أسلحة لم يُرَ لها مثيل.. كيف غيّر عرض بكين العسكري موازين القوة في آسيا إلى الأبد؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أكدت مجلة أميركية أن العرض العسكري الذي قام به الجيش الصيني في 3 سبتمبر/أيلول 2025، أثبت أن التوازن العسكري الإقليمي “قد تغير إلى غير رجعة”.

وفي مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، أكد مدير برنامج الأمن الدولي في "معهد لوي" الأسترالي، سام روغيفين، أن الجيش الصيني "بات في الصدارة".

تغيير التوازن 

وقال روغيفين: "من المُسلّم به حاليا أن الرواية التي روّجت لها الدول الغربية سابقا عن التطور التكنولوجي للصين -بأنه مجرد تقليد للتكنولوجيا الغربية، وسرقة للملكية الفكرية، وأن نجاحات بكين ناتجة عن إغراق مالي حكومة غير فعال- لم تعد كافية".

وأضاف: "لا تزال هذه القصة تحمل بعض الحقيقة، لكنها أقلّ بكثير مما كانت عليه في السابق، فالصين اليوم رائدة في الابتكار والتكنولوجيا في مجالات الروبوتات، والمركبات الكهربائية، والمفاعلات النووية، والطاقة الشمسية، والطائرات المسيّرة، والقطارات فائقة السرعة، والذكاء الاصطناعي".

وأردف بأنه "إذا كان هناك حاجة للتأكيد، فإن العرض العسكري في 3 سبتمبر ببكين يؤكد وجوب إضافة التكنولوجيا العسكرية إلى هذه القائمة".

وأكد روغيفين أنه "لم يعد كافيا القول: إن الجيش الصيني يلاحق الركب أو يقلّد تصاميم معدات عسكرية أجنبية، فالصين حاليا تبتكر وتقود، وفي هذه العملية، يتغير التوازن العسكري الإقليمي الذي لطالما كان لصالح الولايات المتحدة وشركائها تغييرا لا رجعة فيه".

وكان استعراض "يوم النصر"، الذي يُحيي الذكرى الثمانين لـ"حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية"، استعراضا للقوة العسكرية الصينية المعاصرة ونظرة خاطفة على مستقبلها.

وأشار المقال إلى أن “الصين كانت مترددة سابقا في عرض أحدث معداتها العسكرية، لكن هذا الحجاب أزيح -وإن كان بشكل انتقائي- لهذه المناسبة”.

ومن أبرز ما تضمّنه العرض، طائرات ستخدم أسطول حاملات الطائرات الصيني المتنامي، والذي يضمّ حاليا ثلاث سفن.

ومن المرجح أن تنضمّ إليه في السنوات القادمة حاملة طائرات عملاقة واحدة على الأقل تعمل بالطاقة النووية، بنفس حجم وقدرة حاملة الطائرات الجديدة من فئة "جيرالد فورد" التابعة للبحرية الأميركية.

حافل بالمفاجآت

كما كُشف النقاب عن أربعة أنواع جديدة من الطائرات المسيرة "الرفيق الوفي" (loyal wingman)، وهي طائرات مصممة للتحليق، إلى جانب الطائرات المأهولة وتنفيذ مهامها.

كذلك، عُرضت أربعة أنظمة صاروخية مضادة للسفن وهجوم بري لم يُرَ لها مثيل، بالإضافة إلى غواصة جديدة بدون طاقم وأخرى مزودة بطوربيدات جديدة.

وقال روغيفين: "قدّم العرض العسكري أحدث الاكتشافات في عام حافل بالمفاجآت بالنسبة للمراقبين لمجمع الصين الصناعي العسكري".

فبعد عام 2024 مباشرة، بدأت صور وفيديوهات منخفضة الجودة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر طائرتين مقاتلتين شبحيتين جديدتين أثناء اختبارات طيران.

وبعد بضعة أسابيع، أفادت صحيفة "نيفال نيوز" البريطانية أن الصين كانت بصدد بناء نوع فريد من القوارب المزودة بمحركات وجسور طرق قابلة للتمدد، ما قد يمكّن السفن الحاملة للمركبات من تفريغ حمولتها في مواقع ساحلية غير مجهزة مسبقا.

وأكدت صور لاحقة للبارجات أثناء الاختبار أنها ستكون مُلائمة تماما لوضع مدرعات ثقيلة على الشاطئ في حالة غزو تايوان.

ثم في أواخر يناير/كانون الثاني 2025، نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية صورا التقطتها أقمار صناعية تجارية تُظهر أن الصين تبني مركز قيادة عسكريا جديدا خارج بكين، يقدر حجمه بعشرة أضعاف حجم البنتاغون على الأقل.

وفي مايو/أيار خاضت باكستان والهند معركة جوية شملت 125 طائرة فوق كشمير المتنازع عليها، وقد استخدمت القوات الجوية الباكستانية معدات صينية بدت، وفق أدلة محدودة، أنها أدت أداء مقبولا.

وتُظهر المؤشرات كلها -وفق المقال- أن الصين تسعى لبناء مجمع صناعي عسكري محلي بالكامل، وقد أعلن قادتها عن طموحهم لبناء جيش عالمي من الطراز الأول بحلول منتصف القرن.

وبالطبع، يتطلب ذلك أكثر من مجرد التكنولوجيا، كما تشير سلسلة التطهير الأخيرة للضباط الكبار إلى وجود مشكلات جدية في الفساد والأداء داخل جيش التحرير الشعبي، وفق المقال.

التحول الأسرع

لكن على الأقل من الناحية التكنولوجية، هناك منذ زمن طويل أدلة كافية على هذا الطموح. 

فقد بدأت الصين تحديث جيشها أوائل التسعينيات، ومنذ ذلك الحين شهد الجيش، على الأرجح، أسرع تحول تكنولوجي لأي قوة عسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، وفق تقييم روغيفين.

وتؤكد الاكتشافات الأخيرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2024 على هذا الاتجاه، وتثير التساؤل عما إذا كان طموح الصين ما يزال يُستهان به.

والسؤال الأكثر أهمية -وفق روغيفين- هو ما الذي تريده الصين من كل هذه القوة العسكرية؟

وأجاب بأن "أحد الاحتمالات هي أن الصين تبني قوة قادرة على ممارسة نفوذ عسكري عالمي شامل لتحدي الولايات المتحدة مباشرة".

واستطرد: "فقد حصلت أستراليا البعيدة على لمحة من القدرات الجديدة للصين في فبراير/شباط، عندما أرسلت البحرية الصينية أسطولا من السفن الحربية للقيام بجولة حول القارة، وقد أرسل ذلك رسالة مفادها أن القوة العسكرية الصينية أصبحت تتمتع بمدى جديد".

ومع ذلك، إذا كان هناك استنتاج عام يمكن استخلاصه من كشوفات خلال الأشهر التسعة الماضية، فهو أن الصين ليست مركزة بشكل حصري أو حتى أساسي على إبراز قوتها العسكرية في منطقة المحيط الهادئ، ناهيك عن العالم أجمع.

فالكثير من المعدات الجديدة التي نراها ليست مصممة صراحة لهذا الغرض، بحسب المقال.

وأضاف: "بالطبع، يمكن استخدام هذه المعدات في أغراض عديدة، ولا شك أن الصين قد وسّعت قدرتها بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية على استخدام القوة العسكرية لمسافات طويلة".

واستطرد: "فهي تبني أسطولا قويا من طائرات النقل الإستراتيجية، ما يمكّنها من نقل الأفراد والمعدات حول العالم بسرعة، وأخيرا، بدأت في تطوير أسطولها من طائرات التزود بالوقود جوا، وهو أسطول لطالما كان من السمات الأساسية لقدرة الولايات المتحدة على إسقاط القوة الجوية عالميا".

توازن جديد

كما تمتلك الصين حاليا عشرات السفن الحربية "ذات المياه الزرقاء" المصممة للعمل في المحيطات المفتوحة (مقابل السفن الساحلية "ذات المياه البنية")، بما في ذلك حاملات الطائرات وسفن الإمداد للحفاظ على الأسطول في البحر.

واستدرك روغيفين: "لكن، ضع في حسبانك أن الصين لم تُضِف قاعدة خارجية واحدة إلى تلك التي افتتحتها في جيبوتي عام 2017، فهي على بُعد سنوات من نشر قاذفة ذات مدى عابر للقارات؛ وليست لديها شبكة تحالف عالمية تضاهي شبكة التحالفات العالمية للولايات المتحدة".

كما أن الطائرات المقاتلة الجديدة، وقوارب الإنزال، والطائرات المسيّرة، وأنظمة الصواريخ التي ظهرت عام 2025 "لا تشير إلى تركيز كبير على إبراز القوة العالمية، بل ستعزز في المقام الأول مكانة الصين في جوارها". بحسب تقييم روغيفين.

وعلى هذا، يرى أنه "ينبغي التركيز على طموحات الصين الإقليمية بدلا من حضورها العالمي".

وقال روغيفين: "لمعالجة التوازن العسكري المتدهور في شرق آسيا، يمكن للولايات المتحدة توسيع وجودها هناك بشكل كبير، لكن يبدو أن فرص حدوث ذلك ضئيلة".

وأوضح أن “الصين شرعت في تحديث جيشها منذ أكثر من 30 عاما دون رد فعل أميركي كبير، فلماذا نتوقع أن يتغير ذلك الآن؟”

ويعتقد أنه “حتى لو تمكنت واشنطن من التغلب على ركودها، فأي دولة آسيوية ستوافق على استضافة هذه القوات، وأي دولة ستضمن للولايات المتحدة السماح باستخدام أراضيها في حرب ضد الصين؟”

وأخيرا، حتى لو تم تجاوز هذه العوائق، فمن شبه المؤكد أن الصين سترد بزيادة إنفاقها العسكري، وكما ذكّر العرض العسكري في بكين العالم، فإن سباق التسلح في الوقت الراهن يصب في صالح بكين، وليس واشنطن، بحسب المقال.

وختم روغيفين قائلا: "إن توازنا جديدا يتشكل بالفعل؛ ويجب أن تتبع السياسة العسكرية والخارجية الأميركية هذا التحول".