كيف تنظر واشنطن إلى مشاريع عبدي والهجري لتقسيم سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

شكل انفتاح الولايات المتحدة على القيادة السورية الجديدة، استدارة كاملة في تعاطي واشنطن مع هذا البلد العربي الذي يسعى لتوحيد كامل الأراضي السورية وتدوير عجلة الاقتصاد والنمو.

وتحتفظ الولايات المتحدة عبر نفوذها السياسي بغالبية المفاتيح التي تحتاجها سوريا لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي من جديد.

وقد فتحت إدارة الرئيس دونالد ترامب كثيرا من الأبواب أمام دمشق لتحقيق هذا الاندماج سواء السياسي أو الاقتصادي، لكن ذلك لم يكن بدون ثمن وضغوط.

"بناء الرخاء"

أمام ذلك، فإن الرؤية الأميركية تجاه سوريا الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، لا تزال غير صلبة ولا تتسم بالمرونة.

فبينما تمارس واشنطن “لعبة التوازن” مع سوريا الجديدة، فقد سلمت دمشق جملة من الطلبات تعكف على تنفيذها، وتحمل بعضها أدوات ضغط غير مباشرة على حكام البلاد الجدد.

ومنذ تعيين ترامب سفير بلاده في أنقرة توم باراك بمهمة المبعوث إلى سوريا في 23 مايو/أيار 2025، لم يتوان هذا الرجل عن إيصال الرسائل الأميركية المباشرة عبر لقاءات متكررة إلى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وكذلك إلى الأطراف الفاعلة في الملف السوري. 

وفي أحدث تصريح لباراك، قال: "سنواصل العمل على بناء الرخاء في سوريا بالتعاون مع الأصدقاء والشركاء".

وأضاف في منشور له على حسابه بمنصة "إكس" في 26 يوليو/تموز 2025 أن "سوريا المستقرة والآمنة والموحدة تُبنى على أساس جيران وحلفاء عظماء".

وجاء تصريح مبعوث ترامب في وقت ارتفعت فيه الدعوات الانفصالية أو التمتع بالحكم الذاتي في الجنوب السوري وتحديدا محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.

إذ ما يزال رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء السورية، حكمت الهجري، يسعى بدعم إسرائيلي علني، لخلق واقع جديد في سوريا يقود لعزل المحافظة المذكورة وجعلها بعيدة عن سلطة دمشق المركزية.

وتمثل ذلك بطلب الهجري خلال بيان في 16 يوليو 2025 من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إنقاذ السويداء"، في استقواء علني بعدو السوريين ومن يحتل أرضهم.

كما رفض الهجري بسط الدولة الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في السويداء، لا سيما بعد تقدم قوات الأمن نحو المحافظة في 13 يوليو 2025 لإعادة الاستقرار إليها، إثر اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.

وقد كان لافتا أن إسرائيل استجابت لدعوات الهجري، إذ شن الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، في 16 يوليو شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.

كما أكد قائد الأمن الداخلي السوري في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، أن أكثر من 200 عنصر من وزارتي الدفاع والداخلية قتلوا نتيجة للقصف الإسرائيلي في اليوم الأول فقط من المواجهات بمدينة السويداء وريفها مع مليشيا الهجري، في حين أُصيب أكثر من 400 آخرين.

وبعد سقوط نظام بشار الأسد، كافحت الولايات المتحدة لإيجاد إستراتيجية جديدة لها في سوريا، تحمي مصالحها هناك على المدى الطويل.

فقد أصدر الرئيس دونالد ترامب نهاية يونيو/حزيران 2025 أمرا تنفيذيا لإلغاء معظم العقوبات المفروضة على سوريا بشكل دائم.

وسبق ذلك، إصدار وزارة الخزانة الأميركية في 23 مايو 2025، ترخيصا عاما يسمح للمواطنين والشركات الأميركية بإجراء معاملات مالية مع المؤسسات السورية، بما في ذلك مصرفها المركزي. 

كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن إعفاء لمدة ستة أشهر من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019.

وقد بدأت مكاتب الكونغرس من كلا الحزبين بصياغة تشريع من شأنه إلغاء قانون "قيصر" للعقوبات المفروض على سوريا منذ 17 يونيو 2020.

وبحسب المبعوث الأميركي لسوريا، فإن إدارة ترامب تعتزم تمديد إعفاءها حتى يلغي الكونغرس القانون بالكامل.

وأمام ذلك، يخشى منتقدو نهج إدارة ترامب من أن رفع جميع العقوبات دفعة واحدة لن يمنح الولايات المتحدة نفوذا كبيرا على الحكومة السورية الجديدة لتحفيز السلوك الجيد.

ومنذ تولي باراك مهمته بسوريا شدد على أن الإدارة الأميركية تتبنى "نهجا مدروسا" تجاه هذا البلد. وأضاف أن "هناك مجموعة من المعايير التي نريد مراقبتها على طول الطريق".

"تطوير أداء الحكومة"

وقد بعثت الولايات المتحدة برسائل سياسية حادة اللهجة باتجاه دمشق، معبرة عن استيائها من التطورات الأخيرة في السويداء.

إذ قال توم باراك في 21 يوليو 2025:  إنه "يجب محاسبة الحكومة السورية على أحداث السويداء"، وحملها "مسؤولية حماية الأقليات".

ومن بيروت، دعا باراك في مقابلة مع وكالة رويترز البريطانية في 22 يوليو 2025،  الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى "تقويم سياساته وتبني نهج أكثر شمولا وإلا فسيكون مهددا بفقدان الدعم الدولي وتفتيت البلاد"، وذلك على خلفية أحداث السويداء.

وقال باراك: إنه نصح الشرع في "مناقشات خاصة بمعاودة النظر في تكوين الجيش قبل الحرب وتقليص نفوذ الإسلاميين وطلب المساعدة الأمنية الإقليمية".

ولفت إلى أنه "من دون تغيير سريع، فإن الشرع يخاطر بفقدان القوة الدافعة التي أتت به ذات مرة إلى السلطة".

ومضى المبعوث الأميركي يقول: "إنه يتعين على الشرع القول سأتأقلم سريعا؛ لأنني إن لم أفعل فسأفقد طاقة الكون التي كانت تقف ورائي". 

وبدا واضحا أن واشنطن تستخدم التحذيرات كأداة للضغط على الإدارة السورية الجديدة، التي تقودها جماعة كانت تصنفها واشنطن سابقا كـ"منظمة إرهابية".

فقد ألغت إدارة الرئيس دونالد ترامب في 7 يوليو 2025 تصنيف جماعة "هيئة تحرير الشام" “منظمة إرهابية أجنبية” التي كان يقودها الشرع باسم مستعار هو "أبو محمد الجولاني".

كما أن الولايات المتحدة رفضت التوقيع على إعلان "مؤتمر دعم سوريا" الذي استضافته باريس، في فبراير/شباط 2025 وضم دولا عربية وأوروبية وتركيا والولايات المتحدة الأميركية واليابان وهيئات إقليمية ودولية.

وأرجع مراقبون حينها أن واشنطن تراقب أداء السلطة الجديدة في دمشق بحيث لا تكون وعودها بتطبيق "مشروع وطني لبناء الدولة" مجرد "التزامات شفهية".

وضمن هذا السياق، يؤكد الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، الذي يعيش في واشنطن منذ انشقاقه عن نظام الأسد، أن "جهود الولايات المتحدة تتركز في دعم كل ما يتعلق بالدفع بالاستثمارات الأميركية الخاصة تجاه سوريا".

وأضاف بربندي لـ “الاستقلال”: "وكذلك الدفع لإلغاء كل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا بما فيها قانون قيصر قبل نهاية عام 2025".

ولفت إلى أن “الولايات المتحدة ليست بوارد التدخل بالشأن السوري الداخلي وتفضل حل السوريين لمشاكلهم مع بعضهم”.

وهي من الممكن أن تلعب دور الوسيط، علاوة على أنها تعمل على تقديم النصح للقيادة الجديدة، كما أن الولايات المتحدة لن تصرف الأموال لإعادة البناء والإعمار في سوريا.

ونوه بربندي إلى أن "الكرة في ملعب الحكومة السورية لطمأنة الأقليات والسوريين بشكل عام، حيث تراقب الولايات المتحدة بدقة كل تفاصيل المشهد السوري، ويبقى شعارها الاقتصاد هو الأساس لاستقرار سوريا".

وعد الدبلوماسي السوري السابق أن "الرئيس ترامب أخذ مخاطرة كبيرة بسياسته تجاه سوريا، ويتوقع الحصول علِى نتائج إيجابية تحقق الأهداف التي أعلنها أكثر من مرة وعلى رأسها القضاء على تنظيم الدولة".

وأشار إلى أن  "النقاشات الأميركية تدور حول كيفية دعم تطوير أداء الحكومة السورية لمواكبة الفرص الاقتصادية المتاحة بما في ذلك تطوير المؤسسات القانونية والخدماتية والمالية وإشراك كل مكونات الشعب لضمان الاستقرار"، منوها إلى أن "السعودية وتركيا  لهما دور كبير لدعم استقرار سوريا".

وأكد بربندي أنه "على الحكومة السورية اتخاذ المزيد من الإجراءات التنظيمية وتطوير القوانين لتساعد الولايات المتحدة على رفع اسم سوريا من الدول الراعية للإرهاب".

وراح يقول: “البنك الدولي لديه برنامج خاص لدعم الحكومات التي لديها مشاكل بتطوير البنى التحتية لمكافحة الإرهاب والفساد وسوء الإدراة وتقوية النظام المصرفي وقوانين العمل والتجارة وتحقيق الشفافية”، مبينا أنه "يمكن لسوريا طلب المساعدة الدولية، مما سيعطي انطباعا دوليا إيجابيا".

وبخصوص التوتر الإسرائيلي السوري، قال بربندي: “إن واشنطن تدعم اتفاق عدم اعتداء بين الجانبين”، دون التحدث الآن عن أي اتفاق سلام حاليا.

والتحدي الأكبر في الوقت الراهن لدى الولايات المتحدة يتمثل في الموازنة بين أن يسهم تطبيع علاقاتها مع سوريا في استقرارها، وأن تمنع الانتهاكات الإسرائيلية ورغبة تل أبيب في أن تبقى البلاد مفككة.

لا سيما أن سوريا التي كانت في عهد نظام الأسد منبوذة من الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، تبرز كدولة محورية محتملة في الشرق الأوسط.

كما أنه بابتعاد سوريا عن إيران، تقترب دمشق بشكل أكبر من دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا يشير إلى إمكانية انضمامها إلى محور عربي مُتحالف مع الولايات المتحدة، وفق الخبراء.

"ترتيب الأولويات"

ويرى مراقبون أن أولويات الولايات المتحدة تمتد إلى ما هو أبعد من مهمة محاربة تنظيم الدولة وتشمل الحفاظ على النفوذ في الوقت الذي يتشكل فيه مستقبل سوريا واقتصادها.

كما تشير المعطيات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة بدأت فعليا تقليص التزاماتها العسكرية في سوريا، ضمن مقاربة أوسع لإعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية.

وظهر هذا التوجه في إعلان وزارة الدفاع الأميركية نيتها نقل مسؤولية مكافحة تنظيم الدولة وإدارة السجون التي تحوي عناصرها شمال شرقي البلاد وتتولاه حليفتها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى عهدة الحكومة السورية.

وهو ما يعكس رغبة واشنطن في التخفف من عبء هذا الملف الذي تولته "قسد" بدعم أميركي مباشر خلال السنوات الماضية.

لكن قوات “قسد” تواصل تعنتها في مسألة الانخراط في الدولة السورية الجديدة، وتسليم مناطقها لدمشق، في مراهنة واضحة على "المشاريع الانفصالية".

فقد كشفت جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة السورية الجديدة و"قسد" برعاية أميركية بدمشق، في 9 يوليو 2025 عدم جدية المليشيا بتطبيق الاتفاق الذي وقعه قائدها مظلوم عبدي مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في 11 مارس/آذار من نفس العام.

يقضي الاتفاق بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

وقد عاد المبعوث باراك، وشدد في 12 يوليو 2025 بالقول: إن "قسد" ستواجه مشاكل مع الحكومتين التركية والسورية إذا لم تتحرك بسرعة فيما يتعلق بقضية الاندماج في مؤسسات الدولة السورية.

وسبق ذلك بأيام قول باراك إن هناك طريقا واحدا أمام قوات قسد وهو الطريق إلى دمشق، موضحا أن "الفيدرالية لا تعمل في سوريا".

وأضاف باراك لوكالة “روداو” أن الحكومة السورية أبدت حماسا بشكل لا يُصدق لضم "قسد" إلى مؤسساتها ضمن مبدأ دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة.

اللافت أن واشنطن سمحت أخيرا ببدء تحالف استثماري من ثلاث شركات أميركية كبرى هي “بيكرهيوز، وهانت إنرجي، وآرجنت” مع وزارة الطاقة السورية لإعادة تأهيل وتطوير قطاع النفط والغاز.

وبحسب ما ذكرت قناة سي إن بي سي عربية في 26 يوليو 2025 فإن الخطة الإستراتيجية لإنعاش وتطوير قطاع النفط والغاز السوري، تتضمن إطلاق شركة SyriUs Energy لإعادة بناء قطاع الطاقة بالبلاد.

والخطة التي تأتي في خمس مراحل تنفيذية بدءا من استعادة الأصول وتأهيلها ووصولا إلى التصدير والعلاقات التجارية الأوسع نطاقا- تشمل إطلاق كيانات جديدة من بينها إنشاء كيان قانوني يُدرج في البورصة الأميركية، على أن يمتلك صندوق سيادي خاص بالطاقة في سوريا 30 بالمئة منه.

ويقود الرئيس التنفيذي لشركة أرغنت للغاز الطبيعي المسال، جوناثان باس، جهودا مع واشنطن ودمشق لتمرير الخطة التي تسعى "لاستعادة قطاع النفط والغاز السوري، واستقراره وتنميته بصفته حجر الزاوية في التعافي الوطني وأمن الطاقة والسيادة الاقتصادية".

وتحتاج سوريا إلى استثمارات أجنبية كبيرة في قطاعها النفطي لإعادة تشغيله وتجديده وتحديثه.

لكن وجود 90 بالمئة من النفط والغاز السوري تحت سيطرة قسد، يشكل تحديا إضافيا لواشنطن لتمكين الدولة السورية من إدارة كامل موارد البلاد لتحقيق التعافي وتحسين عيشة المواطن في وقت يعيش فيه أكثر من 90 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر، بحسب تقديرات منظمات دولية.

ولأن الولايات المتحدة لا تملك صلاحية توقيع عقود إيجار طويلة الأجل مع قوات قسد لغياب الاعتراف الدولي بإدارتهم، فإن واشنطن تدرك أن نجاح مشروع إنعاش وتطوير قطاع النفط والغاز السوري يرتبط بمدى مساعدة الحكومة السورية على استعادة وحدة البلاد وإدارة مقدراتها.