ما سيناريوهات الوجود الروسي في ليبيا بعد سقوط نظام الأسد في سوريا؟

"برقة تمثل لروسيا الفرصة الأخيرة لامتلاك قاعدة في البحار الدافئة"
تحافظ موسكو منذ عام 2016 على وجودها في الشرق الليبي وتدعم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، إلا أن التطورات الأخيرة في سوريا تهدد وجودها في إفريقيا برمتها.
وفي قراءة تحليلية عن أهمية ليبيا بالنسبة لموسكو والسيناريوهات المحتملة للوجود الروسي على الأراضي الليبية، أشار معهد بحثي إيطالي إلى أن الروس تدخلوا في ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011 "لملء الفراغ السياسي الذي خلفته أميركا والدول الأوروبية".
وذكر معهد "تحليل العلاقات الدولية" أن روسيا دعمت في عام 2016 حفتر في مواجهة تنظيم الدولة و دعمت من خلال مرتزقة فاغنر قواته في استعادة السيطرة على منطقة الهلال النفطي.
كما أنها وقفت إلى جانبه في عام 2019 خلال هجومه الفاشل لدخول العاصمة طرابلس والسيطرة عليها.

"ضرورات إستراتيجية"
وأكد أن اهتمام الكرملين بليبيا يستجيب لضرورات إستراتيجية مذكرا بأن الاتحاد السوفيتي "كان له خلال الحرب الباردة مصلحة في ترسيخ وجوده في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا من أجل الوصول إلى المياه الدافئة الحيوية واستغلال سياسات نظام العقيد القذافي المناهضة للغرب لصالحه".
وأوضح أن البلد العربي شكل "للاتحاد الروسي، الذي عرقله توسع حلف شمال الأطلسي نحو الشرق، مخرجا محتملا للإفلات من خطة الاحتواء الأوروبية الأطلسية المخطط لها".
علاوة على ذلك، يضيف أن ليبيا تمثل نقطة لوجستية رئيسة للتوغل في منطقة جنوب الصحراء الكبرى مؤكدا على ما اكتساه البلد بالأمس وإقليم برقة اليوم من أهمية إستراتيجية بالنسبة لموسكو.
ويرى المعهد أن الأحداث الأخيرة في سوريا خاصة سقوط نظام بشار الأسد، تهدد الوجود الروسي في البحر الأبيض المتوسط.
ويذكر أنها تدخلت في عام 2015 لمنع انهيار النظام ولحماية مصالحها ومن ضمنها القاعدة البحرية في طرطوس التي يتوقع أن تؤدي خسارتها إلى تعقيد قدرة روسيا على التغلغل في الشرق الأوسط وإفريقيا.
ورغم تصريحات الجهات السياسية السورية "الجديدة"، شدد على أنه من المستحيل حاليا الجزم بقدرة روسيا على الحفاظ على هذه القواعد العسكرية خصوصا أن المفاوضات بين الحكومة السورية الجديدة ونظيرتها الروسية لا تتجه "في الاتجاه الصحيح."
من ناحية أخرى، أشار إلى أن تركيا استغلت التزام موسكو في أوكرانيا على نحو ممتاز واغتنمت الفرصة لترجيح الكفة لصالحها.

البديل الليبي
وفي السياق، أوضح المعهد الإيطالي أن نقل موسكو لبعض أفرادها وعتادها العسكري من سوريا إلى برقة يستدعي حاجتين.
من ناحية، تقليص اعتمادها على القواعد في بلاد الشام ومن ناحية أخرى، العمل على تعزيز مكانتها في شرق ليبيا.
وفي ظل مناخ التوترات الليبي، ألمح إلى إمكانية أن تعود ليبيا قريبا إلى ساحة مواجهة بالوكالة للقوى الكبرى، لا سيما أن حفتر لا يملك بدائل في الوقت الراهن أفضل من الداعم الروسي.
وقال: إن "مصر والإمارات لا تبدوان مستعدتين لأخذ مكان موسكو، في حين قد تدعم فرنسا، في ظل حرصها على احتواء طموحات أنقرة للهيمنة الإقليمية، حفتر في حال وجود تهديد ملموس يتمثل في إعادة توحيد ليبيا بأيدي تركية".
وأكد أن سقوط نظام الأسد حليف روسيا، يزيد بشكل كبير من أهمية ليبيا بالنسبة لروسيا مشددا على أن برقة تمثل الفرصة الأخيرة لامتلاك قاعدة في البحار الدافئة في حال التخلي عن القواعد في بلاد الشام.
أفضل سيناريو
السيناريو الأفضل بالنسبة للروس رغم أن فرص حدوث ذلك ضئيلة، بحسب المعهد الإيطالي، سيكون النجاح في زيادة الوجود في برقة تدريجيا حتى امتلاك قاعدة بحرية في طبرق أو درنة.
ويفترض أن يضطر حفتر في صورة تقديم موسكو ضمانات أمنية كافية وموارد عسكرية واقتصادية، إلى منحها هذه القاعدة البحرية مرجحا أن يشمل الاتفاق بالضرورة تركيا أيضا.
ولفت إلى أن الأخيرة قد تواجه في حال سمحت لموسكو بالاستقرار في برقة، إجراءات انتقامية دبلوماسية من مختلف الدول الغربية، خاصة فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة.
وحذر المعهد الإيطالي من سيناريو تقسيم فعلي لليبيا وما يترتب عليه من عواقب على ضوء وجود قاعدة بحرية روسية في المياه العميقة في طبرق، ووجود الأتراك في طرابلس.
ومن العواقب أشار إلى إمكانية استغلال موسكو وأنقرة موقع التفوق الذي قد يكتسبانه لزيادة قوتهما التفاوضية مع الدول الغربية، وخاصة إيطاليا التي تعتمد على ليبيا في إمدادات الطاقة و مراقبة الحدود البحرية.
وجزم أن التقارب في المصالح بين البلدين سيظل مقتصرا على الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، ولن يمتد تلقائيا إلى كل المسارح التي يتعارض فيها الطرفان، أي سوريا.
وأكد أن الأمر سيتعلق بمجرد توافق تكتيكي يهدف إلى السماح للبلدين بالتغلب على العزلة الغربية مرجحا عدم توصلهما إلى أي اتفاق لا سيما في ظل التنافس بينهما و طموحاتهما المتضاربة.
لذلك يستبعد تحقق السيناريو المشار إليه خصوصا أنه سيعني صدام تركيا مع كل تلك الدول التي قد تخشى تهديد إنشاء قاعدة بحرية روسية في برقة.
وقال إن موسكو ستقبل بكل سرور بعض التنازلات مع أنقرة في مقابل الوصول المستقر والدائم إلى ليبيا، مؤكدا أن الأمر لا يعتمد فقط على رغباتها.

أسوأ سيناريو
أسوأ سيناريو قد يحدث لروسيا، بالنسبة للمعهد الإيطالي، قد لا يعني الإخفاق في امتلاك قاعدة بحرية في الشرق الليبي فحسب، بل أن تُطرد من ليبيا كما حدث مؤخرا في سوريا.
واستبعد إمكانية تحقيق ما فشلت فيه في السابق بعد أن كانت قد طالبت بالسماح لها باستخدام قاعدة بحرية في برقة وذلك في ظل الصعوبات الحالية.
وأشار إلى أن محاولات السوفييت أولا ثم الروس لإنشاء قاعدة في وسط البحر الأبيض المتوسط، واجهت معارضة شرسة على الدوام من جانب الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى.
ورغم الاستثمارات في البنية التحتية التي تمت في السنوات الأخيرة وقيام الكرملين مؤخرا بتجديد العديد من القواعد الجوية في شرق ليبيا، وخاصة قاعدتي الخادم والجفرة، إلا أن الروس قد يقررون توجيه المزيد من الموارد نحو الجبهة الأوكرانية.
ويشرح أن نقل العتاد من سوريا إلى برقة من شأنه أن يكون حلا مؤقتا ولن يكون بمثابة استقرار دائم.
وفي ظل هذه الظروف، قد تمتلك أنقرة القدرة على تقليص الوجود الروسي في ليبيا وبالتالي في إفريقيا، يشير المعهد الإيطالي، مفترضا الحصول على موافقة ودعم واشنطن لا سيما وأنها قد تفضل ذلك على الاستقرار الروسي في برقة.
وأردف أن الولايات المتحدة قد تستطيع، من خلال تركيا، الضغط على روسيا لإقناعها بأن الاتفاق بين البلدين لوقف الأعمال العدائية في أوكرانيا، أمر لا مفر منه.
كما أشار إلى أن تركيا غيرت تكتيكاتها في ليبيا قبل وقت قصير من بداية التطورات السورية بشروعها في الأشهر الأخيرة في تعزيز علاقاتها مع الحكومة الموازية شرق البلاد.
وألمح إلى إمكانية أن يتكرر السيناريو السوري في ليبيا التي قد لا يعني لها "وجود أتراك وروس أو وجود أتراك فقط"، فرقا كبيرا.
وبحسب قوله، رعاية تركيا لمصالحة بين برقة وطرابلس من شأنه أن يشكل تهديدا إستراتيجيا لدول مثل اليونان وإيطاليا وفرنسا، كما أن طرد روسيا من ليبيا من شأنه أن يقوض سياسة الكرملين تجاه إفريقيا برمتها.
إلى ذلك، لفت المعهد إلى أن انقطاع طرق الإمداد في ليبيا الضرورية لنشاط مرتزقة الروس في عدة دول إفريقية، قد يدفع عدة حكومات انقلابية في منطقة الساحل للبحث عن جهات فاعلة جديدة لإبرام صفقات معها.
وبحسب تحليله، "كلما طال أمد التدخل الروسي في أوكرانيا، كلما أصبح نشاط الإسقاط الروسي الخارجي في الشرق الأوسط وإفريقيا مهددا أكثر".
لذلك، خمن طرد روسيا من ليبيا، إذا لم يُجْرَ التوصل إلى اتفاق بشأن وقف القتال في أوكرانيا، خلال الأشهر الستة المقبلة.
وعلى المدى القريب، يتوقع أن تعمل موسكو تدريجيا على زيادة وجودها في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا وتعزيز موقعها "الهش" شرق البلاد في انتظار التأكد من مستقبل القواعد الروسية في سوريا.
أما على المدى المتوسط والطويل، فقد جزم بأنها لن تكون قادرة على تخصيص الموارد اللازمة لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط وإفريقيا ما دامت مشغولة بالحرب في أوكرانيا وهو ما قد يؤدي إلى استغلال منافسيها لملء الفراغ كما حدث مؤخراً في سوريا.
وزاد أن تأخر التوصل إلى حل وسط بين واشنطن وموسكو لتجميد الصراع على الأقل، سيعني المزيد من تآكل النفوذ الروسي في البحر الأبيض المتوسط.
وعلى العكس من ذلك، أكد أن العالم سيشهد في حال توقف الصراع، محاولة روسية لإعادة ترسيخ وجودها في البحر المتوسط، لذلك يستنتج أن مصير الوجود الروسي في ليبيا مرتبط بالصراع في أوكرانيا.
في الختام، أكد أن ليبيا عادت بعد سقوط نظام الأسد في سوريا إلى مركز اهتمام القوى الكبرى ملمحا إلى إمكانية أن ينهار اتفاق وقف إطلاق النار المتوصل إليه في عام 2020.