نتنياهو يربط اتفاق الغاز مع مصر بحجم انتشارها في سيناء.. ماذا تغير؟

داود علي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يمثل الانتشار المتزايد والتجهيزات العسكرية واللوجستية للجيش المصري في شبه جزيرة سيناء، صداعا جديدا لإسرائيل، حتى وصل الأمر إلى تأثير هذه التحركات على "صفقة الغاز التاريخية" بين الجانبين.

فقد وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم المضي قدما في تنفيذ صفقة تصدير الغاز إلى مصر دون عرضها عليه، بحسب ما كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية في الثاني من سبتمبر/أيلول 2025.

هذا القرار لم يكن مجرد إجراء إداري، بل يعكس حجم القلق الإسرائيلي من التحولات العسكرية في شبه الجزيرة المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة، والجارة الأقرب لقطاع غزة المحاصر، حيث تشن إسرائيل عدوانها الدموي منذ 23 شهرا.

وما يزيد القلق الإسرائيلي بحسب محللين، أن الحضور العسكري المصري هناك لم يعد محصورا في إطار "التعاون ضد الإرهاب" كما كان في السابق، وإنما بات ينظر إليه في تل أبيب كعامل إستراتيجي جديد قد يعيد رسم قواعد اللعبة بين القاهرة ودولة الاحتلال.

ورقة ضغط 

وبحسب الصحيفة العبرية، جاء القرار على خلفية تقارير عن "انتهاك" القاهرة الملحق الأمني للمعاهدة، سواء عبر بناء أنفاق قادرة على تخزين أسلحة، أو توسيع مدارج المطارات، أو إدخال قوات مشاة ومدرعات بأعداد تتجاوز المسموح به من دون الحصول على موافقة إسرائيلية.

ووقعت شركتا "ريشيو" و"نيو ميد إنرجي" الإسرائيليتان في 7 أغسطس/ آب 2025 اتفاقا لتصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي.

وكان يفترض أن تتولى شركة "بلو أوشن إنرجي" المصرية عملية استيراد الغاز مقابل 35 مليار دولار، في صفقة تعد الأضخم بين الجانبين وتستمر حتى عام 2040، لكن أعلن عن تجميدها بسبب التحركات في سيناء.

وكان يفترض أن تنضم هذه الصفقة إلى سلسلة توريد الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر خلال السنوات الخمس الماضية.

وبحسب القانون، فإن وزير الطاقة الإسرائيلي مخول بالتصديق على الصفقة نيابة عن تل أبيب، ومن دون توقيعه لن تدخل حيز التنفيذ.

واستدركت الصحيفة: "الآن أُعيد النظر في الصفقة من جانب أعلى المستويات في الدولة حتى أصدر نتنياهو تعليماته بطرحها عليه".

ولطالما روجت إسرائيل للعوائد السياسية والاقتصادية لهذه الشراكات، لكنها تستخدم الآن هذه الورقة الاقتصادية كسلاح سياسي لإجبار القاهرة على التراجع عن ما تعده "اختراقات عسكرية مقلقة" في سيناء.

المفارقة بحسب "يسرائيل هيوم"، أن واشنطن نفسها كانت قد خففت منذ سنوات من متابعة الترتيبات الأمنية في سيناء، بعدما تراجع دور قوة المراقبة الدولية بقيادة الولايات المتحدة. 

واليوم، تبدو إسرائيل أمام معادلة صعبة، فهي من جهة تحتاج إلى استمرار شراكة الطاقة مع مصر لضمان منفذ إستراتيجي لتصدير الغاز الفلسطيني المسروق.

ومن جهة أخرى ترى في تزايد القدرات العسكرية المصرية في سيناء تهديدا مباشرا لاتفاق السلام الذي شكل حجر الزاوية في سياستها الشرق أوسطية منذ أربعة عقود. 

وما بين الغاز والأمن، تتكشف ملامح توتر جديد في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، عنوانه الأبرز، الجيش المصري في سيناء.

تطورات متسارعة 

وفي خضم التوتر المتنامي بين القاهرة وتل أبيب حول الوجود العسكري المصري المتوسع في سيناء، صعد نتنياهو في 4 سبتمبر/أيلول 2025 الخلاف بالحديث عن معبر رفح.

وقال في مقابلة مع قناة "أبو علي إكسبرس" على منصة تلغرام: إنه "يمكن فتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين، لكن مصر ستغلقه فورا"، في إشارة إلى رفض القاهرة القاطع لأي تهجير جماعي من غزة نحو الأراضي المصرية.

وزارة الخارجية المصرية سارعت إلى الرد، وترى أن هذه التصريحات محاولة لفرض وقائع سياسية على حساب مصر، وتوظيف ورقة التهجير للضغط عليها في ملفات إقليمية، من بينها ملف سيناء الذي تطالب أوساط إسرائيلية بتقليص حجم الانتشار العسكري المصري فيه. 

ليرد ديوان نتنياهو ببيان اتهم فيه القاهرة بأنها "تقيد حرية سكان غزة في مغادرة منطقة حرب رغم رغبتهم بذلك".

غير أن الموقف المصري ازداد وضوحا في اليوم التالي، حيث شدد وزير الخارجية بدر عبد العاطي خلال مؤتمر صحفي في نيقوسيا أن “التهجير خط أحمر لمصر”.

وأكد عبد العاطي أن قبول المخطط الإسرائيلي يعني عمليا تصفية القضية الفلسطينية، وهو أمر لا يستند إلى أي أساس قانوني أو أخلاقي.

هذه السجالات تعكس  أن الخلاف بين الطرفين لم يعد محصورا في مسألة إدارة قطاع غزة أو المعابر الحدودية، بل امتد ليشمل أبعادا إستراتيجية، أبرزها رفض مصر سيناريو التهجير وحرصها على تعزيز حضورها العسكري في سيناء.

وذلك في مقابل ضغوط إسرائيلية متزايدة لتقييد الانتشار في سيناء بذريعة الحفاظ على توازنات اتفاقية السلام، والأمن القومي لدولة الاحتلال.

شواهد القلق 

في الأشهر الأخيرة تزايدت الإشارات العلنية والضمنية على وجود قلق إسرائيلي متنام من التعاظم المستمر في قدرات الجيش المصري وانتشاره في سيناء. 

ففي 28 يناير/ كانون الثاني 2025، قال السفير الإسرائيلي في واشنطن، يحيئيل لايتر: إن “مصر تنتهك بشكل خطير اتفاقية السلام في سيناء”. مؤكدا أن بناء قواعد عسكرية جديدة لا يمكن تفسيره إلا بصفته استعدادا لعمليات هجومية. 

وأضاف خلال لقاء عبر منصة "زوم" مع قيادات المنظمات اليهودية الأميركية: "هذا أمر غير مقبول وسينفجر قريبا"، وهو ما أثار حرجا دفع المؤتمر إلى حذف التسجيل خشية حدوث أزمة دبلوماسية شاملة.

بعد يومين فقط، خرج سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون ليكرر ذات المخاوف، قائلا: إن المصريين "ينفقون مئات الملايين من الدولارات على معدات عسكرية متطورة لا حاجة لهم بها". 

وتساءل بلهجة تحذيرية: لماذا يحتاجون إلى الغواصات والدبابات؟ بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (عملية طوفان الأقصى) يجب أن يدق ناقوس الخطر. 

كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رون لاودر، سافر إلى القاهرة لمحاولة تهدئة الموقف مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

لكن القلق لم يقتصر على الدبلوماسيين، ففي فبراير/ شباط 2025، أعرب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك، هرتسي هاليفي، عن مخاوفه من أن "التهديد الأمني المصري قد يتغير في لحظة".

وأوضح أمام دفعة من خريجي ضباط الجيش في مدينة حولون: "مصر لديها جيش كبير مجهز بوسائل قتالية متطورة، من طائرات وغواصات وصواريخ بعيدة المدى، إلى آلاف الدبابات وقوات المشاة"، خاتما بعبارة مباشرة: "نحن قلقون".

وفي مارس/ آذار 2025، انضم وزير الجيش يسرائيل كاتس إلى جوقة التحذيرات، مؤكدا أن "مصر أكبر وأقوى دولة عربية، ولا تزال كذلك". 

وأشاد بقرار إخراجها من دائرة الحرب عبر معاهدة السلام عام 1979، لكنه شدد: "لن نسمح لهم بانتهاكات بنيوية لمعاهدة السلام".

بعد أسابيع، وتحديدا في مطلع أبريل/ نيسان نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مسؤول أمني رفيع أن مصر “تعمل على تعزيز بنيتها العسكرية في سيناء بشكل غير مسبوق”، داعيا إلى تفكيكها بصفتها "انتهاكا واضحا للملحق الأمني". 

ووفق الصحيفة، فإن وزير الجيش كاتس عد الملف "أولوية قصوى"، محذرا من أن إسرائيل "لن تقبل بهذا الوضع مهما طال الزمن".

هذه التصريحات مجتمعة تكشف أن تل أبيب لم تعد تتعامل مع الوجود العسكري المصري في سيناء كـ"واقع متفق عليه" في إطار محاربة الإرهاب فقط، وإنما باتت ترى فيه تهديدا إستراتيجيا قد يغير ميزان القوى في المنطقة. 

الحضور العسكري المصري

ورصد مركز المسار للدراسات الإنسانية مؤشرات متزايدة تكشف عن قلق إسرائيلي من التوسع العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، وما يحمله من تداعيات على مسار العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.

ووفق ورقة بحثية نشرها المركز في 23 مايو/أيار 2025، بلغ حجم القوات المصرية المنتشرة في سيناء منذ عام 2018 نحو 88 كتيبة تضم 42 ألف جندي، إضافة إلى ثلاث فرق عسكرية مكتملة التجهيز وأكثر من 1500 دبابة ومدرعة. 

كما جرى تعزيز الدفاع الجوي وتطوير المطارات وتوسيع الأرصفة البحرية بما يعكس تحولا بنيويا في البنية العسكرية المصرية بالمنطقة.

وتوضح الدراسة أن هذا الانتشار جاء في بدايته بتنسيق مع إسرائيل منذ عام 2015، في إطار تفاهمات مشتركة لمكافحة الجماعات المسلحة وتدمير الأنفاق على حدود غزة. 

غير أن أحداث 7 أكتوبر 2023 شكلت نقطة تحول؛ إذ بدأ هذا الوجود يقرأ إسرائيليا على أنه تغيير محتمل في موازين القوى، وليس مجرد ترتيبات أمنية داخلية.

وقد عزز هذه القراءة ما أورده اللواء احتياط إسحاق بريك في تقرير عسكري بأن عدد الكتائب المصرية في سيناء وصل بحلول مايو 2025 إلى نحو 180 كتيبة، أي ما يقارب أربعة أضعاف الحد المسموح به في معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.

ويرى باحثو مركز المسار أن الموقف الإسرائيلي لا ينفصل عن تقديرات سياسية تتجاوز المخاوف العسكرية المباشرة.

إذ تسعى تل أبيب عبر الحملة الأخيرة إلى الضغط على القاهرة في ملفات حساسة، أبرزها رفض مصر القاطع لسيناريو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ودورها كوسيط رئيس في أي مفاوضات تخص الحرب الجارية.

كما خلصت الورقة إلى أن هذه الحالة تجسد نموذجا كلاسيكيا في المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية، حيث ينظر إلى تعزيز أي طرف لقدراته العسكرية – حتى لو جاء بدوافع دفاعية، بصفته تهديدا محتملا.

وهو ما يقود الطرف الآخر إلى اتخاذ إجراءات مضادة، فتدخل العلاقة في دوامة من انعدام الثقة والتصعيد المتبادل.

وفي الحالة المصرية – الإسرائيلية، فإن خلفية الصراع الممتدة عبر أربع حروب قبل كامب ديفيد (اتفاقية السلام)، تجعل أي تطور عسكري مصري في سيناء لا يقرأ إسرائيليا بصفته إجراء أمنيا داخليا فقط.

بل يفسر على أنه قدرة كامنة لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة، بصرف النظر عن النوايا المعلنة للقاهرة، وفق المركز.