تهديد حقيقي.. هكذا يلحق العدوان الإسرائيلي ضد سوريا أضرارا كبيرة بالأردن

"الملكية الأردنية تحافظ على توازن دقيق بين السياسة الداخلية والمصالح الأمنية"
يواجه الأردن تحديا جديدا؛ فمنذ أن أطاح الثوار بنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، كثّفت إسرائيل من اعتداءاتها العسكرية في سوريا.
ويسعى العاهل الأردني عبد الله الثاني إلى إدارة علاقات بلاده مع إسرائيل والحكومة السورية الجديدة، دون إحداث اضطرابات في السياسة الداخلية قد تهدّد استقرار نظامه، وفق مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية.
وقالت بورجو أوزجليك، وهي زميلة أبحاث بارزة في مجال أمن الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن: إن "الهجمات الإسرائيلية على سوريا تُهدد استقرار الأردن".
وأضافت أن "الملكية الأردنية عُرفت منذ زمن طويل بقدرتها على التوازن الإستراتيجي؛ حيث تحافظ على توازن دقيق بين السياسة الداخلية والمصالح الأمنية".
ويبرز هذا النهج خصيصا في علاقتها مع إسرائيل، ففي عام 1994، أصبح الأردن ثاني بلد عربي بعد مصر يعترف بها.
ونصَّت “معاهدة السلام” التي وُقّعت حينها على التعاون في مجالي الأمن وضبط الحدود، كما أكدت دور الأردن في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس.
تقويض التوازن
وأشارت الباحثة إلى أن السلام بين الأردن وإسرائيل يُوصف بأنه "سلام بارد"، أي أنه يفتقر إلى التأييد الشعبي داخل الأردن؛ فحوالي نصف سكان المملكة من أصول فلسطينية.
ورغم أن الأردن حافظ بهدوء على تنسيق أمني واستخباراتي قوي مع إسرائيل، حتى بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فإن المسؤولين الأردنيين يُعدّون من أشد منتقدي إسرائيل علنا.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت البلاد احتجاجات واسعة النطاق تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد سفيرها من عمّان.
بدورها، تقبلت إسرائيل النهج الأردني المزدوج -والذي يجمع بين الإدانة الدبلوماسية العلنية والتنسيق الأمني الهادئ- بصفته الثمن اللازم للحفاظ على السلام مع المملكة؛ إلا أن التوغلات الإسرائيلية في سوريا قد تقوّض هذا التوازن، بحسب أوزجليك.
ومنذ سقوط نظام الأسد، شنّ الجيش الإسرائيلي أكثر من 700 غارة جوية على أهداف عسكرية في سوريا، وشملت -وفق زعم المقال- ترسانات أسلحة كيميائية وأصولا عسكرية.
ولا تُعدّ الضربات الإسرائيلية في سوريا بالأمر الجديد، فقد أقرّت إسرائيل سابقا بتنفيذ مئات الضربات في السنوات الأخيرة على أهداف في سوريا تقول: إنها مرتبطة بإيران والجماعات المسلحة المتحالفة معها مثل "حزب الله" اللبناني.
كما نفّذ جنود إسرائيليون توغلات برية في سوريا انطلاقا من مرتفعات الجولان المحتلة.
وقالت أوزجليك: "في حين ضربت إسرائيل أهدافا مرتبطة بإيران في سوريا خلال حكم الأسد، فإن الموجة الأخيرة من الضربات العسكرية واستيلاء إسرائيل على أراضٍ سورية تقع خارج مرتفعات الجولان يُعدّ تصعيدا خطيرا".
غارات إسرائيلية
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، في مارس/آذار 2025: إن جيشه "مستعد للبقاء في سوريا لفترة غير محدودة".
والهدف العسكري المعلن لإسرائيل هو الدفاع عن منطقة عازلة تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع داخل سوريا، وإنشاء منطقة أمنية تتجاوز حدودها.
هذه المنطقة كانت محظورة أصلا على القوات السورية بموجب اتفاقية فك الاشتباك، التي أعقبت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973.
وكانت المنطقة العازلة تخضع لدوريات قوة تابعة للأمم المتحدة، وقد مدد مجلس الأمن الدولي أخيرا ولايتها حتى 30 يونيو/حزيران 2025؛ إلا أن إسرائيل سيطرت على المنطقة بعد الإطاحة بالأسد، بزعم أن الوضع يتطلب إشرافا مباشرا.
ولا يثق المسؤولون الإسرائيليون في الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وفق أوزجليك.
وبعد توليه الحكم، حلّ الشرع "هيئة تحرير الشام" وتعهَّد بالحكم لصالح جميع السوريين.
وأقام الجيش الإسرائيلي 9 مواقع عسكرية داخل الأراضي السورية منذ سقوط الأسد، بما في ذلك موقعان على جبل الشيخ، أعلى قمة في المنطقة.
وصرح كاتس بأن الجيش يعمل على "جعل جنوب سوريا منزوع السلاح وخاليا من التهديدات".
وفي أبريل/نيسان 2025، شنت إسرائيل جولة جديدة من الغارات داخل الأراضي السورية، استهدفت من بينها مطار حماة العسكري وقاعدة التياس الجوية في حمص.
كما أصاب القصف الإسرائيلي منطقة قرب سد الجبلية غرب بلدة نوى، وأخرى قرب بلدة تسيل في غرب درعا، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص.
وأخيرا، شنّت إسرائيل هجمات عديدة إضافية زعمت أنها دفاعا عن الأقلية الدرزية في سوريا، وتوغلت الضربات الإسرائيلية في عمق البلاد، بما في ذلك دمشق، مما أسفر عن مقتل مدنيَّين اثنين على الأقل.
مخاوف الأردن
وفي الأردن، أثار هذا التصعيد بعض المخاوف، فقد كان سقوط الأسد مصدر ارتياح للمسؤولين الأردنيين، الذين يرون في الشرع عامل استقرار محتمل في سوريا المجاورة.
إلا أن صعود زعيم "يحمل توجهات إسلامية سياسية يثير هواجس القصر من انتقال عدوى التأثير جنوبا"، بحسب أوزجليك.
وانتقد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، استيلاء إسرائيل على مناطق سورية في المنطقة العازلة، واصفا إياها بانتهاك القانون الدولي واعتداء على سيادة سوريا.
وتوترت علاقة الأردن بسوريا في عهد الأسد بسبب انحيازه لإيران ووكلائها، وكذلك بسبب تهريب سوريا للأسلحة والمخدرات -بما في ذلك الكبتاغون- على طول الحدود الممتدة بين البلدين والتي يبلغ طولها 233 ميلا، كما يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون سوري، كثير منهم لاجئون.
ولاحتواء التهريب، بنى الأردن تحصينات حدودية وأنظمة مراقبة، وأجرى عمليات استخباراتية سرية.
وفي يناير/كانون الثاني 2025، شنّت طائرات حربية أردنية غارات جوية على قرية شعاب جنوب سوريا، مستهدفة عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات.
وفي مارس/آذار 2025، أفاد الجيش الأردني بمقتل أربعة مهربين ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة.
وقالت أوزجليك: "يشاطر الأردن إسرائيل رفضها للنفوذ الإيراني، سواء في سوريا أو في الضفة الغربية المحتلة".
وخلال العام 2024، أحبط الأردن محاولات تهريب أسلحة من قِبل مليشيات موالية لإيران في سوريا ولبنان، وكان بعضها متجها إلى الضفة الغربية.
كما يُرجّح أن تكون الجهود الإسرائيلية لإضعاف البنية التحتية العسكرية السورية وشبكات حزب الله المتبقية قد قلّلت من التهديدات المحتملة للأردن على طول حدوده مع سوريا.
واستدركت الباحثة: "لكن مع تصعيد إسرائيل لعملياتها في سوريا -بالتزامن مع هجوم عسكري موسع على غزة- قد تتجدد المعارضة الشعبية لمعاهدة الأردن مع إسرائيل، ويؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي في المملكة، وهو أمر لا يقوى عاهل الأردن على تحمله".
وأضافت: "يأمل عبد الله الثاني بالتأكيد أن تتمكن حكومة الشرع من فرض سيطرتها السيادية على حدودها الجنوبية".
وأوضحت أوزجليك أنَّ "هذا من شأنه أن يوفر للأردن الطمأنينة بأنه يمكنه الاعتماد على شريكه الجديد في دمشق بدلا من الاعتماد على الضربات الإسرائيلية لتحييد التهديدات على الأردن في جنوب سوريا".