قصف إسرائيل لدمشق.. كيف يعيد بوتين إلى الشرق الأوسط؟

منذ ١٢ ساعة

12

طباعة

مشاركة

"لا يمكن فصل الغارات الإسرائيلية الأخيرة على العاصمة السورية عن دمشق، عن محاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعزيز موقعه السياسي مع تصاعد الأزمة المحيطة به".

خلاصة توصَّل إليها موقع سوهو الصيني، الذي رصد جملة من أسباب التصعيد الإسرائيلي المفاجئ في سوريا، متطرقا إلى تأثيراته على المنطقة وأبرز ردود الفاعلين فيها.

وفي خطوة مفاجئة، شنت إسرائيل غارات جوية على سوريا منتصف يوليو/تموز 2025، مستهدفة القصر الرئاسي ومبنى وزارة الدفاع في دمشق، مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

وبينما يرى البعض أن العملية كانت "محاولة اغتيال" مباشرة للرئيس السوري، أحمد الشرع، يعتقد فريق آخر أن وراء هذه الضربة أهدافا تتعلق بحسابات جيوسياسية أوسع تمتد إلى ما هو أبعد من محاولة استهدافه.

في هذا السياق، تناول موقع "سوهو" الصيني أبعاد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، مسلطا الضوء على ارتباطها بالطموحات التركية في الشرق الأوسط ومنطقة القوقاز، ومبينا كيف تشكل هذه العمليات العسكرية فرصة إستراتيجية لتعزيز نفوذ روسيا في المنطقة.

دوافع شخصية 

وأشار إلى أن "التبرير الرسمي الإسرائيلي للضربات الجوية على سوريا كان "حماية أبناء الطائفة الدرزية"، الذين يعيشون في مرتفعات الجولان، وهي منطقة ذات أهمية حيوية لإسرائيل.

لكنه يشكك في هذا التفسير الرسمي قائلا: "خلف السبب الظاهري تكمن أهداف أعمق، أبرزها منع سوريا من استعادة وحدتها الجغرافية والسياسية".

واندلعت شرارة الأحداث عندما نشبت اشتباكات بين الدروز وقبائل البدو في السويداء جنوبي سوريا، مما دفع الحكومة السورية إلى إرسال قواتها إلى المناطق التي تسيطر عليها الطائفة الأولى "بحجة تهدئة النزاع".

واتهم الدروز الجيش السوري بشن هجمات وارتكاب أعمال قتل واستنجد بعضهم بتل أبيب. وردا على ذلك، قصفت إسرائيل دمشق، وهو ما اعتبره الموقع "رسالة ضمنية إلى الشرع، مفادها: هل تسعى لتوحيد سوريا؟".

وعقب الموقع الصيني: فشل الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، وابنه بشار بتحقيق هذا الهدف، فكيف تسمح إسرائيل للشرع بتحقيقه بسهولة؟

من جهة أخرى، لم يستبعد أن "تكون الدوافع الشخصية لنتنياهو قد لعبت دورا في توقيت هذه العملية".

ويعتقد أن "بقاء إسرائيل بحالة صراع دائم يعزز موقع نتنياهو السياسي ويمنحه هامشا أوسع للمناورة خصوصا في ظل الضغوط الداخلية ومحاكمته الجارية (بتهم الفساد)".

ولفت إلى أنه "في اليوم ذاته، تهرب نتنياهو من المثول أمام المحكمة الإسرائيلية، ما قد يوحي بأن الغارة الجوية مرتبطة، جزئيا على الأقل، بمحاولة صرف الأنظار عن أزماته القضائية".

وخلص إلى أنه "سواء أكان الهدف الحفاظ على المصلحة الإسرائيلية العامة، أو حماية موقع نتنياهو السياسي، فإن تأجيج التوترات في المنطقة يبدو وكأنه خيار دائم لإسرائيل".

فاحتمالات اندلاع صراع جديد تظل قائمة في أي لحظة، سواء مع إيران، أو في غزة، أو ضد حزب الله في لبنان، أو حتى مع الحوثيين في اليمن، ولا يُستبعد أن تتكرر عمليات القصف داخل سوريا، وفق تقديره.

وانتقد الموقع النهج الإسرائيلي قائلا: "كلما لجأت إسرائيل إلى إجراءات أكثر تطرفا، كشفت عن مدى هشاشة وضعها الأمني وقلقها الوجودي".

تصعيد تركي 

وعند النظر إلى المشهد الأوسع في الشرق الأوسط، يبرز دور تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان بوصفه عنصرا محوريا في تفسير هذه التطورات.

ففي عام 2024، نجح أردوغان في استغلال حالة الفوضى السورية لصالحه، وفرض نفوذه على مناطق واسعة داخل الأراضي السورية.

واستطرد الموقع: "واليوم، تبدو حكومة أبو محمد الجولاني (الشرع) وكأنها وكيل تركي في سوريا، ما يعني أن كل تحرك للشرع يخضع لإرادة أنقرة بشكل مباشر أو غير مباشر". على حد زعمه.

وبحسب الموقع، "كانت هذه الهيمنة السياسية التركية هي سبب دخول قوات الجولاني إلى مناطق سيطرة الدروز بحجة تسوية النزاع، بينما يعد هذا التحرك في الحقيقة خطوة هجومية".

وقدر أن "عدم سحب الحكومة السورية قواتها مع بداية القصف الإسرائيلي، يشير إلى موافقة ضمنية من تركيا على التصعيد، وربما استعدادا لاتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه إسرائيل".

واستدرك: "يبقى السؤال: هل تجرؤ تركيا فعلا على الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل؟ الإجابة مرتبطة بأهدافها الإستراتيجية الأوسع".

"فطموحات أردوغان لا تقتصر على السيطرة على سوريا، بل تتعداها إلى إحياء مجد الإمبراطورية العثمانية، غير أن تحقيق ذلك يقتضي أولا التخلص من القبضة الروسية الخانقة على تركيا". على حد وصف الموقع.

وأضاف أن "العلاقات التاريخية المتوترة بين روسيا وتركيا، والتي ازدادت تعقيدا بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014؛ جعلت أنقرة في موقع إستراتيجي هش أمام التهديد الروسي".

وفي إطار هذه المواجهة، "اختارت أنقرة التصعيد في عام 2015 عندما أسقطت مقاتلة روسية، مما أدّى إلى تجميد العلاقات بين البلدين".

ومع ذلك، أوضح الموقع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لم يقطع العلاقات بالكامل، بسبب حاجته إلى التنسيق مع تركيا في الملف السوري".

رسالة حازمة 

وتطرق إلى الحديث عن محاولات أردوغان "كسر الحصار الروسي على تركيا، خاصة مع التحالف الروسي السوري الذي نشأ بعد 2011".

وحول التحركات التركية في الشرق الأوسط وآسيا، قال: "استغل أردوغان انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا ليحقق تقدما كبيرا في الساحة السورية؛ إذ نجح في السيطرة على سوريا وتثبيت حكومة أحمد الشرع في البلاد كوكيل لأنقرة".

"في الوقت ذاته، دخلت تركيا في منافسة مع روسيا في منطقة القوقاز؛ حيث دعمت أذربيجان في مواجهتها مع أرمينيا، بل وشجعتها -من خلف الكواليس- على تقليص ارتباطها بموسكو، وإرسال قوات إلى أوكرانيا"، وفق الموقع الصيني.

في هذا السياق المتشابك، يرجح أن تكون "الخطوة التالية لأردوغان هي السيطرة الكاملة على سوريا، وإزالة أي تهديد محتمل من قبل إسرائيل"، وفق تقديره.

ورأى الاضطرابات الداخلية في سوريا وفرت لحكومة الشرع ذريعة مثالية للتدخل تحت شعار تهدئة النزاع، لكنها في الواقع بدأت تضيق الخناق على الوجود والنفوذ الإسرائيلي، وهو ما منح تركيا مكاسب إستراتيجية كبيرة.

وأضاف: "وبالتالي، لم تكتفِ أنقرة بتقليص مساحة التحرك الروسي في سوريا والقوقاز، بل حصلت أيضا على دعم أميركي وربما فرصا لتوسيع نفوذها قرب الجولان، المنطقة التي تمثل لإسرائيل خطا أحمر إستراتيجيا".

ومع ذلك، يزعم الموقع الصيني أن "طموحات أردوغان لا تقف عند هذا الحد، فالرئيس التركي لا يُخفِي رغبته في إعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية، ويضع نصب عينيه هدفا أكبر يتمثل في أن يصبح ملك الشرق الأوسط"، على حد تعبيره.

ومن هنا، يرى أن الغارة الإسرائيلية الأخيرة على دمشق لم تكن فقط ردا على تحركات حكومة الشرع بل بمثابة رسالة حازمة لأنقرة: "لقد تجاوزتم الحد المسموح".

وتوقع أنه "إذا استمرّت تركيا في تحدي الخطوط الحمراء لإسرائيل، فقد تجد نفسها في صراع أكبر معها".

فرصة سانحة 

"وإذا ما نظرنا إلى الحدث من زاوية دولية أوسع، فإن الغارة الإسرائيلية على سوريا قد تعد فرصة سانحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

ففي عام 2024 اضطرت موسكو إلى التراجع عن دورها في الملف السوري بسبب تركيزها العسكري والسياسي الكامل على حرب أوكرانيا، وهو ما سمح لأردوغان بقطف ثمار الانسحاب الروسي دون مقاومة تُذكر.

واستدرك الموقع: "لكن في هذه اللحظة، ومع تصاعد التوتر التركي-الإسرائيلي، قد يجد بوتين منفذا لإعادة ترتيب أوراقه في المنطقة".

في هذا الصدد، يذكّر الموقع بطبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية عبر التاريخ، حيث وصفها بـ"المعقدة والمتذبذبة"، وذلك "رغم أن الاتحاد السوفيتي السابق أسهم في تأسيس إسرائيل عبر دعمه العسكري والسياسي لها".

وذكر أن "بوتين، قبل بضع سنوات، وصف إسرائيل بأنها دولة ناطقة بالروسية، نظرا لحجم الجالية اليهودية ذات الأصول الروسية التي تشكل نسبة كبيرة من سكانها، وهو ما يجعل موسكو حريصة على عدم الانجرار إلى عداء مباشر مع تل أبيب".

من ناحية أخرى، لفت إلى أن "تحالف روسيا مع إيران، العدو اللدود لإسرائيل، يعقد الحسابات ويزيد من حساسية التحرك الروسي في الشرق الأوسط".

في الوقت الحالي، يعتقد أن "المعادلة الإقليمية تحوّلت، فلم تعد إيران الخصم الأساسي لإسرائيل، بل تركيا، القوة الإقليمية الصاعدة بطموحات إمبراطورية". وهذا التحول "يخدم بوتين؛ لأنه يمنح روسيا هامشا أوسع للمناورة".

وتابع الموقع أن "الصراع التركي- الإسرائيلي قد يؤدي إلى تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وهو ما يصب في صالح موسكو".

كما أن توسع حكومة الشرع في هضبة الجولان، قد يدفع تل أبيب لتصعيد أكبر مع أنقرة، ما قد يضعف التعاون بين تركيا والولايات المتحدة، لصالح روسيا.

بناء عليه، إذا اندلعت صراعات جديدة بالشرق الأوسط، فستجد روسيا نفسها في موقف يتيح لها مساحة إستراتيجية أكبر مما يخفف الضغط عن جبهة أوكرانيا.

استنادا إلى ما سبق، يؤكد الموقع أن "الغارة الإسرائيلية على دمشق لم تكن مجرد رد عسكري تقليدي، بل ضربة استباقية تحمل رسائل إستراتيجية متعددة".

فهي تعد "تحذيرا واضحا لأنقرة من مغبة التوغل الزائد في الأراضي السورية، وفي الوقت نفسه، تفتح بابا واسعا أمام الكرملين للعودة إلى المشهد بقوة".