النازيون الجدد في أستراليا.. كيف يشعلون حربا مفتوحة ضد المسلمين والمهاجرين؟

"الشبكة النازية تعتبر أن الإسلام والصينيين وأصحاب البشرة السمراء أعداء مباشرين"
بدلالات مؤلمة وتداعيات خطيرة، شهدت مدينة ملبورن الأسترالية في 7 سبتمبر/ أيلول 2025، واحدة من أكثر الحوادث صدمة للسكان الأصليين والمجتمع الأسترالي ككل.
وتحوَّلت مسيرة يمينية متطرفة مناهضة للمسلمين والمهاجرين إلى اعتداء دموي على موقع "Camp Sovereignty"، الذي يعدّ أرضا مقدسة لشعوب بونورونغ وورونجيري من أمة كولين (السكان الأصليين للبلاد).
خمسون رجلا يرتدون السواد، أغلبهم من شبكة الاشتراكيين القوميين الأستراليين (NSN)، الذين يمثلون النازيين الجدد، اقتحموا المكان بعِصيّ وأنابيب معدنية، مزقوا أعلام السكان الأصليين.
كما داسوا النار المقدسة، واعتدوا على النساء والرجال، وكانت النتيجة إصابة أربعة أشخاص، اثنان منهم نقلا إلى المستشفى في حالة خطيرة.
وبحسب وسائل الإعلام الأسترالية، لم يكن الهجوم مفاجئا بالكامل؛ قبل ساعات ظهر زعيم الشبكة، الجندي السابق في الجيش الأسترالي، والمعروف بعدائه الشديد للمسلمين، توماس سيويل، برفقة بعض أتباعه يتجولون قرب المخيم، في رسالة واضحة أن الحادث قادم.
ومع حلول المساء، وقعت الكارثة، بينما اكتفت الشرطة بالظهور بعد انسحاب المهاجمين، ما وجه اتهامات بالتحيز والبطء المتعمد في حماية الضحايا.
تلك الحادثة ألقت بظلالها على تلك الشبكة النشطة والخطيرة، كيف صعدت؟ ومن يقودها؟ وما الأفكار التي تتبناها تجاه المسلمين وغيرهم من الأقليات؟ وما علاقتها بشبكات اليمين المتطرف العالمية؟
النازية علانية
وشبكة الاشتراكيين القوميين (NSN)، منظمة سياسية نازية جديدة في أستراليا، تشكلت عام 2020 من اندماج منظمتين يمينيتين متطرفتين هما، مجتمع الشباب (Lads Society) والمقاومة الأنتيبودية (Antipodean Resistance).
وتتمركز الشبكة في ملبورن وتزعم أن لديها نشاطا في جميع العواصم الأسترالية الست للولايات وعدة مدن إقليمية.
وقد استغلت احتجاجات سياسات مكافحة كورونا، إلى جانب أساليب أخرى مثل التلاعب الإعلامي والبحث عن الأضواء، لتجنيد أعضاء جدد، وكانت كل تلك الأنشطة بشكل غير معلن رسميا.
وفي عطلة يوم أستراليا 26 يناير/ كانون الثاني 2021، شُوهِد عشرات من أعضاء "NSN" في حديقة غرامبيانز الوطنية بولاية فيكتوريا وهم يحملون رموزا نازية ويردّدون هتافات مثل "القوة البيضاء"، كما أحرقوا صليبا ووزعوا ملصقات كُتِب عليها: "أستراليا البيضاء".
ومنذ مارس/ آذار 2023، لم يعد وجود النازيين الجدد في أستراليا سرا؛ ففي ذلك الشهر، وقف أعضاء "NSN" على درج البرلمان في ملبورن، يؤدّون التحية النازية.
قبلها كان اليمين المتطرف في أستراليا يكتفي برفع شعارات القومية البيضاء من دون التصريح بانتماء مباشر إلى النازية.
لكن سيويل ورفاقه قرروا أن الوقت قد حان للخروج إلى العلن، بعدها، تكررت المظاهرات في بالارات وسيدني، وصولا إلى أحداث ملبورن الأخيرة.
ومع كل تحرك، يزداد الجدل حول موقف الشرطة التي تتّهم من قبل أحزاب المعارضة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان بحماية النازيين الجدد واستهداف المتظاهرين المناهضين لهم.
ومطلع أغسطس/ آب 2024، اقتحمت الحركة مخيما للاجئين أمام وزارة الشؤون الداخلية بملبورن، رافعين لافتة بذيئة ضد المهاجرين.
كما نظموا مظاهرات ضد عمال مهاجرين في مصنع لحوم، واحتجاجا أمام القنصلية الصينية في ملبورن حيث أحرقوا صور الزعيم الصيني ماو تسي تونغ والرئيس شي جين بينغ والعلم الصيني.
مائدة العشاء
لكن الهجمات في الشارع ليست سوى وجه واحد للمشهد، ففي 24 سبتمبر 2024، اجتمع قادة اليمين المتطرف في مطعم "Urban Street" بضاحية ماكيناون بملبورون، لعقد منتدى عشاء حمل شعارات "الدفاع عن الأوروبيين".
وفي ذلك العشاء الذي عُقِد بشكل سري أعلنت الشبكة عن هدفها وخطتها للمرحلة المقبلة، ووضعت أجندة محددة للنازية الأسترالية في ثوبها الجديد، ورأت أن الإسلام والصينيين والهان (السكان الأصليين) واليهودية وأصحاب البشرة السمراء، أعداء مباشرون.
الحدث الذي نظَّمته شبكة الاشتراكيين القوميين، انضم إليه مجموعة أخرى من اليمين المتطرف تسمى "National Workers Alliance"، وجمع شخصيات يمينية بارزة مثل توماس سيويل وبلير كوتريل.
ولاحقا بعد انكشاف الأمر، تعرض المطعم لغضب شعبي واسع، ما أجبر مالكيه على التفكير في إغلاقه.
وكان ذلك المنتدى الثاني بعد اجتماع مماثل في "النادي البولندي" بضاحية روفيل بملبورون أيضا، ما دلَّ على أن الحركة تسعى إلى بناء فضاءات علنية للقاء وتجنيد الأتباع.
كراهية متعددة
ولا يقتصر خطاب "NSN" على رفض الهجرة كأساس، بل يمتد ليشمل المسلمين، الذين يبلغ عددهم مليون مواطن، إضافة إلى المهاجرين الآسيويين واليهود.
وقد أصبحت شعارات مثل "أستراليا للرجل الأبيض" و"الرجل الأبيض يقاتل" لازمة في تحركاتهم.
وتنتشر تسجيلات فيديو على "تيك توك" و"تلغرام" تظهر تدريبات قتالية، في تماهٍ مع نموذج "الأندية النشطة" (Active Clubs) الذي تأسس عالميا لخلق خلايا صغيرة من اليمينيين المتطرفين في كندا والولايات المتحدة وأوروبا، مترابطة أيديولوجيا وبدنيا.
ويؤكد باحثون من منظمة "White Rose Society" أن "NSN" باتت جزءا من شبكة عالمية متصلة بمنصات مثل “Terror Gram”، تشارك في إنتاج محتوى دعائي يُروّج للتفوق الأبيض ومعاداة المسلمين وذوي البشرة السمراء والسامية، مستلهمة إرث المحرقة ومبررة العنف ضد الأقليات.
وتعد "White Rose Society" مجموعة بحثية، ناشطة مستقلة في أستراليا، تعمل على رصد وتتبع جماعات اليمين المتطرف والنازيين الجدد، خصوصا الشبكات الرقمية والأنشطة العلنية مثل المظاهرات أو منتديات العشاء.
وتأسَّست كجزء من حركة أوسع لمواجهة صعود التطرف اليميني والعنصرية في أستراليا، واستوحت نفسها من حركة المقاومة الألمانية الشهيرة "الوردة البيضاء" التي عارضت النازية في الحرب العالمية الثانية، إلا أنها تعمل اليوم في السياق الأسترالي لمواجهة إحياء الأفكار النازية.
زعيم النازية
ووفق اعترافات سابقة أدلى بها زعيم حركة الاشتراكيين القوميين الأستراليين، توماس سيويل، فإنه حاول عام 2017 تجنيد الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت، الذي نفَّذ لاحقا مجزرة المسجدين بمدينة "كرايست شيرش" النيوزيلندية في 15 مارس/ آذار 2019.
وبحسب سيويل فإنه كانت تربطه علاقة بـ"تارانت"، ورأى فيه حماسة للأفكار القومية، وتفوق العرق الأبيض، لذلك حاول ضمَّه ضمن منظمة "Lads Society" التي كان يقودها آنذاك، والتي تطورت إلى الحركة الحالية.
وقد شكلت تلك المجزرة نقطة تحول صادمة للعالم بأسره، بعدما ارتكب تارانت جريمة وحشية بحق المسلمين، قتل فيها نحو خمسين شخصا بدم بارد، مستلهما أيديولوجيا رجعية متطرفة تعود إلى سرديات تفوق العرق الأبيض وإبادة "الأعداء التاريخيين".
وقدم تارانت الذي يتفق وسيويل حول نفس الأفكار، رؤيته العنصرية خلال إدلائه بالاعترافات في مذكرة تجاوزت سبعين صفحة، ووصف أيديولوجيته بصفتها امتدادا لصراع الحضارات القديمة والإمبراطوريات البائدة، واستحضر أسماء قادة ومعارك ورموزا استعمارية.
وركز على خطاب كراهية خاص ضد الأتراك والمسلمين، وقد خص مدينة إسطنبول وآيا صوفيا، بل والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بذكر عدائي مباشر، ويرى أن المواجهة مع "الآخر" الشرقي والإسلامي هي محور أيديولوجيته.
وعمق الإرهابي من رمزية جريمته عبر كتابات على سلاحه حملت إشارات تاريخية عنصرية، من بينها عبارة (TURKO FAGOS) أي "آكلي الأتراك"، المنسوبة لعصابات يونانية قديمة حاربت الدولة العثمانية.
هذا الترابط بين نشاط سيويل ومحاولاته المبكرة لاستقطاب تارانت، وبين المجزرة نفسها، يكشف كيف تعمل شبكات النازيين الجدد في أستراليا على إعادة تدوير خطاب الكراهية الأبيض وربطه بجرائم ميدانية دموية، ما يجعلها مصدر تهديد مباشر للمسلمين والمهاجرين والمجتمعات المتعددة الثقافات في المنطقة.
ولم يخف توماس سيويل انتماءه الأيديولوجي للنازية؛ إذ أعلن صراحة أنه "جندي سياسي في خدمة العرق الأبيض" وأن "أدولف هتلر هو زعيمه".
وفي مقابلة مع شبكة “إ بي سي نيوز" الأسترالية عام 2024، برر سيويل هذا التوجه بالقول: "نريد أستراليا بيضاء لأطفالنا، حتى يكون لديهم وطن يعيشون فيه مستقبلا".
وفي خطوة لاحقة تكشف عن عمق خطابه المتطرف، نشر سيويل في يناير 2025 مقطع فيديو يظهر فيه إيلون ماسك يؤدي تحية مستقيمة بالذراع "التحية النازية"، وعلق عليها واصفا إياها بأنها "لحظة قوة بيضاء على طريقة دونالد ترامب".
المصادر
- Australian neo-Nazi attack on sacred Indigenous site a worrying trend
- Neo-Nazis Are Holding Dinner Forums in Melbourne, After a Year of Far-Right Actions
- Police investigating 'disgusting' display of 'no black', 'no Muslim' votes banners
- Neo-Nazis have occupied the steps of Victoria’s parliament twice in two years. Are protest laws to blame?
- Threats from white extremist group that 'tried to recruit Tarrant'
- آلاف الأستراليين يتظاهرون ضد الهجرة وسط تحذيرات من صعود اليمين المتطرف