"دمشق تكفيرية وتل أبيب تحريرية".. هكذا وثق حكمت الهجري خيانته للسوريين

مصعب المجبل | منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في عمالة صرفة، استنجد رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء السورية، حكمت الهجري، بالكيان الإسرائيلي لمواجهة الدولة السورية التي أرسلت قواتها إلى المحافظة لحفظ الأمن.

فبعد تقدم قوات الأمن السورية نحو السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا، في 13 يوليو/ تموز 2025 لإعادة الاستقرار إلى المحافظة بعد اشتباكات بين أطراف بدوية ودرزية، خرج الهجري وطالب بتدخل أميركي إسرائيلي.

الاستقواء بإسرائيل

وناشدت الهيئة الروحية للطائفة الدرزية بالسويداء التابعة للهجري "الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، وولي العهد (السعودي) الأمير محمد بن سلمان، وجلالة الملك (الأردني) عبد الله الثاني، وكل من يملك صوتا وتأثيرا في هذا العالم… أنقذوا السويداء".

وجاءت مناشدة المشيخة الدرزية، غداة إصدار الأردن والسعودية بيانين، أعربتا فيهما عن دعمهما لإجراءات الحكومة السورية لبسط الأمن والاستقرار في السويداء.

وزعمت المشيخة في بيان في 16 يوليو  أن أهل السويداء "يبادون ويقتلون بدم بارد، لا يُفرق القاتل بين صغير أو كبير، بين امرأة أو طفل، بين طبيب أو شيخ".

وعقب بيان الهجري بساعات قليلة، وتزامنا مع عمليات الجيش السوري في السويداء لحفظ الأمن، شنَّ الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، شمل غارات جوية على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي: السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.

في تلك الأثناء، كان وفد من الحكومة السورية بقيادة قائد قوى الأمن الداخلي في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، يعقد لقاءات مع الفعاليات الدينية والعسكرية بالمحافظة لوضع آلية لإدارة المدينة وتأمينها بالكامل.

وقد تمخَّض عن الاجتماع المذكور، إعلان الزعيم الدرزي الشيخ يوسف جربوع، في 16 يوليو 2025 التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية بشأن السويداء، يقضي بوقف العمليات العسكرية وإنهاء مظاهر السلاح خارج الدولة، وعلى عودة الجيش إلى ثكناته.

إلا أن حكمت الهجري رفض اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة الذي أقرَّه الشيخ جربوع، قائلا: إن "القتال سيتواصل لحين تحرير كامل السويداء".

وقد رد الشيخ يوسف جربوع، خلال لقاء مع قناة "سكاي نيوز عربية"، على موقف الهجري، قائلا: "نحترم موقفه برفضه الاتفاق.. لكن ليس من حق الشيخ الهجري أن يصادر رأينا".

وأضاف جربوع "نركّز على عودة سلطة الدولة إلى السويداء.. وليس بمقدور أي شخص أن يحتكر وحده السلطة الروحية في السويداء".

وقد أكملت قوات وزارة الدفاع السورية انسحابها من مدينة السويداء وريفها فجر 17 يوليو 2025 بموجب الاتفاق المذكور مع الشيخ يوسف جربوع.

من جانبه، أعلن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع فجر 17 يوليو 2025، أنه قرَّر تكليف فصائل محلية ورجال دين دروز "مسؤولية حفظ الأمن في السويداء".

وأشار الشرع إلى أن حكومته أرسلت قواتها إلى هذه المحافظة "لوقف اقتتال اندلع بين مجموعات مسلّحة من السويداء ومن حولهم من مناطق إثر خلافات قديمة".

وأضاف الشرع أن "الكيان الإسرائيلي الذي اعتاد استهداف استقرار سوريا وخلق الفتن بين أبنائها منذ إسقاط النظام البائد، يسعى اليوم مجددا لتحويل الأرض السورية لساحة فوضى غير منتهية، تهدف إلى تفكيك وحدة الشعب".

ولفت الشرع إلى أن “الكيان الإسرائيلي لجأ إلى استهداف موسّع للمنشآت المدنية والحكومية لتقويض هذه الجهود ممّا أدّى لتعقيد الوضع بشكل كبير”.

وهدَّد الشرع في كلمته ذاتها بالدخول في “حرب مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي”. حسب تعبيره.

وأشاد الشرع إلى أن "التدخل الفعّال للوساطة الأميركية والعربية والتركية، أنقذت المنطقة من مصير مجهول"، مضيفا أن "سوريا لن تكون أبدا مكانا للتقسيم أو التفتيت".

إن مواجهة فصائل درزية مسلحة موالية لحكمت الهجري، قوات الأمن السورية، والاستقواء بالاحتلال الإسرائيلي الذي شنَّ غارات على آليات عسكرية لقوى الأمن السورية ودبابات للجيش بمحافظة السويداء أثناء الاشتباكات أعطى دلالة واضحة وفق المراقبين على مدى الدعم الإسرائيلي المباشر لموقف حكمت الهجري الرافض للانخراط في الدولة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024.

لا سيما أن "الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء" التي يقودها الهجري، وصفت القيادة في دمشق في بيان في 16 يوليو 2025 بـ"الطغمة الحاكمة الظالمة المستبدة والعصابات الخارجة عن القانون".

"أداة إسرائيلية"

جبل الدروز، ويسمى جبل العرب أو جبل حوران، يقع في جنوب سوريا، وهو عبارة عن امتدادات جبلية تمتد في محافظة السويداء، وترتفع القمم لتصل إلى أكثر من 1809 أمتار، وتنتشر على سفوحه عشرات البلدات.

وتستخدم إسرائيل ما تزعم أنها "حماية الدروز" ذريعة لتبرير انتهاكاتها المتكررة لسيادة سوريا، ومنها رغبتها في جعل جنوب سوريا "منزوع السلاح".

​​​​​​​ لكن معظم زعماء الطائفة الدرزية بسوريا أكدوا، عبر بيان مشترك في وقت سابق إدانتهم أي تدخل خارجي وتمسكهم بسوريا الموحدة، ورفضهم التقسيم أو الانفصال.

وحكمت الهجري وُلِد في 9 يونيو 1965، بفنزويلا، حينما كان والده الشيخ سلمان يعمل هناك، ثم عاد إلى سوريا ودرس الحقوق في جامعة دمشق بين العامين 1985 و1990.

وفي عام 1993، انتقل الشيخ حكمت مرة أخرى إلى فنزويلا ليستقر هناك بقصد العمل، قبل أن يعود عام 1998 مجددا إلى السويداء، وتحديدا إلى بلدته قنوات شمال شرقي المحافظة.

وتسلم حكمت منصب الرئاسة الروحية للموحدين الدروز خلفا لشقيقه الشيخ أحمد الذي قضى بحادث سير في العام 2012، كون المنصب تتوارثه العائلة منذ عشرات السنين؛ حيث تسلم أحمد المولود عام 1953 المشيخة عام 1989 بعد وفاة والده.

ومنذ تسلم حكمت المنصب أعلن تأييده لنظام بشار الأسد المخلوع، في العديد من البيانات والخطابات؛ ما تسبَّب في تراجع شعبيته بشكل كبير والتي امتلكها هو وأسلافه من آل الهجري في المحافظة.

ويوجد في السويداء حاليا مشايخ العقل الثلاثة وهم حمود الحناوي ويوسف جربوع، وحكمت الهجري، لكن الأخير لديه خلافات مع الأولين حول الزعامة.

وعقب سقوط بشار الأسد، رفض حكمت الهجري التعاون مع الدولة السورية الجديدة، وهاجمها في أكثر من موقف، ورفض دخول قوات الأمن السورية إلى السويداء.

وضمن هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس لـ "الاستقلال" أن "المنطقة الجنوبية في سوريا تشكّل خاصرة قاسية بالنسبة للكيان الإسرائيلي بوجود الحكام الذين جاؤوا لحكم سوريا من خلال ثورة شعبية".

وأضاف الهواس: "ولذلك الخطة الإسرائيلية هي إما السيطرة على سوريا عبر تقسيمها لمناطق نفوذ مجتمعي، ولكل منطقة تكون تحت حكم الأقليات، وإذا لم يفلحوا في ذلك فلا بد من صناعة منطقة عازلة في جنوب سوريا ولذلك تم التعاون مع العميل حكمت الهجري ومجلسه العسكري".

ولفت  إلى أنه "منذ إسقاط بشار الأسد جرى تدمير السلاح النوعي والثقيل كي لا يقع بيد الثوار ويشكل تهديدا لإسرائيل".

وأشار إلى أن "مع غياب سلطة الدولة السورية الجديدة فإن السويداء كانت بمثابة فخّ نُصِب للحكومة السورية بأن تجري المناوشات التي افتعلها الهجري مع البدو لكي تندفع الدولة لكي تبسط نفوذها وتمنع هذه العصابات وإذ بنا نجد سلاحا نوعيا مقدما لهؤلاء من الدول الغربية علاوة على استهداف إسرائيل لمناطق عسكرية سيادية في دمشق".

وذهب الهواس للقول: "المطلوب ليس إسقاط الثورة السورية بل تشظي الدولة السورية عبر إعادة إنتاج ليس نظام الطائفة بل نظام من الأقليات يتساند في حكم سوريا وهذا دليل على دعم الهجري وقصف المناطق السيادية مثل وزارة الدفاع والقصر الجمهوري".

وأشار الهواس إلى أن "الكيان الإسرائيلي استخدم ذريعة حماية الدروز، والسؤال ما علاقة إسرائيل بالدروز؟ الدروز مواطنون سوريون بالأصالة وأنت محتل لأرض سورية".

لذلك "البلطجة التي يعمد إليها الكيان الإسرائيلي في سوريا، هو نتيجة غياب القانون الدولي، في ظل وجود نظام عالمي يقوده عدد من المتوحشين".

وختم بالقول "كل ما جرى من ضربات إسرائيلية في سوريا لا تبتعد عن المزاج الأميركي العام ونحن لا نصدق تصريحات المبعوث الأميركي لسوريا توماس براك من حديثه عن وحدة سوريا وسلامة أراضيها".

"الهجري خائن"

اللافت أن الهجري، عقب تسلم فصائل محلية درزية لمحافظة السويداء، بموجب الاتفاق مع مشايخ العقل، عاد في 17 يوليو وهاجم الحكومة السورية واصفا إياها بـ"التكفيرية"، وذلك في أول ظهور مرئي له بعد انسحاب قوات وزارة الدفاع السورية من المحافظة.

ويرى كثير من السوريين أن الهجري أشعل فتنة في سوريا وقد وصفوه بـ "الخائن"، لا سيما بعدما دعا إسرائيل إلى التدخل والتي استجابت وقامت بقصف الأمن السوري وآلياته المتقدمة نحو السويداء.

وأمام ذلك، فإن محافظة السويداء، باتت معزولة وبعيدة عن سلطة الدولة السورية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، بعد الأحداث الأخيرة التي أوقعت عشرات القتلى، عبر الاستقواء بـ الاحتلال الإسرائيلي الذي يعد عدوا للسوريين ويحتل جزءا من أراضيهم.

ويرى كثير من السوريين أن حكمت الهجري الذي يمتلك الكلمة العليا على دروز السويداء، فوَّت فرصة للتفاهم مع الدولة السورية الجديدة وتغليب لغة الحوار لحل الخلافات مع دمشق التي تتعلق بمستقبل سوريا وطبيعة الحكم.

وضمن هذا الجزئية، يشير الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد القربي، لـ "الاستقلال"، إلى أن "الدولة الوحيدة التي لها مصلحة في تبني مشاريع تجزئة سوريا في المنطقة هي إسرائيل، لذلك هناك نوع من التقاء المصالح بين حكمت الهجري وإسرائيل لضرب مشروع الدولة الواحدة".

وأضاف القربي قائلا: "لهذا فإن ما قام به حكمت الهجري ليس تمردا بل هو قام بالاستعانة بجهة خارجية من أجل التآمر على الشعب وهذا يعد خيانة بالعرف القانوني، خاصة أن إسرائيل محتلة للجولان السوري وبالتالي هي عدو بالنسبة للسوريين وهو ما يؤكد أن ما قام به حكمت الهجري هو خيانة". 

وقد خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان متلفز في 17 يوليو 2025، زاعما أن وقف إطلاق النار في السويداء "انتزع بالقوة، ليس من خلال المطالب أو الاسترحام".

وتحدث نتنياهو في كلمته ذاتها عن وضع سياسات "لنزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب العاصمة السورية دمشق، من مرتفعات الجولان إلى منطقة جبل الدروز، وهذا أول خط".

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: إن "الخط الثاني هو حماية الدروز في منطقة جبل الدروز".

وراح نتنياهو يقول: "ستكون هذه أيضا سياستنا المستمرة، لن نسمح للقوات العسكرية بالنزول جنوب دمشق، ولن نسمح بإلحاق الأذى بالدروز في جبل الدروز".

من جانبه، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 17 يوليو 2025 أن أنقرة لم ولن توافق أبدا على تقسيم سوريا، وذلك في خطاب متلفز عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة بالمجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة.

وقال أردوغان: إن "إسرائيل وسّعت عمليات البلطجة لتصل إلى جارتنا سوريا خلال اليومين الماضيين تحت ذريعة حماية الدروز".