عقوبات على كل من يسب الرئيس ووزراء الحكومة.. ماذا يحدث في موريتانيا؟

"المشكل الأصلي يكمن في النظام السياسي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لأنه نظام لا يمكن وصفه سوى بالديكتاتوري"
وسط جدل كبير في الساحة السياسية، صادق البرلمان الموريتاني على تعديلات بشأن نظامه الداخلي، والتي وُصفت بأنها مقيدة للمجلس في أدائه لأدواره الرقابية على الوجه الأمثل.
التصويت الذي تم يوم 30 يوليو/تموز 2025، خلال جلسة علنية، تضمن الموافقة على تعديلات إدراج عقوبات جديدة بالطرد ضد النواب الذين يقومون بشتم الرئيس وأعضاء الحكومة وأعضاء الهيئات الدستورية.
وبحسب موقع "الصدى" الموريتاني، فقد نصت المواد 80 و81 و82 و83 و84 على إيقاع "عقوبات المصادرة والطرد المؤقت ضد كل نائب: سب الدين الإسلامي أو انتهك المقدسات الإسلامية؛ أو وجه شتما أو تهديدا لرئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو أعضاء الحكومة أو الهيئات المنصوص عليها في الدستور".
وأيضا كل من "ازدرى الجمعية الوطنية أو رئيسها؛ أو مارس دعاية عنصرية أو فئوية أو تحريضية؛ أو دعا للعنف خلال جلسة عامة أو مارس عنفا ضد نائب آخر أو وجه شتائم لأحد زملائه؛ أو قاوم المصادرة البسيطة".
ونصت المواد على أن المصادرة مع الطرد المؤقت تؤدي إلى "منع النائب من المشاركة في أعمال الجمعية الوطنية مدة (20) يوما من أيام الدورات البرلمانية ابتداء من الجلسة التي أعلن خلالها الطرد (….)".
وفي حال الامتناع عن الامتثال لأوامر الرئيس بالخروج من القبة، يتم تعليق الجلسة مع تمديد الطرد لأربعة أشهر من أشهر الدورات البرلمانية.
كما تؤدي المصادرة مع الطرد المؤقت إلى "منع النائب من المشاركة في أعمال الجمعية الوطنية، وإلى حظر دخوله مقر الجمعية حتى اكتمال فترة العقوبة التأديبية".
ونصت التعديلات الجديدة على أن المصادرة مع الطرد المؤقت تؤدي إلى "الحرمان من نصف (1/2) علاوة الدورة لمدة أربعة (4) أشهر. وفي حالة العود، تغلظ العقوبة بالحرمان من ثلاثة أرباع (3/4) علاوة الدورة طيلة أربعة (4) أشهر".
كما قيّدت المادة 87 متابعة البرلمانيين خارج الدورات بضرورة إذن من مكتب الجمعية، باستثناء حالات التلبس أو الأحكام النهائية، واشترطت الأغلبية المطلقة داخل المكتب للموافقة على رفع الحصانة.
المعارضة غاضبة
اتسمت جلسة التصويت على التعديلات بتبادل الاتهامات والتراشق الكلامي بين عدد من أعضاء البرلمان، حيث دافعت الأغلبية عن أهميتها في "ضبط الأداء النيابي، وتحسين الانضباط داخل القبة التشريعية"، بينما عدتها المعارضة "تضييقا على العمل البرلماني".
وفي هذا الصدد، طالب النائب البرلماني خالي ديالو، المجلس الدستوري باتخاذ قرار إزاء هذا النظام؛ لأنه يعارض دستور البلد، ويكمم النواب ويعوق النقاش الديمقراطي داخل الجمعية الوطنية، معتبرا النظام الجديد "نظاما لثكنة عسكرية".
وشدد ديالو في تصريح للصحافة أن "النظام الداخلي الجديد للجمعية الوطنية يضيق على البرلماني ويحد من صلاحياته، ويمنعه من أداء مهامه".
بدورها، أكدت البرلمانية مريم بنت الشيخ، أن النظام الداخلي الجديد أتى بمزيد من التضييق على البرلمانيين من ناحية العقوبات والتحقيقات ولم يترك لهم مجالا للكلام، متسائلة أين المادة 90 من الدستور التي تحمي حق النائب البرلماني.
ووصف البرلماني يحيى ولد اللود النظام الداخلي الجديد بأنه كان "سيئا وأصبح أكثر سوءا، وهو نهاية مسار طويل بدأ منذ فترة طويلة من التضييق على البرلمانيين".
وأردف ولد اللود للصحافة، هذا يضاف إلى أن وزارات السيادة يعدون أنفسهم فوق البرلمان، ولا يجيبون على مساءلاتهم أصلا.
ونبهت البرلمانية قامو عاشور، إلى أن النواب البرلمانيين هم الذين يوصلون حقوق الشعب الضعيف، ولذلك، شددت أنها لن تصمت سواء تم طردها أو حبسها، وستواصل قولها لوزير "خائن بأنه خائن" ووزير "سارق بأنه سارق".
أما البرلماني محمد الأمين ولد سيدي مولود، فرأى أن التعديلات "نكسة"، لا سيما أنها شملت أكثر من أربعين مادة، اثنتان منها فقط تتناول السب والشتم.
وتابع ولد سيدي مولود في تدوينة عبر فيسبوك، أما أغلب الباقي فهو تضييقات تتعلق بعرقلة التحقيق في قضايا الفساد، ونقص الوقت، وإضعاف أداء البرلمان.
حزب تواصل
إسلاميو موريتانيا لم يكونوا بعيدين عن هذا الجدل، حيث قال رئيس الفريق البرلماني لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" المعارض يحيى ولد أبوبكر، إن التعديلات الجارية على النظام الداخلي للبرلمان تمثل تراجعا عن الضمانات الدستورية الممنوحة للنواب.
وأضاف ولد أبوبكر، وفق موقع "صحراء ميديا"، 30 يوليو، أن فريقه البرلماني عارض منذ البداية الاتجاه نحو "تقليص صلاحيات النواب"، من خلال قيود متزايدة على تقديم التعديلات وممارسة الدور الرقابي.
ولفت إلى أن الحزب لم يرضَ عن المسودة النهائية للنظام الداخلي، خاصة فيما يتعلق بنظام العقوبات والتعديلات البرلمانية.
وشدد ولد أبوبكر أن فريقه تمكن، رغم كونه الممثل الوحيد للمعارضة داخل اللجنة، من فرض تعديلات وصفها بـ"الجوهرية"، من بينها تخفيض الحد الأدنى للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية إلى 12 نائبا بدلا من 20، وتقييد عقوبة الطرد لتشمل فقط حالات السب والشتم، بدلا من إبقائها مفتوحة.
وأشار ولد أبوبكر إلى أن فريق "تواصل" عبّر عن هذه التحفظات مرارا عبر ممثليه في اللجنة، ما أدى إلى توقف أعمالها أكثر من مرة، لافتا إلى أن العملية التفاوضية أفضت في بعض المراحل إلى "تخفيف إجراءات عدت مجحفة".
وأكد أن حزبه تحرك من منطلق المسؤولية، وطرح ملاحظات شاملة تمس العمل البرلماني عموما، حتى تلك التي قد يتبناها نواب من كتل أخرى، مشددا على أن أي إساءات صدرت من بعض النواب تجاه الحزب لا تعكس إلا رأي أصحابها.
بدوره، قال النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، صداف ولد آدّ، إن نواب الحزب لم يدعوا الأغلبية تنفرد بصياغة النظام الداخلي الجديد للبرلمان، وشاركوا في 37 جلسة من جلسات النقاش وأدرجوا تعديلات "هامة" على المشروع.
وأضاف ولد آدّ في مداخلة برلمانية، 30 يوليو 2025، أن ممثل الحزب في لجنة صياغة النظام الداخلي للبرلماني فرض - من بين أمور أخرى - خفض عدد النواب الذين تسعهم المطالبة بإنشاء لجنة تحقيق برلماني من 30 في المشروع الذي قدّمته الأغلبية إلى 12 في المشروع المصادق عليه.
ولفت ولد آد إلى أن فريق "تواصل" رغم مقترحاته وتعديلاته لا يرضيه النص المصادق عليه، لكنه مع ذلك -يضيف النائب- كان أخف ضررا من النص "المعلب" الذي اقترحت الأغلبية، واختار عدد من النواب المحتجين على تواصل بدل نقاشه "الجلوس تحت المكيفات والسفر لأغراض شخصية خارج البلاد".
وشدد النائب البرلماني أن المزايدة على فريق "تواصل" في خدمة الوطن ومصالحه مرفوضة، مؤكدا استعداد الحزب ونوّابه لتحمل تبعات أدائهم في أمانة خدمة الوطن والذود عن مصالح المواطنين، أيا تكن جهة "إطلاق السهام".
وكان عدد من نواب المعارضة والأغلبية احتجوا داخل البرلمان وعبر وسائط التواصل الاجتماعي على مصادقة ممثل "تواصل" في لجنة صياغة مشروع النظام الداخلي الجديد للبرلمان، عادّين الخطوة انسجاما مع الأغلبية في مسار التضييق على الحريات داخل البرلمان.

الأغلبية تدافع
أكد رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، محمد ولد مكت، أن مراجعة النظام الداخلي للجمعية جاءت استجابة لنواقص وفراغات كشفت عنها التجربة العملية للنص الحالي.
وأشار ولد مكت خلال الجلسة الختامية للدورة البرلمانية العادية الثانية للسنة 2024-2025، الخميس 31 يوليو 2025، إلى أن التعديلات تهدف إلى تنظيم سير العمل التشريعي بشكل أكثر فعالية.
وأوضح رئيس المجلس أن اللجنة المكلفة بمراجعة النظام الداخلي، التي تم تشكيلها خلال الدورة الأولى، واصلت عملها في الدورة الحالية سعيا لتحقيق توافق واسع بين مختلف الفرق البرلمانية والتشكيلات السياسية داخل الجمعية.
وأضاف ولد مكت أن الوثيقة الجديدة ستشكل مرجعية محورية في تنظيم وتسيير عمل المؤسسة التشريعية، ما استدعى تخصيص اهتمام بالغ بها على مستوى الصياغة والتشاور.
من جانبه، يرى البرلماني والقيادي في حزب "الإنصاف" الحاكم، أحمد جدو الزين، أن تصحيح أو تعديل النظام الداخلي كان مطلبا لعدد من النواب، والآن تحقق بعد سنوات من الانتظار.
ورأى جدو الزين لـ "الاستقلال"، أن الجمعية العامة هي مؤسسة دستورية، ولذلك يجب أن تُبعد عن أي مهاترات أو مزايدات سواء من داخلها أو من خارجها.
واسترسل، خاصة ونحن نعلم أنه كان بالإمكان تعديل النظام دون أي مشاركة من أي مكون خارج الأغلبية، نظرا لأن لها مطلق المقاعد بالجمعية الوطنية، لكن الأغلبية لم تفعل.
وتابع، وهو ما تجسد في تشكيل لجنة من جميع الفرق البرلمانية، وبتوافق من الجميع، تضم في عضويتها برلمانيين من الأغلبية والمعارضة استنادا على شرط الخبرة والتخصص.
وأردف، هذه اللجنة اشتغلت على مدى ثمانية أشهر، وكان هناك اختلاف طفيف على بعض المواد، لكن تم تحقيق الإجماع على الأغلبية المطلقة من المواد المقدمة على النظام الداخلي.
وبشأن الملاحظات والاتهامات المقدمة على تعديل النظام الداخلي، فوصفها جدو الزين بأنها محض مزايدات، وفق وصفه.
وأضاف، لا سيما أن التصويت على التعديلات المقدمة لم يتم بحكم المغالبة، بل بالتوافق، سواء في اللجان المختصة أو في الجلسة العامة.

استهداف للمجلس
غير أن هذا الخطاب لم يقنع الأستاذ الجامعي والناشط السياسي أبو العباس إبرهام، والذي وجه انتقادات عدة لهذه التغييرات.
وقال إبرهام لـ "الاستقلال": إن العطب متعدد الأشكال، ليس فقط في مضمون التعديلات، ولكن أيضا في عدد من البرلمانيين الذين يدعون الدفاع عن الحرية وهم لا يؤمنون بحرية التعبير أصلا.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى بعض الوقائع التي حدثت له مع بعض هؤلاء، ويرى أن مثل هؤلاء لا يمكن أن يدافعوا عن الحرية الحقة للبرلمان في مجابهة السلطة وتحكمها في المجلس.
ورأى إبرهام أن المشكل الأصلي يكمن في النظام السياسي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لأنه نظام لا يمكن وصفه سوى بالديكتاتوري، ذلك أنه يقوم على قمع التعبير وحظر الخلاف، وفق تعبيره.
وشدد الأستاذ الجامعي على أن التضييق على العمل البرلماني هو عملية ممنهجة من النظام السياسي لإفراغ المجلس من أي سلطة.
ولذلك، يتابع المتحدث ذاته، لا بد من هبة وطنية ضد أفعال النظام، مشددا أن هذه الهبة لن تأتي من أدعياء الحرية والحقوق، بل من المؤمنين بها والمدافعين عنها، من الذين لا يتاجرون بها مع النظام أو مع غيره.