السودان والبحر الأحمر.. خيوط التنافس السعودي الإماراتي في ظل الإستراتيجية الأميركية

تبقي أبوظبي لاعبا لا يمكن الالتفاف عليه في معارك القرن الإفريقي، مهما لوحت واشنطن بعصا العقوبات
على خطوط التماس الخفية الممتدة بين دارفور والبحر الأحمر وخليج عدن، تتقاطع مصالح إقليمية ودولية تُسهم في صياغة حرب السودان بقدر ما تُشعلها على أرضه. فبينما تدين واشنطن علنًا الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع المتمرّدة في الفاشر وتطالب بوقف تدفّق السلاح إليها، تعتمد في الخفاء على منشآت عسكرية إماراتية في القرن الإفريقي لإطلاق عملياتها ضد تنظيم الدولة في الصومال.
هذا التناقض الجوهري الذي يكشفه تحقيق موقع ميدل إيست آي البريطاني بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، يستند إلى معطيات استخباراتية ودبلوماسية تتقاطع مع شهادات ميدانية، ويفتح الباب أمام أسئلة عميقة حول طبيعة "العمليات الرمادية" الأميركية وكيفية استخدامها قواعد إماراتية يُتَّهم بعضها بدعم القوة نفسها التي تقول واشنطن: إنها تسعى إلى كبحها.
قصة تداخل الأدوار بين الإمارات والولايات المتحدة والسعودية في السودان والصومال ليست مجرد حدث عابر، بل شبكة مصالح متشابكة تمتد من بوصاصو إلى أبوظبي، ومن الفاشر إلى جيبوتي، وتهدد بإعادة رسم موازين القوى في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

إشارات روبيو
لم يُسمِّ وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الإمارات صراحة عندما خرج من اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع قرب شلالات نياجارا، المنعقد في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025. واكتفى بالقول: إن واشنطن “تعرف الجهات التي تزوّد قوات الدعم السريع بالسلاح، وإن هذا الدعم يجب أن يتوقف”.
لكن عندما واجهه أحد الصحفيين بسؤال مباشر: "لكن الإمارات تزوّدهم بطائرات مسيّرة، بطائرات مسيّرة صينية"، لم ينفِ روبيو ذلك. بل لجأ إلى لغة دبلوماسية حذرة قائلا إنه لا يريد تسمية أي طرف في مؤتمر صحفي؛ “لأن الهدف هو الوصول إلى نتيجة جيدة”.
بين السطور كانت الرسالة واضحة: واشنطن تعرف، لكنها لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع حليف إستراتيجي مثل أبوظبي.
وفي الكواليس، بدا المشهد أكثر وضوحًا؛ إذ تحدثت مصادر في واشنطن إلى ميدل إيست آي عن بحث وزارة الخارجية الأميركية فرض حزمة جديدة من العقوبات تستهدف شخصيات محورية تربط بين قوات الدعم السريع- المتهمة حديثًا بارتكاب فظائع واسعة في مدينة الفاشر- وبين الإمارات التي كانت الراعي الأبرز لهذه القوات لسنوات.
الفاشر، عاصمة شمال دارفور، تحوّلت في الأسابيع الأخيرة إلى رمز لدموية الحرب، مع تقارير عن عمليات اغتصاب جماعي، وقتل ونهب واختطاف، وصور أقمار صناعية تُظهر بركًا من الدم المتجلّط في الشوارع.
وفي محيط المدينة، يوجد نحو 650 ألف مدني وأكثر من 300 عامل إغاثة أجنبي في منطقة طويلة غرب الفاشر. ويقول مراقبون دوليون: إن هؤلاء جميعًا يواجهون خطرًا داهمًا بعد إقامة قوات الدعم السريع نقطة تفتيش لا تبعد سوى عشرين كيلومترًا عن المنطقة.
هذه الفظائع أعادت تسليط الضوء- شعبيا وسياسيا- على الدور الإماراتي في الحرب السودانية.
وبينما تواصل أبوظبي نفيها تزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، تتراكم أدلّة ميدانية ورقمية وبشرية تشير إلى العكس: صور أقمار صناعية، وأرقام تسلسلات أسلحة، وبيانات تتبّع رحلات جوية إلى جانب شهادات قادمة من داخل السودان وخارجه.
غير أن هذه الأدلة شديدة الحساسية؛ لأنها تنال حليفًا مقربًا من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، وفاعلا ماليا وعسكريا محوريا في الإقليم.
وفي هذه اللحظة المشحونة، برز عامل إضافي زاد المشهد تعقيدًا: ضغوط مباشرة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقد انفردت وكالة رويترز، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بالكشف عن هذه الضغوط، قبل أن يعلن ترامب بعد ذلك أن الولايات المتحدة ستبدأ العمل على ملف السودان.
عند هذه النقطة، لم يعد الأمر مجرّد خلاف ثنائي بين واشنطن وأبوظبي، بل صراع نفوذ مفتوح بين السعودية والإمارات على مستقبل السودان والبحر الأحمر، تحاول واشنطن إدارته بحذر دون أن تخسر أيا من الطرفين.
في قلب هذه المفارقة الجيوسياسية تقف مدينة بوصاصو الساحلية في إقليم بونتلاند شبه المستقل بالصومال.
المدينة المطلة على واحد من أكثر الممرات البحرية أهمية في العالم- الممتد من قناة السويس عبر البحر الأحمر وخليج عدن وصولا إلى المحيط الهندي- تبدو للوهلة الأولى مدينة تجارية هادئة. وقد وصفها أحد الرحالة بأنها أشبه بمدينة متوسطية صغيرة، بمبانيها الجميلة وقواربها التي تتناثر في عرض البحر.
لكن بوصاصو اعتادت خلال العامين الماضيين مشهدًا مختلفًا تمامًا: طائرات شحن ضخمة تهبط بانتظام على مدرج مطارها، تحت أنظار قوات أمن محلية ومستشارين أجانب.
هذا المطار إلى جانب الميناء، جرى تطويره بتمويل وإشراف إماراتي خلال السنوات الماضية، قبل أن يبدأ الأميركيون باستخدامه منصةً لشن عمليات مكافحة الإرهاب ضد مقاتلي تنظيم الدولة الذين وصلوا إلى الصومال من سوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.
مصادر أميركية مطّلعة على هذه العمليات، إضافة إلى مسؤولين في إدارة بونتلاند، يؤكدون أن الإمارات استخدمت بوصاصو مركزًا لتموين قوات الدعم السريع في السودان، في الوقت الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة لإطلاق عملياتها ضد أهداف داخل الصومال.
وقبل ثلاثة أيام فقط من إدانة ماركو روبيو لجرائم قوات الدعم السريع في الفاشر ومطالبته بوقف إمدادها بالسلاح، نفذت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) ضربة جوية استهدفت تنظيم الدولة في الصومال قرب كهف غولغول، على بُعد 32 كيلومترًا جنوب شرق بوصاصو.
ومنذ تولّي ترامب السلطة مطلع 2025، شهدت حرب واشنطن على الجماعات المسلحة في الصومال تصعيدًا غير مسبوق؛ إذ نفذت إدارته هذا العام 99 ضربة، مقابل 51 ضربة في عهد بايدن، وفق مركز نيو أميركا البحثي. وبعض هذه الضربات انطلق من سفن حربية، لكن جزءًا مهمًا منها يرتبط بمنظومة عمل أوسع تتداخل فيها القواعد الأميركية الرسمية- مثل قاعدة ليمونيه في جيبوتي- مع مرافق إماراتية في بوصاصو وبربرة على ساحل أرض الصومال.

حسابات واشنطن
يُظهر تحليل بيانات تتبّع الطيران بعض خيوط هذه الشبكة المعقدة؛ ففي 29 يوليو/تموز 2025 حلّقت طائرة نقل عسكرية أميركية من طراز KC-130J تابعة لمشاة البحرية، وتحمل الرقم 170283، من قاعدة ليمونيه في جيبوتي إلى بوصاصو، ثم واصلت طريقها إلى مومباسا قبل أن تعود مجددًا إلى جيبوتي.
قاعدة ليمونيه- أكبر قاعدة عسكرية أميركية في إفريقيا- باتت تضج بحضور عسكري متعدد الجنسيات، من الصين إلى فرنسا، الأمر الذي يدفع واشنطن إلى تنويع خياراتها والاعتماد على مرافق بديلة في القرن الإفريقي وعلى ضفاف البحر الأحمر، وفي مقدمتها بوصاصو وبربرة.
هذه الخلفية تفسّر جانبًا من الحسابات الأميركية المعقّدة تجاه الإمارات. فكما تقول المحللة السودانية خلود خير، مديرة مركز كونفلونس أدفايزوري، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى لعب دور الحكم بين السعودية والإمارات، وهو دور لم تُجبَر عليه بهذه الصورة من قبل.
إدارة ترامب منخرطة بعمق مع الطرفين؛ فهي ترتبط مع الإمارات بمصالح سياسية وأمنية مرتبطة بإسرائيل، وبصفقات استثمارية تمس عائلة ترامب نفسها، من مشاريع إعادة إعمار غزة إلى استثمارات الذكاء الاصطناعي.
وفي المقابل، ترتبط مع السعودية بمصالح اقتصادية ومالية طويلة الأمد، فضلًا عن دور سعودي محوري محتمل في تمويل أي تسوية أو عملية إعادة إعمار في غزة والسودان.
ويلخص كاميرون هدسون- المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والمحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية- هذه المفارقة بقوله:
“في بوصاصو يوجد تحالف تكتيكي وعملياتي بين الولايات المتحدة والإمارات، وتحالف أيديولوجي أيضًا في مواجهة الإسلام الراديكالي.”
لكنه يضيف أن هذا التحالف يخلق تعقيدات ضخمة عندما تنتقل واشنطن إلى ملف السودان؛ فكيف يمكنها أن تضغط على الإمارات في الخرطوم، وهي تعتمد في الوقت ذاته على منشآتها في بونتلاند وأرض الصومال واليمن لملاحقة تنظيم الدولة والقاعدة والحوثيين؟
وللإجابة عن هذا السؤال، لا بد من النظر إلى شبكة القواعد التي نسجتها الإمارات خلال السنوات الأخيرة حول البحر الأحمر وخليج عدن.
تحليل لصور الأقمار الصناعية أجرته ميدل إيست آي يظهر وجود عمليات عسكرية واستخباراتية في جزيرتي عبد الكوري وسمحة- وهما جزء من أرخبيل سقطرى الخاضع اليوم لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا- إضافة إلى نشاط مماثل في مدينة المخا على الساحل اليمني، وجزيرة ميون البركانية في مضيق باب المندب، الذي تمر عبره نحو 30% من إمدادات النفط العالمية.
وعلى الجانب الإفريقي، تمتد هذه الشبكة إلى بوصاصو وبربرة، وصولا إلى منشآت داخل السودان نفسه.

جسر جوي
بين مارس/آذار 2024 وأغسطس/آب 2025، كشف تحليل بيانات تتبع الطيران عن هبوط 77 رحلة جوية في بوصاصو، مما يشير إلى تحوّل المدينة إلى جزء ثابت من الجسر الجوي الإماراتي نحو السودان.
خلال تلك الفترة، تكرر ظهور طائرتي نقل من طراز IL-76 تحملان الرقمين EX-76015 وEX-76019، تشغلهما شركة "نيو واي كارغو إيرلاينز" المسجلة في قيرغيزستان.
هبطت الطائرتان عشرات المرات في بوصاصو قادمتين من إمارة رأس الخيمة أو من قاعدة الظفرة في الإمارات. في بعض الرحلات، كانت الطائرات تخفي إشاراتها في أجزاء من المسار، في نمط يوحي بتعمد التمويه، وهو سلوك تكرر في عمليات نقل مرتبطة بالإمارات في اليمن وليبيا والسودان.
قائد رفيع في قوات الشرطة البحرية في بونتلاند، يعمل في مطار بوصاصو، وصف عمليات نقل مواد لوجستية ثقيلة غير معلنة من وإلى طائرات IL-76، وتحدث عن رحلات متكررة وشحنات تُفرغ إلى طائرة أخرى في حالة استعداد متجهة إلى قوات الدعم السريع عبر دول مجاورة، إضافة إلى إجراءات حراسة مشددة ووجود مرتزقة كولومبيين في بوصاصو.
بالتوازي، أظهرت بيانات من مواقع مثل "فلايت رادار 24" رحلات مباشرة للطائرة EX-76015 بين أبوظبي وإثيوبيا في سبتمبر/أيلول 2024 ثم فبراير/شباط 2025.
كما رُصدت رحلات أخرى بين بوصاصو وميناء العقبة في الأردن، إضافة إلى رحلات طائرات تابعة لشركتي "جيليكس إيرلاينز" و"Sapsan Airlines" من بوصاصو إلى الكفرة وبنغازي في ليبيا.
تجدر الإشارة إلى أن القائد العسكري خليفة حفتر، الحليف الإماراتي في ليبيا، تشير تقارير إلى أن مرتزقة مرتبطين به قاتلوا إلى جانب قوات الدعم السريع في المثلث الصحراوي الحدودي بين ليبيا ومصر والسودان.

المبروكة 2
على الضفة البحرية، رصدت بيانات حركة الملاحة بين أغسطس 2023 وأغسطس 2024 سفينة إماراتية تحمل اسم "المبروكة 2"، ترفع علم سانت كيتس ونيفيس، تتحرك من موانئ الإمارات باتجاه خليج عدن، متوقفة في جزيرتي عبد الكوري وسقطرى قبل أن تواصل طريقها إلى بوصاصو.
وتزامنت زيارات السفينة مع خطوات إماراتية لتعزيز البنية القاعدية في المدينة. كما ظهرت سفن أخرى مثل "تكريم" و**"يم 1"** تتحرك بين الموانئ الإماراتية وقواعد الجزر اليمنية على خليج عدن والبحر الأحمر، في ما يبدو أنه جانب بحري مكمل للجسر الجوي.
هذا النشاط المزدوج الجوي والبحري، مرتبط بحضور إماراتي مباشر داخل السودان نفسه.
فبحسب مصادر التحقيق، تمتلك الإمارات قاعدتين عسكريتين داخل السودان: الأولى في نيالا بجنوب دارفور، والثانية في منطقة المالح التي تبعد نحو 200 كيلومتر عن الفاشر.
تشكل هذه القواعد، مع الجسرين البحري والجوي، منظومة متشابكة من المدارج، والحظائر، ومنشآت الاستخبارات، ومستودعات الذخيرة، توحي بوجود غرفة عمليات إقليمية واحدة تديرها أبوظبي لربط البحر الأحمر وخليج عدن بعمق دارفور.

تنافس سعودي إماراتي
لكن هذه الخلفية الإستراتيجية للانتشار الإماراتي في المنطقة لا تنفصل عن التنافس السعودي الإماراتي.
فالسودان بساحله الممتد لمسافة 750 كيلومترًا على البحر الأحمر قبالة السواحل السعودية، وموارده الزراعية الهائلة وذهبّه الذي تتجه نحو 90% من صادراته الرسمية إلى الإمارات، يمثل ساحة مثالية لمشروع تمدد إماراتي.
هذا المشروع، كما يوضح أمجد فريد الطيب، مدير مركز فكرة السوداني للسياسات العامة، يقوم على خلق مناطق عدم استقرار ثم السيطرة على الموانئ، في تكرار لنموذج إمبراطوري بريطاني قديم.
ويضيف الطيب أن هذا المشروع لا يتماشى مع الخطة السعودية طويلة الأمد لما بعد النفط التي ترتكز على استقرار البحر الأحمر واستثماره كعمق اقتصادي وأمني لرؤية 2030.
من منظور واشنطن، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا.
يرى جلال حرشاوي، المحلل المتخصص في شمال إفريقيا والاقتصاد السياسي، أن ترامب كان تاريخيًا أكثر إعجابًا وتعاطفًا مع السعودية، وأن تغاضي واشنطن عن تصرفات الإمارات هو ظاهرة حديثة مقارنة بالعلاقة الطويلة مع الرياض.
بل إن بعض الأصوات في العاصمة الأميركية باتت تنظر إلى الإمارات كشركة ناشئة نزقة، تشبه إسرائيل في نمط سلوكها الإقليمي.
في المقابل، يمنح موقع السعودية كممول أساسي محتمل لإعادة إعمار غزة والسودان، وكمفتاح لأي صفقة كبرى في الشرق الأوسط، وزنًا إضافيًا لموقفها في حسابات الإدارة الأميركية.

عامل حاسم
وسط كل هذا المشهد المعقّد، يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرة أخرى كعامل حاسم؛ فقد كتب على منصته “تروث سوشال” أن فظائع هائلة تُرتكب في السودان، وأن بلاده ستعمل مع السعودية والإمارات ومصر وشركاء آخرين لإنهاء هذه الانتهاكات وتحقيق الاستقرار.
لكن بينما كانت هذه الكلمات تُنشر للعالم، كانت طائرة أخرى من طراز IL-76 تقترب من مدرج بوصاصو، تهبط بقوة، ويتردد دوي محركاتها في أنحاء المدينة التي تحولت إلى عقدة لوجستية في مشروع متعدد الأذرع.
في عالم تُحكمه شخصيات قوية مثل ترامب ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، تبدو القرارات الكبرى أكثر قربا من صفقات تُبرم بين نخب، منها إلى سياسات مؤسسية مستقرة.
فالإمارات ليست دولة ذات بيروقراطية ضخمة تُناقش فيها السياسات لفترات طويلة، بل هي نظام مركزي يتخذ قراراته بسرعة ويتحرك عبر شبكة من الشركاء والوسطاء.
لكن واشنطن نفسها، خصوصا في زمن ترامب، تميل إلى عقد الصفقات بطريقة مماثلة، بعيدا عن الأطر التقليدية لصنع السياسة الخارجية.
هكذا تتجلى المفارقة في بوصاصو: من جهة، تريد الولايات المتحدة أن تبدو حازمة في ملف السودان، تلوّح بالعقوبات وتدين جرائم قوات الدعم السريع، وتعد بالعمل مع الرياض والقاهرة وأبوظبي لإنهاء الفظائع.
ومن جهة أخرى، تعتمد ميدانيًا على قاعدة مطورة إماراتيًا، وعلى شبكة قواعد وسفن وطائرات مرتبطة بأبوظبي لتسيير عملياتها في الصومال، ومراقبة البحر الأحمر وخليج عدن، ورصد الحوثيين وتنظيم الدولة والقاعدة.
في هذا السياق، يطرح المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية كاميرون هدسون سؤالًا جوهريًا:
كيف يمكن لأي طرف أن يميز بين المعدات التي تذهب إلى قوات الدعم السريع، وتلك التي تُستخدم في عمليات مكافحة الإرهاب، حين تكون هناك مخازن مليئة بالعتاد القاتل؟
بالنسبة له، هذا هو الذكاء الإماراتي؛ فهو يوفر غطاءً مثاليًا يخلط بين العمليات البيضاء والسوداء، لتتحول كلها إلى عمليات رمادية تستمر بلا نهاية.
وفي الوقت نفسه، تظل أبوظبي لاعبًا لا يمكن تجاوزه في معارك القرن الإفريقي والبحر الأحمر، مهما تعالت بيانات الإدانة أو لوّحت واشنطن بعصا العقوبات.
المصادر
- Exclusive: Sudan's RSF took blood from civilians trying to flee el-Fasher
- مصادر: ولي العهد السعودي يعتزم الضغط على ترامب للتدخل لإنهاء حرب السودان
- القواعد الإماراتية التي تسلح الدعم السريع تموّل “العمليات الرمادية” الأميركية في الصومال؟
- تاريخ تدخلات أميركا العسكرية بالصومال منذ 33 عاماً
- How UAE bases arming Sudan's RSF support US 'grey ops' in Somalia











