هجوم إسرائيل على قطر.. هل يدفعها للتخلي عن دور الوساطة بغزة؟

حسن عبود | منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

دخلت مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة مصيرا سوداويا بعد استهداف إسرائيل قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطر أثناء اجتماعهم لمناقشة آخر مقترح أميركي.

وتراوح المفاوضات مكانها منذ شهور في ظل رفض إسرائيل وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة، لكن مستقبل المحادثات وصل إلى أسوأ مراحله بعد محاولة اغتيال المفاوضين الفلسطينيين.

وشنت إسرائيل في 9 سبتمبر/أيلول 2025، هجوما استهدف مقرات سكنية لعدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس بالدوحة، فيما أكدت الأخيرة نجاة قادتها من "محاولة الاغتيال الجبانة".

لكن الهجوم على الدولة الخليجية التي تؤدي دور الوسيط لوقف إطلاق النار بغزة، أسفر عن استشهاد جهاد لبد، مدير مكتب رئيس حركة حماس في القطاع وكبير مفاوضيها؛ خليل الحية، ونجل الأخير "همام" ومجموعة من المرافقين.

الموقف القطري

وقبل الهجوم، صدرت تسريبات إسرائيلية عن رغبة تل أبيب في عدم استمرار دور دولة قطر كوسيط واستبدالها بأطراف أخرى. 

وبعد الضربة، تغيرت كذلك اللهجة القطرية فيما يخص دورها إلى جانب مصر في الوساطة، لتدخل العملية التفاوضية في مسار ضبابي.

فقد قال رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "حاليًا نعيد تقييم كل شيء في العملية برمتها لأن هذا الأمر (الهجوم على الوسيط) أمر غير مقبول".

وأردف خلال مقابلة مع شبكة سي إن إن الأميركية في 10 سبتمبر: “نحن في حوار مفصل للغاية مع حكومة الولايات المتحدة، وعلينا أن نفهم كيف سيكون الوضع مستقبلاً”.

وأضاف أن "الأمر ليس اعتداء على سيادتنا ووطننا فقط، بل على المنطقة بأكملها اليوم. منطقة مجلس التعاون الخليجي أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة بالشرق الأوسط في خطر".

وعما إذا كان مستقبل المحادثات غير واضح في هذه المرحلة، قال رئيس الوزراء القطري: "ليس لديّ إجابة على هذا، لأنني في الحقيقة أرى كلامًا فارغًا الآن".

وواصل القول: "كنت أُعيد التفكير في العملية برمتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، لأن (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو كان يُضيع وقتنا فحسب، ولم يكن جادًا في أي شيء".

وعلى الرغم من إعلان حماس نجاة قياديها، لا يعرف على وجه التحديد حالتهم الصحية، أو إذا ما كان بعضهم قد تعرض لإصابات.

وفي سؤاله على مصير رئيس حركة حماس في غزة وكبير مفاوضيها خليل الحية، قال آل ثاني: "حتى الآن لا يوجد أي تصريح رسمي عن مكانه".

وأوضح المسؤول القطري أنه "بقصفه وفد حماس، قتل نتنياهو كل أمل للرهائن الإسرائيليين في غزة"، من أجل عقد صفقة تبادل.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يواصل نتنياهو تصعيد تصريحاته ضد قطر والإصرار على إعادة الكَرَّة باستهداف قادة حماس حال تأكد نجاتهم، ما يعقد دور الدوحة كوسيط وينسف فكرة المفاوضات.

ففي كلمة مصورة ألقاها باللغة الإنجليزية في 10 سبتمبر، صرح نتنياهو: "أقول لقطر وجميع الدول التي تؤوي إرهابيين: إما أن ترحلوهم أو تقدّموهم للعدالة أو سنفعل نحن ذلك"، بحسب تعبيره.

ومع تواصل التهديدات والتلميحات الإسرائيلية، أعلنت قطر عن استضافة قمة عربية إسلامية يومي 14 و15 سبتمبر لمناقشة الهجوم الإسرائيلي عليها.

وقال آل ثاني في نفس المقابلة: "سيكون هناك رد من المنطقة وهو أمر يجري بحثه مع الشركاء الإقليميين، ونأمل أن يكون الرد حقيقيا من أجل وقف بلطجة إسرائيل".

ابتزاز مستمر

ولم تتوقف إسرائيل خلال 23 شهرا من العدوان على غزة، عن تشويه دور قطر كوسيط واتهمتها بالانحياز إلى حماس ورعايتها ودعم موقفها.

ففي مايو/أيار 2025، هاجم نتنياهو، الدوحة في منشور عبر حساب رئاسة الوزراء على منصة "إكس" قائلا: "حان الوقت لقطر أن تتوقف عن خطابها المزدوج واللعب على الحبلين"، على حد زعمه.

وتأتي اتهامات نتنياهو المتكررة على الرغم من أن جهود الوسيطين القطري والمصري أفضت إلى هدنتين لوقف إطلاق النار (في ديسمبر/ كانون الأول 2023 ويناير/ كانون الثاني 2025)، والإفراج عن أكثر من 130 أسيرا إسرائيليا.

وبعد الهدنتين، تنصلت إسرائيل من الاتفاقات وعادت إلى الحرب وارتكاب جرائم إبادة جماعية وتجويع أكثر من 2.4 مليون نسمة بالقطاع.

وبسبب “عدم توافر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب ومعاناة المدنيين المستمرة من جراء الأوضاع الإنسانية الكارثية بالقطاع”، أعلنت قطر في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تعليق دورها كوسيط بين حركة حماس وإسرائيل مؤقت.

ووقتها، شدد المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري على أن قطر لن تقبل أن تكون الوساطة سبباً في ابتزازها.

وقال: “شهدنا منذ انهيار الهدنة الأولى وصفقة تبادل النساء والأطفال تلاعباً، خصوصاً في التراجع عن التزامات جرى الاتفاق عليها من خلال الوساطة، واستغلال المفاوضات في تبرير استمرار الحرب لخدمة أغراض سياسية ضيقة”.

ويضع نتنياهو 5 شروط لإنهاء الحرب وهي نزع سلاح حماس، إعادة جميع الأسرى - الأحياء والأموات، وتجريد غزة من السلاح، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة، وإنشاء إدارة مدنية لا تتبع للحركة الإسلامية ولا السلطة الفلسطينية.

وقبل استهداف قادة حماس في قطر تحدث ترامب حليف إسرائيل، عن وجود مقترح جديد قدم للحركة. ووفق القناة 12 العبرية فإنه ينص على إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، وإطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

كما تقضي بوقف خطة احتلال مدينة غزة والدخول في مفاوضات حول إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع بضمانة من ترامب تشمل عدم عودة إسرائيل للحرب طالما المفاوضات مستمرة.

وفي الفترة الأخيرة، كانت إسرائيل تدرس نقل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وصفقة تبادل أسرى مع حماس إلى الإمارات العربية المتحدة أو دولة أوروبية، وفقًا لما ذكرته القناة 12 العبرية في 24 أغسطس/آب 2025.

ووفقًا للقناة الإسرائيلية، تجري مناقشات سياسية خلف الكواليس لاختيار مكان جديد للمحادثات، بدلًا من قطر أو مصر.

وتشمل الخيارات عاصمة أوروبية أو دولة الإمارات، التي زارها وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر مؤخرًا وشارك في مناقشات حول هذا الأمر.

وفي 19 أغسطس، كشفت الإذاعة العبرية العامة، أن ديرمر أجرى أخيرًا برفقة وفد رفيع المستوى  زيارة سرية إلى الإمارات التي طبعت العلاقات مع إسرائيل عام 2020.

وأوضحت أن الزيارة شملت اجتماعات مع مسؤولين إماراتيين، تناولت الحرب على غزة، والقضايا الأمنية، والعلاقات السياسية بين الجانبين، فيما ردّ مكتب ديرمر على هذه الأخبار بالقول: "لن نعلق".

مستقبل الوساطة

وعن مستقبل المفاوضات، رأت مجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية أن “مصير كبار قادة حماس الذين تعرضوا لغارة إسرائيلية مفاجئة في الدوحة لا يزال مجهولا، لكن مقترح ترامب للوساطة الذي اجتمعوا لدراسته، قد انتهى على الأرجح”.

ونقلت المجلة في 10 سبتمبر عن السفيرة الأميركية السابقة في قطر “دانا شيل سميث” قولها: "عندما يقصف أحد الطرفين فريق التفاوض التابع للطرف الآخر، يصعب رؤية مسار للمضي قدمًا". 

وذكرت أن قطر التي استضافت قادة حماس السياسيين لسنوات بناءً على طلب الولايات المتحدة، وكانت وسيطا لا غنى عنه في المحادثات الجارية لإنهاء الحرب، بدت غاضبة على غير عادتها في إدانتها للغارة الإسرائيلية.

ولذلك تعتقد أنه “حتى لو استمرت محادثات السلام، فمن غير المرجح أن تلعب قطر دور الوسيط بعد الغارة الصاروخية الإسرائيلية على أراضيها”.

واتفق مسؤولون إسرائيليون تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم مع سميث، مؤكدين أنهم لم يروا فائدة إستراتيجية لعملية تُؤكد تقريبًا أن الأسرى في غزة لن يُطلق سراحهم في أي وقت قريب. 

وقد علق ضابط سابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” بالقول: "التوقيت سياسي وغبي".

وأردفت المجلة: “ستُترك عائلات الرهائن بغزة للتساؤل عن سبب اتخاذ نتنياهو هذا الإجراء في حين بدا قبل أيام فقط أن المفاوضات قد تُؤتي ثمارها”.

وأكدت أنه “رسميًا، لم تتخلَّ قطر عن دورها كوسيط، لكن رئيس وزرائها لم يترك مجالًا للشك في أن حكومته لا تستطيع عد إسرائيل شريكًا جديرًا بالثقة”.

ونقلت ذا أتلانتيك عن مسؤول أميركي أن الضربة الإسرائيلية "قد تُنهي" جهود البيت الأبيض الجارية للتوصل إلى هدنة.

كما يعتقد بعض كبار مساعدي الرئيس ترامب أن هذا ربما كان قصد نتنياهو تحديدًا، خاصة أن القوات الإسرائيلية تستعد لاجتياح مدينة غزة.

وبدوره، نقل موقع المجلس الأطلسي عن الباحث فيه أحمد الخطيب أن قرار استهداف القيادة السياسية لحماس، "قد يشير إلى أن إسرائيل لم تعد تعتقد أنه سيكون هناك وقف إطلاق نار قابل للتطبيق واتفاق بشأن الأسرى في غزة".

فيما تعتقد جينيفر جافيتو وهي زميلة أولى غير مقيمة في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط ونائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي السابقة لشؤون الشرق الأدنى أن الضربات "قلبت دور قطر كوسيط أساسي" نحو الاتجاه إلى تعليق هذه المهمة.

وقالت جين لموقع المجلس نفسه: "لا يمكن تحقيق السلام والأمن طويلي الأمد إلا من خلال المفاوضات وتوسيع التطبيع. كل ضربة تنتهك القانون الدولي تُضعف مصداقية إسرائيل كشريك تفاوضي"، وفق تعبيرها.

وقال مسؤولون سابقون وخبراء مطلعون على تفكير الحكومة الإسرائيلي: إن الضربات في قطر كانت تهدف إلى تحريك المفاوضات المتعثرة منذ فترة طويلة مع حماس، وفق ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في .

ولكن لطالما برهنت حماس في الماضي على أن اغتيال قادتها لا يُخفف من مواقفها. ففي وقت سابق من الحرب، رفضت الحركة المطالب الإسرائيلية بالاستسلام، حتى بعد استشهاد كبار مسؤوليها وقادتها.