التحالف السري بين دمشق والتحالف الدولي.. صراع خفي لإبادة "تنظيم الدولة"

"دمشق استفادت من البنية المعلوماتية التي طورها التحالف منذ 2014"
شهدت سوريا توسعا واضحا في عملياتها لمكافحة تنظيم الدولة خلال الفترة الأخيرة، في مؤشر قوي على استفادة دمشق من المعلومات الاستخباراتية التي توفرها لها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وجاء هذا التطور عقب انضمام سوريا رسميا إلى "التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة" في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لتصبح العضو رقم تسعين في هذا التحالف الذي يضم دولا من مختلف أنحاء العالم.
وقد تمّ التوقيع على هذه الخطوة ضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن في العاشر من نوفمبر 2025؛ حيث التقى خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتعد هذه الخطوة علامة بارزة على تحول مهم في السياسة السورية الإقليمية والدولية، في ظل توتر مستمر في المنطقة، وتعكس رغبة النظام في إعادة بناء علاقاته مع المجتمع الدولي، خصوصًا مع الولايات المتحدة، من خلال التعاون في ملف مكافحة الإرهاب الذي يشكل تهديدا مشتركا.
كما أن انضمام دمشق إلى التحالف الدولي قد يفتح المجال أمام المزيد من التنسيق العملياتي والاستخباراتي بين سوريا والدول الأعضاء، ما قد يؤدي إلى تعزيز القدرات الأمنية السورية في مواجهة تنظيم الدولة، والحد من تمدده في المناطق التي كانت تسيطر عليها سابقا.

عمليات سريعة
شكل انضمام سوريا رسميا إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة في 13 نوفمبر 2025 تحولا إستراتيجيًا هاما في مسار الدولة السورية الجديدة، خصوصا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024. يعكس هذا التحول إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية والدولية لسوريا، وتوجهها نحو تكثيف التعاون الأمني والاستخباراتي مع المجتمع الدولي لمواجهة التهديد الإرهابي.
منذ سقوط حكم بشار الأسد، نفذت قوات التحالف الدولي قرابة خمس عمليات مشتركة مع الحكومة السورية الجديدة ضد تنظيم الدولة في مناطق متعددة من البلاد. ومع دخول دمشق رسميًا في إطار الجهود الدولية المبذولة لمواجهة أخطر تهديد أمني دولي منذ عام 2014، شهدت العمليات المحلية التي تقوم بها قوى الأمن السورية زيادة ملحوظة، سواء من خلال جهود منفردة أو عبر عمليات مشتركة مع التحالف الدولي.
ويُشير خبراء إلى أن هذا التوسع في العمليات يظهر تقاطعا واضحا بين دمشق وإدارة عمليات التحالف الدولي؛ حيث تقوم سوريا بتلقي المعلومات الاستخباراتية الحيوية اللازمة لمواجهة التنظيم على الأرض، مما يعكس وجود ثقة متبادلة ناشئة بين الطرفين. كما أن تنفيذ القوات السورية لعمليات متعددة المهام ضد تنظيم الدولة يشير إلى تنسيق متقدم ومستوى عالٍ من التعاون الاستخباراتي.
وفي تطور ميداني بارز، أعلن الجيش الأميركي في الأسبوع الأخير من نوفمبر 2025 عن تدمير أكثر من 15 موقعًا تحتوي على مخازن أسلحة لتنظيم الدولة في جنوب سوريا. وأوضحت القيادة المركزية الأميركية أن هذه المواقع كانت تقع في محافظة ريف دمشق، وتمّ استهدافها عبر عدة غارات جوية وتفجيرات برية نفذت بين 24 و27 نوفمبر.
وذكر البيان الرسمي للقيادة المركزية أن العملية المشتركة أسفرت عن تدمير أكثر من 130 قذيفة مورتر وصاروخ، بالإضافة إلى العديد من البنادق الهجومية والمدافع الرشاشة والألغام المضادة للدبابات ومواد صنع العبوات الناسفة البدائية. وأكّد الأميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية، في 30 نوفمبر أن هذه العمليات تأتي في إطار استمرار المكاسب التي تحققت ضد تنظيم الدولة. مشددًا على أن "قوة المهام المشتركة - عملية العزم الصلب" تهدف لمنع ظهور التنظيم من جديد أو تجديد نشاطه، وكذلك صد هجماته الإرهابية المحتملة في دول أخرى.
على الصعيد السوري الداخلي، نجحت قوى الأمن السورية في ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة، شملت عبوات ناسفة وأجهزة تفجير وآليات مخصصة لصنع المتفجرات، بالإضافة إلى اعتقال العشرات من عناصر تنظيم الدولة في عدة مناطق.
في 24 نوفمبر 2025، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن إلقاء القبض على خلية تابعة للتنظيم في منطقة البدروسية بريف اللاذقية الشمالي. وأكد قائد الأمن الداخلي، العميد عبد العزيز هلال الأحمد، أن هذه الخلية تُعد من أخطر الخلايا التي تحمل فكر التنظيم وكانت تخطط لشن عمليات إرهابية في الساحل السوري.
وأشار إلى أن الاشتباك مع الخلية أسفر عن اعتقال جميع عناصرها وتحييد اثنين منهما بعد رفضهما الاستسلام، مع ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.
وفي 25 نوفمبر، تمكنت الوزارة من اعتقال خلية أخرى لتنظيم الدولة في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي. وأوضح قائد الأمن الداخلي في محافظة حلب، العقيد محمد عبد الغني، أن جميع أفراد الخلية تمّ القبض عليهم، وتم ضبط أسلحة متنوعة وعبوات ناسفة وأجهزة تفجير ومواد تُستخدم في إعداد المتفجرات. وأكد أن العملية تندرج ضمن الجهود الأمنية المستمرة لمكافحة الإرهاب.
وفي محافظة إدلب، أعلن قائد الأمن الداخلي، العميد غسان باكير، في بداية ديسمبر 2025 عن تنفيذ عمليتين أمنيتين نوعيتين استهدفتا خلايا إرهابية لتنظيم الدولة في ريف المحافظة، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة. جرت هذه العمليات في منطقتي الدانا شمال إدلب وغربي المدينة، في إطار الحملة الأمنية المستمرة التي تقودها وزارة الداخلية لتعقب التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابعها.
وأسفرت العمليات عن ضبط أسلحة وذخائر بالإضافة إلى أحزمة ناسفة وعبوات متفجرة، كما كشفت التحقيقات عن تورط بعض أفراد الخلايا في قتل مدني ودفنه قرب مدينة معرة مصرّين.

تطوير نظم الاستخبارات
في الوقت الذي تكثف فيه قوى الأمن السورية الجديدة عملياتها ضد تنظيم الدولة، تواجه بعض المناطق السورية هجمات متفرقة من التنظيم تستهدف القوات الأمنية والمصالح المدنية والتجارية.
ففي 2 ديسمبر 2025، أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن هجوم استهدف عنصرين من الجيش السوري في مدينة سراقب بريف إدلب، وفقا لما نشر على موقع "أعماق" التابع للتنظيم.
كما تبنى التنظيم في بداية ديسمبر 2025 هجوما على صهريج نفطي في ريف دير الزور الشمالي، في محاولة لتعطيل الاقتصاد المحلي وزعزعة الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
ويُعد التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة، الذي تشكل في سبتمبر 2014 بقرار من الولايات المتحدة بعد توسع التنظيم وسيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا، أكبر تحالف عسكري دولي في القرن الحادي والعشرين. ويضم هذا التحالف اليوم أكثر من 90 دولة، إلى جانب منظمات دولية بارزة مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبحسب تقرير صحفي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في 23 أكتوبر 2025، شهد تنظيم الدولة تصعيدًا ملحوظًا في هجماته خلال العام نفسه في شمال شرقي سوريا، مستغلاً التراجع النسبي للوجود العسكري الأميركي، والفوضى السياسية التي أعقبت التحولات التي شهدتها البلاد.
وتركزت غالبية هذه الهجمات في محافظة دير الزور، التي تعد مركز تجمع رئيس لمقاتلي التنظيم، والذين يُقدّر عددهم بحوالي ثلاثة آلاف مقاتل.
على الرغم من أن تنظيم الدولة لم يعد يمتلك سيطرة إقليمية واضحة في سوريا، ويقتصر وجوده على خلايا نائمة موزعة في البادية السورية الممتدة نحو العراق منذ مارس 2019، إلا أن هذه المؤشرات تكشف عن استمرار تهديده الأمني بنحو لا يمكن إهماله.
وفي حادثة إرهابية مروعة تُعد الأولى من نوعها منذ سقوط نظام بشار الأسد، قُتل 22 شخصًا وأصيب العشرات جراء تفجير استهدف كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في دمشق.
ووفقا لبيان وزارة الداخلية السورية في 22 يونيو 2025، فقد اقتحم انتحاري يتبع لتنظيم الدولة الإرهابي كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق؛ حيث أطلق النار قبل أن يفجر نفسه بواسطة سترة ناسفة، ما أسفر عن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا.
على مدى عقد من الزمن، بنى التحالف الدولي شبكة استخباراتية واسعة ومعقدة، تعقّب من خلالها تحركات خلايا تنظيم الدولة في سوريا، منذ إعلان الولايات المتحدة القضاء على التنظيم ككيان إقليمي في مارس 2019.
وقد أسهم هذا النظام الاستخباراتي المتطور، والمبني على جمع وتحليل المعلومات الميدانية والتقنية، في دعم العمليات المشتركة والتدخلات التي تقودها قوات التحالف والقوات السورية الجديدة لمواجهة خطر التنظيم المستمر، بالرغم من تحوله من قوة إقليمية إلى خلايا نائمة تنتشر في مناطق عدة.

منهجية جديدة
يشير تنفيذ قوات الأمن السورية عمليات مستقلة، مدعومة بمعلومات استخباراتية متقدمة، إلى تحوّل نوعي في منهجية الدولة السورية الجديدة في إدارة أمنها الداخلي، والانتقال من الاعتماد على الدعم الخارجي إلى بناء قدرات محلية ذاتية.
وتُظهر البيانات أن دمشق استفادت بشكل ملموس من البنية المعلوماتية والاستخباراتية التي طورها التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة منذ تأسيسه عام 2014. فواحدة من أبرز مخرجات التحالف تتمثل في تطوير نظم استخبارات محلية في الدول الشريكة، مثل العراق، وأخيرًا سوريا، ما يُعزز فعالية مكافحة التنظيم.
في النصف الثاني من سبتمبر 2025، عُقد اجتماع هام في العاصمة دمشق ضم كبار المسؤولين من وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، حيث تم بحث مسألة انضمام سوريا رسميا إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة.
كما ناقش الاجتماع فكرة إنشاء سجن شديد الحراسة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية، يخصص لاحتجاز كبار قادة التنظيم وعناصره، على أن تتم إدارته بشكل مشترك مع التحالف خلال مرحلة انتقالية أولية. ويُعد هذا مؤشرًا واضحًا على تركيز أكبر خلال الفترة القادمة على كبح نشاط تنظيم الدولة داخل الأراضي السورية.
وفي هذا السياق، أكد العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية، في حديث مع "الاستقلال"، أن انضمام سوريا للتحالف الدولي جاء ليشكل "منهجا عملياتيا جديدا يختلف جذريا عما كان عليه الأمر في عهد حكم بشار الأسد؛ حيث أصبح التعاون في مكافحة تنظيم الدولة شراكة فعلية بين دمشق والتحالف".
وأضاف الأسعد أن التعاون الاستخباراتي الآن يتمتع بقوة واستمرارية؛ حيث يشمل تبادل المعلومات بين سوريا والدول المحيطة، وكذلك الدول الإقليمية، فضلاً عن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول التحالف كافة، مما يُمكّن دمشق من الحصول على دعم لوجستي واستراتيجي متكامل.
وتابع بالقول: "باتت سوريا جزءا من شبكة تعاون أمني استخباراتي مع دول أخرى تكافح تنظيم الدولة، وهذا يتيح تنفيذ عمليات أمنية مباشرة وسريعة بناءً على تبادل المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب".
ونوّه الأسعد إلى أن تنظيم الدولة لا يزال يمتلك بيئة استخباراتية نشطة عبر عملائه المنتشرين، الذين يراقبون ويتجسسون من أجل تنفيذ عمليات تستهدف الدولة السورية الجديدة.
لذلك، يشدد على أهمية "تعزيز مهارات وخبرات العناصر الأمنية السورية عبر التعاون الاستخباراتي مع التحالف الدولي، الأمر الذي يوسع من نطاق مكافحة التنظيم ويُساهم في منع شن هجمات، خاصةً مع تكتيكات خلايا تنظيم الدولة التي تعتمد على هجمات الذئاب المنفردة، التي تستهدف المؤسسات والأفراد، وتعرقل أي جهود استقرار أو اتفاقات في المنطقة".
وأضاف الأسعد أن "سوريا بحاجة ماسة إلى معرفة أماكن تواجد خلايا التنظيم، ومسارات تحركها، خصوصا في صحراء تدمر، ومناطق الجزيرة، وغيرها، وهو ما يتطلب إمكانيات تقنية وتكنولوجية متقدمة، تمتلكها دول التحالف الدولي".
وبينما يحرص التحالف الدولي على توسيع نطاق عملياته في الأراضي السورية من خلال شراكة رسمية مع الحكومة السورية لتسريع القضاء على تنظيم الدولة، فإن الحكومة بدورها تسعى إلى دعم سياسي ولوجستي يعزز جهودها لمواجهة التنظيم، وإرساء الاستقرار، الذي يُعتبر أساسيا لتسهيل عمليات إعادة الإعمار وترسيخ السيادة الوطنية.
ويشير المراقبون إلى أن هذا التعاون الأمني المعزز لا يقتصر على الجوانب العسكرية فحسب، بل يُشجع أيضا على إعادة فتح طرق التجارة والعبور، مما يُسهم بشكل مباشر في تعزيز الاقتصاد السوري عبر زيادة التعهدات الاستثمارية، وتنشيط ملف إعادة الإعمار المنشودة.
المصادر
- الجيش الأمريكي: استهدفنا مع سوريا مخازن أسلحة لتنظيم الدولة الإسلامية
- قائد الأمن الداخلي في إدلب يكشف تفاصيل عمليّتين ضدّ خلايا "داعش"
- "داعش" يتبنى هجوماً استهدف عنصرين من الجيش السوري بريف إدلب
- Will Syria join the Global Coalition to Defeat ISIS?
- وول ستريت جورنال: "داعش" يوسّع نشاطه في سوريا مستغلاً انسحاب القوات الأميركية














