خارج السلك الدبلوماسي.. قائمة سفراء جدد تفضح المحاصصة بالعراق

لم تعلق وزارة الخارجية العراقية على قائمة المرشحين المتداولة
أثارت قوائم نشرتها وسائل إعلام عراقية تضم أسماء مرشحين لتولي منصب سفير في عدد من الدول، جدلا واسعا في العراق، وذلك لأنها جرت على مبدأ المحاصصة الحزبية لا سيما أنها اقتصرت على الأقارب من الدرجة الأولى للسياسيين الحاكمين منذ عام 2003.
رغم الجدل الذي أثارته القوائم المتداولة والتي كان البعض منها يحمل شعار وزارة الخارجية العراقية، لم يصدر عن الأخيرة أي تعليق يوضح حقيقة الأسماء أو التراجع عنها.

اعتراضات برلمانية
لكن على صعيد البرلمان العراقي، أكد نواب وجود قائمة سفراء جدد صوتت عليها الحكومة وأرسلتها إلى المجلس للتصويت عليها، معربين عن خشيتهم من تمريرها دون الاطلاع على سيرتهم الذاتية، خصوصا مع وجود أشخاص لا تنطبق عليهم المعايير.
ودعا النائب أمير المعموري خلال مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان في الثاني من أغسطس/آب، إلى ضرورة عدم التصويت على القائمة، لأن هناك الكثير من الملاحظات عليها، مبينا أنه ينبغي للبرلمان إطلاع الأعضاء على قائمة السفراء، وتزويدهم بالسيرة الذاتية لكل مرشح.
وأكد المعموري أهمية أن تبدي لجنة العلاقات الخارجية وباقي اللجان النيابية رأيها بخصوص عدم شمول المرشحين بالفساد وصلاحية الشهادة، وواقعهم الأمني، مشيرا إلى أن بعض المرشحين "أعمارهم صغيرة ولا تناسب شمولهم وفق المعايير".
من جهته، قال النائب علي الساعدي خلال المؤتمر، إنه "بناء على مواد الدستور وقانون مجلس النواب والنظام الداخلي له، نتقدم بمقترح تعديل الخدمة الخارجية معززا بتواقيع بهدف اختيار المرشحين للمناصب السفراء وفق المعايير".
وأشار الساعدي إلى أن مطالبة الأحزاب والكتل السياسية بمنصب لا سند دستوريا له، ومخالف للمصلحة العامة، مطالبا رئاسة البرلمان بإدراج مقترح القانون بأقرب جلسة له.
وفي السياق ذاته، أكدت عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، النائب حيدر السلامي "وجود رفض نيابي كبير لقائمة السفراء التي صوتت عليها الحكومة بعدما تم ترشيح هذه الأسماء عبر كتل وأحزاب سياسية متنفذة محددة"، حسبما نقلت وكالة "الجبال" العراقية في 30 يوليو/تموز.
وأضاف: "سنعمل على منع أي محاولة لتمريرها، لأنّ ملف اختيار السفراء مهم وخطير، فهذا السفير يمثل العراق في دول الخارج واختيار شخصيات من خارج السلك الدبلوماسي ومن عديمي الكفاءة والخبرة والاعتماد على المحاصصة وتقاسم السلطة يضع سمعة العراق بخطر".
وبحسب الوكالة، فإن قائمة الأسماء تضم:
حيدر الغبان، ابن شقيق محمد سالم الغبان وزير الداخلية الأسبق والقيادي البارز في منظمة بدر.
باقر النجار، صهر همام حمودي رئيس المجلس الأعلى الشيعي وتحالف "أبشر يا عراق".
نزار حسن محمد تقي الحكيم، ابن أخ النائب السابق عبدالهادي الحكيم.
رحمن العامري، شقيق الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري.
حسين السوداني، ابن عم رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني.
قيس العامري، صهر رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
محمد الأشيقر، نجل أخ رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري.
عبدالباسط المشهداني، نجل رئيس البرلمان حاليا محمود المشهداني.
يزن الجبوري، نجل السياسي والبرلماني السابق مشعان ركاض الجبوري.
مرتضى السهيل، شقيق النائب السابق هشام السهيل.
ولم يقف الأمر عند هذه الأسماء التي أوردتها الوكالة، وإنما نشرت العديد من منصات التواصل الاجتماعي والمواقع المحلية، نحو 90 اسما تضم شخصيات منسوبة إلى مليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، إضافة إلى جهات سياسية أخرى.
وبحسب وكالة "شفق نيوز" العراقية، انتقدت بعض قوى الإطار قوائم أسماء السفراء الجدد بذريعة أن أغلبهم غير مؤهل، فضلا عن عدم تحقق العدالة بما يتناسب وحجم بعض القوى ووزنها السياسي.
ونقلت الوكالة عن مصدر سياسي لم تسمه في 31 يوليو، أنه “تم الاتفاق بشكل مبدئي على عقد اجتماع يناقش حيثيات وتفاصيل السفراء الجدد، بما ينسجم وخطط البلاد الإستراتيجية في الجانب الدبلوماسي” موضحا أن أغلب القوائم سيتم تعديل مرشحيها أو سفرائها.

"فضيحة جديدة"
ردود الفعل كانت واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد وصف ناشطون قائمة المرشحين الجدد التي صوتت عليها الحكومة العراقية، وأرسلتها للبرلمان لتمريرها بأنها "فضيحة جديدة" و"كارثة كبرى".
وقال الكاتب والصحفي العراقي، فلاح المشعل على منصة "إكس" في 31 يوليو، إن هذه "كارثة أخرى، هكذا تتصرف الطبقة السياسية الفاشلة الفاسدة، إصرار على الاستئثار بكل شيء وبدون حق (من قبل) لصوص المال والنفط والوظائف والسفارات أيضا، زمن الأمية وسقوط الدولة".
وأضاف: "كان على مجلس الوزراء أن يبحث مؤهلات هؤلاء، وليس عناوينهم الحزبية المعروفة بالفشل، هؤلاء سفراء يمثلون العراق"، داعيا البرلمان إلى "رفض هذه الأسماء وعدم قبول التصويت عليها، إلا بعد شهادات من اللجان المختصة بوزارة الخارجية".
ووصفت الباحثة في الشأن العراقي، هبة النائب هذه القائمة بأنها "فضيحة جديدة تُضاف لسجل المحاصصة والفساد في العراق: ترشيحات سفراء من أولاد وعمام وأصهار رؤساء أحزاب ووزراء ونواب".
وأضافت على إكس، قائلة: "الدبلوماسية تحولت لمزرعة عائلية، والتمثيل الخارجي أصبح مكافأة للمقربين والمرتشين، أي كفاءة؟ أي تمثيل؟ هذا وطن مختطف".
وعلق السياسي العراقي، غيث التميمي، قائلا: "عمليا، يُعد تعيين السفراء من أكثر الملفات التي تضر بسمعة العراق على الساحة الدولية. فمع كل دورة تجديد لهم، تتكرر الانتهاكات الجسيمة للقانون، حيث تُوزّع المناصب على أساس حزبي وعائلي، لا الكفاءة".
في المقابل، يضيف التميمي، "يمتلك العراق المئات من الخبراء والمختصين في العلاقات الدولية، ممن يتمتعون بكفاءة عالية، ومعرفة لغوية وثقافية، وعلاقات خارجية يمكن أن تسهم في دعم مصالح البلد ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تهدد أمنه واستقراره".
وتابع: "تصويت البرلمان على قائمة السفراء بطريقة السلة الواحدة يمثّل إهانة لسمعة العراق، ويضرّ بأمنه القومي ومصالحه العليا، كما يجسّد أحد أبشع صور الحنث باليمين الدستورية".
وتساءل التميمي، قائلا: “هل سيكون للمستقلين موقفٌ واضح، سواء برفض المصادقة على هذه القائمة، أو بتحريك دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا لوقف هذا النمط من الاستخفاف السياسي؟”
وأرفق السياسي العراقي، صورة للقيادي في "عصائب أهل الحق" ليث العذاري، مع أحد المعممين، وعلق عليها قائلا: "الصورة: أحد سفراء العصائب الذين تم التصويت لصالحهم".
وكتب الناطق الإعلامي لـ"المجلس الوطني للمعارضة العراقية" عمر عبد العزيز: "سابقة خطيرة وغير مسبوقة، وصلت الدبلوماسية العراقية إلى الحضيض بعد أن تحولت من واجهة تمثل الدولة وهيبتها، إلى غنيمة توزع بين أبناء وأصهار المسؤولين أو تُمنح كترضيات حزبية وانتخابية".
وأردف عبر إكس: "لقد تم تعيين عدد من السفراء والممثلين الدبلوماسيين بلا أي مؤهلات حقيقية، بعضهم لا يمتلك سوى شهادة إعدادية أو حتى دونها وآخرون لا علاقة لتخصصاتهم بالعلاقات الدولية أو العلوم السياسية مما أدى إلى انهيار فعلي لمستوى التمثيل العراقي في الخارج".
ورأى عبد العزيزي أن "من يديرون الدولة اليوم لا يكتفون بتدمير الداخل بل يسعون لطمس الهوية العراقية في المحافل الدولية وتشويه صورتها وتدمير ما تبقى من سياستها الخارجية كما فعلوا سابقًا بالتعليم والصحة وكل مقومات الدولة".
"ملف تجاري"
ويرى الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، أن "تداخل الترشيحات يضيع فرص الكفاءات حتى داخل القائمة المنشورة نفسها، أي أن إلغاءها أو تعطيلها يحرمهم من فرص المرور".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "بيانات وزارة الخارجية العراقية تؤكد فعلا أن البلد أمام أزمة في التمثيل الدبلوماسي، وهذا الأمر يقتضي النظر للملف وطنيا، وليس تجاريا، لأن صورة العراق الخارجية المتضررة تزداد ضعفا بهذا الملف".
ولفت إلى أن “العراق يعيش حالة عدم اكتفاء بالطموحات لسهولة القفز في حالة تتجاوز الخيال العلمي”.
وأشار إلى أن "موظفي وزارة الخارجية يرون أنفسهم محرومين في ملف الترشيح، لأن القانون يخصص الحصة الأكبر لهم والباقي للأحزاب، لكن 50 بالمئة من أسماء القائمة للكتل السياسية".
وينصّ قانون وزارة الخارجية لعام 2008 الخاص باختيار السفراء، بتعيين ما نسبته 75 بالمئة لهذه المناصب من العاملين بالسلك الدبلوماسي من داخل الوزارة، ويشمل ذلك كوادرها المتدرّجين في الترقيات الدبلوماسية التي تبدأ من ملحق وتنتهي بالوزير المفوّض.
بينما تذهب نسبة 25 بالمئة للأحزاب السياسية التي ترشح بدورها شخصيات تابعة لها وفقا للمعايير المطلوبة الأخرى الواجب توفرها في الشخص المرشح، لتتم بعدها مقابلة المرشحين واختبار من دبلوماسيين لا يقل عددهم عن 5 سفراء أو وكيل وزارة.
وفي 11 أبريل/نيسان 2025، أكدت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها أن عملية اختيار سفراء جُدُد من الكوادر الدبلوماسية المؤهلة تحظى باهتمام بالغ من قبلها، في ظل النقص الكبير الحاصل في هذا المنصب.
وشددت الوزارة على أن هذه العملية تُجرى وفق آليَّات دقيقة وموضوعية، وبما يتوافق تماما مع قانون الخدمة الخارجية والسياسات المعتمدة، مع الحرص على اختيار الكفاءاتِ التي تُمثل العراق تمثيلا لائقا في المحافل الدولية".

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، إياد الدليمي، إن "التحاصص السياسي (موجود) في مختلف مؤسسات الدولة، وقد دفعت ثمنه كل المفاصل الحكومية ومنها الدبلوماسية التي كانت واحدة من ضحايا هذه المحاصصة".
ونقلت صحيفة "العالم الجديد" العراقية عن الدليمي في 31 يوليو، قوله إن "هناك اليوم سفراء للعراق في الخارج يحملون شهادات يشك في صحتها، ودبلوماسيين يعملون في دول أجنبية لا يتقنون اللغة الإنجليزية، وآخرون لا يحملون حتى ثقافة التعامل مع الآخرين".
ووصف هذا الملف بأنه “كارثي ويجب فتحه”، وتحديدا ما يتعلق بمعايير اختيار الدبلوماسيين العراقيين، فقد أسهمت المحاصصة الحزبية والطائفية بأن يكون مظهر الدبلوماسية العراقية بهذا الشكل الفضائحي الذي بات يلاحقها من وقت لآخر، وفق تعبيره.
المصادر
- "الجبال" تنشر أسماء أصهار وأبناء المسؤولين فيها.. الخارجية البرلمانية ترفض قائمة السفراء الجدد
- برلمانيون يخشون من التصويت على السفراء الجدد للعراق بسلة واحدة ويقترحون قانوناً لذلك
- قائمة السفراء الحزبية: الكفاءات خارج السفارات والأقرباء داخلها!
- سفراء "أهل البيت السياسي" على طاولة الإطار.. تحرك لـ"حذف واستحداث"