لماذا تتمهل الإدارة الأميركية في إلغاء قانون قيصر على سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لا يزال قانون "قيصر" الأميركي المفروض على سوريا منذ عام 2020 ساريا على الرغم من سقوط نظام بشار الأسد والذي صمم القانون أصلا لعزله سياسيا واقتصاديا ومنع الدول من التعامل معه.

فمنذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 شكلت العقوبات الأميركية العقبة الأكبر في استعادة سوريا انتعاشتها الاقتصادية وبدء عملية إعادة الإعمار بمساندة دول العالم، إلا أن قانون "قيصر" يكبل كل ذلك.

العقبة الأكبر 

رغم رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميا في مطلع يوليو/ تموز 2025 العقوبات المفروضة على سوريا، إلا أن هذا الرفع نال غالبية العقوبات الأميركية التي فرضت عقب اندلاع الثورة عام 2011 وتلك التي سبق فرضها من واشنطن على نظام حافظ الأسد عام  1979، ثم في عام 2003 أي بعد ثلاثة أعوام من وراثة المخلوع بشار الحكم عن أبيه.

إلا أن الولايات المتحدة أصدرت ما سُمّي بقانون "قيصر" الأميركي الذي أقرته واشنطن في 2020 لحماية المدنيين في سوريا، وفرضت بموجبه عقوبات على نظام الأسد المخلوع حينها، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.

كما فرضت بموجبه عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة تتعامل مع السلطات السورية، ونال القانون كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز، وحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار.

وانفتاح إدارة ترامب على القيادة السورية الجديدة، تبدو منقوصة في ظل سريان قانون "قيصر" وخشية الدول من التعامل مع دمشق اقتصاديا بسبب موانع هذا القانون.

وأمام ذلك، اقترح رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي روجرز ويكر إلغاء قانون قيصر المفروض على سوريا، عن طريق إدخاله ضمن مسودة قانون موازنة الدفاع لعام 2026.

وقال ويلسون في تغريدة على منصة إكس في 3 سبتمبر/ أيلول 2025 عقب لقائه التحالف السوري الأميركي، "ممتن للقاء الأميركيين السوريين ‏لمناقشة العمل الحاسم لإلغاء قانون قيصر. شكرا لكم على جهودكم لدعم سوريا الحرة‏!".

ويأتي هذا التطور بعد إعلان فريق التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار في الكونغرس، عن حصوله على موافقه مبدئية من أربعة أعضاء في مجلس النواب لدعم وتمرير مشروع قانون قدمه النائب جو ويلسون بالتعاون مع النائبة مارلين ستدمان لإلغاء قانون قيصر.

وأشار الفريق إلى أنه التقى بالسيناتور راندبول الذي قدم بدوره مشروعا مشابها في مجلس الشيوخ يهدف إلى رفع العقوبات عن سوريا.

وإذا وافق الكونغرس الأميركي على هذا الإجراء، فسوف ينتقل بعد ذلك إلى مجلس الشيوخ لمناقشته.

وأعرب ويلسون عن "تفاؤله القوي" بشأن إلغاء قانون قيصر بشكل دائم خلال شهر، وذلك خلال حديثه في فعالية أقيمت في مبنى الكابيتول الأميركي نظمها المجلس السوري الأميركي.

وحث ويلسون زملاءه المشرعين في الكونغرس على التصويت لرفع العقوبات، قائلا: إن ذلك من شأنه أن يساعد في ضمان بقاء سوريا موحدة.

ودعا إسرائيل أيضا إلى إنهاء غاراتها الجوية على سوريا، والتي نفذ أحدها خلال زيارته الأخيرة للبلاد ولقائه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع.

بدوره، قال زيد علوش، مدير المناصرة في مركز سوريا الأميركي في تصريحات صحفية في 3 سبتمبر: "اليوم، اجتمعت مجموعة من الأميركيين السوريين من جميع أنحاء الولايات المتحدة في مبنى الكابيتول لحثّ أعضاء الكونغرس على إلغاء قانون قيصر نهائيًا".

وأضاف علوش قائلا: "سوريا بحاجة إلى مساعدات وتكنولوجيا واستثمارات، إلا أن المستثمرين لا يزالون مترددين بسبب تأثير القانون".

ومضى يقول: "دعا مجتمعنا إلى إلغاء قانون قيصر للإشارة إلى أن عهدا جديدا يتطلب الدعم والتعاون".

وسبق أن قال مسؤول العقوبات في وزارة الخزانة الأميركية براد سميث مطلع يوليو/ تموز 2025 تعليقا على رفع ترامب رسميا العقوبات المفروضة على سوريا إن هذه الخطوة "ستنهي عزلة البلاد عن النظام المالي الدولي، وتهيّئ للتجارة العالمية وتحفّز الاستثمارات من جيرانها في المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة".

وتوازيا مع ذلك، تكررت الدعوات السورية لإلغاء قانون “قيصر”، خاصة من قبل رجال الأعمال السوريين الذين يتطلعون لمساعدة بلدهم على النهوض مجددا.

ويجادل المنتقدون لإبقاء هذا القانون ساريا، بأن هذا التشريع تجاوز غرضه منذ الإطاحة ببشار الأسد، وهو الآن يردع المستثمرين الأجانب غير الأميركيين بتهديده بعقوبات ثانوية.

وقدرت دراسة أعدها "المركز السوري لبحوث الدراسات" (غير حكومي) نشرت أواخر مايو/أيار 2020، أن خسائر الاقتصاد السوري بسبب قانون قيصر، بلغت نحو 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.

وفي أحدث خطوة ضمن تعديلات السياسة الأميركية تجاه دمشق، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في 25 أغسطس/ آب 2025 أنها ستزيل سوريا من قائمة العقوبات، مما يسمح للشركات الأميركية بإجراء أعمال تجارية هناك.

"اشتراطات أميركية"

في حين أن الحكومة الأميركية فعلت الكثير في فترة زمنية قصيرة بشكل ملحوظ تجاه سوريا، فإن الخبراء يؤكدون على دور الشركات الخاصة وكيفية اتخاذها قرارا بالاستفادة من الفرص الاقتصادية في سوريا.

لكن التردد من المستثمرين ما يزال قائما بسبب المخاوف من قبضة القانون وحدوث أي انقلاب في الموقف الأميركي تجاه القيادة الجديدة في دمشق.

وضمن هذا السياق، أكد الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي لـ "الاستقلال" أن "هناك توجها عاما لدى الإدارة الأميركية بخصوص تجاوز مسألة العقوبات المفروضة على سوريا، لضمان استقرار الوضع الناشئ عقب سقوط نظام الأسد بما يخدم المصالح الأميركية".

 وأضاف الدسوقي قائلا: "في حين تم تجاوز بعض العقوبات بموجب ما لدى الرئيس الأميركي من صلاحيات، تبقى أخرى كقانون قيصر قائمة ويتطلب رفعها مسارا وإجراءات خاصة تستلزم وقتا".

وأردف "إلى جانب هذه الإجرائية، هنالك اشتراطات للإدارة الأميركية لضمان مصالحها في سوريا ما بعد الأسد، ما تزال قائمة ويتم التلويح والتذكير بها مرارا وتكرارا تجاه الإدارة السورية الجديدة للتأكد من الالتزام بها والعمل بموجبها".

ولفت الدسوقي إلى أن هذا التمهل الأميركي في إلغاء قانون قيصر يعطي "مساحة تفكير لدى الإدارة الأميركية بأن الثمن يجب أن يدفع بشكل كامل أو التأكد من أن الآليات الموضوعة من قبل الجانب السوري تسير في الاتجاه الصحيح، ولحين ذلك لا ضير من بقاء بعض العقوبات وتعليق العمل بها بمقتضى استثناءات وإعفاءات".

ويرى النائب الأميركي جو ويلسون وهو جمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، في معرض الحديث عن رحلته الأخيرة إلى سوريا والجهود المبذولة لإلغاء قانون قيصر، بأن رؤية "سوريا موحدة ومستقرة تصب في مصلحة إسرائيل والمنطقة والعالم". 

وأضاف ويلسون لصحيفة واشنطن بوست" في 4 سبتمبر 2025 "سوريا المنقسمة ستؤدي إلى عودة تنظيم الدولة والجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، مما يُطيل أمد الصراع".

وراح يقول: "لقد عانى السوريون من جميع الخلفيات معاناة مروعة في ظل حكم الأسد السفاح. إنهم يستحقون فرصةً لجعل سوريا عظيمةً من جديد".

كما قال ويلسون “على إسرائيل التفاوض مع الرئيس الشرع.. نريد لشعب إسرائيل النجاح.. لكن هذا لن يتحقق إذا بقيت سوريا مجزأة”، في إشارة لارتباط رفع قيصر بموافقة إسرائيل.

"ورقة مساومة"

وفي هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو  أن "إلغاء قانون قيصر عن سوريا ليس بالأمر السهل بل يحتاج لإجراءات من الإدارة الأميركية التي تتميز بالبيروقراطية الرتيبة، حيث يتطلب ذلك صدور قانون بإزالة قانون قيصر من قبل وزارتي الخزانة الأميركية والمالية ثم يرفع تقرير إلى الكونغرس للتصويت عليه". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "قانون قيصر أخذ سنوات لإقراره ولكن الإدارة الأميركية تسير ببطء حتى إنه في ملف رفع العقوبات الأميركية لم تشهد سوريا استفادة فورية بل كانت العملية تأخذ وقتا كي تستفيد القطاعات السورية من رفعها أو من ناحية عودة سوريا للنظام المالي العالمي". 

واستدرك: "لذلك واشنطن تسير ضمن سياسة الخطوة بخطوة تجاه سوريا ولهذا قانون قيصر ليس فقط مجرد عقوبات اقتصادية بل هو أداة ضغط سياسي لإبقاء الإدارة السورية الجديدة تحت طائلة المسؤولية".

 وراح يقول: "الولايات المتحدة تعد إلغاء قانون قيصر عن سوريا هو هدية مجانية ما لم يحصلوا على المقابل والذي قد يتعلق بإسرائيل أو بغزة أو بالمنطقة ككل".

ونوه شعبو إلى أن "الآليات الرقابية عالية اليوم على الإدارة السورية الجديدة وخاصة في ظل وجود طلبات قدمتها إدارة ترامب خلال لقاء الأخيرة بالرئيس أحمد الشرع في السعودية في مايو 2025". 

وذهب شعبو للقول "قانون قيصر هو ورقة مساومة بالنهاية ضد سوريا إما بشكل مباشر أو عبر الوسطاء بشأن الملفات الهامة التي تتعلق بمصالح الولايات المتحدة ورؤيتها للمنطقة والتي لن تكون سوريا استثناء عنها".

في مقابل ذلك، فإن المشرعين الأميركيين الذين يرون بضرورة بقاء قانون قيصر ساريا عبر عمليات تمديد سنوية، يقدمون كذلك الحجج في ذلك. 

فقد قدّم النائب الأميركي “مارك لولر” في يوليو 2025 مشروع قانون جديد يهدف إلى تمديد العمل بعقوبات “قيصر” المفروضة على “سوريا” لمدة عامين إضافيين. يتضمن المشروع شروطا جديدة يجب على السلطات السورية الوفاء بها لرفع هذه العقوبات.

وبحسب ما ورد في الكونغرس الأميركي، فإن مشروع القانون الذي تقدم به “لولر” يشترط على الحكومة السورية منع استخدام مجالها الجوي لاستهداف المدنيين، وضمان وصول المساعدات الدولية إلى جميع السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وتمتعهم بحرية التنقل والرعاية الطبية.

كما تشمل الشروط إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين المحتجزين في سجون نظام “الأسد”، والتأكد من توقف القوات الحكومية السورية عن استهداف المرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة إنتاج وتهريب “الكبتاغون”.

ويشدد المشروع على ضرورة التأكد من عدم تورط الحكومة السورية في استهداف الأقليات الدينية أو احتجاز أفرادها خارج نطاق القضاء.