مشروع خارجي.. هل تسمح دمشق للهجري بعزل السويداء وربطها بمناطق "قسد"؟

مصعب المجبل | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بدأ رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية، حكمت الهجري، بالإعلان صراحة عن رغبته في عزل المحافظة وإبقاء الدولة الجديدة بعيدة عن إدارة شؤونها.

وتمثل ذلك، بمطالبة الهجري في 17 يوليو/ تموز 2025 بفتح ممرات من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا، باتجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي البلاد، ومن الأردن المجاورة.

الهجري وقسد

وجاء ذلك، بعد رفض الهجري بسط الدولة الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في محافظة السويداء، لا سيما بعد تقدم قوات الأمن نحو المحافظة في 13 يوليو 2025 لإعادة الاستقرار إليها، بعد اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.

وتزامنت دعوة الهجري، مع إعلان "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال وشرق سوريا، في بيان عن "الاستعداد لإرسال دفعة من المساعدات الإنسانية العاجلة إلى محافظة السويداء".

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 رفض الهجري وبعض الفصائل المحلية في السويداء، تسليم المحافظة للإدارة الجديدة.

وتمثل ذلك بعرقلة جهود مصطفى البكور الذي عيَّنه الرئيس أحمد الشرع، محافظا للسويداء في فبراير/ شباط 2025 بعد اتفاق مع وجهاء ومشايخ عقل من الطائفة الدرزية يقضي بدمج كامل المحافظة ضمن مؤسسات الدولة، وإلحاق الأجهزة الأمنية هناك بوزارة الداخلية.

وقد بدا واضحا أن سلطة الدولة لم تترسخ في السويداء؛ بسبب معارضة الهجري لذلك، قبل أن يفضي ذلك لطرد البكور في مايو/ أيار 2025 من قبل مجموعة درزية مسلحة اقتحمت مبنى المحافظة وغادر وقتها إلى العاصمة دمشق.

وفي الوقت الراهن توجد علاقة قوية بين “قسد” وفصائل محلية في السويداء، علاوة على مناصرتها الدائمة للمطالبين بعدم دخول القوات الحكومية إلى السويداء.

وخاصة أن "قسد" ما تزال تماطل في الانخراط في الدولة الجديدة، وتسليم مناطقها إلى دمشق، بموجب اتفاق وقعه الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، في 11 مارس/ آذار 2025. 

ويقضي الاتفاق بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

ويرى مراقبون أن بحث حكمت الهجري الذي يمتلك الكلمة العليا على دروز السويداء، خيارات جديدة تعرقل اندماج المحافظة مع الدولة ويعقد المشهد بدلا من تغليب لغة الحوار لحل الخلافات مع دمشق التي تتعلق بمستقبل سوريا وطبيعة الحكم.

إلا أنه من الناحية الجغرافية فإن محافظة السويداء تفصلها البادية السورية ونهر الفرات عن مناطق سيطرة "قسد" في الضفة اليسرى من النهر وهو الشطر الجغرافي التابع لمحافظة دير الزور.

ويؤكد المراقبون أن فتح ممر كهذا سيواجه بعقبات أمنية كبيرة فضلا عن رفض الدولة السورية الجديدة لذلك.

وضمن هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي، أحمد حمادة: إن "محاولة فتح طريق من السويداء إلى مناطق قسد أو معبر عبر الأردن كما يطلب الهجري هو محاولة الاستقلال بالسويداء لتوفير مصادر مالية من قسد لكون هناك اتفاق بين الهجري وفلول نظام الأسد من جهة وقسد من جهة ثانية".

وأضاف الحمادة لـ"الاستقلال"، أن "الحكومة الجديدة لن تسمح بفتح طرق من السويداء باتجاه قسد شمال شرقي سوريا، لكن يمكن القول: إن هناك صعوبات ما تزال موجودة في تطبيق كل الاتفاقات التي أبرمت من جهة دمشق والطائفة الدرزية أو مناطق قسد". 

"ممر داوود"

ورأى الحمادة أن “الدولة السورية ستستخدم كل الوسائط الممكنة لديها من أجل منع إقامة هذا الممر بين السويداء ومناطق قسد”.

وأوضح أن "هذا الممر يشبه ممر داوود الإسرائيلي الذي يربط الجولان بالحدود السورية العراقية مما يجعل الدولة السورية مختلفة مما عليه الآن كونها سيحرمها من حدودها مع العراق والأردن فضلا عن تجريد الدولة السورية من أسباب قوة كثيرة ومزايا إستراتيجية وحتى اقتصادية".

وفور سقوط نظام الأسد، جرى الحديث في إسرائيل عن تنفيذ مشروع "ممر داود" بمساعدة من قسد، وهو خط بري يمتد من الجولان إلى شمال سوريا، بهدف إعادة تشكيل المنطقة، سياسيا وجغرافيا. 

وتقوم فكرة "ممر داوود" على وصل المناطق التي تحتلها تنظيمات كردية موالية لإسرائيل وأميركا في سوريا، بإسرائيل، عبر الجولان المحتل منذ عام 1967.

اللافت أن هناك تشكيلات عسكرية موالية لحكمت الهجري في السويداء، لها علاقة مباشرة مع “قسد”.

ففي مايو 2024 أعلن في السويداء التي كانت حينها سلطة نظام الأسد فيها مقتصرة على مقارة حكومية وعسكرية، تشكيل مجلس عسكري للطائفة الدرزية حمل اسم "مجلس القوى العسكرية في السويداء"، ضم عددا من الفصائل المسلحة المتواجدة في المحافظة.

وحظيت الشخصيات القائمة على تشكيل المجلس بدعم حكمت الهجري، وقد ذكرت حينها تقارير صحفية أن الأخير هو من طلب تشكيل المجلس.

وحينها ذكرت تقارير صحفية، أن التشكيل تقف خلفه "قسد" عبر تقديم الأخيرة الدعم المالي للقائمين عليه وأبرزهم الشيخ رائد المتني وشخص آخر يدعى أيسر مرشد، واللذين وعدا قادة الفصائل المنخرطة في التشكيل برواتب شهرية لجميع المقاتلين.

وأعلن المتحدث باسم "المجلس العسكري في السويداء"، وائل نادر، في 18 مارس 2025 الإبقاء "على السلاح لحماية المنطقة"، وذلك ردا على دعوات الدولة السورية الجديدة حصر السلاح بيدها.

وأمام ذلك، يرى الكاتب السوري محمد صابوني، أن “كل تحركات حكمت الهجري والدعم الإسرائيلي له ما هو سوى جزء من اتفاق أوسع بين (إسرائيل وقسد والهجري)”.

وذكر صابوني عبر فيسبوك أن "الهدف هو مشروع ممر داود والذي يحمل جملة أهداف إستراتيجية تسعى لها إسرائيل، أبرزها إعادة تشكيل سوريا بما يخدم مصالحها، عبر تفتيتها وإضعاف السلطة المركزية في دمشق، وأيضا الضغط على تركيا وإضعافها".

وأضاف "أما عن طبيعة مشروع ممر داوود فهو شريط جغرافي ضيق يمتد عبر قلب المشرق يبدأ من مرتفعات الجولان المحتلة في الجنوب الغربي ويمر بالمحافظات السورية الجنوبية المحاذية لإسرائيل والأردن، وهي القنيطرة ودرعا، ثم يتسع شرقًا عبر السويداء في جبل حوران ويدخل البادية السورية باتجاه معبر التنف الإستراتيجي على الحدود السورية العراقية الأردنية ليصل إلى مناطق شمال شرق سوريا (الجزيرة السورية) والتي مازالت تسيطر عليها قسد".

وراح يقول: "نعم .. تلك هي القضية وهذه هي حقيقة نواياهم والتي يجب على الجميع أن لا يغفلوا عنها .. أما مجرد الحديث عن أن اسرائيل تدعم الأقليات فتلك كذبة".

عزل السويداء

وكشفت التطورات الأخيرة في السويداء، سعي الهجري إلى الاستقواء بالكيان الإسرائيلي لمواجهة الدولة السورية الجديدة وإن كان ذلك عسكريا.

فقد دعت الهيئة الروحية للطائفة الدرزية بالسويداء التي يقودها الهجري، عبر بيان في 16 يوليو 2025 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لإنقاذ السويداء".

وعقب بيان الهجري بساعات قليلة، وتزامنا مع عمليات الجيش السوري في السويداء لحفظ الأمن، شنَّ الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.

اللافت أن نتنياهو، خرج في بيان متلفز في 17 يوليو 2025، زاعما أن وقف إطلاق النار في السويداء "انتزع بالقوة، ليس من خلال المطالب أو الاسترحام".

وتحدث نتنياهو في كلمته ذاتها عن وضع سياسات "لنزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب العاصمة دمشق، من مرتفعات الجولان إلى منطقة جبل الدروز، وهذا أول خط".

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: إن "الخط الثاني هو حماية الدروز في منطقة جبل الدروز".

وراح نتنياهو يقول: "ستكون هذه أيضا سياستنا المستمرة، لن نسمح للقوات العسكرية بالنزول جنوب دمشق، ولن نسمح بإلحاق الأذى بالدروز في جبل الدروز".

على الجانب الآخر، فإن إعادة فتح معبر السويداء مع الأردن، في هذا التوقيت وبظلّ غياب سلطة الدولة السورية، أمر مستبعد من قبل عمّان نظرا لخلفياته السياسية والأمنية، وفق الخبراء؛ إذ إن الأردن فور سقوط الأسد وضعت الأولوية لضبط الحدود مع سوريا ومنع عمليات تهريب المخدرات والسلاح، وتعزيز معبر "نصيب" بريف درعا الذي يقابله معبر "جابر" من الجانب الأردني.

وقد طرحت بعض الدعوات من مسؤولين سوريين لإعادة تفعيل معبر السويداء مع الأردن، إلا أن الأخيرة تجاهلت تلك الدعوات.

وخاصة أن اقتصاد السويداء، محدود وضعيف، وتعتمد المحافظة بشكل رئيس على الزراعة وبعض الأنشطة الحرفية الصغيرة؛ حيث لا تملك المحافظة قدرة حقيقية على خلق تبادل تجاري يعول عليه أو يحقق عوائد مجدية للاقتصاد الأردني.

علاوة على الأردن، ينأى بنفسه عن أي خطوة قد تسهم في تكريس واقع شبه مستقل لمناطق سورية خارج سلطة الدولة المركزية، وهو أمر يتناقض مع موقفه الدائم الداعي لوحدة سوريا واستقرارها.

وهذا ما اتضح من خلال تصريحات مندوب الأردن بمجلس الأمن خلال اجتماع طارئ عقده المجلس بطلب من سوريا في أعقاب سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية على أراضيها في 17 يوليو 2025 بقوله: إن "أمن سوريا من أمن الأردن، وأمن جنوبها امتداد لأمن الأردن الوطني وعمقه الإستراتيجي".

وقال المندوب الأردني: "في وقت تسير فيه الحكومة السورية نحو بناء دولة جديدة حرة، منذ 8 ديسمبر 2025، ما انفكت إسرائيل دون مبرّر في مواصلة عدوانيتها، واستباحة الأراضي السورية وأجوائها، وبث بذور الفتنة والتقسيم، ما لن يجلب إلا الفوضى والصراع والتوتر".