انتخاب رئيس للبنان.. ماذا يغير على صعيد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

مع قرب انتهاء مدة الستين يوما لاتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، تزداد المحاولات لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وذلك بزيارة وفد سعودي لبيروت يرأسه يزيد الفرحان، مسؤول الملف اللبناني في وزارة الخارجية السعودية.

ودخل وقف إطلاق النار في لبنان حيّز التنفيذ يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لمدة 60 يوما، وذلك بعد هجمات عنيفة شنتها إسرائيل على حزب الله ما أدى إلى مقتل أغلب قادته السياسيين والعسكريين، وعلى رأسهم زعيمه السابق حسن نصر الله.

"فرصة حاسمة"

وقبل جلسة للبرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد للبلاد، مقررة في 9 يناير/كانون الثاني 2025، وصل الوفد السعودي برئاسة الفرحان، إلى بيروت في زيارة أكدت وسائل إعلام لبنانية أنها تأتي في سياق التوصل إلى حلٍّ لأزمة ملف الرئاسة.

ومع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، دخل لبنان في فراغ رئاسي لم تتمكن الأطراف السياسية اللبنانية من إيجاد مخرج له في ظل الانقسام بين قوى ما يعرف بـ"الممانعة" بقيادة حزب الله، وأخرى تضم معارضيهم.

وبحسب ما ذكر موقع قناة "إم تي في" (mtv)  اللبنانية، في 4 يناير 2025، فإن الفرحان وصل إلى بيروت، حتى يجري محادثات بعيدة عن الأضواء مع المسؤولين السياسيين اللبنانيين، ومنهم اللقاء مع رئيس البرلمان نبيه بري.

وأكدت القناة اللبنانية، أن "الوفد السعودي سيناقش مع مختلف الكتل والقوى السياسية، الملف الرئاسي قبل جلسة البرلمان الانتخابية المقررة في 9 يناير".

وأفادت صحيفة "اللواء" اللبنانية في 4 يناير، بأن "الاتصالات قائمة لتشكيل مجموعة نيابية وطنية تضم مسلمين ومسيحيين لا النواب السنّة فقط، لتكون بمثابة تكتل وطني يُفترض أن يبصر النور قبيل جلسة انتخاب الرئيس".

وأشارت إلى أن رئيس البرلمان نبيه بري أكد أن جلسة 9 يناير، ستبقى منعقدة بلا انقطاع حتى ولادة الرئيس، وأنها ستكون بجولات متتالية، ولن ترفع إلا بعد إنجاز عملية الانتخاب مهما طال الوقت.

ولفتت الصحيفة إلى أن عددا من الكتل النيابية يتجه إلى الإعلان الرسمي عن مرشحيهم للرئاسة قبل يوم الجلسة، رغم أن بعض النواب يتوقع ألا ينجز الاستحقاق الرئاسي فيها.

من جهتها، ذكرت صحيفة "النهار" أن "حركة الكواليس النيابية والسياسية في الساعات الأخيرة شهدت تصاعد التشكيك في أن يحسم يوم 9 يناير الأزمة الرئاسية".

ووصفت الصحيفة الأيام المقبلة بأنها "الفرصة الحاسمة" لتبيّن ما إذا كانت المعطيات الداخلية وحدها سبب العجز الذي يلوح حيال احتمال عدم انتخاب الرئيس أم أن العوامل الخارجية تلعب دورا أكبر حتى من الوقائع الداخلية الصعبة.

تأتي زيارة الوفد السعودي، بعد زيارة أجراها قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون إلى الرياض، التقى خلالها وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، وحضرها يزيد الفرحان.

وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في المجال العسكري والدفاعي، وبحث مستجدات الأوضاع في لبنان والجهود المبذولة بشأنها، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس".

"كلمة السر"

وعن فرص الوفد السعودي في تحريك ملف الرئاسة وحسم انتخاب رئيس جديد للبنان، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إبراهيم حيدر، إن "الضبابية تخيم حتى الآن على المشهد، خصوصا في ظل التناقضات الحاصلة لدى الأطراف السياسية".

وأوضح حيدر لـ"الاستقلال" أن "مواقف الأطراف الداخلية متناقضة حتى الآن، لأنه ليس هناك اتفاق، فعلى مستوى المعارضة، فإنها ليست متفقة على مرشح أساسي ما يعني أنها لا تواكب الحراك الخارجي خاصة السعودي والأميركي والفرنسي بشأن الملف الرئاسي".

وأضاف الخبير اللبناني: "أما الأطراف الممانعة التي يمثلها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، فإنهم يتمسكون بمرشح ممانع وتحت عنوان أنه يجب أن يحمي ظهر المقاومة، رغم أن الأمور تغيرت بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان".

ونوه حيدر إلى أن "هناك حراكا دوليا كبيرا، وآخر عربيا متجددا تقوده السعودية، والتي قررت في وقت سابق أنها لن تتدخل في موضوع الملف الرئاسي، لكن يبدو أن الأمور تغيرت اليوم".

ورأى المحلل السياسي اللبناني أن "التحرك السعودي هدفه الأساسي الوصول إلى انتخاب لا تُناقض قراراته المقررات الدولية، ويسير في الإصلاح وينقل لبنان إلى مرحلة جديدة".

وأكد حيدر أنه "حتى على المستوى الدولي لا يوجد اتفاق على مرشح واحد، فالولايات المتحدة وفرنسا تدعمان مرشحا، بينما السعودية لم تسم أي شخصية تدعمها، لكنها تمنّت أن يكون الرئيس ذا موصفات معينة".

ورغم عدم تصريح الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بشكل رسمي عن دعمهما مرشحا بعينه، لكن موقع “إكسيوس” الأميركي، أفاد خلال تقرير له في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بأن الطرفين يدعمان تولي قائد الجيش الحالي، العماد جوزيف عون، المنصب.

وعن مدى انعكاس الأحداث الأخيرة على الواقع السياسي اللبناني، أكد حيدر أن "الحرب الإسرائيلية على لبنان، وحزب الله بالدرجة الأولى، غيرت الكثير من الأمور؛ لأن العنوان الأساسي اليوم هو تطبيق القرار 1701، وبالتالي تنفيذ وقف إطلاق النار بين الطرفين".

وذكر حيدر أن "اتفاق وقف إطلاق النار يقتضي خروج حزب الله من جنوب نهر الليطاني (30 كيلومترا من حدود إسرائيل)، وتسليم الجيش اللبناني كل المنطقة المتنازع عليها، وهناك مدة 60 يوما لحالة توقف الحرب، تنتهي في 25 يناير 2025".

وأكد الخبير اللبناني أن "مدة وقف إطلاق النار تلقي بظلالها على ملف رئيس لبنان، بالتالي يبدو أن الاستحقاق الرئاسي مرتبط فعليا به، لذلك فإن كل ما حصل في المنطقة والضربات الكبيرة التي وجهت إلى حزب الله، ستؤثر على هذا الموضوع".

وتابع: "لكن يبدو أنه لا يزال هناك تشدد إيراني قائم، وأن هناك محاولات لإعادة استنهاض وضع حزب الله، وهذا ما أعطى شحنة معينة للأخير، الأمر الذي أعاد تشديده على مرشح الرئاسة الممانع".

ورأى الخبير اللبناني أن "كلمة السر الفعلية الدولية والعربية مرتبطة بوقف إطلاق النار ودعم لبنان في موضوع الإعمار، وعليه فإن انتخاب الرئيس هو جزء أساسي من هذه العملية كلها".

وأردف: "هذا الأمر يطرح تحديا فعليا على قوى الممانعة إذا استمرت فعلا في فرض شروط معينة على مرشح وحيد، ومن ثَم سيبقى لبنان في حالة الفوضى والحصار وعدم قدرة على الخروج من أزمته".

وفي خضم ذلك، تتواصل الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، حيث بلغ عددها 816 اعتداء بريا وجويا في الفترة بين 27 نوفمبر/تشرين الثاني و22 ديسمبر/كانون الأول 2024"، وفق بيان لوزارة الخارجية اللبنانية في نهاية العام.

ورغم استمرار انتشار الجيش اللبناني في مناطق جنوب نهر الليطاني، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 4 يناير 2025، أن هناك “توقعات” بأن تنقل تلّ أبيب رسالة إلى واشنطن، بأنها “لن تنسحب من جنوب لبنان بعد انتهاء مهلة 60 يوما"، وفق ما يقتضى اتفاق وقف إطلاق النار.

"حاجة ملحة"

وفور إعلان وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني في 27 نوفمبر 2024، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “انتخاب رئيس دون تأخير”.

وقال ماكرون في رسالة مصورة نشرها حسابه على "إكس": إن "هذه مسؤولية السلطات اللبنانية وكل أولئك الذين يمارسون مسؤوليات سياسية بارزة. إن استعادة سيادة لبنان تتطلب انتخاب رئيس للجمهورية دون تأخير".

ومنذ خلوّ المنصب، أفشل حزب الله 12 جلسة برلمانية خصصت لانتخاب رئيس جديد للبلاد، كون زعيمه الأسبق حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل ببيروت في 27 سبتمبر/أيلول 2024 كان متمسكا برئيس "مطمئن للمقاومة" ورشح للمنصب زعيم تيار "المردة" سليمان فرنجية.

وبعد الهدنة في لبنان، ما يزال اسم سليمان فرنجية يتردد ضمن صفقة جديدة لإيصاله إلى سدة الرئاسة.

وعقب تحديد يوم 9 يناير 2025 موعدا جديدا لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، أجرى المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان زيارة عاجلة إلى بيروت وقال في ختامها إن هناك "حاجة ملحة" لانتخاب الرئيس. 

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية في 29 نوفمبر 2024 قبل رحيله من بيروت: "جئت إلى لبنان فور إعلان وقف إطلاق النار لإبداء دعم فرنسا لتطبيقه بالكامل ولتأكيد الضرورة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية واستئناف العملية المؤسساتية".

وأفاد مصدر دبلوماسي فرنسي للوكالة بأن لودريان أراد من زيارته إلى لبنان في هذا التوقيت "إعادة طرح موضوع الانتخابات الرئاسية والحاجة إلى إصلاحات من أجل تعافٍ مستدام للبلاد".

وذكر أن انتخاب رئيس جديد للبنان يراه المراقبون أنه كان من ضمن بنود اتفاق وقف النار غير المذكورة.

وعن مدى ارتباط قضية حسم الملف الرئاسي مع هدنة الـ60 يوما، رأى الباحث السياسي ربيع دندشلي، أن “وقف إطلاق النار بلبنان من ضمن بنوده غير المذكورة انتخاب رئيس خلال شهر لاستكمال عملية تطبيق الاتفاق وقراراته التي ستنتج عنه”، ثم الذهاب إلى تشكيل حكومة والنظر في إعادة الإعمار وكيفية التعاطي مع المجتمع الدولي وإعطاء الصلاحيات للجنة الدولية التي ستشكل لمراقبة تنفيذ قرار وقف النار".

وأضاف دندشلي خلال مقابلة تلفزيونية في 28 نوفمبر 2024 أنه “يجرى إعادة العمل في الدستور اللبناني ومنع تعطيلات الانتخاب عبر البحث عن توافقات بين الكتل”.

ولفت إلى أن "المساعدات العربية والدولية إلى لبنان لن تتدفق طالما أن هناك شغورا رئاسيا، وهذه الهدنة باتت تسمح أكثر من أي وقت مضى بانتخاب رئيس جديد".

في هذا السياق، أعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن أمله بأن تكون الهدنة "صفحة جديدة في لبنان تؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية"، فيما دعا رئيس البرلمان نبيه بري إلى "الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية".

ويقوم العرف السياسي في لبنان على أن يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية، بينما يعود منصب رئيس الحكومة للطائفة السنية، ورئيس مجلس النواب للطائفة الشيعية.

وينص الدستور اللبناني في المادة 49 منه، أن "رئيس الجمهورية يُنتخب في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين 86 نائبا، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات (الجولات) التالية".