"من سلام بارد إلى حرب باردة".. موقع أميركي يحلل التوتر بين مصر وإسرائيل

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم عقود من السلام الرسمي، إلا أن العلاقات بين مصر وإسرائيل، تشهد تصدعا متزايدا في ظل الحرب على غزة، مشيرا إلى تصاعد حالة عدم الثقة بين القاهرة وتل أبيب مع استمرار الخلافات حول سبل إنهاء الحرب.

وأخيرا، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعات في واشنطن مع فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب: إن وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما في غزة قد يكون في متناول اليد إذا وافقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على نزع سلاحها.

لكن على بُعد حوالي 6 آلاف ميل من إسرائيل، استضاف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، في القاهرة لحشد الدعم لخطة إعادة إعمار بقيادة عربية.

وهذه الخطوة تشير إلى تحول إستراتيجي مع تقارب إسرائيل بشكل أوثق مع الولايات المتحدة وتوجه مصر نحو الشرق، بحسب موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي.

تحول إستراتيجي

وذكر الموقع، في تقرير له، أن معاهدة السلام الموقعة عام 1979 بين مصر وإسرائيل شهدت اختبارا قاسيا بفعل الحرب على غزة؛ حيث زعم مسؤولون مصريون أنهم حذروا إسرائيل مسبقا من هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهو ما تنفيه القيادة الإسرائيلية.

في المقابل، وصف الأزهر، أعلى مؤسسة دينية في مصر، الهجوم بأنه "مقاومة مشروعة"، مستشهدا بالهجمات على الإسرائيليين في كيبوتسات "نير عوز" و"بئيري".

وازدادت التوترات عندما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، عن خطط لحصر فلسطينيي غزة في "مدينة إنسانية" في الجنوب ونقل بعض المدنيين إلى الخارج، وهي خطة وصفها خبراء قانونيون بأنها قد تُشكل جريمة حرب.

وصرّح محمد سعد خير الله، الذي وصفه الموقع الأميركي بأنه محلل مصري منفيّ، وعضو منظمة القلم السويدية، بأن الموقف الرسمي الودي لمصر يخفي نبرتها الداخلية.

وقال: "على المستوى الرسمي، تظاهر النظام المصري بالود تجاه إسرائيل، لكن منذ بدء الحرب، دأبت وسائل إعلامه ومؤسساته على بثّ العداء".

وأضاف: "الآن، يناقش المصريون علانية احتمال المواجهة المستقبلية، لا سيما مع تطلع القاهرة إلى صفقات سلاح جديدة من الصين وكوريا الشمالية ودول أخرى، مع تكثيف النشاط العسكري في سيناء".

بدوره، جادل الخبير الأمني محمد إبراهيم، المقيم في القاهرة والمرتبط بالاستخبارات الإسرائيلية -وفق الموقع- بأن مصر تتحلى بضبط النفس.

وقال: "مصر ترفض تهجير السكان، وتدعم وقف إطلاق النار، وتُسهّل وصول المساعدات الإنسانية"، مضيفا أن "تركيزها ينصبّ على الحفاظ على السيادة الوطنية والاستقرار الإقليمي، لا على إثارة الصراع".

وأشار إلى أن تسليم غزة للسلطة الفلسطينية يتطلب هياكل إدارية جديدة، وقوات أمن مُدرّبة، وانسحابا كاملا للقوات الإسرائيلية.

ورصد الموقع أن وسائل الإعلام المصرية أصبحت أكثر انتقادا لإسرائيل، مما زاد من حدة الخطاب العام. ففي 30 يونيو/حزيران 2025، قال المعلق في قناة (i24NEWS) الإسرائيلية، زفي يحزكيلي، إن القاهرة انتقلت من "سلام بارد" إلى "حرب باردة".

فيما أشار العقيد الاحتياطي في جيش الاحتلال، إيلي ديكل، إلى احتمال أن تكون مصر تستعد لمواجهة عسكرية في سيناء.

واتهمت أصوات إسرائيلية يمينية مصر بعرقلة خطط نقل السكان من غزة، بينما أثار زفي يحزكيلي -الذي دعا سابقا إلى قتل ما يصل إلى 100 ألف فلسطيني من غزة- إدانات واسعة في القاهرة، وعدت تصريحاته تحريضا على الإبادة الجماعية.

تهريب السلاح

وفي السياق نفسه، وجّه "معهد جيتستون" انتقادات لمصر، معتبرا أن فشلها في وقف تهريب السلاح إلى غزة جعل من القطاع "قاعدة رئيسة للإرهاب"، ما يشكل تهديدا لإسرائيل وللاستقرار الإقليمي، بحسب وصف المعهد الأميركي.

وأفاد "ذا ميديا لاين" بأن المحللين الإسرائيليين منقسمون في تقييمهم للدور المصري؛ إذ كان يوني بن مناحيم، من "مركز القدس للشؤون العامة"، قد وصف مصر في السابق بأنها وسيط عقلاني ومحوري.

لكنه، منذ مطلع عام 2024، بدأ -إلى جانب رئيس المركز، دان ديكر- في التحذير من أن القاهرة باتت تشكل عقبة أمام خطة نتنياهو–ترامب لتهجير فلسطينيي غزة، متهما إياها بإضعاف التفاهمات العربية-الأميركية وسعيها لكسب النفوذ.

في المقابل، دعت السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى مصر، أميرة أورون، والتي تعمل حاليا باحثة في "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، إلى التوازن في التعامل مع الموقف المصري.

وقالت أورون لموقع "ذا ميديا لاين": "لقد بذلت مصر جهودا كبيرة لإغلاق العديد من الأنفاق، وهذا أمر معروف في إسرائيل. ووفقا لمعلوماتي، لم تكن هناك أنفاق مفتوحة عندما وصلت قوات الجيش الإسرائيلي إلى محور فيلادلفيا، لكن هذا الأمر يتطلب تحقيقا مشتركا شاملا".

وأضافت أن التحركات العسكرية المصرية قرب غزة تثير القلق، لكنها شددت في الوقت نفسه على دور مصر كعامل استقرار في إطار معاهدة السلام والتنسيق الأمني.

رغم ذلك، غيّرت مصر تموضعها الإستراتيجي -وفق التقرير- ففي مطلع عام 2025، عرضت الولايات المتحدة حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 7.5 مليارات دولار، مشروطة بإعادة توطين فلسطينيين نازحين، وهو ما رفضه نظام السيسي.

أجندات خارجية

وصرّح محمد الصعيدي، المحلل المصري المقرب من النظام -بحسب وصف التقرير- قائلا: "مبلغ الـ 7.5 مليارات دولار مغرٍ، لكن لا يمكننا أن نعرض أمن مصر القومي طويل الأمد في مزاد لمن يدفع أكثر. شراكاتنا العسكرية يجب أن تخدم المصالح المصرية، لا أجندات القوى الخارجية".

منذ ذلك الحين، وسعت مصر من مشترياتها العسكرية لتشمل الصين وروسيا، بما في ذلك أنظمة دفاع صاروخي وطائرات مقاتلة، في خطوة يرى المسؤولون أنها تعكس استقلالا إستراتيجيا رغم المخاطر المصاحبة.

وأكد الموقع أن العلاقات الاقتصادية باتت أكثر تعقيدا، حيث تظهر بيانات وزارة الطاقة الإسرائيلية أن شحنات الغاز إلى مصر استؤنفت في فبراير/شباط وبلغت ذروتها في أوائل يونيو/حزيران، ثم توقفت في يوليو/تموز بسبب القتال في غزة، لكنها عادت للانطلاق مع استئناف محادثات وقف إطلاق النار.

ويرى بعض المسؤولين المصريين أن خط الأنابيب وسيلة ضغط، حيث قال مسؤول كبير في المشتريات الدفاعية، إن "الإسرائيليين يلعبون بالاقتصاد المصري للضغط على الحكومة للسماح لأكثر من مليون غزّي بدخول أراضينا، وهو نفس العدد تقريبا الذي استقبلناه بالفعل من حرب السودان خلال الأشهر التسعة الماضية".

وفي الشهر الماضي، يونيو/حزيران، وخلال الحرب الإسرائيلية الإيرانية، عبر ما يقرب من 20 ألف إسرائيلي إلى سيناء هربا من الهجمات الصاروخية.

وانتقدت وسائل التواصل الاجتماعي المصرية الحكومة لسماحها بمرور الإسرائيليين بينما حرمت فلسطينيي غزة من المأوى.

وأقامت مصر مخيما للنازحين الفلسطينيين قرب رفح، لكنها رفضت علنا إعادة التوطين الدائم، محذّرة من أن استقبال فلسطينيي غزة، بمن فيهم المقاتلون، قد يؤدي إلى زعزعة استقرار مصر من الداخل.

ويقود الوسطاء المصريون والقطريون حاليا محادثات وقف إطلاق النار في الدوحة، بمشاركة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف. ورغم تباطؤ التقدم، تظل مصر محورا رئيسا في هذه الجهود.

وقال الخبير الأمني إبراهيم: إن "رفض مصر لإعادة التوطين القسري يرتبط بالسيادة والأمن، فالقاهرة تبحث عن حل سياسي يُنهي الصراع دون أن يزعزع استقرار المنطقة".

من جانبها، ذكرت أورون أن "مثلث القدس والقاهرة وواشنطن هو محور أساسي. فمصر تريد أن يُنظر إليها كضامن للاستقرار، لكنها لن تفرّط بسيادتها إرضاءً لحسابات السياسة الداخلية الإسرائيلية".