عالقون بالغربة.. مصريون هربوا من السيسي في الداخل فطاردهم بالخارج

داود علي | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

لأسباب تتراوح بين العقاب والتربح، يواجه قطاع كبير من المصريين المغتربين منذ سنوات أزمة في استخراج الأوراق الثبوتية من السفارات والقنصليات. 

وفي أحدث صور هذه المعاناة، تداول ناشطون على نطاق واسع مقطع فيديو لمواطن مصري يعيش في مدينة "مرسيليا" الفرنسية، وهو يروي قصة معاناته مع استخراج جواز السفر المصري "الباسبور". 

وقال في المقطع المنشور في 20 ديسمبر/ كانون الثاني 2024 إن سعر استخراج جواز السفر من القنصلية المصرية في "مرسيليا" يصل إلى 700 يورو (اليورو يصل إلى 53 جنيها مصريا تقريبا)، أي أن سعر الجواز بالعملة المحلية بلغ ما يزيد عن 37 ألف جنيه.

وارتفاع أسعار المعاملات القنصلية والأوراق الثبوتية بشكل مبالغ فيه ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجه المصريين في الخارج.

المشكلة الأكبر هي فرض بعض القنصليات المصرية إجراءات أمنية جديدة ومعقدة، تقيد إصدار الوثائق الرسمية للمغتربين حتى يتم فحص خلفياتهم السياسية.

ويقدر عدد المصريين بالخارج نحو 14 مليونا، بحسب ما أعلنته وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج (سابقا) سها الجندي في مارس/ آذار 2024.

الموافقة الأمنية 

وفي هذا السياق، أصبحت الموافقة الأمنية التي تأتي من الأجهزة الأمنية في مصر هي الشرط الرئيس الذي يتم على أساسه قبول أوراق المتقدم لتجديد أوراقه الرسمية أو رفضها. 

عدد من المصريين المقيمين بالخارج سواء داخل فرنسا أو دول أخرى مثل تركيا وقطر وألمانيا وكندا، أكدوا معاناتهم من هذه القرارات التي طبقت عليهم دون إعلان رسمي منذ سنوات.

ويرون أنها تستخدم كأداة لقمع المعارضين والحقوقيين خارج مصر، واشتكى عدد من المعارضين، من قيام السفارات المصرية بإجراءات أمنية ومراجعات لأعداد كبيرة منهم بشكل دوري بهدف التضييق عليهم ووضعهم تحت الرقابة الأمنية خارج البلاد. 

وفي 23 ديسمبر 2024، نشر المعارض المصري محمد عباس (عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة سابقا)، تغريدة عبر "إكس" قال فيها: "كمواطن مصري خارج البلاد تقدمت بطلب لتجديد باسبوري الذي ستنتهي صلاحيته خلال أشهر في القنصلية المصرية بإسطنبول". 

وتابع: "طلبت القنصلية أن أملأ ورقة مستحدثة ليس لها علاقة بتجديد الباسبور لعمل مراجعة أمنية قبل تقديم الطلب.. ملأت الورقة، ثم قال لي الموظف سنتصل بك بعد يومين.. الحقيقة لم أستطع منع نفسي من الضحك وقلت له إن شاء الله".

وأكمل: "انتظرت ما يقارب الشهرين.. وجاءني اتصال اليوم من موظف في القنصلية يبلغني أنه وصلت وثيقة سفر باسمي للسفر لمصر وتجديد باسبوري هناك إذا أردت ". 

وقال المعارض المصري: "رد القنصلية المصرية ما هو إلا رفض مقنع لتجديد جواز سفري لعلمهم أني لا أستطيع العودة لمصر بسبب وضعي الجائر على قوائم الإرهاب من السلطة الحاكمة في مصر".

ثم اختتم: "منع تجديد جواز سفري من القنصلية المصرية بإسطنبول هو جريمة في حقي في إصدار وثائقي الثبوتية ومن حقي في حرية السفر والتنقل في خطوة جديدة ضدي من القمع عابر الحدود من النظام المصري".

تسجيل المواليد

الجانب الآخر من الأزمة هو امتناع بعض السفارات عن تسجيل المواليد الجدد من أبناء المعارضين السياسيين وإصدار شهادات ميلاد لهم.

وفي حديثه لـ"الاستقلال" قال المواطن المصري المقيم بالخارج عمر عبد العزيز، إنه احتاج أن يقوم بتسجيل ابنته المولودة حديثا ويستخرج لها شهادة ميلاد تمهيدا لاستخراج أوراقها الثبوتية خاصة جواز السفر حتى يستطيعوا التحرك والسفر بها. 

وذكر أنه قام بالتوجه للقنصلية المصرية في إسطنبول وطلبوا منه ملء استمارة عن معلوماته الشخصية ومعلومات المولودة.

“ثم طلبوا الشهادة الخاصة بالطفلة المستخرجة من المستشفى، وقمت بالتصديق عليها داخل القنصلية بعد أن كانت مترجمة وموثقة، في عملية كانت كلفتها نحو 150 دولارا (7600 جنيه)”.

وتابع أنه رغم من استيفاء الأوراق كافة والمتطلبات تأخرت القنصلية في الرد، وعندما ذهبت إليهم قالوا إن الطلب رفض، وأنه يمكن السفر بوثيقة إلى مصر لاستيفاء الورقة المطلوبة. 

وتعجب عبد العزيز من هذا التعنت في إصدار شهادة ميلاد لطفلة لم يتجاوز عمرها بضعة أشهر، وقال “ما هو دور القنصليات والسفارات إذا؟ وهل يحدث هذا في أي دولة في العالم؟”

وطبقا للدستور المصري يعد حرمان الطفل من استخراج أوراق ثبوتية انتهاكا. 

وينص الدستور في مادته رقم (80) على أنه "لكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية".

رفض منهجي 

وفي 13 مارس/ آذار 2023، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تقريرا عن حرمان المعارضين المصريين في الخارج من الوثائق الثبوتية، ووصفته بالإجراء الممنهج الذي يمس بالحقوق الأساسية للضحايا.

وقالت المنظمة الحقوقية الدولية: "إن السلطات المصرية ترفض منهجيا في السنوات الأخيرة إصدار الوثائق الثبوتية أو تجديدها لعشرات المعارضين، والصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان المقيمين في الخارج".

وأضافت: "يبدو أن الرفض يهدف إلى الضغط عليهم للعودة إلى مصر ليواجهوا الاضطهاد شبه المؤكد". 

وشددت على أن تعذر استصدار شهادات الميلاد أو تجديد الوثائق الأساسية كجوازات السفر والبطاقات الشخصية، أدى إلى عرقلة إحقاق الحقوق الأساسية للمعارضين في الخارج وأفراد أسرهم الذين يعولونهم.

وأن تلك الإجراءات التعسفية قوضت فعليا قدرتهم على السفر والعيش والعمل بشكل قانوني.

وأحيانا هدد قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والخدمات التعليمية أو لم شملهم مع أفراد أسرهم الآخرين.

واستطردت "هيومن رايتس ووتش" أن الحكومة المصرية تحرم مواطنيها في الخارج تعسفيا من الحصول على جوازات سفر سارية وغيرها من الوثائق الثبوتية، وأنها بذلك تنتهك الدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

سياسيو المنافي

تعددت في السنوات الأخيرة الحالات التي تم التعنت معها في تجديد جواز السفر، منهم سياسيون بارزون، انتقلوا إلى الخارج مع انهيار الأوضاع المزري في مصر فيما يتعلق بالحقوق والحريات، منهم المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور، الذي حرم من تجديد جواز سفره، رغم حصوله على حكم قضائي.

وجاء نائب رئيس الجمهورية السابق، محمد البرادعي، الذي ماطلت الخارجية المصرية معه لعدة أسابيع قبل أنه تمنحه الجواز الجديد بعد شنه حملة إعلامية على النظام، ونشره سلسلة تغريدات على منصة "إكس".

وانطبق الوضع على أستاذ العلوم السياسية الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، الذي رفضت القنصلية المصرية في إسطنبول تجديد جواز سفره، وهو ما دعاه إلى إصدار تصريح يطلب فيه "اللجوء إلى المجتمع الدولي للضغط على الحكومة المصرية في هذه القضية".

وفي 4 فبراير/ شباط 2021 حاولت الهيئة العليا لحزب "غد الثورة" المصري المعارض في الخارج، برئاسة أيمن نور، رفع دعاوى قضائية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وعدد من الهيئات الدولية، بالتعاون مع عدة منظمات حقوقية لإلزام الحكومة المصرية بتجديد جوازات سفر المصريين في الخارج، وفقا لأحكام المواثيق الدولية والقانون والدستور المصري.

وقالت الهيئة العليا للحزب في بيان، إنها "وافقت على توكيل مجلس جنيف للعلاقات الدولية، وعدد من المنظمات المسجلة في الأمم المتحدة، لتمثيل الحزب أمام المنظمات الأممية، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية لوقف هذا الخرق، والانتهاك للمواثيق الدولية والدستور المصري".

وبحسب جريدة "الأهرام" المصرية الرسمية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، يبلغ عدد البعثات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات لمصر في الخارج 162 بعثة يعمل بها قرابة 531 دبلوماسيا، فضلا عن طاقم المعاونين الإداريين، يتوزعون بين دول العالم، ويصلون إلى عواصم بعيدة.

ومن المفترض أن تلعب تلك المقرات الدبلوماسية أدوارا مهمة في دعم المغتربين، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية وتقديم الخدمات لهم.

غير أن الكثير من المصريين يعانون عند التعامل، ولا يجدون أبسط حقوقهم المتمثلة في استخراج الأوراق الثبوتية.