معهد إيطالي: 3 دروس استخلصتها دول الخليج من حرب إسرائيل وإيران

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في أعقاب الحرب القصيرة والمكثفة بين إسرائيل وإيران، دخلت دول مجلس التعاون الخليجي مرحلة جديدة من التحديات الإستراتيجية، ووجدت نفسها أمام واقع إقليمي شديد التقلب ومرتفع المخاطر.

هذا النزاع، رغم انتهائه باتفاق وقف إطلاق نار كانت دول الخليج تسعى إليه، فقد كشف عن هشاشة أمنية كامنة في قلب المنطقة، وأجبر العواصم الخليجية على استخلاص دروس جوهرية من أزمة دامت 12 يوما فقط (13 - 24 يونيو/حزيران 2025). 

ويسلط المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) الضوء على ثلاثة دروس رئيسة خرجت بها دول الخليج من الحرب.

وبين أن هذه الأزمة لم تكن عابرة، بل شكلت منعطفا يؤكد أن أمن مجلس التعاون لم يعد يمكن تأمينه إلا من الداخل عبر مزيج من الدبلوماسية والتكامل الدفاعي الحقيقي.

فصل جديد

وأكد أن "الحرب بين إسرائيل وإيران فتحت فصلا سياسيا جديدا في المنطقة لدول مجلس التعاون الخليجي"، مضيفا أن "المخاطر المترتبة عليها، تهدد اقتصادات هذه الدول بشكل بالغ". 

وتابع: "بالرغم من أن وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران كان النتيجة التي سعت دول الخليج لتحقيقها من أجل إعادة الاستقرار إلى المنطقة، فقد منحتها التجربة إدراكا مباشرا لهشاشتها الوطنية حال اندلاع حرب تشملها".

وفي هذا السياق، أشار المعهد إلى أن "دول مجلس التعاون دخلت عصر المخاطر؛ حيث خلصت إلى 3 دروس نتيجة الأزمة التي دامت 12 يوما". 

الدرس الأول، هو وجوب تكثيف الجهود الدبلوماسية مع إيران، وهو ما عبرت عنه بوضوح القمة التي عقدت في جدة، في 7 يوليو/ تموز 2025، بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. 

ويكمن الدرس الثاني الذي استخلصته الدول الخليجية في أن "النظام الإقليمي القائم على القوة العسكرية الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه، يختلف جوهريا عن النظام القائم على الاقتصاد الذي تتبناه السعودية، وهما نظامان لا يمكن التوفيق بينهما". 

أما الخلاصة الثالثة التي أوردها فهي أن "دول الخليج بحاجة إلى الاستثمار أكثر في وحدتها الإقليمية، إذ إن تعزيز أمن كل دولة يتطلب إنشاء نظام إنذار مبكر منسق ضد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على أقل تقدير".

ضرورة الحوار

وفي هذا السياق، يوضح أن "دول الخليج حافظت على اتصال مباشر مع إيران خلال الحرب لتوضيح موقفها القائم على الحياد النشط". 

وأكد المعهد أنها "لم تنحز لأي طرف، بما في ذلك الولايات المتحدة، بل ركزت فقط على الجهود الدبلوماسية لنزع فتيل التصعيد". 

واستدرك: "مع ذلك، فإن الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد الأميركية في قطر أثر بشكل مباشر على أمن الخليج، رغم أن الهدف الأساسي للجمهورية الإسلامية كان الانتقام من الولايات المتحدة".

ورأى أن "هذا الهجوم شكل شرخا في عملية بناء الثقة الحساسة بين السعودية وإيران، والتي بدأت عام 2022 وتوجت باتفاق دبلوماسي عام 2023". 

وعلى الرغم من أن الهجوم لم يكن موجها لقطر بشكل مباشر، فإن وقوعه على أراضيها عرض أمنها للخطر، وبين أن إيران مستعدة لتغليب أمن النظام والكرامة الوطنية على حسن الجوار، مما يعني أن أمن دول الخليج لا يمكن ضمانه إذا شعرت طهران أن مستقبلها مهدد.

وأشار المعهد إلى أن "دول الخليج أصبحت تدرك ضرورة التحاور المباشر مع إيران دون وساطة إقليمية أو دولية؛ نظرا لأن بعض الوسطاء المحتملين ليسوا مؤهلين للمهمة". 

ولفت إلى أن "قطر لعبت دورا محوريا في التوسط لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة". 

وعلى الصعيد العالمي، يقول المعهد: إن "دول الخليج رأت أن تدخل واشنطن بشكل مباشر في الصراع عبر ضرب المنشآت النووية الإيرانية، تصعيد زاد من المخاطر عليها بدلا من تقليلها، وقد تحققت مخاوفها عندما استهدفت قاعدة العديد". 

وأردف: "أما الصين، التي توسطت في اتفاق 2023 بين السعودية وإيران، فقد أظهرت ضعف نفوذها السياسي تجاه طهران، وفضلت البقاء على الهامش".

وأكمل: "في المقابل، تبنت روسيا نهجا منخفض الحدة، فلم تقدم دعما عسكريا لإيران حفاظا على علاقاتها مع دول الخليج".

مقاربة مختلفة

كذلك أعاد المعهد التأكيد على أن الحرب أبرزت درسا جديدا، وهو أن "المقاربة العسكرية الإسرائيلية للمنطقة لا تتكامل مع النهج الاقتصادي الذي تتبناه دول الخليج، بل تتعارض معه".

وأكد أن "دول الخليج تسعى لحل مشكلاتها الأمنية من خلال الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي، في حين ترى إسرائيل في استخدام القوة الوسيلة المثلى لمعالجة التهديدات". 

وأردف: "ورغم أن ضعف إيران وحلفائها بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 شكل فائدة لبعض دول الخليج، فإن الاختلاف في الرؤى لا يزال قائما". 

وأضاف أن "السعودية تعد الاستقرار شرطا مسبقا للازدهار، أما إسرائيل فتضع أمنها القومي في المقام الأول، حتى لو جاء ذلك على حساب استقرار المنطقة".

كما لفت المعهد إلى أن "العديد من المعلقين الخليجيين عبروا عن مخاوفهم من التدخلات الإسرائيلية الأحادية التي تغذي عدم الاستقرار". 

وأشار إلى أن "القيادات الخليجية تدرك هذا التباين، سواء كانت من الدول الموقعة على اتفاقيات إبراهام (التطبيعية) أم لا". 

وأكد أن "ما يعقد المشهد أكثر هو وجود خلافات حول قضية الدولة الفلسطينية وسلوك تل أبيب الإقليمي، وتصرفات الإدارة الأميركية خلال الحرب".

وأثار سلوك أميركا تساؤلات بعد أن انتقلت من تبني التقدم الاقتصادي إلى دعم النهج العسكري الإسرائيلي، مما عرّض الاستثمارات التي رعتها واشنطن سابقا للخطر.

التنسيق الدفاعي

ويبرز المعهد أن حرب إسرائيل وإيران أظهرت تماسكا سياسيا لافتا بين دول الخليج، ازداد وضوحا بعد الهجوم الإيراني على قطر.

فقد اجتمع وزراء خارجية الدول الست في الدوحة بعد يوم من الهجوم للتعبير عن تضامنهم مع قطر وإرسال رسالة موحدة.

وأكد المعهد أن هذا التماسك السياسي يمهد الطريق لتعاون دفاعي هو السبيل الأمثل لمواجهة ما وصفه بـ "عصر المخاطر الجديد".

وأضاف أن الهجوم الإيراني (عبر الحوثيين) على منشآت أرامكو عام 2019 دفع السعودية والإمارات لإعادة ضبط سياساتهما من "تنافس استقطابي" إلى "تعاون استقراري". 

أما هجوم 2025 على قاعدة العديد، فيمنح دول الخليج -حسب المعهد- فرصة لتعزيز تعاونها الدفاعي وربما التكامل العسكري.

من زاوية أخرى، يقول: "رغم أن انعدام الثقة بين العواصم الخليجية حال دون تحقيق اندماج دفاعي حقيقي، فإن الحرب الأخيرة قدمت دليلا ملموسا على هشاشة المنطقة ومدى ارتباط أمن الخليج ببعضه بعضا". 

وأوضح أن ذلك "ينطبق بشكل خاص على قطر والبحرين والكويت، التي لا تملك موانئ بديلة للوصول إلى الخليج".

وأشار إلى أن "الهجوم منح القوات الجوية القطرية فرصة لإظهار قدراتها بالتنسيق مع القوات الأميركية، لكنه كشف أيضا عن غياب درع مشترك ضد الصواريخ والطائرات المسيرة، وانعدام التنسيق بين أنظمة الإنذار المبكر، رغم الالتزامات السابقة نحو نهج متعدد الأطراف".

وأكد المعهد الإيطالي أن "العواصم الخليجية لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة في الدفاع الجوي، كما يتضح من تدشين أول وحدة من منظومة ثاد في السعودية بداية يوليو/ تموز 2025".

وذكر أن "تفعيل رؤية مجلس التعاون للأمن الإقليمي التي أقرت عام 2023، بات أمرا ملحا، خاصة ما يتعلق بتنسيق دفاعات الصواريخ والطائرات المسيرة". 

ورأى المعهد أن هذه الرؤية تتطلب تبادل البيانات والاستخبارات والمراقبة والقدرات، وهو ما جعل بعض قادة الخليج مترددين في تحقيق التكامل الدفاعي، رغم الدعوات الأميركية المتكررة.

ويعتقد أن "التهديدات القائمة والبوادر الإيجابية الأخيرة خصوصا في مجال الصناعات الدفاعية تجعل هذا التحدي أقل استحالة مما كان عليه سابقا". 

وأضاف أن "إيران، رغم ضعفها، لا تزال تهديدا فاعلا، في حين ينظر إلى الموقف العسكري الإسرائيلي كعامل زعزعة إقليمي".

وخلص إلى أن "قادة الخليج باتوا يدركون، أكثر من أي وقت مضى، أن أمنهم لا يصان إلا عبر مزيج من الدبلوماسية والدفاع، والاعتماد على الذات".