لمنع محاكمته.. هل يستثمر نتنياهو شعبيته بعد الحرب لإجراء انتخابات مبكرة؟

"الهدف الأساسي لنتنياهو بعد العدوان على إيران أن يحوز أوراق قوة"
قبل الحرب مع “حزب الله” اللبناني ثم إيران، ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهرب من مصير محتوم بسبب الفشل في عدوانه على غزة، واحتمالات سجنه في قضايا فساد، ويحارب لمنع تفكك تحالفه اليميني مع سعيه للذهاب إلى انتخابات مبكرة.
لكن في ظل نشوة "الانتصار" وأجواء احتفال الإسرائيليين بضرب وإضعاف حزب الله ثم إيران، لا يُستبعد أن يُبادر بنفسه إلى تقديم موعد الانتخابات، مستغلا نتائج الحرب لتعزيز موقعه السياسي، وترميم مكانة حزب الليكود وتحالفه الحكومي.
تقارير صحفية عبرية أكدت وجود تقديرات أن الائتلاف الحاكم المتطرف بزعامة نتنياهو سيدعو إلى انتخابات سريعة قريبا ربما قبل نهاية العام (بدلا من أكتوبر/تشرين الأول 2026) على خلفية "الانتصار" على إيران.
ورجحت ذهاب نتنياهو إلى انتخابات "خاطفة" لاستثمار نتائج الحرب على إيران، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي تصاعد شعبيته لأول مرة، وتجنبا لأزمات داخلية تهدد ائتلافه، بما في ذلك أزمة قانون التجنيد وميزانية الحرب التي ستشكل كذلك أزمة ضاغطة.
وخلال مؤتمر صحفي عقده في 23 يونيو/حزيران 2025، أشار نتنياهو إلى نيته الترشح لإعادة انتخابه، زاعما أنه مازال لديه "العديد من المهام" لإكمالها، وسيسعى إلى القيام بذلك “طالما أراد الشعب ذلك”.
أسباب التبكير
منذ بداية إبادة غزة، ثم لبنان، وكثير من السياسيين والمحللين في الصحف الإسرائيلية يتهمون نتنياهو بإطالة أمد الحروب لأسباب "شخصية" لا أمنية، مؤكدين أنه فور توقف الحرب سيقدم للمحاكمة لمسؤوليته عن هزيمة "طوفان الأقصى" وقضايا فساد.
ومع الحرب على إيران كان واضحا أن الحسابات السياسية الداخلية لنتنياهو كانت أمرا مركزيا في قراره بشأن خوض الحرب وتوقيتها.
وكان واضحا أنه يريد الدخول في مغامرة سياسية جديدة، مدفوعا بالأمل في أن يؤدي نجاح الحرب، وتوجيه ضربات قاسية للمشروع النووي الإيراني، إلى تغيير جذري في مكانته السياسية، ومن ثم عدم مساءلته عن الفشل في غزة.
لذا كان حريصا على توجيه “خطابات للشعب يؤكد فيها أنه حقق لهم النصر ضد إيران”، ما عده محللون إسرائيليون مقدمة لمبادرته بتقديم موعد الانتخابات مستغلا زيادة شعبيته حتى يشكل تحالفا انتخابيا جديدا ويظل في الحكم ويهرب من محاكمات الفساد والفشل في غزة.
وأثناء الحرب نشرت صحف استطلاعات رأي للإسرائيليين حول شعبية نتنياهو أظهرت تقدم تحالفه اليميني بـ62 مقعدا في الكنيست (له حاليا 61).
وفي أول استطلاع رأي بعد حرب إيران، ارتفعت كتلة نتنياهو من 46 إلى 48 مقعدا (من أصل 120 عدد مقاعد الكنيست)، بخلاف الأحزاب الدينية التي يتحالف معها.
لكن كتلة المعارضة ظلت تحتفظ بأغلبية 62 مقعدا، مما يسمح لرئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت بتشكيل حكومة بديلة حتى بدون الأحزاب العربية، وفق صحيفة “جيروزاليم بوست” في 25 يونيو 2025.
استطلاع الرأي الذي أجراه موقع "واللا" اليميني ونشره في 25 يونيو، كشف أن حزب الليكود حقق ارتفاعا كبيرا في شعبيته بعد الحرب مع إيران.
وأظهر أن الليكود حصل على أربعة مقاعد، ليرتفع إجمالي مقاعده إلى 26 مقعدا، مقارنة بـ22 في الاستطلاع السابق.
وهذه هي المرة الأولى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024 التي يتفوق فيها الليكود على حزب بينيت الجديد، الذي تراجع إلى 24 مقعدا.
ورغم ازدياد قوة الليكود، يعكس هذا التحول بالأساس تغييرات داخل الكتلة الائتلافية، حيث فقد حزب “عوتسما يهوديت” بقيادة إيتمار بن غفير، مقعدين، ليتراجع إلى ستة مقاعد (بدل 8).
وحقق حزب الديمقراطيين بقيادة يائير جولان مكاسب في كتلة المعارضة، حيث ارتفع إلى 12 مقعدا على حساب حزب "يش عتيد"، وحزب الوحدة الوطنية، وحزب بينيت.
ونقلت صحيفة “هآرتس” في 25 يونيو، عن مقربين من نتنياهو أنهم يعتقدون أن "رئيس الوزراء يسعى لإنهاء حرب غزة، وإقامة علاقات مع السعوديين والدعوة إلى انتخابات مبكرة".
وقالت: إن المعارضة وقعت في فخ دعمها للحرب على إيران، ما عد دعما ضمنيا يصب في صالح نتنياهو شعبيا في الانتخابات.
توظيف سياسي
أيضا أكدت صحيفة "معاريف" في 24 يونيو، أن تقديرات داخل الائتلاف الحكومي تشير إلى أن نتنياهو من الممكن أن يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة "على خلفية الانتصار التاريخي الذي حققه على إيران".
وقد تعزز هذا التقدير بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.
وأكدت أنه "إذا جرى إعلان انتخابات مبكرة، فإن الصراع سيركز على موضوعين أساسيين، الأول، الأمني، بعد أن استعاد نتنياهو لقب (سيد الأمن) جراء الهجوم على إيران".
أما الثاني، فهو الموضوع القضائي، حيث يُحاكم بتهم فساد ويتصادم مع قضاة المحكمة العليا والمستشارة القضائية للحكومة.
وتقول "معاريف"، إن نتنياهو سيطلب التصويت لليكود بزعامته من أجل السماح له بإنهاء "الحرب ضد حماس، وقيادة إسرائيل إلى حقبة من الأمن في ظل حكومة يرأسها".
أيضا أكد تقرير "القناة 12" في 24 يونيو، أن نتنياهو يخطط بعد إنهاء الحرب على إيران، والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حماس، لتوظيف هذه التطورات سياسيا والتوجه إلى انتخابات "سريعة".
ونقلت عن مقربين من نتنياهو، أنه يبحث إمكانية التوجه إلى انتخابات مبكرة "خاطفة" خلال الفترة المقبلة، في محاولة للاستفادة من الحرب على إيران التي يُنظر إليها كـ"نجاح إستراتيجي غير مسبوق".
وبحسب التقرير، يرى نتنياهو أن المكاسب التي تحققت في الحرب ضد إيران، التي تُعد الخصم المركزي والأخطر لإسرائيل، تشكل لحظة مناسبة لتعزيز موقفه السياسي، ويسعى إلى استثمار هذا الزخم فيما لا يزال حاضرا في الوعي العام للناخبين.
وأشارت القناة إلى أن نتنياهو يحاول التهرب من ملفات داخلية ضاغطة، أبرزها أزمة قانون التجنيد التي تهدد الائتلاف بسبب معارضة الأحزاب الحريدية التي تطالب بإعفاء جمهورها من الخدمة العسكرية، إضافة إلى ملف الميزانية الذي ازداد تعقيدا في ظل الحرب.
وكانت أحزاب دينية من بينها رئيس حزب "شاس"، أرييه درعي، قد قررت الانسحاب من ائتلاف نتنياهو والتصويت ضد الميزانية أوائل يونيو 2025، ما كان سيعني عدم الموافقة عليها وانهيار الحكومة تلقائيا وفق التقاليد الإسرائيلية.
إلا أن درعي تنازل لصالح نتنياهو في ملف التجنيد وقرر تأجيل الانسحاب لما بعد عودة البرلمان من أجازته (أغسطس/ آب 2025) بحاجة الحفاظ على استقرار الحكومة، وتمكين نتنياهو من شن الحرب على إيران.
ووفق تقرير "القناة 12"، يعتزم نتنياهو أيضا الاستفادة من هذه الإنجازات، إلى جانب مزاعمه بشأن "تغيير الشرق الأوسط"، واحتمال التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، ومنع إقامة دولة فلسطينية، لتعزيز شعبيته ودعوة الإسرائيليين إلى منحه فرصة لاستكمال هذه الملفات.
أما الهدف الأساسي لنتنياهو بعد العدوان على إيران فهو أن يحوز "أوراق قوة" يسوقها للإسرائيليين، حتى تمحو عار إخفاق السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يوم تنفيذ حركة حماس عملية "طوفان الأقصى".
ولفتت القناة إلى أن ائتلاف نتنياهو بدا يروج لهذه النظرية وترسيخ رواية مفادها أن "7 أكتوبر كان الثمن الذي يجب دفعه لتحقيق التصحيح التاريخي في مواجهة إيران".
أخطر من إيران
رغم هذه الأماني من جانب فريق وائتلاف نتنياهو المتطرف في تبكير انتخابات الكنيست والفوز فيها مستغلا "إنجازات" الحرب ضد إيران، يرى محللون إسرائيليون أن الحرب مع إيران لم تكن هدفه، وإنما تفكيك المعارضة والقضاء على كل من يقف أمامه.
ففي تحليل نشرته صحيفة "هآرتس"، للصحفي الاستقصائي غيدي فايتس، رأى أن "نتنياهو خطر داخلي يُوازي، بل يفوق، التهديد الإيراني الخارجي، إذ يسعى إلى تفكيك المؤسسات لتأمين مستقبله السياسي والجنائي".
وقال فايتس في 23 يونيو 2025 إنه خلال فترة تقديم لائحة الاتهام ضده، قال نتنياهو لأحد المقربين منه أنه يرى أن الدولة العميقة ورأس حربتها - النيابة العامة - "أخطر من حزب الله وحتى إنهم أخطر من إيران".
وأكد أن "الحرب الدائرة حاليا لا تدفعه، لا هو ولا أذرعه، إلى التخلي عن المشروع الذي من أجله أقاموا الائتلاف: السيطرة على الشرطة، والشاباك، والمنظومة القضائية، والإعلام، والردع المنهجي لمعارضيه ومنتقديه، والانتصار المُطلق على العدو في الداخل".
وأوضح أن الخطة لعزل المستشارة القضائية للحكومة لم تُلغ أيضا، ونتنياهو مصمم على تعيين رئيس الشاباك المُقبل، رغم تعارُض المصالح الواضح الذي يوجد فيه بسبب التحقيقات ضد المقربين منه".
والجنود في الحكومة والكنيست يستمرون في الدفع قُدُماً بمشاريع قانون هدفها وقف هيئة البث العام، وتحويل ميزانيات الإعلانات إلى قناة الدعاية "القناة 14" المتطرفة التابعة للحريديم الموالين لنتنياهو.
ويقول تحليل "هآرتس" إن الحرب سرعت من حملة نتنياهو من أجل إلغاء المحاكمة في ملف "الآلاف" بعد ثلاثة أيام من التحقيقات المضادة التي نجح خلالها رئيس الحكومة في التورط بسلسلة من الأكاذيب المُخجلة".
وعندما سأل المحققون من الشُرطة نتنياهو عن زجاجات الشامبانيا الفاخرة التي أخذتها زوجته من أصدقائه الأغنياء، رد قائلا: "أنا أعد صواريخ، لا زُجاجات".
وهذه الإجابات الخبيثة تهدف إلى أن يقدم ذاته ويسوقها في هذه الأيام كقائد كبير منشغل بكُل قوته في تأمين وجود الشعب اليهودي، وليس منشغلا بالأمور البسيطة كـ"من اشترى له ولزوجته السيغار أو الشامبانيا أو المجوهرات؟"
نزوات وأهواء
لذا يقول تحليل "هآرتس" إن "متابعة سلوك نتنياهو خلال الأعوام الماضية يطرح شكوكا بأن الضربة على إيران لم تهدف فقط إلى إزالة التهديد الصادر عنها أو مسح فضيحة 7 أكتوبر".
فنتنياهو جمع ائتلافه وقاعدته الشعبية حول هدف واضح واحد هو تفكيك المؤسسات التي حققت معه، وحاكمته، وتقييدها، والنتيجة التي ينتظرها هو الخروج من المحاكمة بأقل قدر ممكن من الضرر.
وتشير تصريحات نتنياهو إلى رغبته في الانتقام من كُل من تآمر ضده، كما يدعي، وأنها هي الدافع الأقوى من كل شيء آخر، "حتى إنه استعمل ضدهم اللهجة المُستعملة ضد الأعداء من الخارج!".
ففي مارس/آذار 2023، عندما اجتاحت المظاهرات ضد التغييرات القضائية في دولة الاحتلال، وبعد التجمهر أمام صالون كانت توجد فيه زوجته، عقد اجتماعا مع رئيس "الشاباك" نَعَت فيه بعض أسماء زعماء الاحتجاجات ضده بأنهم "إرهابيون يريدون تغيير جوهر الدولة".
وتسلط خريطة الطريق التي طرحها نتنياهو الضوء بصورة ساخرة على محاولته تأطير الحرب ضد إيران "كمواجهة توراتية بين أبناء النور وأبناء الظلام، حيث تُصور إسرائيل على أنها رأس الحربة للعالم الحر في مواجهة الديكتاتوريات القمعية".
وبسبب هذه المخاوف من عودة نتنياهو في انتخابات مبكرة وسعيه لتنفيذ خطته ضد إسرائيل نفسها، كتبت صحيفة هآرتس: “غير بعيد أن يأتي اليوم الذي تقصف فيه إيران مقر الحكومة من أجل تحرير الشعب المضطهد في إسرائيل!”.
الصحفي يوعنا غونين كتب في 24 يونيو، راصدا طريقة تعامل شرطة نتنياهو مع المعارضين من تفتيش زائد مع خلع الملابس، والإهانة والتخويف.
وقال غونين إن "هذا الأسلوب الذي يستخدم منذ فترة طويلة ضد النساء الفلسطينيات، يوجه الآن للنساء اليهوديات اللواتي يتظاهرن ضد الحرب أو من أجل إعادة المخطوفين".
وتحدث عن "استخدام العنف الجنسي ضد المتظاهرين، وتكرار شرطة نتنياهو الأسلوب السائد في أنظمة ديكتاتورية التي يعد المواطنون فيها خدما مذلولين للحكام، ورعايا لنزواتهم وأهوائهم".
وقال غونين ساخرا: "بهذه الوتيرة من التعامل البوليسي الوحشي مع المعارضين لنتنياهو لا تتفاجأوا اذا أعلنت إيران في القريب بأنها ستقصف مقر الحكومة تضامنا مع الشعب المضطهد في إسرائيل".
هل يفوز؟
ويتوقع نتنياهو مواجهة العديد من العقبات خلال الدورة التشريعية المقبلة للكنيست، خاصة المعركة الدائرة بشأن مطالب حلفائه الحريديم بمشروع قانون لإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.
ويشكك بعض المراقبين السياسيين في قدرته على تمرير ميزانية العام المقبل، والتي يجب أن تأخذ في الحسبان التكاليف التي تكبدتها إسرائيل في حروبها المتعددة الجبهات، وأن يتشاجر حلفاؤه في الائتلاف الحاكم ويتشددون في مواقفهم.
ولهذه الأسباب، ربما يحرص نتيناهو على حل الحكومة في وقت مبكر بشروطه الخاصة ما سيكون مفيدا له وبما يسمح له بتعزيز حزب الليكود اليميني في الكنيست لمقاعده هو وحلفائه اليمنيين.
فهو يواجه مشكلات كبيرة، وكاد الفشل في تمرير قانون يعفي طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية أن يؤدي إلى انهيار الائتلاف أوائل يونيو 2025، حيث هدد الحزبان المتشددان في ائتلافه، "يهودوت هتوراة" و"شاس"، بحل الكنيست.
وخلال أزمة الائتلاف، أظهر استطلاع للرأي أجرته "القناة 12" أن رئيس الوزراء السابق بينيت سيهزم نتنياهو في الانتخابات، وسط الإبادة المطولة في غزة والاستسلام الملحوظ لمصالح الحريديم.
ومع أن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت تقدما لحزبه بمقعدين على الأقل، ترى صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 24 يونيو 2025، أنه "ليس من المستبعد أن تسقط الحكومة بسبب مواجهة نتنياهو لأزمات ائتلافية محتملة مختلفة.
لكن صحيفة "جيرزواليم بوست" ترى في تقرير نشرته في 25 يونيو، أنه بعد أن نجحت إسرائيل، وفقا لتقديراتها وتقديرات ترامب، في إبطاء البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير، فإن "احتمالات فوز نتنياهو بإعادة انتخابه تبدو أكثر واقعية".
وأظهر استطلاع للرأي أجرته "القناة 12" في 24 يونيو، أنه “إذا أجريت انتخابات اليوم، فإن حزب الليكود بقيادة نتنياهو سيتفوق بفارق ضئيل على حزب بينيت، ( 26 مقعدًا مقابل 24 مقعدا)”.
المصادر
- Netanyahu Confidants Believe PM Seeks to End Gaza War, Forge Ties With Saudis – Then Call for Election
- Netanyahu surges in first poll after Iran war, Bennett's bloc remains ahead, election poll finds
- Netanyahu's 'Almost Messianic State of Mind' Is No Less Dangerous to Israel Than Iran
- Netanyahu said weighing snap elections in light of popular Iran offensive
- Not every wartime victory translates into political one