دلالات اقتصادية وسياسية.. لماذا استثمرت السعودية مليارات الدولارات في سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

طرقت السعودية رسميا باب المشاريع الاستثمارية في سوريا عقب أشهر من الانتظار بعد سقوط نظام بشار الأسد، ما عدَّه محللون "دفعة كبيرة" من الرياض لتسريع تعافي اقتصاد هذا البلد العربي المنهار.

وفي خطوة عملية مباشرة وصل وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح في 23 يوليو/ تموز 2025 إلى العاصمة دمشق على رأس وفد يضمّ أكثر من 150 ممثلا للقطاعين الحكومي والخاص بغرض "بحث شراكات استثمارية".

دعم سعودي لسوريا

وشارك الوزير السعودي والوفد المرافق له في “منتدى الاستثمار السوري السعودي 2025 ” الذي جرى تنظيمه في العاصمة دمشق في 24 يوليو 2025.

وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح: إن منتدى الاستثمار الأول بين المملكة وسوريا سيشهد توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تصل إلى 24 مليار ريال (نحو 6.4 مليارات دولار). بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

وذكر الوزير الفالح خلال كلمة ألقاها في افتتاح أعمال المنتدى بقصر الشعب في دمشق حضرها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع "سنشهد في هذا المنتدى توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال سعودي".

وأوضح الفالح أن المنتدى سيتضمن توقيع اتفاقيات متعددة، بينها مشروع تجاري في مدينة حمص وسط سوريا، بالإضافة إلى إنشاء 3 مصانع أسمنت.

ونوَّه الفالح إلى أنه "سيتم خلال المنتدى إبرام اتفاقيات في مجال الأمن السيبراني بقيمة 4 مليارات ريال سعودي (1.66 مليار دولار)".

وأشار الوزير السعودي إلى أن "شركة بيت الإباء السعودية" ستوقع اتفاقية بقيمة مليارية لتنفيذ مشروع تجاري مميز في حمص، تعود عوائده لدعم السوريين. وفق تعبيره.

وأكَّد حرص السعودية على "تنمية العلاقات مع سوريا، خصوصا في المجالين الاقتصادي والاستثماري"، مبينا أن المنتدى يضم أكثر من 20 جهة حكومية و100 شركة من القطاع الخاص.

وبين الفالح أن "المستثمرين السوريين مدعوون لزيارة السعودية، والفرص متاحة أمامهم للبحث عن استثمارات، وسنقدم لهم كل الدعم".

وعن المرحلة المقبلة، قال الفالح: "مقبلون على إقامة استثمارات مهمة في سوريا تشمل جميع المجالات، وفي مقدمتها الطاقة والعقارات والصناعة والبنية التحتية والخدمات المالية، فضلا عن الصحة والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات والمقاولات والتعليم وغيرها".

وأكَّد وزير الاستثمار السعودي أن "المملكة وسوريا وجهان لعملة سياسية واقتصادية واجتماعية واحدة، وحريصون على تنمية العلاقات".

في اليوم الأول الذي وصل فيه الوفد السعودي إلى دمشق، وضع وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح حجر الأساس لمشروع "برج الجوهرة" ضمن الاستثمارات السعودية في العاصمة السورية دمشق.

بحسب وزارة الاستثمار فإن البرج عبارة عن مشروع عقاري متكامل يجمع الأعمال والضيافة والتجزئة على مساحة تتجاوز 25 ألف متر مربع.

وأوضحت الوزارة أن المشروع يتضمن مكاتب إدارية على مساحة 6500 متر مربع تضم 15 طابقا مخصصة للأعمال، ومواقف سيارات على مساحة 4200 متر مربع، ومحلات تجارية على مساحة 1300 متر مربع مخصصة للبيع بالتجزئة.

وأضافت أن المشروع يضم أيضا وحدات فندقية على مساحة 6500 متر مربع تضم 15 طابقا تقدم خدمات ضيافة ومطعم بانوراما.

لقد كانت العاصمة الرياض هي وجهة أول زيارة خارجية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في فبراير/شباط 2025، التقى خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

أما في الزيارة الثانية للشرع إلى المملكة، فقد اجتمع الشرع وولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارة الأخير إلى الرياض في مايو 2025.

وعقب اللقاء الثلاثي تعهد ترامب في كلمة بالرياض برفع العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة على سوريا، وهو ما قام به رسميا في 30 يونيو 2025؛ حيث أسهم الرفع التدريجي لبعض العقوبات في إعطاء دفعة جديدة للاقتصاد السوري.

وعند إعلان ترامب عن خطوة رفع العقوبات عن سوريا، قال ترامب: إنه استمع إلى نداء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك إلى نداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وعقب ذلك، زار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، العاصمة دمشق، في 31 مايو 2025، وأكَّد حينها أن الرياض ستكون في مقدم الدول التي تقف إلى جانب سوريا في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي.

"تحول إستراتيجي"

لقد فتحت السعودية عهدا من الاستثمارات المهمة في سوريا التي تتلمس التعافي وتدوير عجلة الاقتصاد وتحسين الواقع المعيشي للسكان التي يعيش أكثر من 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر، بحسب تقديرات منظمات دولية.

 وبدا واضحا، أن الاستثمارات السعودية تشمل جميع المجالات، وفي مقدمتها الطاقة والعقارات والصناعة والبنية التحتية والخدمات المالية، فضلا عن الصحة والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات والمقاولات والتعليم وغيرها.

وستتوزع تلك الاستثمارات على المحافظات السورية (الـ14) ولن تكون محصورة في منطقة محددة.

وضمن هذه الجزئية، يؤكد الباحث والمحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، لـ "الاستقلال" أنه "لا يمكن فصل الشأن الاقتصادي عن السياسي، خاصة بعد استعادة سوريا علاقاتها مع أغلب الدول العربية، وأصبح هناك تقارب خليجي مع سوريا، خاصة مع السعودية".

وأضاف الدبس "هناك دعم سعودي لسوريا اقتصادي وسياسي وهو نوع من تثبيت وقوف المملكة مع الشعب السوري في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها". 

ونوَّه الدبس إلى "أن السعودية بحاجة إلى البيئة الخصبة للاستثمار المتوفرة في سوريا، خاصة في ظل وجود مرحلة إعادة إعمار وحاجة لسيولة عالية".

وأردف "غالبية الاتفاقيات السعودية في سوريا هي في البنية التحتية والمدن الصناعية والمنشآت الإنتاجية والعقارية وإعادة خطوط الماء والطاقة والكهرباء والصحة علاوة على بعض المشاريع الإنتاجية والتي تحتاجها البلاد في هذه المرحلة". 

ورأى الدبس أن "الدعم السعودي يشكل خطوة كبيرة في تحفيز سوق العمل ورفع قيمة السيولة ودخول العملة الأجنبية وبالتالي سيكون هناك طلب على العملة السورية علاوة على تعزيز الثقة بالاقتصاد السوري، وهذا ما يدفع الدول والشركات إلى الدخول في اتفاقات واستثمارات في سوريا".

وذهب الدبس للقول: "إن ضخّ السعودية هذه الأموال بسوريا ضمن مشاريع واضحة ومدروسة هي خطوة جبارة وتعد بمثابة تحول إستراتيجي تجاه سوريا الجديدة ودعم نهوضها". 

 "استقرار سوريا"

ولا شك أن توجه السعودية لضخ استثمارات ضخمة في سوريا بهذا التوقيت، يؤكد المسؤولون السعوديون على أنها "جزء بسيط من الشراكات والعمل المشترك" بين الرياض ودمشق، الأمر الذي يعكس مدى رغبة المملكة في إقامة شراكة إستراتيجية دائمة بين البلدين.

وقد كان لافتا تصريح رئيس مجلس الأعمال السوري السعودي محمد أبونيان، خلال المنتدى الاستثماري السوري السعودي في 24 يوليو 2025، بقوله: إن "السعودية ستقود تحالفات عالمية للاستثمار في سوريا".

ونوَّه أبونيان إلى أن السعودية "لا ترى أن سوريا دولة غير مستقرة أو فيها حالة تفكك".

وكانت السعودية وقطر سددتا بشكل مشترك ديون سوريا لدى البنك الدولي مما أتاح لها إمكانية الحصول على قروض جديدة.

وفي هذا الإطار، أكَّد الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي، لـ "الاستقلال" أن "السعودية تتحرك في الساحات الإقليمية للشرق الأوسط انطلاقا من الاستحقاقات المفروضة عليها كقوة إقليمية مسؤولة، وتماشيا مع رؤيتها 2030 وما يتطلبه من تحقيق الاستقرار في دول الشرق الأوسط وأهمها سوريا".

وأضاف: "التحرك السعودي يوازن بين الرؤية الإستراتيجية وأدواتها من الجهد الدبلوماسي والانخراط الاقتصادي، لتكون حركتها أكثر تأثيرا واستدامة، حيث يلاحظ احتضان المملكة لحظة التحول الإستراتيجية في المنطقة، وتفعيل دبلوماسيتها على المستويين الإقليمي والدولي لدعم التحول في سوريا، ونجاحها في الحصول على التزام من الرئيس الأميركي برفع العقوبات عن سوريا خلال زيارته للسعودية".

وأردف "مع استكمال هذه الخطوات كانت المملكة تدرس بعناية مجالات الانخراط الممكنة اقتصاديا في سوريا، ومع تحقق هذه الخطوات باتت الأرضية مهيأة لدخول الاستثمارات السعودية إلى البلاد".

ورأى الدسوقي أن "هنالك قراءة سعودية مفادها أن الاقتصادي يمثل التحدي الأبرز لاستقرار سوريا، وعليه كان لا بد من تحرك سعودي مؤثر لتنشيط الاقتصاد السوري عبر استثمارات متنوعة، فضلا عما تُمثّله هذه الاستثمارات من رسالة بأنها معنية باستقرار سوريا وما يتطلبه ذلك من انخراط سياسي واقتصادي".

وتسعى القيادة السورية الجديدة إلى إطلاق مسار التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في البلاد المدمرة، بعد إطاحة حكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024.

ولا تزال الحكومة تواجه تحديات كبيرة في توفير إيرادات كافية لتمويل الزيادات الجديدة، وسط عجز متفاقم في الموازنة، وتراجع الصادرات، وضعف الاستثمارات الأجنبية في البلاد.

وتعمل دمشق حاليا على إعادة النظر في قانون الاستثمار من أجل إنشاء بيئة استثمارية جاذبة للاستثمارات الخارجية في المرحلة المقبلة خصوصا مع رفع العقوبات الأجنبية تباعا، ومراهنة دمشق على رأس المال الأجنبي للنهوض بقطاعات البنى التحتية والمرافق الخدمية الرئيسة.