صحة الوثيقة وفي مزاعم وجود آلاف الجنود المرتبطين بحزب المؤتمر الوطني يقاتلون إلى جانب الجيش.

ولكنه أقر بأنه "ليس سرا أننا ندعم الجيش استجابة لدعوة القائد الأعلى، ولضمان بقائنا.

ويقول الصحفي السوداني "عزمي عبد الرازق" عبر حسابه على فيس بوك: إن جنود كتيبة البراء بن مالك، أطباء ومهندسون وتجار ومعلمون وأهل صنعة وحفظة، وأنهم زاهدون في الأضواء، وبعد الحرب سيعودون لبيوتهم وأعمالهم وتجارتهم ومهنهم.

لكن تيارات سياسية سودانية معارضة للتيار الإسلامي، شككت في إلقاء البراء بن مالك أسلحتها، فوصف ما يُسمى "تجمع أم درمان" إعلان الكتيبة التحول إلى الشق المدني بأنه "مضلل"، وفق موقع "الترا سودان" 28 يوليو/تموز 2025.

ووصف هذا التوجه بأن "الغرض منه خداع الشعب السوداني"، وزعم أن كتيبة البراء بن مالك "تحتفظ بالهياكل العسكرية والمعسكرات في الأحياء والمرافق المدنية".

ونقلت صحيفة "التغيير" السودانية، 28 يوليو 2025 عن المحلل السياسي محمود الماهل أن إعلان كتائب البراء الانخراط في العمل المدني "خديعة"؛ لأن "كتائب الإسناد المدني" التي قال قائد البراء إن قواته العسكرية ستتحول لها "موجودة منذ زمن".

قال: "أعتقد أن هذه المليشيات ستظل تقاتل إلى نهاية الحرب وسيصعب تفكيكها أو نزع سلاحها حتى لو جاءت اتفاقية سلام جديدة".

ونقلت "التغيير" عن مصادر في بورتسودان (مقر حكومة الجيش) أن "كتائب البراء موجودة في ميدان القتال ولن تبارح ساحة الحرب لحين انجلاء المعركة وأن تصريح قائدها المصباح يخص مرحلة ما بعد الحرب".

وكان لافتا أن الإمارات حركت لجانها الإلكترونية وأبواقها الإعلامية، خاصة "سكاي نيوز" و"العرب" اللندنية، و"ميدل إيست أون لاين"، و"حفريات" لمهاجمة قرار كتيبة البراء، وعده خدعة وأن "الإخوان" يسعون للسيطرة على الحكم في السودان مجددا.

قصة الإعلان

يوم 26 يوليو/ تموز 2025 نشرت حسابات سودانية تصريحات لقائد كتيبة البراء بن مالك المصباح طلحة أبو زيد بالتحول من العمل المسلح إلى القطاع المدني وتكوين غطاء مدني تحت مسمى هيئة الإسناد المدني وأطلق عليها اختصارا "سند".

كان إعلان قائد كتائب البراء بن مالك، المصباح أبوزيد طلحة أنهم سيتجهون قريبا لحصر دورها في العمل المدني فقط، (كتائب الإسناد) في إطار تغيير في سياستها، لافتا؛ لأن المعارك لا تزال مستمرة خاصة في كردفان ودارفور مع مليشيا الدعم السريع.

قال في بيان إن "قيادة مجموعة البراء قررت طواعية تسليم سلاحها وطي صفحة القتال، والانخراط في العمل المدني بما يخدم شعبنا في هذه المرحلة الدقيقة".

 ولم يحدد البيان الجهة التي سُلمت إليها الأسلحة، كما لم يُوضح طبيعة "العمل المدني" المأمول. 

وقد نشرت حسابات تابعة لإعلام الإسناد المدني بولاية الخرطوم فيديوهات لفيلق البراء بن مالك وهو يقوم بعمليات تنظيف وتأهيل لمستشفيات ومراكز خدمية لتعاود عملها بعد تخريب قوات حميدتي لها وطردهم منها.

كان الإعلان عن نية هذا الفصيل العسكري التحول إلى العمل المدني، خطوة مفاجئة؛ لأنها جاءت في لحظة يُوصف فيها الوضع الميداني بالحرج، وسط اشتداد المعارك في دارفور، واستمرار سيطرة مليشيا الدعم السريع على معظم دارفور ومناطق من شمال وغرب كردفان.

وكان من بين الأسئلة التي طرحت بين السودانيين، بحسب موقع "سودان حر ديمقراطي"، 28 يوليو/تموز 2025: لماذا اختارت قيادة اللواء الإعلان عن التحول إلى العمل المدني في هذا التوقيت بالذات؟

وما مدى واقعية هذا التحول، في ظل أن القوة هي تشكيل عسكري خالص؟ وهل الإعلان يعكس رغبة حقيقية في الانسحاب من جبهات القتال، أم هو مجرد إعادة تموضع إستراتيجي؟

لكن قائد لواء البراء بن مالك أعلن جاهزيتهم في محاولة لطمأنة قاعدته الشعبية والعسكرية، أن الترتيبات العسكرية لتحرير كردفان قد اكتملت.

قال: "كردفان باتت على مرمى البصر، وما هي إلا لحظات تفصلنا عن ساعة الصفر، وما بعد الصفر سيكون جحيمًا يحرق آخر جحور المليشيا في الضعيْن ونيالا… فالثأر قادم، والدم لا يُنسى، والحساب عسير".

ويرى محللون أن توقيت هذا التصريح يُعد استجابة مباشرة لموجة الانتقادات، ومحاولة لإعادة تأكيد الدور القتالي للفصيل، بعد أن أثار إعلانه السابق تساؤلات حادة حول مدى التزامه بوعوده العسكرية، لدعم الجيش حتى النهاية والقضاء على تمرد حميدتي.

خلاف البرهان والإسلاميين

كان إعلان كتيبة البراء الخروج من المشهد العسكري والانخراط في العمل المدني بعد 9 أيام من قرار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بإخراج الحركات المسلحة من العاصمة، مثيرا لتساؤلات حول:

هل هذا الإعلان وليد استمرار الخلافات بين العسكريين الإسلاميين والبرهان؟ أم أن هناك تنسيقا مسبقا يتيح لكتيبة البراء الإسلامية السيطرة على المشهد الأمني في العاصمة من خلال واجهات جديدة، كما يقول معارضون لهذا الفيلق؟

موقع قناة "سكاي نيوز عربية" الإماراتي، رجح السبب الثاني؛ لأنه خلال اندلاع الحرب الحالية، تزايد نفوذ كتيبة البراء ونقل عن ضابط كبير في الجيش أن الكتيبة "تمتعت بنفوذ كبير على القيادات العليا، وهي التي كانت تدير المعارك في مواقع حساسة مثل سلاح المدرعات".

زعم أن التكتيك الجديد الذي أعلنت عنه كتيبة البراء، التي يزعم الموقع الإماراتي تبعيتها للإخوان المسلمين، يهدف "للاختفاء ظاهريا من واجهة العمل العسكري والعمل خلف ستار الأجهزة الأمنية الرسمية لممارسة الانتهاكات".

وكلف رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، لجنة شكلها في 18 يوليو/تموز 2025، لتشجيع عودة المدنيين، بالإشراف على إخراج جميع الفصائل المسلحة من العاصمة بحلول مطلع أغسطس 2025.

وذلك بسبب تزايد القلق من انفلات أمني وانتشار واسع للسلاح بين فصائل متحالفة مع الجيش لا تزال تنشط داخل العاصمة وبعضها يمارس انتهاكات أو نهب، وفق صحف عربية.

ونقلت صحف سودانية 15 أبريل 2024 عن عبد الفتاح البرهان، انتقادات لكتيبة الإسلاميين (البراء بن مالك) التي تقاتل، بجانب الجيش، حيث أبدى امتعاضه من الظهور الإعلامي المكثف لكتيبة البراء.

وبثها مقاطع فيديو لمسيرات تقوم بطلعات قتالية عليها شعار الكتيبة، بشكل يوحي كأنها تعمل بمعزل عن قيادة الجيش.

قال "إن ظهورهم في فيديوهات بصورة راتبة أدى إلى أن تدير الكثير من دول العالم ظهرها للسودان"، في إشارة لتحريض أنظمة خليجية عربية ودول أجنبية ضد المقاومة الشعبية الإسلامية التي أسهمت في انتصارات الجيش الأخيرة، بدعوى "عودة النظام القديم".

ويرى محللون أن تفرد الإسلاميين في السودان بأنهم كانوا جزءا من النظام السياسي السوداني وجزءا من المؤسسة العسكرية، يجعل حسم الصراع الدائر حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع مرهونا بدور لهم.

وأن الصراع بين البرهان وحميدتي قد ينتهي لعودتهم إلى السلطة، بعدما ساندوا الجيش في تحقيق انتصارات واستعادة العاصمة الخرطوم، ويستعدون لدخول أي انتخابات مقبلة والفوز فيها لثقلهم الشعبي ودورهم ضد تمرد حميدتي.

وسبق أن سعي حميدتي لاستدعاء الإسلاميين كمبرر للاشتباكات حيث زعم يوم 19 أبريل 2023، إن القتال الذي يخوضه الجيش السوداني ضد قواته "يقوده الإسلاميون لاستعادة السلطة التي فقدوها".

كما أعلن أنه بقتاله الجيش السوداني إنما يفعل ذلك كي "يساند الديمقراطية ويحارب الإسلام الراديكالي".

قال: نحن نحارب الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولا في الظلام، وبعيدا عن الديمقراطية!!

وفي 18 أبريل 2022 وقّعت 10 فصائل إسلامية في السودان ميثاق تأسيس ما يسمى "التيار الإسلامي العريض"، لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها، وتم تعيين "علي كرتي" أمينا عاما للتيار.

والفصائل العشرة الموقعة على ميثاق التأسيس هي: "جماعة الإخوان المسلمين-التنظيم العالمي"، و"جماعة الإخوان المسلمين-السودان"، و"منبر السلام العادل"، و"الحركة الإسلامية السودانية"، و"تيار النهضة".

وأيضا "حزب دولة القانون والتنمية"، و"حركة المستقبل للإصلاح والتنمية"، و"حركة الإصلاح الآن"، و"حزب العدالة القومي"، و"مبادرة وحدة الصف الإسلامي".

ويقول الصحفي والمحلل السياسي السوداني وليد الطيب لـ "الاستقلال": إن تصريح "البرهان" سببه خشية الجيش أن يكون الظهور الإعلامي المبالغ فيه لكتيبة البراء "مطية لبعض التنظيمات السياسية والإسلاميين، وأنصار النظام السابق، الذين عليهم كثير من التحفظات على المستويين المحلي والإقليمي".

أوضح أن البرهان يخشى تحميل قوى محلية ودولية له مسؤولية تشجيع عودة الإسلاميين، عبر الحرب مع الدعم السريع، لدورهم السابق على انقلاب 2019.