مناوشات عسكرية في الكاريبي.. هل تبدأ فنزويلا "الكفاح المسلح" ضد أميركا؟

إسماعيل يوسف | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

هل تقع حرب بين أميركا وفنزويلا؟.. سؤال تردد بقوة في أعقاب تصعيد حاد، بنشر الولايات المتحدة سفن حربية وغواصة نووية ومقاتلات في البحر الكاريبي، بحجة مكافحة تهريب المخدرات، وحدوث مناوشات مع طائرات فنزويلية.

وسبق ذلك اتهام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالتورط فيه تجارة المخدرات كنوع من الضغط السياسي عليه، وذلك بعد قرار أميركي سابق برصد مكافأة 50 مليون دولار للقبض عليه باعتباره أحد قادة كارتلات المخدرات.

وزاد من سخونة الحالة إعلان الرئيس مادورو، خلال اجتماع مع قادة عسكريين أن بلاده ستدخل "مرحلة الكفاح المسلح" في حال تعرضت لهجوم من الولايات المتحدة، رداً على تهديدات صريحة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتزامن هذا مع توقيع ترامب، في 5 سبتمبر/ أيلول 2025، أمراً تنفيذياً بتغيير اسم "وزارة الدفاع" إلى “وزارة الحرب”، كما كان اسمها في أربعينيات القرن العشرين، بهدف "إظهار القوة والعزيمة"، وفق الأمر الرئاسي.

تحليلات نشرتها صحف "واشنطن بوست" وشبكة “بي بي إس” وغيرها، أكدت أن الولايات المتحدة تتحرك وفقًا لقواعد مكافحة المخدرات وتحاصر فنزويلا، ولا تنوي حربًا بسبب السياسة.

لكن تحليلات أخرى ترى أنه مع أنه لا يوجد إعلان رسمي أو خطة واضحة لعملية غزو بري لفنزويلا، صار التوتر العسكري حقيقيًا، وتبدو واشنطن كأنها تمارس عدوانًا رمزيًا أو خليطًا من الابتزاز العسكري والسياسي.

التصعيد إلى أين؟

بدأ التوتر في أغسطس/ آب 2025 بنشر إدارة ترامب سفن حربية وغواصة نووية قرب فنزويلا تحت شعار "مكافحة الكارتلات".

سبق هذا زيادة واشنطن مكافأة اعتقال رئيس فنزويلا إلى 50 مليون دولار، بتهم "الاتجار بالمخدرات والفساد"، وهي تهمة سياسية لمعارضة أميركا حكمه.

وفي مطلع سبتمبر 2025 أرسل ترامب 10 طائرات شبح (F-35) إلى بورتوريكو لتعزيز الضغط على فنزويلا، بعدما قال: إن طائرتين من فنزويلا ناوشا السفن الحربية التي أرسلها.

وحذر ترامب فنزويلا من أن طائراتها العسكرية سيتم إسقاطها إذا شكلت تهديدا للقوات الأميركية.

وفي اليوم الثاني، ادعت الولايات المتحدة أنها نفذت ضربة صاروخية على قارب تهريب لتجار مخدرات قرب فنزويلا، ما أدى إلى مقتل 11 شخصًا ما زاد حدة التوتر، وفق وكالة أسوشيتد برس.

وقال مسؤول حالي في البنتاغون وخبراء قانون عسكريين، لموقع "إنترسيبت"، في 5 سبتمبر، إن "هجوم ترامب على القارب كان إجراميًا على المدنيين وينتهك القانون الدولي".

قالوا: بموجب القانون الدولي، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقترب هذا الأمر من كونه استخدامًا مشروعًا للقوة.

وردت فنزويلا بتعبئة شاملة واستنفار، حيث أعلن الرئيس مادورو تعبئة أكثر من 4.5 ملايين من القوات الشعبية، إضافة إلى القوات العسكرية النظامية، ووعد بالدفاع المسلح الكامل في حال أي اعتداء.

وقال مادورو: "ليست هناك أي فرصة لدخولهم فنزويلا"، مؤكدا أن بلاده مستعدّة للدفاع "عن السلام وعن سيادتها ووحدة أراضيها".

وأكد أن فنزويلا "أمة سلام، لكنها أيضاً أمة محاربين"، مضيفاً: "لا يمكن لأحد أن يستعبدنا على الولايات المتحدة أن تتخلى عن خططها لتغيير النظام بالقوة".

وتملك فنزويلا 15 مقاتلة من طراز إف-16 اشترتها من الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين، بالإضافة إلى عدد من المقاتلات والمروحيات الروسية.

لكن مادورو قال 5 سبتمبر، إن الخلافات مع الولايات المتحدة "لا ينبغي أن تؤدي إلى صراع عسكري".

وأشار إلى أن "التقارير الاستخباراتية التي قدموها (لترامب) غير صحيحة، فنزويلا اليوم بلد خالٍ من إنتاج أوراق الكوكا والكوكايين، وهو بلد يحارب الاتجار بالمخدرات".

وقد كشفت شبكة "سي إن إن"، يوم 5 سبتمبر أن ترامب يدرس القيام بضربات عسكرية داخل الأراضي الفنزويلية تستهدف "شبكات كارتلات مرتبطة بمادورو".

و"ضرب أهداف داخل البلاد كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف الزعيم نيكولاس مادورو وربما إزاحته عن السلطة"، بحسب مصادر متعددة مطلعة على خطط الإدارة.

ونقلت الشبكة الأميركية عن مصادر أن إدارة ترامب تتعمد الغموض، وأنه حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أن ترامب قرر المضي قدما في الضربات العسكرية ضد أهداف داخل فنزويلا، لكن هذا وارد مستقبلا.

وعندما سأله أحد الصحفيين يوم 5 سبتمبر عما إذا كان يرغب في رؤية تغيير النظام في فنزويلا، قال ترامب: "نحن لا نتحدث عن ذلك"، لكنه عاب على الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس الحالي ووصفها بأنها كانت "غريبة"، وهي انتخابات لم تعترف بها إدارة بايدن السابقة.

لكن السكرتيرة الصحفية كارولين ليفيت قالت: إن ترامب "مستعد لاستخدام كل عنصر من عناصر القوة الأميركية لوقف تدفق المخدرات إلى بلادنا وتقديم المسؤولين عن ذلك إلى العدالة".

وردًا على سؤال من الصحفيين، أواخر أغسطس 2025، حول إمكانية إرسال قوات أميركية إلى فنزويلا: "نظام مادورو ليس الحكومة الشرعية لفنزويلا، إنه كارتل مخدرات إرهابي".

و"مادورو، في رأي هذه الإدارة، ليس رئيسًا شرعيًا، إنه زعيم هارب لهذه الكارتل، وقد وُجهت إليه اتهامات في الولايات المتحدة بتهريب المخدرات إلى البلاد"، وفق قولها.

ويُحذر مادورو دوما من أن الولايات المتحدة "تسعى لغزو بلاده بهدف الإطاحة به وتغيير النظام".

وكان نائب الرئيس ترامب، "دي فانس" كتب يدعو لقتل "قادة الكارتيلات" الذين يسممون الأميركيين (بالمخدرات)، وعد هذا أولوية عسكرية.

ورد عليه صحفي، عبر "أكس" بأن قتل مدنيين يعد "جريمة حرب"، فعقب الأخير بنوع من الوقاحة قائلا إنه "لا يهتم البتة"، مستخدما عبارة غير لائقة.

وقبلها غرد وزير خارجية أميركا، مارك روبيو بنشر صورة طلب القبض على مادورو في أميركا بمكافأة 50 مليون دولار، ما أثار انتقادات لأنه يتحدث عن رئيس دولة مُنتخب من قبل شعبه.

وخلال حكم ترامب في فترة الرئاسية الأولي (2017-2020) صعد بالعقوبات والضغط السياسي، لكن في فترته الرئاسية الثانية 2025، انتقل التصعيد إلى مستوى عسكري مباشر في البحر الكاريبي، وسط مخاطر تحول المواجهة إلى حرب إقليمية.

وحين أُعلن فوز الرئيس اليساري "نيكولاس مادورو"، بولاية ثالثة في انتخابات 28 يوليو/تموز 2024 وشهدت البلاد أزمة سياسية كبيرة ونزلت المعارضة للشوارع ودخلت أميركا على الخط بإعلان أنها لا تعترف به رئيسا، حسبما أوضح تقرير سابق لـ "الاستقلال".

كانت مفارقة غريبة أن تنطلق دعوات من أميركا "الديمقراطية" لتشجيع العسكريين في فنزويلا علنا على الانقلاب على الرئيس مادورو.

وظهرت قائدة عسكرية أميركية تحرض على الانقلاب وتقول: إن فنزويلا لديها أكبر احتياطي نفطي وموارد معدنية هامة، ما دعا محللون أميركيون للسخرية من الدعوات التي تدعمها أميركا للانقلاب العسكري في فنزويلا.

قالوا: “نحن ندعو إلى احترام إرادة الشعب في فنزويلا بينما نقوم بتنظيم انقلاب عسكري أطاح برئيس منتخب في مصر ورئيس وزراء في باكستان، فهل هذا حقا يتعلق بالديمقراطية أم بشيء آخر؟”

وفي 2 أغسطس 2024 اتهمت حكومة فنزويلا رسميا الولايات المتحدة بالوقوف وراء ما وصفته بـ "محاولة انقلاب"، بعدما اعترفت أميركا وبعض الحكومات الإقليمية بمرشح المعارضة فائزا في الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في البلاد.

ما علاقة "وزارة الحرب"؟

تزامن التصعيد الأميركي الفنزويلي مع اتخاذ الرئيس ترامب قرارا يوم 5 سبتمبر 2025 بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى اسمها القديم، وزارة الحرب، ما يشير لتبنيه "نظرية الهجوم والصدام" وفق تقديرات أميركية.

صحف أميركية وصفت التغيير بأنه جزء من محاولة أوسع من ترامب لإظهار القوة والتأثير في الداخل والخارج، كجزء من سياسته "لنجعل أميركا عظيمة مجددا"، لكن محللين تخوفوا من أن يكون هذا مقدمة لحقبة تدخلية في العالم، وقد تبدأ بفنزويلا.

أوضحوا أن التغيير أبعد من مجرد تغيير التسمية، إذ إن فكرة تغيير الاسم لـ "الحرب" يوحي بأن شخصية ترامب صدامية وأنه يتبنى الهجوم والاستباق بدل الدفاع والانتظار، ما قد يفتح الباب أمام حروب جديدة.

كما أن القرار الذي اتخذه ترامب بشأن تغيير اسم وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب" يتعارض مع حملته للفوز بجائزة نوبل للسلام بدعوى أنه أسهم في إنهاء ست أو سبع صراعات، وفق زعمه.

وكانت تسمية وزارة الحرب معتمدة مدى أكثر من 150 عاما منذ 1789، أي بعد الاستقلال عن بريطانيا، وحتى العام 1947، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ولا يمكن لترامب أن يغير رسميا تسمية الوزارة من دون موافقة الكونغرس، لكن الأمر التنفيذي يسمح باستخدام التسمية الجديدة كاسم ثانٍ لوزارة الدفاع، ووقد قدم السيناتور الجمهوري مايك لي مشروع قانون لتغيير الاسم بالفعل.

حقبة تدخلية!

من مفارقات السياسة الخارجية الأميركية أنها تشهد فترات "تدخلية" في شؤون العالم بقوة، تعقبها فترات "انعزالية"، ومن المفارقات أيضا أن الحزب الجمهوري كان الأكثر دعوة للانعزالية والتركيز على الشؤون المتحدة الداخلية، وهو ما دعا له ترامب فور فوزه بالرئاسة.

لكن ما كان يحدث فعليا هو أن الرؤساء الجمهوريين، الذين كانوا يدعون للانعزال والانكفاء على الداخل، أصبحوا هم أكثر القادة الذين خاضوا حروبا في الخارج ودشنوا حقب تدخلية أميركية عنيفة في شئون العالم وصلت لغزو دول.

وينطبق هذا على الرئيس الحالي ترامب الذي دعا للتركيز على الداخل وأعلن أنه لن يشارك في أي حروب خارجية، بحجة بناء أميركا وجعلها عظيمة وفق مبدأ تيار "ماغا" الداعم له، لكنه تورط في حرب مع إيران واليمن، ودعم حروب إسرائيل في غزة ولبنان.

هذه التحولات التاريخية في السياسة الخارجية الأميركية بين التدخلية (Interventionism) والانعزالية (Isolationism)، أو الحقب التدخلية والانعزالية، دفعت علماء أميركيين لتدشين ما سُمى "نظرية البندول"، أو (Pendulum Theory).

والفكرة باختصار هي أن السياسة الأميركية الخارجية تتحرك مثل البندول، تتأرجح بين فترتين رئيسيتين: التدخلية: الانخراط بقوة في الشؤون العالمية (حروب، تحالفات، قواعد عسكرية).

والانعزالية، أي الانكفاء إلى الداخل والتركيز على الشأن الأميركي الداخلي، مع تقليل التدخل المباشر.

والمفارقة أنه لا يوجد "نظرية رسمية" بهذا الاسم في القانون أو الوثائق الحكومية، بل هو مصطلح أكاديمي/تحليلي يستخدمه المؤرخون وخبراء العلاقات الدولية لتوصيف الدورات التاريخية للسياسة الأميركية.

وقد ارتبطت الحقب الانعزالية في التاريخ الأميركية بالفترة من جورج واشنطن حتى الحرب العالمية الأولى، حيث كان جورج واشنطن (1796) يحذر من "تشابك التحالفات الخارجية".

كما ارتبطت بـ "مبدأ مونرو" (1823) الذي رفع شعار "أميركا للأميركيين"، ورفض التدخل الأوروبي في نصف الكرة الغربي مقابل عدم تدخل واشنطن في شؤون أوروبا، وبسببه بقيت الولايات المتحدة خارج صراعات أوروبا الكبرى حتى عام 1917.

أما الفترات "التدخلية" الأميركية في شؤون العالم فنشطت في الحرب العالمية الأولى، والثانية، فقد قاد الرئيس وودرو ويلسون أميركا إلى الحرب العالمية الأولى عام 1917، تحت شعار "لنجعل العالم آمناً للديمقراطية".

وبعد الحرب، حاول دفع مشروع "عصبة الأمم"، لكن الكونغرس رفض، ما أعاد البندول إلى الانعزال.

واستمرت الانعزالية بين الحربين العالميتين (1920- 1941)، إذ حدت قوانين الحياد في الثلاثينيات من تورط الولايات المتحدة في الحروب، وساهم في هذا الانعزال التركيز على معالجة آثار "الكساد الكبير" أو "العظيم" (1920- 1941).

ثم بدأت المرحلة التدخلية الكبرى (1941- 1991)، مع دخول الحرب العالمية الثانية (1941) التي قلبت السياسة الأميركية بالكامل، فبعد 1945 شاركت في تأسيس الأمم المتحدة، وخطة مارشال، وحلف الناتو، حروب كوريا وفيتنام.

وهذه الحقبة تمثل ذروة التدخلية، بعدما دخل النظام الدولي "الحرب الباردة"(1991–2001)، ومع انتهاء هذه الحرب أصبحت أميركا هي القوة العظمى الوحيدة فتدخل في الصومال، البوسنة، كوسوفو، والعراق (1991).

وشهدت فترة رئاسة الرئيس رونالد ريغان انخراطا كبيرا (1981-1989) في صراعات مختلفة، مثل إرسال قوات إلى لبنان عام 1983، ودعم الحركات المناهضة للسوفيت في أفغانستان، ومبادرة الدفاع الاستراتيجي المعروفة باسم "حرب النجوم" لمواجهة التهديد النووي.

وظهرت "التدخلية" في أقصى صورها بعد انهيار برجي التجارة العالمي 11 سبتمبر 2011 على يد الرئيس السابق جورج بوش الأبن، واستمرت حتى 2016 في حربي أفغانستان والعراق، وما سُمي الحرب على الإرهاب" و"الشرق الأوسط الكبير".

وقد حاول الرئيس الديمقراطي أوباما الدخول في مرحلة انعزالية بمحاولة سحب القوات الأميركية وإعادة التوازن، وتبعه الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لكن هذه الانعزالية النسبية، هدمها ترامب بالتدخلية الشعبوية (2017–2020)، في فترة رئاسته الأولى.

ثم بشعارات "أميركا أولا"، و"لنجعل أميركا عظيمة مجددا" في فترة رئاسته الثانية، وهي شعارات تعني الانعزالية لكن ترامب حولها إلى فترة تدخل عنيفة في شؤون العالم بقصف إيران واليمن ودعم إسرائيل عسكريا والدخول في صراعات مع روسيا والصين وأوروبا بسبب التعريفة الجمركية وسياسته التدخلية في العالم.