"فساد وخرق للقانون".. قضايا تطارد نجيب ميقاتي بعد مغادرته حكومة لبنان

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

ختم نجيب ميقاتي مهمته كرئيس لحكومة تصريف الأعمال اللبنانية بانتهاك صارخ لحقوق الإنسان بعد مصادقته على تسليم الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي لدولة الإمارات، ليضاف ذلك لسجله في "تهم فساد" ما تزال تلاحقه حتى بعد مغادرته المنصب.

واعتقل الشاعر القرضاوي في بيروت في طريق عودته من سوريا في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2024 التي ذهب إليها للاحتفال بنجاح ثورتها، ثم تم ترحيله إلى الإمارات في 10 يناير/ كانون الثاني 2025.

نهاية مؤسفة

وطلبت الإمارات ترحيل القرضاوي إليها لمحاكمته بناء على فيديو سجله خلال زيارته المسجد الأموي في دمشق، حيث حذر السوريين من "التحديات الشريرة التي يخطط لها العالم أجمع وعلى رأس المخططين أنظمة الخزي العربي في الإمارات والسعودية ومصر".

إلا أن هذا التعبير عن الرأي عدته أبوظبي “تحريضا على دولة الإمارات وزعزعة الاستقرار فيها”.

وبدا قرار التسليم مثيرا للشبهات بصفته "قرارا سياسيا وليس قضائيا لعب فيه مقياتي" الدور الأكبر، حيث لم يُوقع عليه من قبل رئيس الجمهورية كما هو منصوص عليه قانونا.

إذ واكبت عملية التسليم تلك تحركات مريبة، وهي من المرات القليلة والنادرة التي يغلق فيها ملف أحد المطلوبين في لبنان خلال 10 أيام فقط.

وأصبح ملف تسليم القرضاوي إلى الإمارات، كرأس جبل لفضائح ميقاتي العابرة للدول من الفساد الداخلي إلى الاستثمار في الخارج والذي وضعه في قفص الاتهام عبر سلوك نهج "الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال".

وتولى ميقاتي منصب رئيس وزراء لبنان بدءا من 10 سبتمبر/أيلول 2021، للمرة الرابعة في مسيرة حياته وكانت بشكل متفرق، حيث قاد حكومته الأخيرة بظل شغور رئاسي لأكثر من سنتين بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وتبلغ ثروة نجيب ميقاتي 3.2 مليارات دولار ويمتلك شقيقه طه ذات الرقم حسب قائمة مجلة "فوربس" الأميركية السنوية لأثرياء العالم لسنة 2022.

وانتهى عهد ميقاتي في السلطة بعد تكليف الرئيس اللبناني جوزيف عون في 13 يناير/ كانون الثاني 2025  رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام البالغ 71 عاما لتشكيل حكومة جديدة.

ومع الضجة التي أحدثتها قضية القرضاوي كونه لم تظهر له أي صورة بعد اعتقاله في الإمارات وسط الخشية على حياته أو تعرضه للتعذيب هناك، ارتفعت الدعوات المطالبة برفع دعاوى قضائية ضد ميقاتي لتواطئه بتسليم الشاعر للإمارات.

وبدأت تتعالى كذلك الدعوات حول فتح باب "ملفات الفساد السوداء" التي ارتكبها ميقاتي مستفيدا من مكانته السياسية الذي تسلل إلى عالمها من باب قطاع رجال الأعمال، فتولى حقيبة وزارة الأشغال العامة والنقل في ثلاث حكومات متعاقبة بين عامي 1998 و2004.

“إجراءات قضائية”

وتفاعلا مع الحدث، قال الناشط المصري تقادم الخطيب، إن الحصانة قد رفعت الآن عن ميقاتي، وهو الآن معرض للمحاكمة، بعد أن عرض حياة شخص للخطر دون وجه حق قانوني.

وأضاف في مقابلة تلفزيونية: "من يظن نفسه ميقاتي؟.. هل يظن نفسه نتنياهو الذي على الرغم من حياته تم جره للمحاكمة"؟

من جانبه، حمل المحامي اللبناني محمد صبلوح، الذي يتولى الدفاع عن القرضاوي، "نجيب ميقاتي كامل المسؤولية عن حياة الشاعر عبد الرحمن القرضاوي  إذا حدث له مكروه في الإمارات أو مصر".

 وأعلن صبلوح في تصريح صحفي في 9 يناير 2025 “البدء بإجراءات لمحاكمة ميقاتي مستقبلا أمام النظام القضائي”.

وأكد  أن "إجراءات قانونية ستتخذ ضد نجيب ميقاتي في المؤسسات الدولية".

ووصف صبلوح قرار تسليم القرضاوي بأنه "مخز وعار على لبنان" مشيرا إلى أن تاريخ الإمارات معروف بالضرب والتعذيب وانتهاج انتزاع الاعترافات بالقوة".

ورأى أن "ميقاتي اتخذ قرار تسليم عبد الرحمن القرضاوي بعد أن تعرض إلى ضغوطات من الإمارات".

وشدد صبلوح على أن "ميقاتي تحايل على القانون، لأن مرسوم تسليم عبد الرحمن يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية" وحينها كانت البلاد في حالة شغور رئاسي.

وعزا القرار اللبناني إلى ضغوطات تعرض لها ميقاتي من قبل دولة الإمارات، مبينا أن أمر التسليم هو "قرار سياسي على خلفية مصالح مع الإمارات منها ملف إعادة إعمار لبنان، ميقاتي الذي كان صرح أن "مصالحنا مع الإمارات أهم من قواعد حقوق الإنسان".

"وثائق باندورا"

وكثيرا ما تثار حول ميقاتي اتهامات في لبنان تتعلق بـ "الفساد والإثراء غير المشروع".

فتناولت تقارير صحفية لبنانية وتحقيقات استقصائية عديدة سيرة ميقاتي، وآخرها في إبريل/ نيسان 2024 حول شكوى فرنسية بحق ميقاتي تتعلق "بشبهات اختلاس وتبييض أموال".

فمع ازدياد ثروة ميقاتي، أصدر الادعاء اللبناني في 23 سبتمبر/ أيلول 2019 قرارا اتهمه وابنه وشقيقه "بالإثراء غير المشروع" بسبب حصولهم على قروض سكنية مدعومة، وهو ما نفاه رئيس الوزراء.

وجاء ذلك في ظل استعادة الأموال اللبنانية المنهوبة، حيث ورد اسم ميقاتي عام 2018 بحصوله على قروض من بنوك مدعومة من البنك المركزي اللبناني بملايين الدولارات على أنها قروض إسكانية. وحصل بين عامي 2010 و2013 على تسعة منها منحها له بنك "عودة".

وورد اسم ميقاتي، في "وثائق باندورا"، وهو تحقيق أجراه "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، ونشره في 3 سبتمبر 2021، ويتهم مئات السياسيين وأقاربهم في أرجاء العالم بارتكاب مخالفات مالية.

وبحسب الوثائق، يمتلك ميقاتي شركة خارجية في بنما تسمى "هيسفيل" اشترى من خلالها عقارا في موناكو قيمته سبعة ملايين يورو، وقد استخدم الملاذات الخارجية للتهرب من دفع الضرائب.

ورد ميقاتي في سبتمبر 2021، على الوثائق بالقول إن أصل ثروته هو وعائلته مستمد من أكثر من 20 عاما من العمل المستمر في قطاع الاتصالات، وأن مصدرها "شرعي".

وكان موقع "درج" اللبناني نشر تقريرا في أغسطس/آب 2021، كشف فيه شراء مجموعة M1 التي يملكها نجيب وطه ميقاتي، شركة Telenor للاتصالات في ميانمار بقيمة 105 ملايين دولار في يوليو 2021 بمبلغ زهيد يوحي بضغوط مورست على الشركة الميانمارية.

لكن تلك الصفقة تعثرت ورفضتها السلطات في ميانمار، بسبب شبهات مرتبطة بعمل مجموعة M1 بالإضافة إلى قربها هي والأخوان ميقاتي من النظام السوري، وفق "درج".

جرائم مالية

ولطالما برز اسم ميقاتي في مشاريع استقصائية دولية مبنية على تسريبات، تثبت نشاطه في مجال تأسيس شركات "الأوف شور". 

ففي وثائق بارادايس التي نشرت عام 2017، ظهر أنّه أسس شركة Corporate Jet عام 2004.

وفي أبريل 2024 قدمت مجموعتان تعملان في مكافحة الفساد شكوى في فرنسا ضد ميقاتي وأقاربه، سعيا لإجراء تحقيق في شبهات جرائم مالية منها غسل الأموال، بحسب وثيقة اطلعت عليها وكالة رويترز.

وقال ميقاتي في بيان صادر عن مكتبه حينها إنه لم يتم إبلاغه رسميا بالشكوى، وإن ثروة عائلته تم اكتسابها بشفافية ووفق القانون.

وقُدمت الشكوى المذكورة إلى مكتب المدعي العام المالي في فرنسا من مجموعتي مكافحة الفساد، منظمة "شيربا" غير الحكومية لمكافحة الجريمة المالية وتجمع ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان.

وذكر مكتب المدعي العام المالي في فرنسا أنه ليس في وسعه تأكيد تسلم الشكوى في الوقت الحالي، ورفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.

وتتناول الشكوى مجموعة من الشركات والعقارات التي يملكها ميقاتي وأقاربه في فرنسا، أو المسجلة في دول أخرى، قائلة إنها تتطلب المزيد من التحقيق في أعمال مزعومة تتعلق بغسل الأموال وتلقي بضائع مسروقة.

وقال ويليام بوردو محامي "شيربا" لـ وكالة رويترز وقتها "هذا هو نوع العواقب الحتمية لكونك سياسيا مليارديرا، فأنت تعد منصبك بمثابة حماية من الملاحقة القضائية".

ويشير نص الدعوى المرفوعة من قبل منظمة "شيربا" و"التجمع" الذي أسّسه عدد من المودعين في البنوك اللبنانية، المتضررين من تبعات الأزمة المالية التي يشهدها البلد منذ 2019، إلى جرائم مالية تشمل غسيل الأموال واستحواذ ميقاتي على عقارات مختلفة في فرنسا والخارج، عبر هيئات ومن خلال تحويلات مالية كبيرة جدا مع شقيقه طه ميقاتي".

وأوردت الدعوى أن ميقاتي "يجسد مع شقيقه وكلّ أفراد محيطهما بالنسبة للرأي العام اللبناني، المحسوبية وتضارب المصالح اللذين أوصلا لبنان إلى وضعه الحالي".

وقال محاميا الجمعيتين وليام بوردون وفنسان برنغارت "إن استخدام ميقاتي المنهجي لحسابات خارجية وملاذات ضريبية، يجعله وعائلته مشتبها بهم بغسل الأموال والاحتيال الضريبي، فضلا عن جرائم أخرى على نطاق واسع منذ سنوات".