جولة جدلية ودور مشبوه.. كيف تورط عباس بمخطط تدمير مخيمات الضفة؟

اللجنة الشعبية المسؤولة عن مخيم نور شمس قاطعت زيارة المسؤول الأميركي
أثارت زيارة المنسق الأميركي للشؤون الأمنية في الضفة الغربية، مايكل آر فينزل، إلى مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين، موجة من الجدل، في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على المنطقة.
وزار فينزل المخيم الواقع شمالي الضفة الغربية، في 8 يوليو/تموز 2025، بهدف الاطلاع على آثار الهجمات الإسرائيلية المستمرة منذ نحو 150 يومًا، مع ترويجه لعملية إعادة إعمار.

جولة جدلية
ويعود الجدل إلى مرافقة المسؤول الأميركي كلا من وزير الداخلية الفلسطيني زياد هب الريح، ومحافظ طولكرم اللواء عبد الله كميل، في خطوة عدها كثيرون دليلا على تورط سلطة محمود عباس في مخطط تصفية المقاومة بمخيمات اللاجئين شمالي الضفة.
وقال كميل خلال الجولة: إن "الزيارة تأتي في إطار تواصل الجانب الفلسطيني مع مختلف الجهات، بما فيها الأوروبية والولايات المتحدة التي تملك قدرة على الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها".
وأضاف في تصريحات للصحفيين أن الهدف الفلسطيني هو "إعادة الناس إلى منازلهم، ورفع الأذى عنهم، وإعادة إعمار المخيمات".
وأشار إلى أن الأميركيين اقترحوا أن تكون بداية الإعمار من مخيم نور شمس (يتبعها باقي المخيمات التي دمرها الاحتلال شمال الضفة)، مؤكدا: "نحن لسنا ضد ذلك".
ونوه المحافظ أن هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها المخيم منذ بدء العدوان الإسرائيلي، واصفا الوضع هناك بأنه “مأساوي”.
وللتخفيف من آثار الانتقادات التي طاولت السلطة، قال كميل إن المنسق الأميركي “أبدى امتعاضه مما شاهده”.
كما شدد على ضرورة إعادة تأهيل البنية التحتية للمخيم من صرف صحي ومياه وكهرباء وشوارع، لافتا إلى تهديدات إسرائيلية "بقصف أي مبنى يُعاد بناؤه بعد الهدم".
وبدأ العدوان الإسرائيلي على مخيمات شمال الضفة الغربية في 21 يناير/كانون الثاني 2025، بداية بمخيم ومدينة جنين ثم توسع لاحقا إلى مخيمي طولكرم ونور شمس.
وتأتي عمليات الهدم "ضمن مخطط أعلنته سلطات الاحتلال في مايو/ أيار 2025 يقضي بهدم 106 مبانٍ بذريعة فتح طرق وتغيير المعالم الجغرافية للمنطقة"، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
ومن تلك المباني، 58 في مخيم طولكرم، تضم أكثر من 250 وحدة سكنية وعشرات المنشآت التجارية، و48 مبنى في مخيم نور شمس.
وأدى التصعيد الإسرائيلي إلى تهجير أكثر من 5 آلاف عائلة من المخيمين، يصل تعداد أفرادها إلى 25 ألفا، وتدمير ما لا يقل عن 400 منزل تدميرا كليا، وتضرر 2573 منزلا جزئيا، وفق معطيات رسمية.
وبالتوازي مع حرب الإبادة في غزة صعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس، ما أدى إلى مقتل أكثر من 990 فلسطينيا على الأقل، وإصابة ما يزيد على 7 آلاف آخرين.
وكان لافتا مقاطعة اللجنة الشعبية المسؤولة عن المخيم لزيارة المسؤول الأميركي رغم دعوتها لهذه الجولة من قبل السلطة الفلسطينية.
وأعلن رئيس اللجنة نهاد شاويش رفض المشاركة في الجولة، حتى لا يعطي شرعية لمخطط يقضي بإعادة هندسة المخيم وفق رؤية أمنية إسرائيلية.

دور مشبوه
الحديث عن الدور المشبوه للسلطة الفلسطينية فيما يخص تصفية المقاومة بالمخيمات، جاء بسبب تمهيدها الطريق للعدوان الإسرائيلي عليها.
فقد أطلقت سلطة محمود عباس عملية عسكرية في ديسمبر/كانون الأول 2024 تحت عنوان “حماة وطن” استهدفت تفكيك مخيم جنين، في واحدة من أكثر التحركات التي لاقت استنكارا بين الفلسطينيين.
وكان لافتا تصريح السلطة أن العملية هدفت لمحاربة “الفلتان الأمني والفوضى”، في إشارة إلى المقاومة العسكرية التي يحاربها عباس بجانب إسرائيل ضمن ما يعرف بالتعاون المشترك والتنسيق الأمني.
وعلى مدار تاريخها، نفذت السلطة العديد من الحملات الأمنية التي استهدفت المقاومة واعتقال المعارضة، حيث سجنت العشرات من قيادات وكوادر حركة المقاومة الإسلامية حماس في الضفة وغزة، لكن العملية الجديدة مثلت مواجهة نادرة بالسلاح في المخيمات والشوارع.
وبعد أسابيع من بدء السلطة هذه المهمة، تولى جيش الاحتلال زمام الأمور في 21 يناير 2025 وبدأ شنّ عمليات قصف واسعة النطاق وأعلن أن المخيم منطقة عسكرية مغلقة.
كما وسع الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية التي أطلق عليها اسم "السور الحديدي"، في مدن ومخيمات أخرى للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة الغربية، خاصة بمحافظات طولكرم وطوباس.
ووصف وزير الجيش يسرائيل كاتس، العملية بأنها "قوية"؛ لتطبيق "الدرس الأول" من الطريقة المستخدمة بغزة في الضفة الغربية، من أجل القضاء على حركة حماس وبنيتها التحتية مرة واحدة وإلى الأبد، وفق تعبيره.
وتشكل مخيمات اللاجئين منذ إقامتها مصدر قلق لإسرائيل، خاصة مخيم جنين الذي تحوّل بالنسبة للفلسطينيين إلى رمز للمقاومة.
ولطالما وصفت الصحف العبرية المخيم بأنه "قنبلة موقوتة" و"غزة جديدة"، بعد أن فهم المسلحون فيه آليات العمل الإسرائيلية واستنسخوا تجارب القطاع المحاصر، وفق تقديرها.
وقال موقع شبكة الصحافة الفلسطينية الذي يبث من الضفة الغربية: إن “زيارة فينزل، الذي يُشرف منذ سنوات على برنامج إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتعزيز التنسيق الأمني، لم تكن عبثا أو لدواعٍ إنسانية”.
فالجنرال الأميركي السابق، والمبعوث الأمني الحالي، يتمركز دوره حول ضمان بيئة أمنية مستقرة لـ “ما بعد حماس” في الضفة.
وهو ما يتطلب – من منظور أميركي-إسرائيلي – سحق البؤر المسلحة، التي تمثلها اليوم كتيبتا "نور شمس” و”جنين” العسكريتان، وغيرهما.
وأردف الموقع في 11 يوليو: “لا يمكن فصل ما يحدث في المخيمات عن الخطط التي تناقش حالياً في أروقة الإدارة الأميركية بشأن اليوم التالي في غزة، حيث يُطرح خيار إعادة تمكين السلطة الفلسطينية في القطاع”.
وبين أن “هذا السيناريو يتطلب تفكيك أي قوى فلسطينية مسلحة خارج السلطة، سواء في غزة أو الضفة، واستبدالها بجهاز أمني مركزي متعاون”.

ما الأهداف؟
وجاء تدمير تلك المخيمات رغم انعدام حالة المقاومة اليوم فيها وانتهاء الاشتباكات المسلحة سواء في جنين أو طولكرم أو القرى المحيطة، وفق ما قال لـ"الاستقلال" عميد شحادة مراسل التلفزيون العربي في الضفة الغربية الذي يغطي التطورات في تلك المنطقة.
ونفى شحادة وجود أي أهداف عسكرية من السيطرة على المخيم لأن المقاومة في حالة اختفاء ولا يوجد لديها أنفاق أو معسكرات، مبينا أن ما يجرى عقاب جماعي للمنطقة لأنه كان فيها عدد من المقاومين سابقا.
وعلى مدار الشهور الماضية، نفذت قوات الاحتلال عمليات قصف وقتل واعتقالات أدت إلى انتهاء شبه كامل لحالة المقاومة العسكرية، فيما تعمد اليوم لإعادة هندسة تلك المنطقة.
وأصبح هذا الاجتياح، الأكبر منذ الانتفاضة الثانية (2000-2005) عندما نفذت قوات الاحتلال عملية الدرع الواقي عام 2002 والتي أسفرت عن عشرات الضحايا، وخلفت دمارا هائلا في البيوت والبنية التحتية.
وأثيرت الكثير من التساؤلات عن الرابط بين زيارة مسؤول أمني أميركي وإعادة إعمار المنطقة.
وقال صحفي من طولكرم لـ"الاستقلال" إن المخطط قد يشمل إعادة إعمار بالفعل لكن ضمن رؤية أمنية إسرائيلية تعيد تشكل المنطقة وتنهي وجود المخيمات.
وأوضح الصحفي الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من الملاحقة الأمنية أن “إسرائيل والسلطة الفلسطينية يريدان التخلص من صداع المخيمات التي تسبب إحراجا للأخيرة بسبب اتهامات بتراخيها عن مجابهة ما تطلق عليه تل أبيب الإرهاب”.
ولفت إلى أنه لطالما كان وجود مخيمات اللاجئين مرتبطا بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، مبينا أن “تدميرها يساعد الاحتلال على قطع هذه الصلة وخاصة في ظل محاربته للمنظمة الأممية”.
أكد الصحفي من طولكرم أن الهدف يكمن في القضاء على المخيمات المعروفة بأزقتها الضيقة وسهولة تخفي المطاردين فيها، لتتحول إلى مربعات سكنية عادية يسهل السيطرة عليها ويقدم شكلا معماريا جديدا يفك ارتباط المنطقة بـ"أونروا".
وفي 30 يناير/كانون الثاني 2025، أصيب العمود الفقري للمساعدات الإنسانية التي تصل إلى ما يقرب من 6 ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم بضربة قوية بسبب حظر إسرائيل عمل أونروا في القدس.
وإلى جانب هذه الخطوة، تعمل حكومة الاحتلال على تصفية أونروا عبر المضي قدما في مخطط ضم الضفة الغربية وهدم مخيمات اللاجئين.
وهذا فضلا عن رفض أي دور لـ"أونروا" بقطاع غزة، رغم تعاظم حاجة الفلسطينيين إلى المنظمة الإنسانية الأكبر بالعالم، تحت وطأة حرب الإبادة الجماعية.
ويسهم إغلاق أونروا وحظرها في وقف المساعدات الإنسانية لنحو 1.9 مليون لاجئ ومنع مساهمتها في إعادة إعمار القطاع ودفع الأهالي للهجرة.
وفي وقت سابق، قال مدير الشؤون القانونية والسياسات في منظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان محمد عماد لـ"الاستقلال": إن إغلاق الوكالة يُسهّل سياسات التهويد وطمس الهوية الفلسطينية، مبينا أن أونروا هي الشاهد الدولي الرئيس على استمرار قضية اللاجئين منذ النكبة عام 1948.