كاتب تركي: خياران أمام أردوغان للترشح لولاية ثالثة وإمام أوغلو مثير للشبهات (خاص)

محمود مصلحان | منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

قال الكاتب التركي “رسول طوسون”: إن حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” كلف تركيا منذ عام 1984، أكثر من 15 ألفا و224 قتيلا من المدنيين وعناصر الأمن و34 ألفا و394 جريحا، فضلا عن خسائر اقتصادية تصل إلى 4 تريليونات دولار.

وأضاف “طوسون”، وهو أيضا نائب سابق بالبرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن “بي كا كا” كان أداة إمبريالية لكبح جماح أنقرة لكن الرئيس رجب طيب أردوغان نجح في وضع حدا لها.

وفي 12 مايو/ أيار 2025، أعلن حزب العمال الكردستاني حل نفسه ووقف العمل المسلح في تركيا، منهيًا بذلك تمردا استمر 40 عاما، وذلك استجابة لدعوة قائده عبد الله أوجلان المعتقل منذ 26 عاما في تركيا.

وعلى صعيد العلاقات الخارجية، أوضح “طوسون”، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أدرك أن تركيا لم تعد تركيا القديمة. كما أنه يتصرف بتحفظ أمام كاريزما الرئيس أردوغان، بل ولا يخفي إعجابه به. إنه يرى ما وصلت إليه تركيا في مجال الصناعات الدفاعية.

ولفت إلى أن “إسرائيل، التي لا تريد سوريا قوية، تحاول تحقيق هدفها من خلال تحريض الدروز في الجنوب، والعلويين في الساحل، والأكراد في الشرق.”.

وعن غزة، شدَّد على أنه “يمكن وقف الإبادة الجماعية في غزة فقط من خلال تدخل فعلي من الدول الإسلامية؛ لأن إسرائيل دولة إرهابية لا تعترف بقانون أو قواعد أو أخلاق".

“تركيا بلا إرهاب”

  • من القضايا الأخرى المطروحة على الساحة التركية "عملية السلام الجديدة"، أي تركيا بلا إرهاب... وقد أعلن حزب العمال الكردستاني عن حلّ نفسه. ماذا سيحدث بعد ذلك؟

دفعت البلاد ثمنا باهظا لمشكلة الإرهاب المستمرة منذ 47 عاما؛ فمنذ عام 1984، سقط أكثر من 15,224 من عناصر الأمن والمواطنين المدنيين الأبرياء شهداء في إطار مكافحة حزب العمال الكردستاني.

وهناك 34,394 من الجرحى والمحاربين القدامى. كما يُشار إلى خسائر اقتصادية تصل إلى 4 تريليونات دولار.

ولقد استُخدم تنظيم الإرهاب كأداة في يد القوى الإمبريالية لكبح جماح تركيا.

بدورها، قامت تركيا بمحاولتين لإنهاء الإرهاب سابقا، خلال فترتي رئيسي الوزراء تورغوت أوزال ونجم الدين أربكان. وفي كلتا الحالتين أُفشلت جهود رئيسي الوزراء.

كما حاول الرئيس أردوغان مرتين أيضا في عامي 2009 و2013. وفي كل مرة تدخلت القوى الإمبريالية لإفشال هذه المحاولات.

لكن هذه المرة، وبفضل الموقف الحازم للرئيس أردوغان، ونضوج الظروف داخليا وخارجيا، تحقق النجاح.

ففي الداخل، على سبيل المثال، كان حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية يعارضان بشدة أولى مبادرات أردوغان. 

أما الآن، فقد أشعل رئيس حزب الحركة القومية بنفسه فتيل هذه المرحلة الجديدة، معبرا عن دعمه لأردوغان، كما لم يعارض حزب الشعب الجمهوري هذه العملية.

وفي الداخل أيضا، طُهرت الأجهزة الأمنية والقضائية من عناصر تنظيم غولن، التابع للاستعمار الغربي، وشُلت حركة التنظيم الإرهابي بالكامل داخل البلاد، مما أزال العوائق الداخلية.

وبعد تطهير الجيش والأمن من عناصر غولن، شُلّت حركة التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا تماما كما حدث داخليا. وبفضل التحركات الدبلوماسية للدولة، قُلص الدعم الخارجي للتنظيم إلى أدنى حد.

فقد أعلنت الحكومة العراقية أن التنظيم غير شرعي. أما في سوريا، فقد سقط نظام الأسد الذي كان يقدم له الدعم.

أما إدارة جو بايدن، التي كانت تدعم التنظيم بشكل علني، فقد اضطرت إلى تسليم السلطة لإدارة ترامب، التي تدعم أردوغان.

وقد نجحت الاستخبارات الوطنية التركية في تحييد عناصر الإرهاب واحدا تلو الآخر، حتى في الخارج.

كل هذه التطورات الداخلية والخارجية، وبدعم من رئيس حزب الحركة القومية، عززت موقف الرئيس أردوغان. وبالوصول إلى نقطة تحول تاريخية، حلّ حزب العمال الكردستاني نفسه، واتخذ قرارا بتسليم السلاح.

هذا إنجاز كبير. إنّه إنجاز لتركيا. لقد انتصرت تركيا وخسرت الإمبريالية.

وإن شاء الله، إذا اكتمل الحل وسُلم السلاح بنجاح، سيتحقق هدف "تركيا بلا إرهاب"، وستُفتح الأبواب بالكامل أمام "قرن تركيا".

قضية إمام أوغلو

  • تشهد الأجندة السياسية في تركيا حراكا واسعا، لا سيما أزمة الإطاحة بأكرم إمام أوغلو من رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى وإلغاء شهادته الجامعية، كيف ترون الجدل بشأن هذه القضية؟

شخص لم يتمكن من النجاح في أي جامعة في تركيا، سجل نفسه في جامعة في قبرص بمال أبيه. ثم انتقل بشكل غير قانوني من هذه الجامعة، التي لا يُعترف بمُعادلتها في تركيا، إلى جامعة إسطنبول التي لا يمكن دخولها إلا من خلال الحصول على درجات عالية.

وقد طُرحت هذه المخالفة لأول مرة عام 2016 في إحدى الصحف المحلية عندما كان يشغل منصب رئيس بلدية بيليك دوزو. وبعد بضعة أيام من إثارة الصحفي لهذا الموضوع، توفي الصحفي بطريقة غريبة.

وعندما طُرحت مسألة ترشيح هذا الشخص للرئاسة من قبل حزب الشعب الجمهوري، عاد موضوع الشهادة غير القانونية إلى الواجهة، وهذه المرة شعرت الجامعة بالحاجة إلى إجراء تحقيق جدي،  ومن ثم ألغيت الشهادة بموجب القانون واللوائح المعمول بها.

ويبدو أن إلغاء الشهادة قانوني، لكن نتائجه السياسية هي التي تثير الجدل؛ حيث إن إلغاء شهادة لشخص لم يكن يستحقها وحياته مليئة بالشكوك والشبهات، يبدو أمرا طبيعيا. لكن الأمر بات مثيرا للجدل والنقاش بسبب هويته السياسية. 

  • يُحاكم إمام أوغلو أيضا بتهم الفساد. كيف تقيّمون الجدل حول الفساد في بلدية إسطنبول الكبرى؟ هل تعتقدون أن الأسباب التي قد تؤدي إلى سجنه منطقية؟

بما أن التحقيق لا يزال جاريا، فإنه من غير المناسب الإدلاء برأي حول مضمونه. ومع ذلك، فإن الاتهامات التي وردت في البيان الذي أصدرته النيابة العامة عند فتح التحقيق ليست اتهامات عادية.

فالشخص متهم بقيادة تنظيم إجرامي، ولا يمكن لأي قاضٍ أو مسؤول قضائي توجيه تهمة كهذه لشخص مرشح للرئاسة دون امتلاك معلومات ووثائق وأدلة قوية.

وبالإضافة إلى قيادة تنظيم إجرامي، هناك اتهامات خطيرة مثل الرشوة واستغلال النفوذ والتلاعب في المناقصات، وحسب ما ورد في وسائل الإعلام، يتم الحديث عن فساد بقيمة 564 مليار ليرة.

وعندما يتحول ملف التحقيق إلى لائحة اتهام ويحاكم الشخص، ستتضح مدى صحة هذه الادعاءات.

لكن بعيدا عن التحقيق، فإن هذا الشخص لم يتخذ أي خطوة تتعلق بالمشاكل الأساسية للمدينة خلال السنوات الست الماضية التي ترأس فيها بلدية إسطنبول الكبرى.

وبدلا من خدمة المدينة، ركز على أنشطة متعلقة بالتحضير للانتخابات الرئاسية. كما رفع ديون البلدية من 26 مليار ليرة إلى 624 مليار ليرة، دون تقديم خدمات تُذكر لسكان إسطنبول بالمقابل.

وفيما يتعلق بأكبر مشكلة تواجه إسطنبول، وهي الزلازل، لم يتخذ أي خطوة للأسف، بل اتخذ موقفا علنيا ضد التحول الحضري، ورفع 43 دعوى قضائية لإلغاء المشاريع المتعلقة بذلك.

وعليه، فإن الشكوك المحيطة بعلاقات الشخص ترفع من احتمالية صحة الاتهامات التي وجهتها النيابة العامة.

الانتخابات المبكرة

  • من المواضيع المثيرة للجدل أيضا مسألة “الانتخابات المبكرة”، هل يمكن القول: إن هناك عملية جديدة بدأت لترشح أردوغان لولاية رئاسية ثالثة؟

هناك طريقان ليتمكن الرئيس أردوغان من الترشح مجددا؛ فإما أن يُعدل الدستور ويُفتح الطريق أمامه للترشح لولاية ثالثة. أو- وفقا للدستور الحالي- إذا قرر البرلمان الدعوة لانتخابات مبكرة، يمكنه الترشح للمرة الثالثة. وكلا الاحتمالين وارد.

الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها بعد حل حزب العمال الكردستاني هي إعداد دستور جديد. ومع الدستور الجديد، يمكن منح الرئيس أردوغان الحق في الترشح لولاية ثالثة. لكن إعداد دستور جديد ليس بالأمر السهل.

وأنا أعتقد أن البرلمان سيقرر إجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي سيتمكن الرئيس أردوغان من الترشح مرة أخرى.

  • يرى الشعب أن الاقتصاد عامل مؤثر جدا في صناديق الاقتراع. هل يمكن القول: إن الإصلاحات الأخيرة خففت من معاناة المواطنين؟ وماذا ينتظر تركيا على المدى القصير؟

المشكلة الأكبر التي تواجه تركيا حاليا هي الاقتصاد وغلاء المعيشة. والحكومة، من خلال "برنامج المدى المتوسط"، تبلي بلاء حسنا في مكافحة التضخم بهدف القضاء على الغلاء.

وقد انخفض التضخم السنوي إلى نسبة 38 بالمئة، وتستهدف الحكومة خفضه إلى أرقام أحادية بحلول نهاية عام 2026، ومع انخفاض التضخم، سينخفض الغلاء بنسبة كبيرة.

كما أن الحكومة منشغلة حاليا بجبر أضرار مناطق الزلزال، وقد أكملت 69 بالمئة منها، وتستهدف إكمال النسبة المتبقية خلال عام 2025.

وهذا يعني أن الحكومة ستركز في عام 2026 على تحسين ظروف المعيشة للمواطنين ذوي الدخل المحدود.

وبالتالي، يُخطط للوصول إلى حالة من الاستقرار الاقتصادي قبل حلول موعد الانتخابات الاعتيادية في عام 2028.

التطورات الخارجية

  • العلاقات التركية الأميركية يعاد تشكيلها في عهد ترامب. كيف تراها في الوقت الراهن؟ وإلى أين تتجه؟

يرسم الرئيس ترامب صورة لرئيس دولة لا يمكن الاعتماد عليه، سواء في مدحه أو في انتقاده، ويصعب التنبؤ بتصرفاته. 

ومع ذلك، يبدو أن ترامب أدرك أن تركيا لم تعد تركيا القديمة. كما أنه يتصرف بتحفظ أمام كاريزما الرئيس أردوغان، بل ولا يخفي إعجابه به. إنه يرى ما وصلت إليه تركيا في مجال الصناعات الدفاعية.

ومن جهة أخرى، تدرك الولايات المتحدة جيدا أنها لا تستطيع القيام بأي خطوة في المنطقة دون إشراك تركيا.

وأعتقد أنها ترى تركيا كواحدة من أربع دول ستشكل النظام العالمي الجديد، وستتصرف بناء على هذا الإدراك.

  • تولت إدارة جديدة الحكم في سوريا، ونرى أنها تملك علاقات جيدة مع تركيا لكن الصهاينة يواصلون استهدافها. هل الكيان الإسرائيلي  قد يدخل ضد تركيا في مواجهة؟

سوريا هي دولة شقيقة لتركيا، والشعب السوري هو شعب شقيق للشعب التركي. وعلاقات تركيا مع الإدارة السورية الجديدة تسير ضمن هذا الإطار.

حتى وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن حدودا بطول 911 كيلومترا تجعل من الشأن السوري شأنا داخليا تركيا؛ حيث إن عدم استقرار سوريا يؤثر بشكل مباشر على تركيا. ولهذا السبب فتحت تركيا كل الأبواب لدعم الإدارة الجديدة في جميع المجالات.

وفيما يخص عملية الحل الجديدة، فلا شك أنها تهم سوريا بشكل مباشر.

وذلك لأن تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يحاول التمايز عن حزب العمال الكردستاني تحت قناع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، هو في الحقيقة امتداد فعلي لحزب العمال الكردستاني، ويجب عليه أيضا أن يُحل ويسلم سلاحه.

وقد أبلغت تركيا قرارها للتنظيم قبل إعلان الحل، قائلة: "إما أن يدفنوا أسلحتهم، أو يُدفنوا مع أسلحتهم".

تركيا دولة كبيرة ذات خبرة تراكمية، تفضل أولا استخدام قوتها الناعمة والدبلوماسية.

ولهذا السبب، أحالت تركيا مسألة قوات سوريا الديمقراطية إلى إدارة دمشق. ومن خلال الاتفاق الموقع في 10 مارس/ آذار 2025، تم تحقيق الهدف. وستنتظر تركيا حتى نهاية العام، وهي المهلة المخصصة لتطبيق الاتفاق.

وإذا لم تندمج قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش السوري حتى ذلك الوقت، فإن تركيا ستقوم بما يلزم.

في الواقع، تخسر قوات سوريا الديمقراطية دعم الولايات المتحدة يوما بعد يوم. وهي تدرك أن ترامب سيفضل تركيا.

لكن امتدادات إسرائيل والولايات المتحدة داخل تلك البنية لا تزال تحرض قوات سوريا الديمقراطية رغم اتفاق 10 مارس/ آذار 2025، وقد طالبوا في مؤتمر كردي عقد أخيرا بنظام فيدرالي وبإدارة ذاتية.

وإسرائيل، التي لا تريد سوريا قوية، تحاول تحقيق هدفها من خلال تحريض الدروز في الجنوب، والعلويين في الساحل، والأكراد في الشرق. 

وهنا تحديدا تصطدم مع تركيا. أو بالأحرى، تخشى من الاصطدام؛ لأنها لا تملك الجرأة لمواجهة تركيا. 

ومن الممكن القول: إن القوة التي تشجع عدوانيتها هي الولايات المتحدة. فإسرائيل تعلم جيدا أنها لا تستطيع الهجوم بدون دعم أميركي.

بل عندما قصفت إسرائيل القاعدة العسكرية في حماة التي كانت تركيا تخطط لاستخدامها لتدريب الجيش السوري، ونشرت وسائل إعلامها أن ذلك “رسالة إلى تركيا”.

أرسلت تركيا رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة مفادها: "إما أن تمسك بلجام كلبك، أو سترد القوات الجوية التركية، ولن يعرف أحد أين سيتوقف التصعيد".

وعلى إثر ذلك، استدعى ترامب نتنياهو على وجه السرعة إلى واشنطن، ووجه له تحذيرا علنيا أمام وسائل الإعلام ليكون "عاقلا". بعد ذلك، شعرت إسرائيل بالحاجة إلى عقد محادثات عسكرية في باكو عبر أذربيجان لبحث مسائل عدم التصادم مع تركيا.

كما ذكرت أعلاه، فإن الولايات المتحدة، التي تدرك أنها لا تستطيع التحرك في المنطقة بدون تركيا، صاحبة ثاني أكبر جيش في الناتو، مضطرة لكبح جماح إسرائيل.

إبادة غزة

  • وأخيرا، رأينا أن الدول الإسلامية لم تتخذ أي خطوة ملموسة بشأن الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة. لقد قيل الكثير من الكلمات لحل الأزمة، لكن لم تتوقف الإبادة. ماذا يمكن أن نفعله كي تتوقف؟

يمكن وقف الإبادة الجماعية في غزة فقط من خلال تدخل فعلي من الدول الإسلامية؛ لأن إسرائيل دولة إرهابية لا تعترف بقانون أو قواعد أو أخلاق. لا قرارات الأمم المتحدة، ولا الإدانات، ولا المظاهرات تجدي نفعا.

الشيء الوحيد الذي تفهمه إسرائيل هو القوة. وهذه القوة موجودة بوفرة لدى الدول الإسلامية. لكن، للأسف، لا توجد الإرادة السياسية لاستخدام تلك القوة.