جيش الاحتلال الإسرائيلي يرسم إستراتيجية جديدة جنوب سوريا.. ما تفاصيلها؟

"تمركزات وتوغلات قوات الاحتلال ليست من أجل الانسحاب منها لاحقا"
يرسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إستراتيجية جديدة في جنوب سوريا تقوم على ربط النقاط العسكرية التي احتلها بريف القنيطرة عقب سقوط نظام بشار الأسد.
وما يزال الاحتلال يوسع توغلاته في جنوب سوريا جاعلا من اتفاقية فض الاشتباك الموقعة مع نظام حافظ الأسد عام 1974 بحكم الممزقة من قبله.
نقاط عسكرية
وفي خطوة جديدة نحو ذلك، ثبت جيش الاحتلال الإسرائيلي نقطة عسكرية عند مدخل قرية أوفانيا في ريف القنيطرة جنوبي سوريا، عقب توغله في المنطقة نهاية أغسطس/ آب 2025، الأمر الذي أعاق حركة الأهالي ووضعهم تحت حالة من الحصار.
وقالت مصادر أهلية من محافظة القنيطرة، لموقع "تلفزيون سوريا": إن الطريق الرئيس في القرية يشهد بشكل يومي مرورا لدوريات الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تتحرك آلياته من جهة قرية الحميدية أو جباتا الخشب، مما يعيق مرور سيارات الأهالي، خاصة في الصباح.
ويتسبب انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي بحالة من الذعر لدى السكان، خوفا من عمليات دهم وتفتيش المنازل، أو اعتقال الشبان.
وبحسب المصادر تتوقف دوريات الاحتلال عند النقطة العسكرية التي ثبتتها في مدخل القرية، أو قرب جامع نصر أو جسر عين البيضة، لتفتيش سيارات المارة، مما يعيق حرية الحركة.
وتوغل الجيش الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة المنزوعة السلاح في الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، والواقعة على أطراف الجزء الذي تحتله إسرائيل من الهضبة السورية.
كما احتلت إسرائيل عقب إلغاء اتفاقية "فض الاشتباك" جبل الشيخ وأراضي وقرى بعمق يزيد عن 25 كم داخل سوريا، لتضاف إلى هضبة الجولان المُحتلة.
وجبل الشيخ أو "جبل حرمون" هو جبل يقع بين سوريا ولبنان يطل على الجولان المحتل ويمكن رؤيته من الأردن.
وكان لافتا أن دوريات جيش الاحتلال تتحرك في مسارات محددة في ريف القنيطرة، وذلك أشبه بخطّ عسكري محددة تسلكه تلك القوات بين القرى هناك.
وتتوزع نقاط الاحتلال الإسرائيلي في ريف القنيطرة، في نقطة بمحيط سد المنطرة الإستراتيجي، في قرية القحطانية، أنشأتها في يناير/ كانون الثاني 2025، وحوّلت جزءا من مياه السد إلى حوض اليرموك.
وكذلك في نقطة عسكرية في محمية جباتا الخشب الطبيعية، أنشأتها قوات الاحتلال في مايو/ أيار 2025، وجرفت كامل المحمية لتحولها إلى مهبط للطائرات العسكرية، وثبتت مرصدا في برج مراقبة الحرائق الزراعية في المحمية.
إضافة إلى نقطة تل أحمر غربي قرية كودنا، التي أنشأتها قوات الاحتلال في مايو 2025.
وهناك قاعدة في قرية الحميدية، أنشأتها قوات الاحتلال في يونيو/ حزيران 2025، شرقي القرية بعد أن أخلت منازل المواطنين وجرفت مناطق واسعة، ودمرت أكثر من 15 منزلا.
وأيضا أقامت قوات الاحتلال نقطة عسكرية في قرص النفل في المنطقة الواقعة غرب قرية حضر، أنشأتها في ديسمبر/ كانون الأول 2024.
ويبدو واضحا أن قوات الاحتلال ولربط تلك النقاط العسكرية عملت على إنشاء شبكة من الطرق، على طول الطريق الواصل بين قريتي كودنا والحميدية مرورا بقرى القحطانية، وطريق بريقة، وبئر عجم، ورويحينة، من أجل تسهيل نقل الآليات، والتوغل إلى عمق قرية الصمدانية.
ويتوازى ذلك مع سياسة ترهيب لسكان المنطقة تنفذها قوات الاحتلال بحق السكان جنوب سوريا.
واعتقلت القوات الإسرائيلية في 3 سبتمبر/ أيلول 2025 سبعة أشخاص من بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة الشمالي وقامت بمداهمة وتفتيش عدد من المنازل.
وزعم الاحتلال أن قواته "أوقفت عددا من الأشخاص يُشتبه في قيامهم بأنشطة إرهابية ضد الجنود في منطقة جباتا بجنوب سوريا" خلال الليل، وجرى نُقلهم إلى داخل إسرائيل.
وهذه الدورية الإسرائيلية كانت مؤلفة من "5 عربات و30 عنصرا" دخلت من قاعدة استحدثتها في محيط جباتا الخشب القريبة من جبل الشيخ، ونفّذت عند الثالثة فجرا عملية المداهمات والاعتقالات قبل أن تنسحب نحو الخامسة فجرا "باتجاه القاعدة".
ضغط على دمشق
وكثيرا ما تجري القوات الإسرائيلية أنشطة ليلية عدة في جنوب سوريا بهدف البحث عن أسلحة وأشخاص.
وعثرت قوات سورية في موقع جبل المانع بريف دمشق الذي يفصل بين الغوطتين الشرقية والغربية في 26 أغسطس، على أجهزة مراقبة وتنصّت وأثناء محاولة التعامل معها، تعرّض الموقع لهجوم إسرائيلي جوي أسفر عن مقتل عدد من قوات الجيش وتدمير آليات، وفق وكالة الأنباء الرسمية "سانا".
وفي 27 أغسطس 2025 استهدفت مسيّرة إسرائيلية أحد المساكن العسكرية التابعة للفرقة 44 السورية في منطقة الحرجلي بناحية الكسوة بريف دمشق الغربي ممّا أدّى لسقوط 3 قتلى من عناصر الفرقة.
وأتت هذه الغارة بعيد ساعات على إعلان وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) عن "استشهاد شاب جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في قرية طرنجة بريف القنيطرة الشمالي".
وكثيرا ما نددت الخارجية السورية بشن قوات الاحتلال الإسرائيلي "حملات اعتقال بحقّ المدنيين وإعلانها الاستمرار في التمركز غير المشروع في قمة جبل الشيخ والمنطقة العازلة".
وضمن هذا السياق يؤكد الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أنه "من الناحية التقنية العسكرية فإنه عندما يتم تثبيت نقاط صغيرة لوجستية بين نقاط كبيرة هو للدعم اللوجستي وتقليل كلفة التحرك العسكري لمسافات كبيرة".
وأضاف شعبان لـ"الاستقلال" أن "ما تقوم به قوات الاحتلال جنوب سوريا ليس فقط أمرا تقنيا عسكريا؛ لأن إسرائيل لا تفكر فقط بالتمركز السوري بل هدفها هو تعزيز الضغوط على المجتمعات المحلية وخلق بيئة غير آمنة ومضطربة واستخدام هذه الهشاشة في الوضع الأمني لأهداف سياسية للضغط على حكومة دمشق في جلسات التفاوض رغم أن مسار المفاوضات غير مكتمل وغير ناضج بعد".
واستدرك: "إسرائيل لوجستيا تقوم بالتخديم لهذه القواعد والنقاط عبر الإنزال المظلي وغيره".
ورأى شعبان أنه "عندما تقوم قوات الاحتلال بإحداث شبكة لتلك النقاط العسكرية جنوب سوريا هي لتعزز الضغط على الحاضنة الشعبية في القنيطرة والتي تترافق مع إلحاق أضرار في موارد رزق الأهالي عبر تجريف الأراضي وتكسير الأشجار وإقامة حواجز وعمليات تفتيش ".
وأردف قائلا: "هذا الأمر ينعكس بشكل مباشر على طاولة التفاوض مع دمشق التي من مسؤوليتها حماية السكان".
وإرسال الاحتلال قوات برية إلى ريف القنيطرة، وإقامة نقاط وتحرك قواته بكل أريحية في القرى هناك، يأتي رغم لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر بالعاصمة باريس في 19 أغسطس 2025.
وكشف موقع "أكسيوس" حينها أن اجتماع ديرمر والشيباني “بحث الترتيبات الأمنية على الحدود بين سوريا وإسرائيل”.
وأفاد الموقع حينها بأن اللقاء توسطت فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب، ويعد أرفع لقاء رسمي بين إسرائيل وسوريا منذ أكثر من 25 عاما.
وعقب ذلك عقد الشيباني وديرمر اجتماعا جديدا في 30 أغسطس بالعاصمة الأذرية باكو.
"لا نوايا للانسحاب"
وما تقوم به إسرائيل في الجنوب السوري، تزعم أنه لنزع سلاح الدولة السورية من محافظات الجنوب الثلاث (القنيطرة، درعا، السويداء).
إلا أن الخروقات الإسرائيلية والاعتقالات والقصف المتكرر على مواقع الجيش الجديد وإيقاع قتلى وتدمير أسلحة ينظر إليها الباحث في المركز العربي" بواشنطن، رضوان زيادة، بأنها "تعطي انطباعا بأن الحكومة السورية الحالية ضعيفة للغاية، وغير قادرة على السيطرة على سيادة وسلامة الأراضي، أو منع أي نوع من التصعيد من الجانب الإسرائيلي".
وقال زيادة لمجلة "نيوزويك" الأميركية في 2 سبتمبر 2025: "لا أعتقد أن الشعب السوري سيقبل بأي اتفاق مع إسرائيل لا يشمل مرتفعات الجولان".
وشدد على أن "كثيرا من السوريين، بل الأغلبية الساحقة، يعدون الجولان جزءا من الأراضي السورية، وأن إسرائيل احتلته احتلالا غير شرعي بعد حرب عام 1967".
وأمام ذلك، فإن إسرائيل ما تزال ترسم إستراتيجيات جديدة في الأراضي السورية، وكأنها تدير وجهها لأي اتفاق يمنع التصعيد ويبقي طرفي الحدود منطقة هادئة؛ إذ إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال لقاء جمعه مع زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف وعدد من قيادات الطائفة وفق فيديو بثه مكتبه في 28 أغسطس قال: إن "مناقشات تجرى" لإقامة منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا وإنشاء ممر إنساني لإيصال المساعدات إلى مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية بشكل رئيس.
وأضاف "نركز على ثلاثة أمور، حماية الطائفة الدرزية في محافظة السويداء (جنوب سوريا) بل وفي مناطق أخرى أيضا، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح تمتد من الجولان (السوري المحتل الذي ضمته إسرائيل) إلى جنوب دمشق وتشمل السويداء، وفتح ممر إنساني لتوصيل المساعدات من غذاء ومواد بناء وكل ما يلزم".
وبرزت نزعات انفصالية من السويداء ذات الغالبية الدرزية والتي قادها رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، حكمت الهجري، الذي طلب بشكل علني مساعدة إسرائيل في هذا المشروع.
وضمن هذا السياق، أكّد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، أن إسرائيل "منذ اقتحامها المنطقة العازلة عقب سقوط الأسد التي هي منزوعة السلاح وتجاوزها إلى مناطق أخرى في عمق الجنوب وأهمها قمة جبل الشيخ وفي ريف دمشق يبدو جليا أن هذه التمركزات والاقتحامات والتوغلات ليس من أجل الانسحاب منها لاحقا".
وأوضح علوان لـ"الاستقلال" أن إسرائيل "تريد من وراء كل تلك التحركات أن توسع مناطق نفوذها وأن تخلق منطقة عازلة وتدميرها وليس الالتزام باتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 والتي التزمت بها سوريا إلى الآن".