إصدار الحوثي عملة نقدية.. هكذا يعزز اقتصاد الظل ويعمق الانقسام اليمني

يوسف العلي | منذ ١٨ ساعة

12

طباعة

مشاركة

أثار إقدام جماعة الحوثي اليمنية على طباعة عملة نقدية جديدة في مناطق سيطرتها، تساؤلات عدة بخصوص انعكاسها على اقتصاد البلد المنهك منذ عام 2014، وكيفية تعامل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا مع هذه الخطوة، التي وصفها البعض بـ"الكارثية".

وفي 16 يوليو/ تموز 2025، أعلن الحوثيون إصدار ورقة نقدية فئة 200 ريال (نحو 83 سنتا) للتداول، بعد ثلاثة أيام من صك عملة معدنية جديدة فئة 50 ريالا (20 سنتا تقريبا)، وفق بيان للبنك المركزي اليمني في صنعاء التابع للجماعة.

"نسف للاتفاق"

على وقع هذه الخطوة، أصدرت الحكومة اليمنية الشرعية بيانا في 16 يوليو، أعلنت فيه رفضها الإجراء الحوثي، وعدته "استمرارا للحرب الاقتصادية التي تمارسها المليشيات على الشعب اليمني".

وأكدت الحكومة الشرعية خلال بيان للبنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، أن هذا الفعل "عمل عبثي تدميري يستهدف حياة اليمنيين ويفاقم الوضع الاقتصادي الكارثي في البلد".

وأشارت الحكومة إلى أن "هذا الفعل التصعيدي الخطير من قبل مليشيات الحوثي يُطيح بإعلان 23 يوليو/تموز 2024 الصادر عن المبعوث الدولي، والذي تم برعاية إقليمية ودولية".

وقبل نحو عام، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، اتفاق الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي على "عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي، عقب إجراءات متبادلة بين الطرفين حينها".

ونص الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة في أواخر يوليو/تموز 2024 على "إلغاء القرارات والإجراءات ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة".

وحينها أعلن الحوثيون عن صك عملة معدنية فئة 100 ريال لأول مرة، فيما رد البنك المركزي اليمني التابع للحكومة الشرعية، بوقف تراخيص 6 من أكبر بنوك البلاد تقع مراكزها الرئيسة في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثي.

لكن جماعة الحوثي دافعت عن قرارها بإصدار العملة الجديدة، وعدته "إجراء مدروسا ومسؤولا، لتكون بديلاً للأوراق النقدية التالفة من نفس الفئة".

ورأت الحوثي عبر بيان للبنك المركزي بصنعاء في 15 يوليو/تموز 2025، أن ذلك "يأتي في إطار إيجاد حلول لمشكلة الأوراق النقدية التالفة، وتعزيز جودة النقد الوطني المتداول"، مدعية أن تلك الإجراءات "لن يترتب عليها أي زيادة في الكتلة النقدية أو أي تأثير على أسعار الصرف".

وفي المقابل، أكد المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، خلال بيان له في 17 يوليو/تموز 2025، أن الخطوة أحادية، وتنسف مساعي بناء الثقة، في وقت يتراجع فيه الأمل في تحقيق أي تقدم في المسار الاقتصادي.

كما أكد سفراء الاتحاد الأوروبي وفرنسا وهولندا وألمانيا، في 15 يوليو/تموز 2025، أن البنك المركزي اليمني في عدن هو المؤسسة الوحيدة المخوّلة بإصدار العملة القانونية للجمهورية اليمنية، واصفين أي محاولات أخرى لصك العملة بأنها "تزوير غير قانوني".

جاء ذلك خلال لقاء سفراء الاتحاد الأوروبي، برئاسة رئيس البعثة لدى اليمن جابريال فينالس، مع محافظ البنك المركزي أحمد غالب، بالعاصمة المؤقتة عدن، وفقا لبيان مقتضب للبعثة نشرته على حسابها في منصة "إكس".

"كارثة مركبة"

وبخصوص تداعيات طباعة الحوثيين لعملة جديدة، رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، محمد قحطان، أن "انقسام البنك المركزي، وتدهور العملة الوطنية، وانهيار الجهاز المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين، كل ذلك أفقد البنوك ثقة المواطنين"، حسبما نقل موقع "يمن ديلي نيوز" في 21 يوليو/تموز 2025.

وأضاف قحطان أن "كثيرا من المواطنين لجأوا إلى الاحتفاظ بأموالهم من خلال اقتناء العملات الأجنبية مثل الريال السعودي والدولار الأميركي، بصفتهما الخيار الأفضل حاليا للحفاظ على قيمة المدخرات، إلى جانب التوجه نحو شراء الذهب والعقارات كبدائل آمنة".

وبحسب أستاذ الاقتصاد، فإن "خطوة الحوثي بطباعة عملات جديدة دون غطاء نقدي ومن سلطة غير معترف بها، تُعد كارثة اقتصادية مركّبة تهدد بشكل مباشر مدخرات المواطنين، وتُسهم في تعميق الانقسام النقدي، وتعزيز اقتصاد الظل، بل وتهدد بانهيار الثقة بما تبقى من النظام المصرفي في البلاد".

من جهته، قال المحلل السياسي اليمني، حسن مغلس، إن "هذه الخطوة ليست غريبة على الحوثي، ومن المتوقع منها أي قرار، وقرار إصدار العملات ليس الخطوة الأولى".

وأضاف مغلس في تصريح نقلته قناة "بلقيس" اليمنية في 16 يوليو/تموز 2025، أن "الحوثي عملت اقتصادا موازيا، حاولت بقدر المستطاع عمل ذلك، بمساعدة الأمم المتحدة التي أعطت المليشيا هذه الفرصة".

وشدد الخبير اليمني على أن "العملة يجب أن تكون لها قيمة بنكية، فهل هذه الأوراق والقراطيس التي طبعتها مليشيا الحوثي، لها قيمة بنكية تحميها أو حق قانوني؟ طبعا لا". 

وطرح مغلس جملة من التساؤلات، قائلا: “هل المواطن اليمني الذي معه 100 دولار، سيذهب إلى الصراف لصرفها بهذه القراطيس؟ هل سيقبل؟ وهل عنده ثقة فيها؟”

وبين الخبير أن “الورقة النقدية هي أساسا وثيقة ثقة، ما بين المواطن والبنك، وهنا الثقة مفقودة، فعلى أي أساس تُطبع العملة؟”

ولفت إلى أن “إجراءات الحوثي متوقعة، والسبب غياب الدولة، فالدولة الشرعية نفسها متراخية، وأيضًا التركيبة السياسية جعلت الحوثي يفرش رجليه للأمام، لأنه لا يجد أمامه قرارات صارمة ورادعة”.

واتهم مغلس الأمم المتحدة بالتساهل مع الحوثيين، كونها "تصر دائما على النواحي الإنسانية وتضييع البلد من الناحية الاقتصادية، فقد ضاع اليمن اقتصاديًا نتيجة سياساتها هذه".

"مطابع إندونيسيا"

وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي اليمني ماجد الداعري عبر حسابه على "فيسبوك" في 17 يوليو/تموز 2025، إن "مئات المليارات من العملات الأجنبية المختلفة خسرها الحوثيون في غارات أميركية نالت مخازن أسلحة سرية كانت بداخلها واحترقت".

وأوضح الداعري أن "أكثر من مليار دولار قصفتها إسرائيل في مخازن لجمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله كانت تستثمرها جماعة الحوثي في لبنان قبل إصدار المصرف المركزي اللبناني، قرارا يقضي بمنع كل البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية من التعامل مع الجمعية بشكل نهائي".

وتابع: "انكشاف المحافظ المالية لشبكات الحوثيين- تقدر بنحو 7 تريليونات ريال (الدولار الأميركي يعادل 240 ريالا)- للجماعة التي كانت تمتلك إحدى أكبر الإمبراطوريات المالية بالمنطقة، دفعها للجوء إلى صك وطباعة عملات مزورة وضخها بمناطق سيطرتها بالقوة الأمنية الغاشمة".

ورأى الداعري أن جماعة الحوثي تحاول من وراء هذه الخطوة "تعويض بعض خسائرها وتجنب انهيارها اقتصاديا وعجزها عن دفع حتى مرتبات موظفيها ومقاتليها مع نهاية العام".

وحذر الخبير اليمني في منشور آخر، من "خطورة امتلاك مليشيات مصنفة إرهابية أوراق بنكنوت ومطابع عملة، على القطاع المصرفي العالمي، إذا ما افترضنا طباعتها باليمن".

ورأى الداعري أن "ذلك يعني مقدرتها على طباعة أي عملة مزورة لأي دولة والزج بها في السوق المصرفي بمناطقها بقوة سلطة الأمر الواقع، وبالتالي تفخيخ القطاع المصرفي كليا بضخ عملات محلية وأجنبية مزورة وتنفيذ مختلف الجرائم المالية وغسل وتبييض وتهريب أموال".

وكشفت وكالة "عدن نيوز" اليمنية في 19 يوليو/تموز 2025، أن جماعة الحوثي نجحت في طباعة كميات كبيرة من أوراق النقد فئة 200 ريال يمني بمطابع خاصة في إندونيسيا، وذلك بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة لإنتاجها في روسيا بسبب الضغوط السياسية المفروضة على مطابعها.

ونقلت الوكالة عن مصادر مصرفية مطلعة (لم تسمها) بأن "الشحنات الجديدة دخلت أراضي اليمن مستغلةً سريان الهدنة الأخيرة، التي أتاحت لبواخر الشحن الوصول إلى ميناء الحديدة دون الخضوع لإجراءات التفتيش المعتادة".

وأشارت إلى أن "عملية التوريد تمت عبر (مؤسسة الزهراء للتجارة والتوكيلات)، وهي كيان اقتصادي تابع للحوثيين معاقب من وزارة الخزانة الأميركية منذ 22 يونيو/حزيران 2025، وذلك لدورها في تحويل وغسل الأموال لصالح قيادات الجماعة".

ولفتت إلى أن "الجماعة بدأت منذ عام 2019 في تهريب مكائن طباعة متطورة إلى مطابع دائرة التوجيه المعنوي ذات الطابع العسكري، ضمن خطة لبناء قدرة محلية على إصدار العملة الورقية".

وخلصت الوكالة اليمنية إلى أن "الحوثيين يتجهون حاليا لشراء أوراق البنكنوت عالية الجودة، وهو ما قد يمكّنهم مستقبلا من طباعة فئات نقدية إضافية داخليا بطريقة منظمة".

من جهته، قال رئيس مركز "الدراسات والإعلام الاقتصادي" في اليمن، مصطفى نصر: إن "إصدار الحوثي فئات نقدية جديدة يُعد خطوة تصعيدية، ورغم أنها عملية غير قانونية وليست شرعية، لكنها تحمل دلالات وأبعادا أكثر من موضوع صك عملة في هذه المستويات النقدية".

وأوضح نصر لـ"الاستقلال" أنها "رسالة من جماعة الحوثي تريد التأكيد على أنها ما زالت قادرة على إدارة الملف الاقتصادي، والوصول إلى طباعة عملة سبق أن حاولت مرارا العمل على إصدارها، سواء طُبِعت داخل اليمن أو خارجها".

ولفت إلى أن "طباعة عملة وتداولها في مناطق سيطرتها، تمثّل خطوة نوعية بالنسبة للحوثيين؛ لأنها تجاوزت الحظر وحالة العزلة التي فرضت عليها بعد العقوبات الأميركية، والتحديات التي تواجهها في هذا الجانب".

وفي هذا السياق، يرى نصر أن "الجماعة ستتجاوز مشكلة سيولة العملة المحلية التي تعاني منها بشكل كبير، وأن الأمير لن يقف عند استبدال العملة التالفة فقط، وإنما سيصل إلى أشياء أخرى كلما احتاج الحوثي الحصول على الموارد".

وأكد الخبير الاقتصادي أن "هذه الخطوة ستؤثر على سعر العملة المحلية، رغم أنه مثبّت في مناطق الحوثيين بالقوة، وأنه لا يعكس سعره الحقيقي بالعرض والطلب، وتجبر كل من يتعامل بالعملة المحلية أن يصرف وفقا لهذه الأسعار، وبالتالي هو سعر غير عادل".

ورأى نصر أن "تداعيات هذه الخطوة على مناطق سيطرة الحوثي تعتمد على كميات العملة التي تضخها الجماعة، فإذا كان فقط استبدال التالفة تحديدا، فإنه لن يؤثر على التضخم أو تراجع سعر العملة في هذه المناطق".

وتابع: "لكن إذا استمرت الجماعة في عملية طباعة العملة، وقامت بإنزال كميات أخرى لتغطية نفقاتها المختلفة، فإن هذا سيخلق نوعا من أنواع التضخم".

وشدَّد نصر على أن "تداعيات هذه الخطوة على المستوى العام ستكون خطيرة كونها ستدفع إلى حرب اقتصادية كبيرة؛ لأن هذه القرارات ستقابلها الحكومة الشرعية بخطوات تصعيدية تتعلق بالرقابة على تمويل الاستيراد والسلع وتبادل العملات الصعبة والتبادل التجاري، وكثير من الأمور التي يعاد رسمها".