مع تراجع نفوذها الإقليمي وسقوط الأسد.. هل تسعى إيران لإشعال "محور الفتنة"؟
“يبدو أن إيران ماضية في مساعيها لإثارة الفتن بالمنطقة"
سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كان الضربة القاضية بتفكك "المحور الشيعي"؛ مما أدى إلى تفكك "محور المقاومة" الذي طالما روجت له طهران.
ونشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالا للكاتب جهاد إسلام يلماز، توقف فيه عند محاولات إيران للوصول إلى البحر المتوسط وتحول "محور المقاومة" الإيراني إلى “محور الفتنة”، بحسب وصفه.
طموح جيوسياسي
وقال الكاتب التركي: إن إيران سعت لسنوات طويلة من خلال إستراتيجيات مثل "الهلال الشيعي" و"المحور الشيعي" و"جبهة المقاومة" و"محور الشر" إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وذلك عبر التعاون مع مجموعات مثل حزب الله في لبنان وسوريا، ومليشياتٍ شيعية في العراق، والحوثيين في اليمن.
ولفت إلى أنه "منذ عام 1979 وضع النظام الإيراني إستراتيجية جيوسياسية طائفية؛ حيث وسع نفوذه من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن، وصولا إلى البحر المتوسط عبر (الهلال الشيعي)".
وكانت "قوة القدس"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، تشكل العمود الفقري لما يُسمى بـ"محور المقاومة".
وأكد الكاتب أن “(قوة القدس) قدّمت الدعم العسكري والتدريبي واللوجستي للمجموعات المتحالفة معها، وشاركت أحيانا في الصراعات المحلية، بما في ذلك ارتكاب المجازر”.
وأردف: "لقد استغلت إيران انطلاق الثورة الشعبية في سوريا عام 2011، لتعزيز نفوذها الإقليمي بالمنطقة؛ حيث عزّزت ما يُعرف بـ(محور المقاومة) وقامت هي وحزب الله بإرسال قوات عسكرية لدعم نظام الأسد، وقد كان ذلك في محاولة لتحقيق إستراتيجيتها التي تهدف للوصول إلى البحر المتوسط".
وتابع: “لقد قادت إيران هذه التحركات لتكون شريكا رئيسا في النظام السوري، الذي استخدم القمع والتعذيب في الحفاظ على سلطته”.
وبناء على ذلك، فقد شاركت قوات القدس التابعة للحرس الثوري ومقاتلو حزب الله في ارتكاب انتهاكات خطيرة، مثل قتل مئات الآلاف من السنة ودفنهم في مقابر جماعية.
وأشار الكاتب إلى أن “النفوذ الإيراني قد تعرّض لانتكاسات كبيرة، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما تبعه من تطورات”.
وعلى إثره تعرّض حزب الله لخسائر كبيرة، كما استشهد العديد من قادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وانسحبت القوات الإيرانية من سوريا، ثم كانت الضربة القاضية بتفكك "المحور الشيعي" وسقوط نظام الأسد.
محور الفتنة
وفي خطوة لافتة، أطلق الزعيم الديني الإيراني آية الله علي خامنئي تصريحات أشعلت فتيل الفتنة في المنطقة.
واتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بالتخطيط لما يحدث في سوريا، وأشار إلى أن دولا مجاورة لسوريا، في إشارة إلى تركيا، قد انضمت لهذا المخطط.
وأضاف خامنئي في تصريحاته الأخيرة أن "الشباب السوريين ليس لديهم ما يخسرونه، فيجب عليهم الوقوف بحزم ضد من تسببوا في انعدام الأمان في بلادهم، وبعون الله سيهزمونهم".
كما أشار إلى أن “الوضع في سوريا قد يشهد ظهور قوة مشابهة لما حدث في لبنان، حيث وُلد حزب الله من رحم الحرب الأهلية”.
فيما قال يلماز إن "هذه التصريحات تأتي في وقت تسعى فيه إيران لإحياء ما يسمى (جبهة المقاومة) التي تعرضت للانهيار في السنوات الأخيرة".
وأضاف "من خلال هذه الكلمات يبدو أن خامنئي يهدف إلى بدء (جبهة الفتنة) التي قد تزعزع استقرار المنطقة وتعيد تنشيط التحركات الإيرانية في سوريا".
وفي أعقاب تصريحات خامنئي، قام عضو مجلس الأمن الإيراني اللواء محسن رضائي بتصريحاتٍ أخرى ليؤكد أن "الشباب والمقاومين في سوريا لن يصمتوا أمام غزو هيئة تحرير الشام، والهجمات الخارجية والظلم الداخلي".
وأضاف أن "المقاومة ستُبعث من جديد في سوريا في أقل من عام"، مدعيا أن "هذه المقاومة ستُحبط المخططات الأميركية والصهيونية".
ولفت الكاتب النظر إلى أن هذه التصريحات “تبرز نوايا إيران في إثارة الفوضى من خلال تحريك قوى متشددة، بينما تكشف عن خطة لتصعيد التوترات في المنطقة وتحقيق مصالحها السياسية على حساب استقرار سوريا والمنطقة بأسرها”.
زعزعة الاستقرار
وفي رد على التصريحات الأخيرة من إيران، أعرب وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة أسعد الشيباني عن قلقه من دور طهران في المنطقة، وحذّرها من نشر الفوضى في سوريا.
وشدد الشيباني على أن إيران يجب أن تحترم إرادة الشعب السوري وسيادة بلاده ووحدة أراضيها، ولامها على التصريحات التي قد تساهم في زيادة التوترات.
وعلق يلماز: “مع ذلك، يبدو أن إيران ماضية في مساعيها لإثارة الفتن؛ حيث بدأت آثار الفوضى التي تهدف إليها تتكشف بعد هذه التصريحات”.
واستطرد: “من خلال تعاونها مع نظام الأسد اقتربت إيران من تحقيق هدفها الإستراتيجي المتمثل في الوصول إلى البحر المتوسط للمرة الثالثة في تاريخها”.
واستدرك الكاتب: “مع ذلك، فقد أدى فرار الأسد وتغيير النظام إلى إعاقة هذا الهدف الجيوسياسي”.
ولفت إلى أن “إيران تواصل استخدام نفوذها في سوريا متبنية سياسات تهدف إلى خلق الفوضى والصراعات الداخلية لدعم مصالحها”.
وأشار يلماز إلى أن “تصريحات خامنئي التي استهدفت أنقرة إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الوضع في سوريا من المرجح أن تؤدي إلى تحركات داخلية في تركيا”.
وأوضح أنه “من المهم أن نُدرك أن طهران تعد تركيا جزءا من أهداف (الهلال الشيعي) الذي تسعى لتحقيقه، ففي تركيا هناك مجموعة تُعرف بـ(الإيرانيين)، وقد اكتُشِفَ أخيرا مدى تأثير هؤلاء الأشخاص وانتشارهم في البلاد، حيث كان الإيرانيون من بين أكثر الجنسيات التي تم القبض عليها من قبل المخابرات التركية بعد الإسرائيليين”.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: "لا ينبغي لنا أن نتجاهل حقيقة وجود عناصر إيرانية في تركيا تسعى جاهدة لخلق الفتنة، فهناك أفراد يعملون ضمن (محور الفتنة) داخل البلاد، حيث يهدفون إلى إشعال النزاعات المذهبية وزعزعة الاستقرار الداخلي".
وتابع: "هذه العناصر لا تقتصر على كسب النفوذ فقط، بل يسعون إلى إحداث شرخ في التماسك الاجتماعي التركي، وهو ما يتطلب يقظة دائمة من جميع الأطراف المعنية للحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية".